الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن هذه المسألة من ذاك (1)، وإذا (2) اختلفت في مسألتين على قولين فهل (3) يجوز لمن بعدهم أن يقول بقول طائفة في مسألة، وبقول طائفة أخرى في مسألة أخرى بناء على المنع في الأولى؟ على قولين: وقيل بالتفصيل، وهو أنَّه إن (4) اتحد مأخذهما (5) لم يجز الفرق، وإلّا جاز، وقيل: إن صرح أهل الإجماع بالتسوية لم يجز الفرق، وإلّا جاز (6)، وإذا كان كذلك فهذه المسألة من هذا (7) القسم، فإن
النزاع في مسألة الكلام في مسائل كل واحدة غير مستلزمة للأخرى
.
إحداهن: أن الكلام هل هو قائم به أم لا؟
والثانية: الكلام هل هو الحروف والأصوات، أو المعاني، أو مجموعهما؟
والثالثة: أن القائم به (8) هل يجب أن يكون لازمًا له قديمًا، أو يتكلم إذا شاء؟
والرابعة: أن المعاني هل هي من جنس العلم والإرادة، أو جنس آخر؟
(1) في ط: ذلك.
(2)
في الأصل: وإذ. وأثبت المناسب من: س، ط.
(3)
في س: فهو.
(4)
في الأصل: إذ. وأثبت المناسب من: س، ط.
(5)
في الأصل: مأخذهم. وأثبت المناسب من: س، ط.
(6)
يقول ابن قدامة رحمه الله: "لأنَّ قوله في كل مسألة موافق مذهب طائفة، ودعوى المخالفة للإجماع ها هنا جهل بمعنى المخالفة، إذ المخالفة نفي ما أثبتوه، أو إثبات ما نفوه. . . ".
راجع: روضة الناظر وجنة المناظر- ص: 76.
(7)
في الأصل: هذه. والمثبت من: س، ط.
(8)
به: ساقطة من: ط.
الخامسة: أن المعاني هل هي معنى واحد، أو خمس معان أو معان كثيرة؟
وهذا كله فيه نزاع، فكيف يعتقد (1) أن هذا هو اختلاف الأمة في مسألة على قولين لم يكن لمن بعدهم إحداث قول ثالث.
ومما يوضح ذلك أنَّه أثبت بالدليل أن معنى الكلام الطّلب والزجر والحكم، ثم احتج بقول الذين قالوا هذا على أن هذه المعاني قديمة لكونهم قالوا بهذا وبهذا، وهذا بعينه احتجاج بالإجماع المركب، وهو لزوم موافقتهم في مسألة قد قام عليها الدليل لموافقتهم في مسألة لم يقم عليها دليل (2)، وأولئك قالوا: هو محدث وليس هو هذه المعاني، فلم لا يجوز أن يوافق هؤلاء في الحدوث (3)، وهؤلاء في هذه المعاني وهو في بنائه خاصة مذهب الأشعري على هذا الأصل، بمنزلة الرافضة في بنائهم لإمامة علي التي هي خاصة مذهبهم على نظير (4) هذا الأصل.
ومعلوم أن خاصة مذهب الأشعري وابن كلاب التي تميز بها هو ما ادعاه من أن كلام الله معنى واحد قديم قائم بنفسه، إذ ما سوى ذلك من المقالات في الأصول هما مسبوقان إليه، إما من أهل الحديث وإما من أهل الكلام.
كما أن خاصة مذهب الرافضة الإمامية من الاثني عشرية ونحوهم هو إثبات الإمام المعصوم، وادعاء ثبوت إمامة علي بالنص عليه، ثم على غيره واحدًا بعد واحد (5)، وهم وإن كانوا يدعون في ذلك نقلًا متواترًا
(1) في الأصل: يعتمد. والمثبت من: س، ط.
(2)
في ط: الدليل.
(3)
في س، ط: الحروف.
(4)
في ط: نظر.
(5)
الرافضة يقولون بوجوب عصمة الإمام، ومتى كان كذلك، كان الإمام هو عليًّا رضي الله عنه لأنَّ أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا معصومين اتفاقًا -بزعمهم =
بينهم، فقد علموا أن جميع الأمة تنكر ذلك، وتقول: إنَّها تعلم بالضرورة وبأدلة كثيرة بطلان ما ادعوه من النقل، وبطلان كونه صحيحًا من جهة الآحاد (1)، فضلًا عن التواتر، وقد علم متكلموا الإمامية أنَّه لا يقوم على أحد حجة بما يدعونه من التواتر أو الإجماع (2)، فإن الشيء
= وعلي رضي الله عنه معصوم فيكون هو الإمام.
ويقولون -أيضًا: يجب أن يكون منصوصًا عليه، وغير علي رضي الله عنه لم يكن منصوصًا عليه بالإجماع، فتعين أن يكون هو الإمام.
انظر: منهاج الكرامة في معرفة الإمامة -لابن المطهر- ص: 145، 146. وعقائد الإمامية الاثني عشرية -للزنجاني- 1/ 41 - 43، 77، 78، 3/ 189، 181، 182.
وقد عرف العصمة بأنها: "عبارة عن قوة العقل من حيث لا يغلب مع كونه قادرًا على المعاصي كلها. . . ".
وقد رد شيخ الإسلام رحمه الله هذا القول وناقشه مناقشة موضوعية من وجوه عدة يستطيع القارئ الاطلاع عليها في "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" 3/ 246 - 270.
ويمكن الوقوف على رد الشَّيخ رحمه الله على الرافضة فيما قالوه من وجوب عصمة الإمام والنص عليه -باختصار- في:
مختصر منهاج السنة النبوية لابن تيمية -للحافظ الذهبي- ص: 405 - 415.
وانظر: الرد على الرافضة -للشيخ محمد بن عبد الوهاب- ص: 27، 28، 34. ومختصر التحفة الاثني عشرية -للدهلوي- ص: 116، 120، 122، 177 - 179، 181، 182.
(1)
في الأصل: الاتحاد. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط.
والمتواتر: هو الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة، ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه، وينقسم إلى: متواتر لفظي ومتواتر معنوي. والآحاد: ما سوى المتواتر.
انظر: علوم الحديث -لابن الصلاح- ص: 241، 242.
ونزهة النظر -لابن حجر- ص: 18 - 25. وتدريب الراوي -للسيوطي- 2/ 176 - 179.
(2)
في ط: والإجماع.
إذا لم يتواتر عند غيرهم لم يلزمهم اتباعه، وإجماعهم الذي يسمونه إجماع الطائفة المحقة لا يصح حتَّى يثبت أنهم الطائفة المحقة، وذلك فرع ثبوت المعصوم، وهم يجعلون من أصول دينهم الذي لا يكون الرجل مؤمنًا إلّا به.، هو الإقرار بالإمام المعصوم المنتظر، ويضم إلى ذلك جمهور متأخريهم الموافقين للمعتزلة: التوحيد والعدل الذي ابتدعته المعتزلة (1).
فهذه ثلاثة أصول مبتدعة، والأصل الرابع: هو الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا هو الذي وافقوا فيه المسلمين.
والغرض هنا بيان أن هذه الحجة نظير حجة الرافضة، فإنهم يقولون: يجب على الله أن ينصب في كل وقت إمامًا معصومًا، لأنَّه لطف في التكليف، واللطف على الله واجب، ويحتجون على ذلك بأقيسة يذكرونها (2).
(1) أصول المعتزلة التي يبنون عليها مذهبهم الباطل خمسة منها: التوحيد والعدل.
(2)
الرافضة يعتقدون أن اللطف واجب على الله تعالى، ويبينون معنى اللطف بأنه ما يقرب العبد إلى الطاعة، ويبعده عن المعصية، بحيث لا يؤدي إلى الإلجاء.
ومن اللطف عندهم نصب الإمام، ونصرته وتمكينه.
وقد أورد معتقدهم هذا الدهلوي في مختصر التحفة الاثني عشرية، ورده بأدلة من الكتاب وبحجج عقلية يمكن الاطلاع عليها في الصفحات التالية: 87، 88، 116، 117.
وانظر: عقائد الإمامية الاثني عشرية- للزنجاني 1/ 74.
وأمَّا اللطف عند المعتزلة فهو كما وصفه القاضي عبد الجبار في المغني 13/ 9 حيث قال: "أعلم أن المراد بذلك عند شيوخنا رحمهم الله ما يدعو إلى فعل الطاعة على وجه يقع اختيارها عنده، أو يكون أولى أن يقع عنده، فعلى هذين الوجهين يوصف الأمر الحادث بأنه لطف، وكلاهما يرجع إلى معنى واحد وهو ما يدعو -إلى الفعل- لكن طريقة الدواعي إليه تختلف. . . ".
