المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معنى كون الكلام ليس بمنقسم يراد به شيئان: - التسعينية - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌الجهمية من المعتزلة وغيرهم خالفوا ذلك من ثلاثة أوجه]

- ‌ الذين قالوا: كلامه مخلوق أرادوا أنَّه لم يكن متكلمًا حتَّى خلق الكلام

- ‌ لفظ (الغير) مجمل

- ‌ قول القائل: إن القرآن حرف وصوت قائم به بدعة، وقوله: إنه معنى قائم به بدعة

- ‌الصواب الَّذي عليه سلف الأمة

- ‌ يكره تجريد الكلام في المداد الَّذي في المصحف وفي صوت العبد

- ‌ القول بحدوث حروف القرآن قول محدث

- ‌ قدماء الجهمية ينكرون جميع الصفات

- ‌ الألفاظ نوعان:

- ‌الوجه السابع:أنَّه عدل عن الطريقة المشهورة لأصحابه في هذا الأصل

- ‌ النزاع في مسألة الكلام في مسائل كل واحدة غير مستلزمة للأخرى

- ‌الوجه الخامس عشر:أن طوائف يقولون لهم: معنى الخبر لم لا يجوز أن يكون هو العلم

- ‌الوجه السادس عشر:أن هذه الحجة التي ذكروها في معنى الخبر وأنه غير العلم، قد أقروا هم بفسادها

- ‌الوجه السابع عشر:إن هذا يهدم عليهم إثبات العلم بصدق الكلام النفساني القائم بذات الله

- ‌ الَّذي انعقد عليه الإجماع، ونقله أهل التواتر عن المرسلين، هو الكلام الَّذي تسميه الخاصة والعامة كلامًا، دون هذا المعنى

- ‌الجهمية أعظم قدحًا في القرآن وفي السنن وفي إجماع الصحابة والتابعين من سائر أهل الأهواء

- ‌ كلام ابن فورك في مسألة الكلام

- ‌الوجه السابع والأربعون:أن يقال كون الشيء الواحد ليس بذي أبعاض إما أن يكون معقولًا أو لا يكون

- ‌معنى كون الكلام ليس بمنقسم يراد به شيئان:

- ‌تحقيق الأمر: أن هؤلاء يجمعون بين إثبات الباري ونفيه وبين الإقرار به وإنكاره

- ‌ الترتيب والتعاقب نوعان:

الفصل: ‌معنى كون الكلام ليس بمنقسم يراد به شيئان:

[فهذه ثلاثة أوجه (1) نبهنا عليها وهي مبسوطة في سائر الوجوه](2).

الوجه الثامن والأربعون:

أن كون القديم عندهم ليس بمنقسم ولا متبعض معناه أنه شيء واحد في الخارج ليس بذي أبعاض ولا (3) بمنقسم قسمة الكل إلى أجزائه كانقسام الإنسان إلى أبعاضه وأعضائه، وإن كان هو -سبحانه -أيضًا- ليس بجنس كلي ينقسم إلى أنواعه، و‌

‌معنى كون الكلام ليس بمنقسم يراد به شيئان:

أحدهما: أنه ليس بذي أجزاء وأبعاض.

والثاني: أنه ليس من الكليات التي تنقسم إلى أنواعها وأشخاصها، كانقسام جنس الإنسان إلى أنواعه، وانقسام جنس الموجود [إلى القديم والمحدث، وكذلك جنس العلم والكلام وغيرهما](4) إلى القديم والمحدث.

وهذه القسمة والتبعيض ليست هذه بوجه من الوجوه في العالم، فإن هذا نفي للقسمة عن شيء واحد موجود في الخارج، وذاك نفي للقسمة عن كلي لا يوجد في الخارج كليا بحال، فإنه ليس في الخارج إنسان كلي ينقسم [ولا وجود كلي (5) ينقسم، ولا علم أو كلام كلي ينقسم، ومن المعلوم أنه لم يقصد نفي هذا، وإن قصد، (6) نفيه فهذا مما لا ينازعه فيه عاقل لا في كلام المخلوق ولا في كلام الخالق، فليس في

(1) وهي ما تقدم ذكره من تبعض الشيء والكلام والموصوف.

