الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمور الغائبة لاتعرف ولاتحب ولا تبغض إلا بنوع من القياس والتمثيل
…
من جاع فإنه لا يشتهي شيئا معينا إلا أن يكون ذاقه قبل ذلك ولكن يجد طلبا لما يزيل به ألم الجوع ولهذا إذا حضر عنده ماقد ذاقه قبل ذلك ومالم يذقه قبل ذلك اشتاق إلى الأول وأحبه وكان شوقه إلى الثاني ومحبته إياه مشروطا بذوقه إياه وسماع وصفه ممن يخبره فإن سماع الوصف يورث المحبة والشوق كما يورث العلم كما قيل:
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
لكون النفس ذاقت طعم الحب لما هو من نظير لذلك أو شبيه به ولو من وجه بعيد فكما أن الشيء لا يتصور إلا بعد الحس به أو بما فيه شبه به من بعض الوجوه فكذلك لا يحب كذلك
ولهذا ضربت الأمثال للتعريف والترغيب والترهيب فإن الأمور الغائبة عن المشاهدة والإحساس لا تعرف وتحب وتبغض إلا بنوع من التمثيل والقياس سواء كان الغائب أكمل في الصفات المطلوبة المشتركة كالموعود به من أمر الجنة والنار وكما يصف به الرب نفسه سبحانه وتعالى أو ما كان دون ذلك كما مثل من الأمور بما هو أكمل منه
ومن هنا ضل من ضل من الصابئة المتفلسفة ومن أضلوه من أهل الملل حيث ظنوا أن ما وصف الله به من الجنة والنار إنما هي أمثال مضروبة لتفهيم المعاد الروحاني من غير أن تكون حقائق وضل من رد عليهم من نفاة أهل الكلام كما
أصاب الفريقين مثل ذلك في أمر النفس الناطقة حيث تقابلوا بالنفي والإثبات وحيث اتفق الفريقان على مثل هذا الضلال في صفات ذي الجلال فخاضوا في باب الإيمان بالله واليوم الآخر خوضا ليس هذا موضع بسط الكلام فيه وإن كان كل ذي مقالة فلا بد أن تكون في مقالته شبهة من الحق ولولا ذلك لما راجت واشتبهت
وإن كانت الإرادة والمحبة تنقسم إلى متبوعة للمراد تكون له كالسبب الفاعل وإلي تابعة للمراد يكون هو لها كالسبب الفاعل وتكون عنه كالمسبب المفعول وهذا هو الأصل
وإذا علم أن جميع حركات العالم صادرة عن محبة وإرادة ولا بد للمحبة والإرادة من سبب فاعل يكون هو المحبوب المراد علم بذلك أنه لا بد لجميع الحركات من إله يكون المعبود المقصود المراد المحبوب لها وأنها دالة على الإله الحق من هذا الوجه وأنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وهذا غير هذا الوجه الذي دلت منه على ربوبيته وقد بسطنا الكلام على ذلك في مواضع متعددة إذ هو أجل العلم الإلاهي وأشرفه وإنما كان المقصود هنا التنبيه علب أن الإرادة نوعان كالعلم والله أعلم