الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قامت (1) بالله إن عبر عنها بالعبرانية كانت التوراة [وإن عبر عنها بالسريانية كانت الإنجيل](2)، وإن عبر عنها بالعربية كانت القرآن، وإن الأمر والنهي والخبر صفات لها، لا أقسام لها، وإن حروف القرآن مخلوقة خلقها الله ولم يتكلم بها وليست من كلامه، إذ كلامه لا يكون بحرف وصوت.
عارضهم آخرون من المثبتة (3) فقالوا: بل القرآن هو الحروف والأصوات وتوهم قوم أنهم يعنون بالحروف المداد، وبالأصوات أصوات العباد، وهذا لم يقله عالم.
و
الصواب الَّذي عليه سلف الأمة
، كالإمام أحمد، والبخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق أفعال العباد وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم، اتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء (4) من ذلك كلامًا لغيره، ولكن أنزله على رسوله (5)، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى، ولا لمجرد الحرف، بل لمجموعهما (6)، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط، ولا المعاني فقط، كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح، ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما، وأن الله تعالى
(1) في س: قائمة.
(2)
ما بين المعقوفتين أضفته لإتمام الكلام.
(3)
عندما رأى جمهور أهل السنة من الفقهاء وأهل الحديث ما في كلام الأشعرية الكلابية وأتباعهم من البدعة أظهروا خلاف ذلك، وأطلق من أطلق منهم أن كلام الله حرف وصوت. وهم لا يعنون بالحروف المداد، ولا بالأصوات أصوات العباد، فإن هذا لم يؤثر عنهم.
(4)
في الأصل، س: شيئًا. والمثبت من: ط والمجموع.
(5)
في جميع النسخ: رسله. ولعل الصواب ما أثبت من المجموع.
(6)
في س: لمجموعها.
متكلم بصوت، كما جاءت به الأحاديث الصحاح (1)، وليس ذلك كأصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره، وأن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوقين (2)، ولا معانيه تشبه معانيه، ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد، فمن شبه الله بخلقه فقد ألحد في أسمائه وآياته [ومن جحد ما وصف به نفسه فقد ألحد في أسمائه وآياته](3) وقد كتبت في الجواب المبسوط المستوفي (4) مراتب مذاهب
(1) فمن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أنيس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان".
صحيح البخاري 8/ 194 كتاب التوحيد - باب قوله تعالى {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} الآية.
ومن ذلك -أيضًا- ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار".
المصدر السابق: نفس الجزء والكتاب والباب ص: 195.
وتقدم نقل الشيخ رحمه الله عن البخاري في خلق أفعال العباد.
والإمام أحمد في الرد على الجهمية والزنادقة: أن الله يتكلم بصوت يليق بجلاله وعظمته لا يشبه صوت المخلوقين انظر ص: 380 - 384.
(2)
في س، ط: المخلوق.
(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من: س.
(4)
سوف يذكر الشيخ رحمه الله بعد قليل - أن هذا لفظ الجواب في الفتيا المصرية - ولعله المقصود هنا بالجواب المبسوط.
تقدم الكلام على الفتيا المصرية.
وانظر مذاهب الناس في هذه المسألة في:
مجموع فتاوى ابن تيمية 12/ 162 - 167.
وجامع الرسائل والمسائل -كتاب مذهب السلف القويم في تحقيق مسألة كلام =
أهل الأرض في ذلك، وأن المتفلسفة تزعم أن كلام الله ليس له وجود إلَّا في نفوس (1) الأنبياء تفيض (2) عليهم المعاني من العقل الفعال، فيصير في نفوسهم حروفًا، كما أن ملائكة (3) الله عندهم ما يحدث في نفوس الأنبياء من الصور النورانية، وهذا من جنس قول فيلسوف (4) قريش: الوليد بن المغيرة {إِنْ هَذَا إلا قَوْلُ الْبَشَرِ} (5).
فحقيقة قولهم: إن القرآن تصنيف الرسول الكريم، لكنه كلام شريف صادر عن نفس صافية.
وهؤلاء هم (6) الصابئية (7)، فتقربت منهم الجهمية فقالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم ولا قام به كلام، وإنما كلامه ما يخلقه في الهواء أو غيره، فأخذ (8) ببعض ذلك قوم من متكلمة الصفاتية فقالوا: بل نصْفُه -وهو المعنى- كلام الله، ونصفه -وهو الحروف- ليس كلام الله، بل هو خلق من خلقه.
وقد تنازع الصفاتية القائلون بأن القرآن غير مخلوق، هل يقال: إنه قديم لم يزل ولم يتعلق بمشيئته؟ أم يقال: يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء؟ على قولين مشهورين في ذلك، ذكرهما الحارث المحاسبي (9) عن
= الله الكريم 1/ 3 / 358، 359 - 368، 372 - 382، 454 - 464.
(1)
في س: إلا نفوس.
(2)
في ط: تفاض.
(3)
في الأصل: الملائكة. والمثبت من: س، ط.
(4)
في الأصل: فيلفوس. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.
(5)
سورة المدثر، الآية:25.
(6)
هم: ساقطة من: س.
(7)
في س، ط: الصابئة.
(8)
في س: فأخذه.
(9)
ذكر الحارث المحاسبي القولين عن أهل السنة في كتاب "فهم القرآن" ص: 345 ورجح قول ابن كلاب في هذه المسألة، ولهذا أمر الإمام أحمد رحمه الله =
أهل السنة، وذكرهما أبو بكر عبد العزيز (1) عن أهل السنة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم.