(2)

ما بين المعقوفتين ساقط من: س.

(3)

في س، ط: وليس.

(4)

ما بين المعقوفتين ساقط من: س.

(5)

في ط: كل.

(6)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

ص: 721

الوجود الخارجي كلام كلي هو بعينه ينقسم إلى أمر ونهي، بل إن كان أمرًا لم يكن نهيًا وإن كان نهيًا لم يكن أمرًا، ولهذا يجب في الكلي المقسوم أن يقال اسمه على أنواعه وأقسامه، فيسمى كل واحد من أفراد الإنسان إنسانًا، وكل واحد من آحاد الكلام كلامًا، وكل واحد من آحاد العلوم أنه علم، وهذا الفرق هو الفرق الذي يذكره الناس لمتعلم العربية في أول التعليم، فيقولون: من قال: الكلام ينقسم إلى اسم وفعل وحرف فإنه يريد قسمة الكل إلى أجزائه وأبعاضه، وأما من أراد تقسيم الجنس فإنه يقول: الكلمة تنقسم إلى اسم أو (1) فعل أو (2) حرف، فإن الجنس إذا قسم إلى أنواعه أو أشخاص (3) أنواعه، أو النوع إذا قسم إلى أشخاصه كان اسم المقسوم صادقًا على الأنواع والأشخاص وإلا فليست بأقسام له، وسواء أراد (4) ذلك أو لم يرده، فأي نوعي القسمة أراد فإن في كل واحد من نوعيها لا يكون هذا القسم هو هذا القسم [ولم يقل أحد من العقلاء أنه يمكن أن يكون هذا القسم هو هذا القسم] (5) فلا يقول أحد: إن الكلام الكلي المنقسم إلى أمر ونهي، الأمر فيه هو النهي، ولا أن الكلام الموجود المعين المنقسم إلى أبعاض كالأمر والنهي أو الاسم والفعل والحرف يكون الأمر فيه هو النهي أو (6) الاسم فيه هو الحرف، فأيهم اختاروه من القسمين كان قولهم مخالفًا للبديهة المتفق عليها بين العقلاء.

(1) في س، ط: و.

(2)

في ط: و.

(3)

في الأصل: أشخاصه. وفي س: أشجان. وأثبت ما يستقيم به الكلام من: ط.

(4)

في س: أرد.

(5)

ما بين المعقوفتين ساقط من: س، ط.

(6)

في س، ط: و.

ص: 722

الوجه التاسع والأربعون:

أن حقيقة قولهم: نفي القسمين جميعًا عن كلام الله، فإن المعقول في الكلام سواء قدر كليًّا، أو موجودًا معينًا أن منه ما هو أمر ومنه ما هو خبر، فإذا أريد قسمة الكل قيل (1): الكلام والقول ينقسم إلى الأمر والنهي، فيكون الأمر موجودًا والنهي موجودًا، وكلاهما يقال له: كلام ويقال له: قول، وأما كلام هو بعينه موجود (2) في الخارج، وهو بعينه أمر ونهي فهذا لا يكون، وإذا أريد قسمة الكلي قيل: هذا الكلام الموجود منه ما هو أمر ومنه ما هو نهي، وهم يقولون كلام الله ليس بعضه أمرًا وبعضه نهيًا ولا بعضه خبرًا، فإن ذلك يقتضي ثبوت الأبعاض له ولا بعض له، ولا هو -أيضًا- كليًّا ينقسم إلى الأمر والنهي فإن ذلك يقتضي أن يكون الأمر غير النهي، بل هو عندهم معنى واحد موجود في الموصوف هو الأمر والنهي [والخبر](3).

وأما الموصوف فإن ظهور انتفاء القسمة الأولى عنه (4) لا يحتاج إلى بيان، فإنه ليس وجودًا كليًّا ينقسم إلى القديم والمحدث والواجب والممكن والخالق والمخلوق، فإن هذا قول بعدمه -إذ الكلي لا وجود له في الخارج- وقول مع ذلك بأنه يكون خالقًا ويكون مخلوقًا وقديمًا ومحدثًا، أي بعض أنواعه هو الخالق وبعض أنواعه المخلوق، ومعلوم أن الذي هو كذلك ليس هو الخالق القديم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.

