الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوقع الشيطان العدواة بين المؤمنين بالعشق
…
العشق ليس يفيق الدهر صاحبه
…
وإنما يصرع المجنون في الحين
وقال الآخر:
سكران سكر هوى وسكر مدامة
…
ومتى إفاقة من به سكران
فصاحبه أحق بأن يشبه بعابد الوثن والعاكفين على التماثيل يعملونها على صورة آدمي
وقد قال سبحانه وتعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً} أي شغفها حبه أي وصل حبه إلى شغاف القلب وهي جلدة في داخله فهذا يكون قد اتخذ ندا يحبه كحب الله
وإذا كان الشيطان يريد أن يوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة فالعداوة والبغضاء التي يريد أن يوقعها بالعشق وصده عن ذكر الله وعن الصلاة بذلك أضعاف غيره كما قد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع وبينا أن جميع المعاصي يجتمع فيها هذان الوصفان وأن ذكر ذلك في الخمر والميسر اللذين هما من أواخر المحرمات ينبه على ما في غيرهما من ذلك مما حرم قبلهما كقتل النفوس بغير حق والفواحش ونحو ذلك
ومما يبين هذا أن الفواحش التي أصلها المحبة لغير الله سواء كان المطلوب المشاهدة أو المباشرة أو الإنزال أو غير ذلك هي في المشركين أكثر منها في
المخلصين ويوجد فيهم ما لا يوجد في المخلصين لله
قال الله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} فأخبر سبحانه أنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وهو قوله تعالى {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} وقال تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}
وإذا كان سلطانه على أوليائه الذين تولوه والذين هم به مشركون وهم الذين لا يؤمنون بالله وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} فيكون هؤلاء هم الغاوين وهم الذين قال الشيطان لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين
ولهذا أخبر سبحانه عن أوليائه أنهم {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فأخبر عن أولياء الشيطان وهم الذين يتولونه والذين هم به مشركون أنهم إذا فعلوا فاحشة احتجوا بالتقليد
لأسلافهم وزعموا مع ذلك أن الله أمرهم بها فيتبعون الظن في قولهم إن الله أمرهم بها وما تهوي الأنفس في تقليد أسلافهم وأتباعهم
وهذا الوصف فيه بسط كثير لكثير من المنتسبين إلى القبلة من الصوفية والعباد والأمراء والأجناد والمتكلمة والمتفلسفة والعامة وغيرهم يستحلون من الفواحش ما حرمه الله ورسوله وأصله العشق الذي يبغضه الله
وكثير منهم يجعل ذلك دينا ويري أنه يتقرب بذلك إلى الله إما لزعمه أنه يزكي النفس ويهديها وإما لزعمه أنه يجمع بذلك قلبه على آدمي ثم ينتقل إلى عبادة الله وحده وإما لزعمه أن الصور الجميلة مظاهر الحق ومشاهده وربما اعتقد حلول الرب فيها واتحاده بها ومنهم من يخص ذلك بها ومنهم من يقول بإطلاق وهؤلاء إذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها
وكل هؤلاء فيهم من الإشراك بقدر ذلك ولهذا يظهر الافتتان بالصور وعشقها فيمن فيهم شرك كالنصارى والرهبان والمتشبهين بهم من هذه الأمة من كثير من المتفلسفة والمتصوفة الذين يفتنون بالأحداث وغيرهم فتجد فيهم قسطا عظيما من اتخاذ الأنداد من دون الله يحبونهم كحب الله إما تدينا وإما شهوة وإما جمعا بين الأمرين ولهذا تجد بين أغنيائهم وفقرائهم وبين ملوكهم وأمرائهم تحالفا على اتخاذ أنداد من دون الله من هذين الوجهين
ولهذا تجدهم كثيرا ما يجتمعون على سماع الشعر والأصوات التي تهيج الحب المشترك الذي يجتمع فيه محب الرحمن ومحب الأوثان ومحب الصلبان ومحب الأخوان ومحب الأوطان ومحب المردان ومحب النسوان
وهذا السماع هو سماع المشركين كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}
وسبب ما ذكرنا أن الله خلق عباده لعبادته التي تجمع محبته وتعظيمه فإذا كان في القلب ما يجد حلاوته من الإيمان والتوحيد له احتاج إلى أن يستبدل بذلك ما يهواه فيتخذ إلهه هواه فيتخذ الشيطان وذريته أولياء من دون الله وهم لهم عدو بئس للظالمين بدلا
ولهذا كان هذا ونحوه من تبديل الدين وتغيير فطرة الله التي فطر الناس عليها قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} وقال تعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً. إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَاّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلَاّ شَيْطَاناً مَّرِيداً. لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً. وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ}
قال تعالى: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} ونفس ما خلقه الله لا تبديل له لا يمكن أن توجد المخلوقات على غير ما يخلقه الله عليها ولا أن تخلق على غير الفطرة التي خلقها الله عليها لكن بعض الخلق قد يغير بعضها كما قال النبي صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء".