الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنو آدم لايمكن عيشهم إلا بالتعاقد والتحالف
…
فإن بني آدم لا يمكن عيشهم إلا بما يشتركون فيه من جلب منفعتهم ودفع مضرتهم فاتفاقهم على ذلك هو التعاقد والتحالف
ولهذا كان الوفاء بالعهود من الأمور التي اتفق أهل الأرض على إيجابها لبعضهم على بعض وإن كان منهم القادر الذي لا يوفي بذلك كما اتفقوا في إيجاب العدل والصدق فإذا اتفقوا وتعاقدوا على اجتلاب الأمر الذي يحبونه ودفع الأمر الذي يكرهونه أعان بعضهم بعضا على اجتلاب المحبوب ونصر بعضهم بعضا على دفع المكروه ولو لم يتعاقدوا بالكلام فنفس اشتراكهم في أمر يوجب عليهم اجتلاب ما يصلح ذلك الأمر المشترك ودفع ما يضره كأهل النسب الواحد وأهل البلد الواحد فإن التناسب والتجاور يوجب التعاون على جلب المنفعة المشتركة ودفع الضرر المشترك
فصار الاشتراك بينهم تارة يثبت بفعلهم وهو التعاقد على ما فيه خيرهم وتارة يثبت بفعل الله تعالى وقد جمع الله عز وجل هذين الأصلين في قوله تعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} وذكر في هذه السورة الأمور التي بينهم من جهة الخلق وهي من جهة العقود كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً}
وإذا كان لا بد في كل ما يشتركون فيه من تحالف وغير تحالف من التعاون على جلب المحبوب والتناصر لدفع المكروه فالمحبوب هو الموالي والمكروه هو المعادي فلا بد لكل بني آدم من ولاية وعداوة ولهذا جميعهم يتمادحون بالشجاعة والسماحة فإن السماحة إعانة على وجود المحبوب بالأموال والمنافع وغير ذلك والشجاعة نصر لدفع المكروه بالقتال وغيره ولا قوام لشيء من أمور بني آدم إلا بذلك ومبني ذلك بينهم على العدل في المشاركات والمعاوضات
فظهر أن جميع أمور بني آدم لا بد فيها من تعاون بينهم ودفع ومنع لغيرهم فلا بد لهم من عقد وقدرة والعقد أصله الإرادة كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ} أى يتعاهدون ويتعاقدون والقدرة القدرة
ومعلوم أنه لا بد في كل فعل من إرادة وقدرة والمشتركون لا بد من اتفاقهم في إرادة وفي قدرة فالذي يناله بعضهم من جلب محبوب ودفع مكروه من بعض هو بالإرادة والطوع والذي ينالونه من غيرهم من جلب محبوب ودفع مكروه وهو بالقدرة على ذلك العدو المكروه منه كما أن الوطء بملك النكاح الذي هو عقد أصله الإرادة والطوع وبملك اليمين الذي هو قهر بالقدرة على سبيل الكره واشتراكهم في الجلب والدفع إما أن يكون تبعا لتعاقدهم وإما أن