وهم أوجبوا اللطف على الله بأقيسة أطالوا في تفصيلها، كما في الجزء الثالث عشر من المغني، إذ أفرده القاضي عبد الجبار في الكلام على اللطف وذكر =
كما ثبّت هذا ونحوه أن الكلام معنى مباين للعلم والإرادة بأقيسة يذكرونها (1)، فإذا زعموا أنهم أثبتوا ذلك بالقياس العقلي، ويقولون: إن المعصوم يجب أن يكون معلومًا بالنص، إذ لا طريق إلى العلم بالعصمة إلّا النص، ثم يقولون: ولا منصوص عليه بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا علي لأنَّه ليس في الأمة من ادعى النص لغيره، فلو لم يكن هو منصوصًا عليه لزم إجماع الأمة على الباطل، إذ القائل قائلان: قائل بأنه منصوص [عليه](2)، وقائل بأنَّ لا نص عليه ولا على غيره، وهذا القول باطل فيما زعموا بما يذكرونه من وجوب النص عقلًا، فيتعين صحة القول الأول، وهو أنَّه هو المنصوص عليه، لأنَّ الأمة إذا أجمعت (3) في مسألة على قولين كان أحدهما هو الحق، ولم يكن الحق في ثالث، فهذا نظير حجته.
ولهذا لما تكلمنا على بطلان هذه الحجة لما خاطبت الرافضة وكتبت في ذلك ما يظهر به المقصود، وأبطلنا ما ذكروه من
= الخلاف فيه.
وانظر: شرح الأصول الخمسة -للقاضي عبد الجبار- ص: 518 - 525، "فصل في وجوب الألطاف وذكر الخلاف فيه".
(1)
يقول الإيجي: "وأنه غير العلم، إذ قد يخبر الرجل عما لا يعلمه، بل يعلم خلافه أو يشك فيه.
وغير الإرادة، لأنَّه قد يأمر بما لا يريده، كالمختبر لعبده، هل يطيعه أم لا؟ وكالمعتذر من ضرب عبده بعصيانه، فإنَّه قد يأمره وهو يريد ألّا يفعل المأمور به. فإذا هو صفة ثالثة قائمة بالنفس. . . ".
راجع: المواقف -للإيجي- ص: 294.
وقد أطال بذكر الأقيسة "الآمدي" في غاية المرام في علم الكلام ص: 99، 100.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(3)
في س، ط: اجتمعت.
الدلالات (1) على وجوب معصوم، وبينت (2) تناقض هذا الأصل، وامتناع توقف التكليف عليه، وأنه يفضي إلى تكليف ما لا يطاق (3)، وخاطبت بذلك أفضل من رأيته منهم واعترف بصحة ذلك بالإنصاف في مخاطبته، وليس هذا موضع ذلك (4).
لكن المقصود الاحتجاج (5) بالإجماع، فإنا قلنا لهم: لا نسلم أن أحدًا من الأئمة (6) لم يدع النص على غير علي، بل طوائف من أهل السنة يقولون: إن خلافة أبي بكر ثبتت بالنص، ثم منهم من يقول: بنص جلي، ومنهم من يقول: بنص خفي.
وأيضًا فالراوندية (7) تدعي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) في س، ط: الدلالة.
(2)
في س: بننت.
(3)
في س: مال يطاق. وهو تصحيف.
(4)
لعل الشَّيخ رحمه الله يقصد ابن المطهر العلي (648 - 726) أحد صناديد التشيع ومؤلف كتاب "مناهج الكرامة في معرفة الإمامة" الذي نقضه شيخ الإسلام في كتابه العظيم "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية" بعد إلحاح ممن أحضر الكتاب للشيخ رحمه الله وطلبهم بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين، وبيان بطلان أقوال المفترين الملحدين.
انظر: الصفحة الأولى والثانية من "منهاج السنة النبوية" لابن تيمية.
(5)
في س، ط: والاحتجاج.
(6)
في الأصل: الأئمة. وأثبت ما رأيته صوابًا من: س، ط.
(7)
في ط: الراوندية.
والراوندية: من فرق المعتزلة، وتنسب إلى أبي الحسين أحمد بن يَحْيَى بن إسحاق الراوندي، أو ابن الراوندي -نسبة إلى راوند من قرى أصبهان- فيلسوف مجاهر بالإلحاد، طعن في القرآن الكريم.
قال ابن حجر: كان أولًا من متكلمي المعتزلة، ثم تزندق، واشتهر بالإلحاد، مات سنة 298 هـ.
راجع: المنتظم -لابن الجوزي- 6/ 99 - 105. ولسان الميزان -لابن حجر =
[النص](1) على العباس.
