الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذه كلمات حكيمة قوية مُؤثّرة تصحبها الحكمة الفعلية، وما ذلك إلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسوة الدعاة إلى اللَّه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) (1).
6 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما خُيّر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً؛ فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تُنتهك حُرمةُ اللَّه، فينتقم للَّه بها)) (2).
المطلب الثالث: التهديد الحكيم والوعيد بالعقوبة:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأُحرِّق عليهم بيوتهم بالنار)) (3).
وفي هذا الحديث التَّخويف بتقديم الوعيد والتَّهديد على
(1) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، 1/ 69، (رقم 49).
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، 6/ 566، 12/ 86، 186، (رقم 3560).
(3)
البخاري مع الفتح، كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة، 2/ 125، (رقم 644) ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، 1/ 451، (رقم 651)، (252).
العقوبة، والسرّ في ذلك – واللَّه أعلم – أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزَّجر اكتُفِيَ به عن الأعلى من العقوبة (1)، وهذا من حكمته صلى الله عليه وسلم فقد خوّف وزجر عن التخلُّف عن صلاة الجماعة بهذا الوعيد والهمّ بالتَّعذيب، فللداعية الحكيم القادر أن يستخدم التَّخويف بالعقوبة الجائزة شرعاً، أما التَّعذيب بالنار فقد نسخ (2).
ولابد في التهديد والوعيد بالعقوبة من مراعاة الشروط والضوابط الشرعية، والأصول التي دل عليها كتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الشروط والضوابط والأصول تجعل الداعية في سلامة من الزلل، فلا ينكر منكراً ويقع ما هو أنكر منه، ولا يسعى في جلب مصلحة ويفوّت ما هو أعظم منها؛ فإن من أعظم الحكم في الدعوة إلى اللَّه دفع المفاسد وجلب المصالح، فإن تعارضت المصالح والمفاسد دُفعت أعظم المفسدتين أو الضررين باحتمال أيسرهما، وجُلبت أعظم المصلحتين بترك أيسرهما (3).
(1) انظر: فتح الباري، 2/ 130.
(2)
انظر: المرجع السابق، 2/ 130، قال صلى الله عليه وسلم: >إن النار لا يعذب بها إلا الله< البخاري مع الفتح، 6/ 149.
(3)
انظر: فتح الباري، 1/ 325، وشرح النووي، 3/ 191، وإعلام الموقعين لابن القيم، 3/ 15 - 17.