الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحالف يكون وفقا لشريعة منزلة أو شريعة غير منزلة أو سياسة
…
يكون بأمر آمر مطاع فيهم فالأول هو التحالف والثاني ما يطاع بغير تحالف سواء كانت طاعته بحق أو بغير حق
فالذي بحق ما أمر الله بطاعته من أنبياءه وأولي الأمر من المؤمنين وطاعة الوالدين ونحو ذلك وما يجاب به بعضهم إلى مراد بعض بحق فإن ذلك هو معني الطاعة إذ المقصود بها موافقة المطلوب
وأما بغير حق فكطاعة الطواغيت وهو كل ما عظم بباطل
وكل قوم لا تجمعهم طاعة مطاع في جميع أمورهم فلا بد لهم من التعاقد والتحالف فيما لم يأمرهم به المطاع
ولهذا كانت الشريعة المنزلة من عند الله الأفعال فيها التي تجب لله وتجب لبعض الناس على بعض تارة تجب بإيجاب الله وتارة تجب بالعقد كالنذر وكعقود المفاوضات والمشاركات فلا واجب في الشريعة إلا بشرع أو عقد
وإذا لم يكونوا على شريعة منزلة من عند الله فإما أن يكونوا على شريعة غير منزلة أو سياسة وضعها بعض المعظمين فيهم بنوع قدرة وعلم ونحو ذلك وما بقدرة من هذه الأمور الجامعة أوجب التحالف بينهم فإنه لا ينتظم لهم أمر إلا بطاعة آمر متحالفون عليه أو يأمرهم به من يطيعونه ولهذا أنكر التحالف في الأمم الخارجة عن الشريعة وفي الخارجين عنها وفي الأمور التي لا ترد إلى الشريعة وإنما يظهر ذلك حيث تدرس آثار النبوة المطاعة فيتحالف قوم على طاعة ملك أو شيخ أو طاعة بعضهم لبعض في أمور
يتفقون عليها ويتحالفون كما كان العرب في جاهليتهم يتحالفون ومنه الحليف الذي يكون في القبيلة فيصير منهم
قال الله تعالى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً}
وكذلك ما يوجد من التحالف بالتآخي وغير التآخي للملوك والمشايخ وأهل الفتوة ورماة البندق وسائر المتفقين على بعض الأمور هو داخل في هذا وأيمان التعاقد والتحالف عام لبني آدم وهم في جاهليتهم تارة يتحالفون تحالفا يحبه الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لقد شهدت حلفا مع عمومتي في دار عبد الله بن جدعان ما يسرني بمثله حمر النعم أو قال ما يسرني حمر النعم وأن أنقضه ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت"
وفى مثل هذا ما رواه مسلم عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا حلف في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة".
وهذا الحلف يسمي حلف المطيبين كان يقدم إلى مكة من يظلمه بعض أكابرها فيستصرخ فلا ينصره أحد حتى أنشد بعض القادمين
يا آل مكة مظلوم بضاعته
…
ببطن مكة بين الركن والحجر
وكان عبد الله بن جدعان من خيارهم فاجتمعت قبائل من قريش في بيته على التحالف للتعاون على العدل ونصر المظلوم ووضعوا أيديهم في قصعة فيها طيب فسمى حلف المطيبين
فأما إذا كان القول على الشريعة التي بعث الله بها رسوله في دينهم ودنياهم فإن ذلك يغنيهم عن التحالف إلا عليها فعليها يكون تحالفهم وتعاقدهم وتعاونهم وتناصرهم كما وصف الله به المحبين المحبوبين في قوله تعالى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}
وعلي ذلك يبايع المطاعون فيهم من الأمراء والعلماء وغيرهم كما قال أبو بكر الصديق في خطبته للمسلمين أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم
وبذلك أمر الله ورسوله في طاعة أولى الأمر فقال النبي صلى الله عليه على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه ما لم يؤمر بمعصية الله فإذا أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الطاعة في المعروف ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
وفى الصحيح أن عبد الله بن عمر كتب بيعته إلى عبد الملك بن مروان لما اجتمع الناس عليه لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إني قد أقررت لك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت وقد أقر بني لما أقررت به فأخبره أنه يعاقده على ما أمر الله به من الطاعة له في طاعة الله بحسب قدرته وهذا واجب عليه بالشرع
فهو تعاقد على ما أمر الله بمنزلة نفس الدخول في الإسلام وبيعة النبي صلى الله عليه سلم كما بايعه الأنصار وكما بايعه المسلمون تحت الشجرة وكما كان يبايع المسلمين على السمع والطاعة ويلقنهم فيما استطعتم
وطاعة الرسول واجبة على الخلق بإيجاب الله بمعاقدتهم على ذلك معاقدة على طاعة الله كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النبيينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}
لكن هذا إنما كان ظاهرا في أيام الخلفاء الراشدين وبعدهم كثرت العقود الموافقة للشريعة تارة والمخالفة لها أخري فلا جرم كان الحكم العام في جميع هذه العقود أنه يجب الوفاء فيها بما كان طاعة لله ولا يجوز الوفاء فيها بما كان معصية لله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق" وقال: "من نذر أن
يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" ، وفي السنن: "المسلمون على شرطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا".
فأما أمر الدين وما يحبه الله ويقرب إليه فليس لعقود بنى آدم فيه أثر بل المرجع في ذلك إلى أمر الله ورسوله فلا دين إلا ما أمر الله به ومن اتبع في ذلك عقود بني آدم فهم الذين اتبعوا شركاءهم الذين شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن الله به وهذه حال جميع ما ابتدع من الدين فإن الذي ابتدعه وافقه عليه غيره وحالفه فاتخذوه دينا فتدين هذا فيه يظهر حال جميع أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة وأن الموافقة عليها هي من هذا الباب