وأيضًا فالمدعون للنص على علي مختلفون في أن يقال النص عنه في ولده اختلافًا كثيرًا، فلا يمكن أن يقال: إنه لم يدع أحد النص على واحد بعد واحد، إلَّا ما ادعوه في المنتظر، بل إخوانهم الشيعة يدعون دعاوى مثل دعاويهم لغير المنتظر، فبطل الأصل الذي بنوا عليه إمامة المعصوم، الذي يجب على أهل عصره طاعته.
ولو فرض أن عليًّا كان هو الإمام فإنَّه لا يجب علينا طاعة من قد مات بعينه إلَّا الرسول (2)، وإنَّما المتعلق بنا ما يدعونه من وجوب طاعتنا لهذا الحي المعصوم، ولو فرض أنَّه لم يدع النص غيرهم (3)، فهذه الحيلة التي سلكوها في تقرير النص على علي، مبنية على كذب افتروه، وقياس وضعوه (4)، لنفاق (5) ذلك الكذب، فإنهم افتروا النص، ثم زعموا أن ما ابتدعوه وافتروه من القياس (6)، مع ما ادعوه من الإجماع، يقتضي بثبوت هذا الذي افتروه، كما أن هؤلاء ابتدعوا مقالة افتروها في كلام الله لم يسبقوا إليها (7)، ثم ادعوا أن ما ابتدعوه وافتروه
= - 1/ 323، 324. والأعلام -للزركلي- 1/ 252، 253. والملل والنحل -للشهرستاني- 1/ 59، 76.
(1)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
في س: الاسول. وهو تصحيف.
(3)
في الأصل: على غيرهم. وأثبت ما رأيته الصواب من: س، ط.
(4)
في س: ومنعوه.
(5)
أي: لترويجه. يقال: نفق البيع نفاقًا: راج.
انظر: لسان العرب -لابن منظور- 10/ 357 (نفق).
(6)
في س، ط: عن العباس.
(7)
وهي قولهم: إن كلام الله معنى واحد قائم بنفسه، إذ ما سوى هذه المقالة من المقالات سبقوا إليها، كما بينه الشَّيخ رحمه الله فيما تقدم ص:625. انظر: درء العقل والنقل -لابن تيمية- 2/ 98، 99.
من (1) القياس مع ما ادعوه من الإجماع، يحقق هذه القرية (2).
وعامة أصول أهل البدع والأهواء الخارجين عن الكتاب والسنة تجدها مبنية على ذلك، على نوع (3) من القياس الذي وضعوه، وهو مثل ضربوه يعارضون به ما جاءت به الرسل، ونوع من الإجماع الذي يدعونه، فيركبون من ذلك القياس العقلي، ومن هذا الإجماع السمعي، أصل دينهم.
ولهذا تجد أبا المعالي -وهو أحذق (4) المتأخرين- إنَّما يعتمد فيما يدعيه من القواطع على نحو ذلك.
وهكذا أئمة أهل الكلام في الأهواء، كأبي الحسين البصري (5) ومشايخه (6) ونحوهم، لا يعتمدون لا على كتاب، ولا على سنة- ولا على إجماع مقبول في كثير من المواضع، بل يفارقون أهل الجماعة ذات الإجماع المعلوم، بما يدعونه هم من الإجماع المركب، كما يخالفون صرائح المعقول بما يدعونه من المعقول (7)، وكما يخالفون الكتاب والسنة اللذين هما أصل الدين، بما يضعونه من أصول الدين.
(1) في س، ط: عن.
(2)
في س: القربة.
(3)
في س، ط: أنواع.
(4)
في س، ط: أحد.
(5)
البصري: ساقطة من: س.
(6)
في س، ط: مشائحهم.
(7)
فرق الشَّيخ رحمه الله بين صريح المعقول وبين المعقول المدعى الذين فيه تلبيس من أهل الأهواء. .
الوجه الحادي عشر:
أن هذا الإجماع نظير الحجج الإلزامية، وقد قرر في أول كتابه أنَّه من الأدلة الباطلة التي لا تصلح لا بالنظر ولا بالمناظرة (1)، وذلك أن المنازع له يقول (2): إن ما قلت بقدمها لا متناع قيام الحوادث به، فإما أن يصح هذا الأصل أو لا يصح، فإن صح كان هو الحجة في المسألة، ولكن قد ذكرت أنَّه لا يصح، وإن [لم (3) يصح بطل مستند قول من يقول بالقدم، وصح منه القدم على هذا التقدير وهو أن يقول: لا نسلم -إذا جاز أن تحله الحوادث- وجوب قدم ما يقوم به، وهذا منع ظاهر، وذلك أنَّه لا فرق بين إقامة قوله بحجة إلزامية وبين إبطال قول منازعيه بحجة إلزامية.