وكذلك النزاع بين أهل الحديث والصوفية، وفرق الفقهاء من المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية، بل وبين فرق المتكلمين والفلاسفة في جنس هذا الباب، وليس هذا موضع بسط (2) ذلك، هذا لفظ الجواب في الفتيا المصرية.
قلت (3): وأما سؤال السائل عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (4) فهو حق كما أخبر الله به، وأهل السنة متفقون على ما قاله ربيعة بن أبي عبد الرحمن (5)، ومالك بن أنس، وغيرهما من
= بهجره.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن غير واحد ذكر أن الحارث رجع عن ذلك كأبي بكر الكلاباذي ومعمر بن زياد.
انظر: درء تعارض العقل والنقل 2/ 6 - 7، 7/ 147 - 149. والتعريف لمذهب أهل التصوف - للكلاباذي - ص:40.
(1)
تقدم أن الشيخ رحمه الله بين في درء تعارض العقل والنقل 2/ 18 أن أبا بكر عبد العزيز ذكر في كتاب "الشافي" القولين عن أصحاب أحمد رحمه الله.
(2)
في س: لبسط. وفي ط: موضعًا لبسط.
وقد أشار الشيخ رحمه الله في كتابه "درء تعارض العقل والنقل 2/ 19 - 20 " إلى هذا النزاع وفصل فيه قليلًا.
(3)
في هامش الأصل: قف على الكلام على قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .
(4)
سورة طه، الآية:5.
(5)
هو: أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي المدني، كان إمامًا فقيهًا مجتهدًا، بصيرًا بالرأي، ولذلك يقال له: ربيعة الرأي، روى عنه مالك بن أنس، وسفيان الثوري وغيرهما.
قال عنه أحمد بن حنبل: ربيعة ثقة. توفي سنة 136 هـ.
راجع: تاريخ بغداد - للبغدادي - 8/ 420 - 426. وتذكرة الحفاظ -للذهبي 1 - 1/ 157، 158.
الأئمة (1): أن الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيف بدعة.
فمن زعم أن الله مفتقر إلى عرش (2) يُقِلُّه، أو أنَّه محصور في سماء تظله، أو أنَّه محصور في شيء من مخلوقاته، أو أنَّه يحيط به جهة من جهات مصنوعاته (3) فهو مخطئ ضال، ومن قال: إنه ليس على العرش ربّ ولا فوق السماوات خالق، بل ما هناك (4) إلَّا العدم المحض، والنفي الصرف، فهو معطل جاحد لرب العالمين، مضاه لفرعون الَّذي قال:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (5).
بل أهل السنة والحديث، وسلف الأمة متفقون على أنَّه فوق سماواته [على عرشه](6) بائن من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، وعلى ذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمة السنة، بل على ذلك جميع المؤمنين والأولين والآخرين.
وأهل السنة وسلف الأمة متفقون على أن من تأول (استوى) بمعنى استولى [أو بمعنى آخر ينفي (7) أن يكون الله فوق سماواته](8) فهو جهمي ضال.
(1) راجع قول ربيعة ومالك مع اختلاف يسير في اللفظ. وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة - للالكائي - 3/ 398. والأسماء والصفات - للبيهقي - ص: 408.
(2)
في الأصل: عرشه. والمثبت من: س، ط.
(3)
في الأصل، س: مصنوعات. والمثبت من: ط.
(4)
في س، ط: هنالك.
(5)
سورة غافر، الآيتان: 36، 37.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(7)
في س: يبقى.
(8)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
قلت: وأما سؤاله عن إجراء القرآن على ظاهره، فإنه إذا آمن بما وصف الله به نفسه ووصفه (1) به رسوله من غير تحريف ولا تكييف، فقد اتبع سبيل المؤمنين، ولفظ "الظاهر" في عرف المستأخرين قد صار فيه اشتراك، فإن أراد بإجرائه على الظاهر الَّذي هو (2) من خصائص المخلوقين حتَّى يشبه الله بخلقه، فهذا ضلال، بل يجب القطع بأن الله تعالى ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس في الدنيا مما في الجنّة إلا الأسماء (3)، يعني أن موعود الله في الجنّة من الذهب والحرير والخمر واللبن تخالف حقائقه حقائق هذه الأمور الموجودة في الدنيا، فالله -تعالى- أبعد عن (4) مشابهة مخلوقاته بما لا يدركه العباد ليست (5) حقيقته كحقيقة شيء منها.
وأما إن أراد بإجرائه على الظاهر الَّذي هو الظاهر في عرف سلف الأمة، بحيث لا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يلحد في أسماء الله - تعالى - ولا يفسر القرآن والحديث بما يخالف تفسير سلف الأمة وأهل السنة بل يجري ذلك على ما اقتضته النصوص، وتطابق عليه دلائل الكتاب والسنة، وأجمع عليه سلف الأمة، فهذا مصيب في ذلك، وهو الحق.
(1) في الأصل: وصف. والمثبت من: س، ط.
(2)
هو: ساقطة من: س.
(3)
هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه رواه ابن جرير الطبري في تفسيره 1/ 174 عند تفسيره لقوله تعالى: {. . . وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25]، مع اختلاف يسير في اللفظ.
ورواه ابن كثير عند تفسيره للآية السابقة 1/ 63. والسيوطي في الدر المنثور 1/ 96 في تفسيره للآية المتقدمة.
(4)
في الأصل: من. والمثبت من: س، ط.
(5)
في س، ط: ليس.