الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الثاني: التنعم إما بالأمو الدنيوية وإما بالأمور الدينية، 1-الدنيوية
…
الوجه الثالث أن ذلك أعظم عزة للإيمان وأهله وأكثر لهم فهو يوجب من علو الإيمان وكثرة أهله ما لا يحصل بدون ذلك وأمر المنافقين والفجار بالمعروف ونهيهم عن المنكر هو من تمام الجهاد وكذلك إقامة الحدود
ومعلوم أن في الجهاد وإقامة الحدود من إتلاف النفوس والأطراف والأموال ما فيه فلو بلغت هذه النفوس النصر بالدعاء ونحوه من غير جهاد لكان ذلك من جنس نصر الله للأنبياء المتقدمين من أممهم لما أهلك نفوسهم وأموالهم
وأما النصر بالجهاد وإقامة الحدود فذلك من جنس نصر الله لما يختص به رسوله وإن كان محمد وأمته منصورين بالنوعين جميعا لكن يشرع في الجهاد باليد ما لا يشرع في الدعاء
وأما الأصل الثاني فإن التنعم إما بالأمور الدنيوية وإما بالأمور الدينية
فأما الدنيوية فهي الحسية مثل الأكل والشرب والنكاح واللباس وما يتبع ذلك والنفسية وهي الرياسة والسلطان
فأما الأولي فالمؤمن والكافر والمنافق مشتركون في جنسها ثم يعلم أن
التنعيم بها ليس هو حقيقة واحدة مستوية في بنى آدم بل هم متفاوتون في قدرها ووصفها تفاوتا عظيما
فإن من الناس من يتنعم بنوع من الأطعمة والأشربة الذي يتأذي بها غيره إما لاعتياده ببلده وإما لموافقته مزاجه وإما لغير ذلك
ومن الناس من يتنعم بنوع من المناكح لا يحبها غيره كمن سكن البلاد الجنوبية فإنه يتنعم بنكاح السمر ومن سكن البلاد الشمالية فإنه يتنعم بنكاح البيض
وكذلك اللباس والمساكن فإن أقواما يتنعمون من البرد بما يتأذي به غيرهم وأقواما يتنعمون من المساكن بما يتأذي به غيرهم بحسب العادة والطباع
وكذلك الأزمنة فإنه في الشتاء يتنعم الإنسان بالحر وفي الصيف يتنعم بالبرد
وأصل ذلك أن التنعم في الدنيا بحسب الحاجة إليها والانتفاع بها فكل ما كانت الحاجة أقوي والمنفعة أكثر كان التنعم واللذة أكمل والله قد أباح للمؤمنين الطيبات
فالذين يقتصدون في المآكل نعيمهم بها أكثر من نعيم المسرفين فيها فإن أولئك إذا أدمنوها وألفوها لا يبقي لهذا عندهم كبير لذة مع أنهم قد لا يصبرون عنها وتكثر أمراضهم بسببها