الوجه الثَّاني عشر:
أنَّه لم يثبت أن معنى الأمر والنهي ليس هو الإرادة والكراهة، إلَّا بما ذكره في مسألة خلق الأفعال وإرادة الكائنات (4) وذلك إنَّما يدل على الإرادة العامة الشاملة لكل موجود، المنتفية عن كل معدوم، فإنَّه ما شاء
(1) في س، ط: لا للنظر ولا للمناظرة.
وانظر: كتاب نهاية العقول في دراية الأصول -لأبي عبد الله الرازي- مخطوط - اللوحة الأولى، حيث قرر أن ممَّا تميز به كتابه هذا عن سائر الكتب المصنفة في أصول الدين، استنباط الأدلة الحقيقية، والبراهين اليقينية، المفيدة للعلم الحقيقي، واليقين التَّام، لا الإلزامات التي منتهى المقصود من إيرادها مجرد التعجيز والإفحام.
(2)
في س، ط: يقول له.
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، يقتضيها السياق.
(4)
يشير الشَّيخ رحمه الله إلى قوله -المتقدم- في نهاية العقول أن الله تعالى قد يأمر بما لا يريد، وينهى عما يريد، فوجب أن يكون معنى "افعل" و "لا تفعل" في حق الله شيئًا سوى الإرادة.
الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وتلك الإرادة ليست (1) هي الإرادة التي هي مدلول الأمر والنهي فإن هذه الإرادة مستلزمة للمحبة والرضا.
وقد فرق الله تعالى بين الإرادتين (2) في كتابه، فقال في الأولى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (3) وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} (4)، وقال:{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} (5)، وقال في الثَّانية:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (6)، وقال:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} (7)، وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ
(1) في الأصل: ليس. والمثبت من: س، ط.
(2)
المحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان:
الأولى: إرادة قدرية كونية خلقية، وهي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات، فهي المذكورة في قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والثانية: إرادة دينية شرعية أمرية، وهي المتضمنة للمحبة والرضا، فهي المذكورة في قول النَّاس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لم يرده الله؛ أي: لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به.
وقد مثل الشَّيخ رحمه الله للنوعين من كتاب الله في المتن.
انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 2/ 34، 35.
وشرح الطحاوية -لصدر الدين الحنفي- ص: 116، 117.
(3)
سورة الأنعام، الآية:125.
(4)
سورة المائدة، الآية:41.
(5)
سورة هود، الآية:34.
(6)
سورة البقرة، الآية:185.
(7)
سورة المائدة، الآية:1.
عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1) وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (2).
الوجه الثالث عشر:
أنَّه لما طولب بالفرق بين ماهية الطّلب والإرادة ذكر وجهين:
أحدهما: أن القائل قد يقول لغيره: إنِّي أريد منك الأمر الفلاني وإن كنت لا آمرك به.
والثاني: هب أنَّه لم يتخلص لنا في الشاهد الفرق بين طلب الفعل وإرادته لكنا دللنا على أن لفظ "افعل" إذا وردت في كتاب الله فإنَّه لا بد وأن تكون دالة على طلب الفعل، وبينا أن ذلك الطّلب لا يجوز أن يكون نفس تصور الحروف ولا إرادة (3) الفعل، فلا بد أن يكون أمرًا مغايرًا لهما، فليس كل ما نجد له في الشاهد نظيرًا وجب نفيه غائبًا وإلا تعذر (4) إثبات الإله، وهذان الجوابان ضعيفان.
أما الأول فقد يقال: هو مستلزم للإرادة، وقد يقال: هو نوع خاص من الإرادة على وجه الاستعلاء، فإذا قيل: أريد منك فعل هذا ولا آمرك به؛ أي: لا أستعلي عليك، فإن المريد قد يكون سائلًا خاضعًا كإرادة العبد من ربه.
(1) سورة المائدة، الآية:6.
في الأصل: ليطهرهم. وهو خطأ من الناسخ.
(2)
سورة النساء، الآيات: 26 - 28.
في ط: يميلوا. وهو خطأ.
(3)
في س: والإرادة.
(4)
في الأصل: ولا تعذر. وفي س: ولا نقدر. وأثبت المناسب للسياق من: ط.