الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأكثر ما ينفق بين المسلمين ما فيه حق وباطل إذ الباطل المحض لا يبقى بينهم وذلك يتضمن التحالف على غير ما أمر الله به والتبديل لدين الله بما لبس من الحق بالباطل وهذه حال اليهود والنصارى وسائر أهل الضلال فإنهم عدلوا عما أمرهم الله باتباعه فلبسوه بباطل ابتدعوه بدلوا به دين الله وتحالفوا على ذلك الذى ابتدعوه
وأما المعاملات في الدنيا فالأصل فيها أنه لا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله فلا حرام إلا ما حرم الله ولا دين إلا ما شرعه وإذا لم يحرم إلا ما حرمه الله ورسوله فكأن ما كان بدله بدون التعاقد يجب بالتعاقد فإن العقد يوجب على كل واحد من المتعاوضين والمتشاركين ما أوجبه الآخر على نفسه له ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "
المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا
".
وهذا الموضع كثر فيه غلط كثير من الفقهاء بتحريم عقود وشروط لم يحرمها الله كما كثر في الأول غلط كثير من العباد والعلماء بابتداع دين لم يشرعه الله وإيجابه بالتعاقد عليه حتى يوجبون طاعة شخص معين ميت أو حي من العلماء في كل شيء ويحرمون طاعة غيره في كل شيء نازعه فيه لمجرد عقد العامي الذي انتسب إلى هذا دون هذا
وكذلك في المشايخ حتى قد يأمرونه بمخالفه ما تبين له من الشريعة لأجل العقد الذي التزمه للمذهب والطريقة فيشترطون شروطا ليست في كتاب الله ويأمرون بطاعة المخلوق في معصية الخالق وأكثر ذلك يدخله نوع من الاجتهاد
الظاهر الذي فيه نوع من اتباع الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى
والواجب في جميع هذه الأمور أن ما يتبين أنه طاعة لله ورسوله وجب اتباعه وما اشتبه على الإنسان حاله سلك فيه مسلك الاجتهاد بحسب قدرته ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها واجتهاد العامة هو طلبهم للعلم من العلماء بالسؤال والاستفتاء بحسب إمكانهم
فإذا كان جميع ما عليه بنو آدم لابد فيه من تعاون وتناصر وفيه ما هو شرك بالله وفيه ما هو قول على الله بغير علم وفيه ما هو إثم وبغى وفيه ما هو من الفواحش علم أنه لابد في الإيمان من التعاون والتناصر على فعل ما يحبه الله تعالى ودفع ما يبغضه الله تعالى وهذا هو الجهاد في سبيله وأن أمر الإيمان لا يتم بدون ذلك كما لا يتم غير الإيمان إلا بما هو من نوع ذلك
فكل المتعاونين المتناصرين يجاهدون ولكن في سبيل الله تارة وفي سبيل غير الله تارة ولا صلاح لبنى آدم إلا بأن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هى العليا
قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وهؤلاء الذين تولوا الله فتولاهم الله والذين يدينون لغير الله هم ظالمون بتولى بعضهم بعضا كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}
ولا يتم لمؤمن ذلك إلا بأن يجمع بين ما جمع الله بينه ويفرق بين ما فرق الله بينه وهذه حقيقة الموالاة والمعاداة التي مبناها على المحبة والبغضة.
فالموالاة تقتضى التحاب والجمع والمعاداة تقتضى التباغض والتفرق والله سبحانه قد ذكر الموالاة والجمع بين المؤمنين فقولة تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} وذكر العداوة بينهم وبين الكفار فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ثم ذكر حال المستنصرين بهم فإن الموالاة موجبها التعاون والتناصر
فلا يفرق بين المؤمنين لأجل ما يتميز به بعضهم عن بعض مثل الأنساب والبلدان والتحالف على المذاهب والطرائق والمسالك والصداقات وغير ذلك بل يعطى كل من ذلك حقه كما أمر الله ورسوله ولا يجمع بينهم وبين الكفار الذين قطع الله الموالاة بينهم وبينه فإن دين الله هو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبي والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والله سبحانه أرسل رسله بالبينات وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط فيحتاج المؤمن إلى معرفة العدل وهو الصراط المستقيم وإلى العمل به وإلا وقع إما في جهل وإما في ظلم
وذلك إنما وقع من التبديل والعقود الفاسدة كما ذكرنا من لبس الحق بالباطل حيث صارت المحرمات من الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق والإشراك بالله ما لم ينزل به سلطانا والقول على الله بغير علم قد لبس بها من الحق المأذون فيه ما صارت بسببه شبيهة للحق الحسن وإن كانت مشتملة مع ذلك على الباطل السيئ وإن صار أصحابها بين عمل صالح وآخر سيئ فقوم ينكرون ذلك كله لما علموا فيه من المنكر البغيض وأقوام يقرون ذلك كله لما فيه من المحبوب
وهذه القاعدة قد ذكرناها غير مرة وهي اجتماع الحسنات والسيئات والثواب والعقاب في حق الشخص الواحد كما عليه أهل جماعة المسلمين من جميع الطوائف إلا من شذ عنهم من الخوارج والوعيدية من المعتزلة ونحوهم وغالب المرجئة
فإن هؤلاء ليس للشخص عندهم إلا أن يثاب أو يعاقب محمود من كل وجه أو مذموم من كل وجه وقد بينا فساد هذا في غير هذا الموضع بدلائل كثيرة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وذكرنا أيضا الكلام في الفعل الواحد نوعا وشخصا
والغرض هنا أن هؤلاء الذين لبسوا الحق والباطل حصل في مقابلتهم من أعرض عن الحق والباطل جميعا فصار هؤلاء مذمومين على فعل السيئات
محمودين على فعل الحسنات وأولئك يذمون على ترك الحسنات الواجبات ويمدحون على ما قصدوا تركه لله من السيئات
وسبب ذلك أن الإنسان فيه ظلم وجهل فإذا غلب عليه رأى أو خلق استعمله في الحق والباطل جميعا لم يحفظ حدود الله ولهذا يأمر الله بحفظ حدوده
مثال ذلك أن من الناس من يكون في خلقه سماحة ولين ومحبة فيسمح بمحبته وبتعظيمه ونفعه وماله للحسن الذي يحبه الله ويأمر به كمحبة الله ورسوله وأوليائه المؤمنين والإنفاق في سبيله ونحو ذلك ويسمح أيضا بمحبة الفواحش والإنفاق فيها فتجده يحب الحق والباطل جميعا ويصدق بهما ويعين عليهما
ومنهم من يكون في خلقه قوة فيمتنع من فعل الفواحش ويبغضها ويمتنع مع ذلك من محبة نفع الناس والإحسان إليهم والحلم عن سيئاتهم فتجده يبغض الحق والباطل جميعا ويكذب بهما ولا يعين على واحد منهما بل ربما صد عنهما
وذلك لأن النفس أمارة بالسوء والشيطان يزين للمرء سوء عمله فيراه حسنا وهو متبع هواها وما فيها من العلم والإيمان يدعوه إلى الخير حتى تذهب الحسنات بالسيئات وإنما يفعل من الحسنات ما أقبلت عليه إرادته ومحبته دون ما أبغضته