الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العليا ويكون الدين كله للَّه. وهذا يدلّ على أن حكمة القوّة لها الأثر الكبير عند وضعها في موضعها.
ولهذا يجب على وليّ أمر المسلمين – وهو الذي ينبغي أن ينصر الدعوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم – أن يعلم بأن إقامة الحدود والعقوبات الشرعيّة رحمة من اللَّه بعباده، وأن يكون قويّاً في إقامة الحد لا تأخذه في اللَّه لومَة لائمٍ، ويكون قصده رحمة الخلق بكفّ الناس عن المنكرات، ويكون بمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه، فَيُدخِل المريض على نفسه المشقّة، ويشرب الدواء لينال به الرّاحة والشِّفاء (1).
المسلك الثاني: عقوبة التعزير:
التعزير هو العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها (2)، وقد اتفق العلماء – رحمهم الله – على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حدّ. والمعصية نوعان: ترك واجب أو فعل محرم (3). كما يُستتاب المرتدّ حتى يسلم، فإن تاب وإلا قتل، وكما يُعاقب تارك الزّكاة وحقوق الآدميين حتى يؤدوها (4).
والتعزير أجناس: فمنه ما يكون بالتّوبيخ والزّجر بالكلام، ومنه
(1) انظر: فتاوى ابن تيمية، 28/ 329.
(2)
انظر: المغني لابن قدامة، 12/ 523.
(3)
انظر: فتاوى ابن تيمية، 35/ 402.
(4)
انظر: المرجع السابق، 28/ 347، والحسبة في الإسلام لابن تيمية، ص50.
ما يكون بالحبس، ومنه ما يكون بالنَّفي عن الوطن، ومنه ما يكون بالضَّرب؛ فإن كان ذلك لترك واجب مثل الضّرب على ترك الصلاة، أو ترك أداء الحقوق الواجبة مثل: ترك وفاء الدين مع القدرة عليه، أو على ترك ردّ المغصوب، أو أداء الأمانة إلى أهلها، فإنه يضرب مرة بعد مرة حتى يُؤدي الواجب، ويفرَّق عليه الضرب يوماً بعد يوم، وإن كان الضَّرب على ذنب ماضٍ جزاء بما كسب ونَكَالاً من اللَّه له، فهذا يفعل منه بقدر الحاجة فقط، وليس لأقله حدّ. أما أكثر التعزير ففيه ثلاثة أقوال، وأعدلها: أنه لا يتقدّر بحدّ، لكن إن كان التعزير فيما فيه مقدَّر لم يبلغ به ذلك المقدَّر، مثل التَّعزير على سرقة دون النِّصاب لا يبلغ به القطع، والتعزير على المضمضة بالخمر لا يبلغ به حدّ الشّرب، والتَّعزير على القذف بغير الزنا واللواط لا يبلغ به الحدّ (1). أما حديث:((لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود اللَّه)) (2) فقد فسره طائفة من أهل العلم بأن المراد بحدود اللَّه ما حُرِّم لحق اللَّه، ومراد الحديث أن من ضَرَبَ لحق نفسه كضرب الرجل امرأته في النّشوز وكتأديب الأب ولده الصغير، فلا يزيد على عشر جلدات في التأديبات (3)، ثم من لم
(1) انظر: فتاوى ابن تيمية، 28/ 108، والحسبة في الإسلام لابن تيمية، ص52.
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب الحدود، باب التعزير والأدب، 12/ 175، (رقم 6848)، ومسلم، كتاب الحدود، باب قدر أسواط التعزير، 3/ 1332، (رقم 1708).
(3)
انظر: فتاوى ابن تيمية، 28/ 348، وفتح الباري، 12/ 178.