(1) في جميع النسخ: قبل. وأثبت ما يستقيم به الكلام.

(2)

في س: مو. وهو تصحيف.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(4)

في الأصل: عنده. وأثبت المناسب من: س، ط.

ص: 723

نعم الزنادقة الاتحادية (1) يقولون: إن الرب هو الوجود وهم على قولين:

أحدهما: أنه هو الوجود المطلق الذي لا يتعين، وهذا قول القونوي (2)، فعلى [هذا القول](3) ينقسم إلى حيوان ونبات وأرواح وأجسام، لكن لا ينقسم إلى واجب وممكن وخالق ومخلوق، بل الوجود الكلي المطلق هو الواجب الخالق، وهذا قول بتعطيل الصانع وجحوده سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، ولا يقول: عاقل إنه (4) الوجود المطلق الثابت للواجب المتميز بنفسه عن الممكن فإن هذا إنما قاله لكونه لا يثبت الواجب متميزًا عن الممكن بنفسه، فإذا لزمه ثبوت واجب متميز لزم تناقضه ومع هذا فهم من أكثر الخلق تناقضًا، وهم مخلطون تخليطًا عظيمًا مع اشتراكهم فيما هم فيه من أظلم الخلق من

(1) تقدم الكلام عليهم في 193، وأنهم يقولون: إن الرب هو الوجود، فصفاته هي صفات الله، وكلامه هو كلام الله - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

انظر في شأنهم وإلحادهم -إضافة إلى ما تقدم: مجموع الفتاوى -لابن تيمية رحمه الله 2/ 98 - 104، 124، 134 - 285.

مجموعة الرسائل والمسائل -لابن تيمية -أيضًا- 1/ 178 - 187. والمعجم الفلسفي -مجمع اللغة العربية بالقاهرة- ص: 2. ودائرة المعارف الإِسلامية - لمجموعة من المؤلفين 2/ 43، 54. والتعريفات -للجرجاني- ص:9.

(2)

هو: صدر الدين محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي، صوفي، من كبار تلاميذ ابن عربي، توفي سنة 673 هـ.

راجع: طبقات الشافعية للسبكي 8/ 45. والوافي بالوفيات -للصفدي- 2/ 200. والأعلام -للزركلي- 6/ 254.

وقد ذكر شيخ الإِسلام رحمه الله قول القونوي وغيره من ملاحدة التصوف كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وأمثالهم ورده رحمه الله وبين ما فيه من ضلال في: "درء تعارض العقل والنقل" 1/ 290 - 295.

(3)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(4)

في الأصل: إن. وأثبت ما يناسب الكلام من: س، ط.

ص: 724

الشرك بالله والتعطيل فلا يبعد على بعضهم أن يقول ذلك لا سيما إذا فرقوا بين تجليه الذاتي وتجليه الأسمائي (1)، فقد يقولون: التجلي الذاتي هو الواجب، والأسمائي هو الممكن، ويقولون، هو الوجود المطلق المقول على الواجب والممكن.

والقول الثاني: يقولون (2) هو نفس الوجود وإن الموجودات أبعاضه وأجزاؤه لا أنواعه، وهؤلاء جعلوه موجودًا لكن جعلوه هو المخلوقات بعينها والأولون لم يجعلوه موجودًا في الخارج لكن جعلوه المطلق الذي يوجد في الخارج معينًا لا مطلقًا، ثم مع هذا (3) هل للممكنات (4) أعيان ثابتة في العلم سوى وجوده أم هو عين الممكنات (5)؟ على قولين: والأول قول صاحب المنصوص (6) منهم، والثاني قول أتباعه كالقونوي والتلمساني (7) وغيرهما، لكن قول هؤلاء وإن أضل طوائف من أذكياء

(1) في ط: الأسماء.

(2)

يقولون: ساقطة من: س.

(3)

في س، ط: ذلك.

(4)

في الأصل، س: للمكنات والمثبت من: ط.

(5)

في الأصل: للمكنات والمثبت من: س، ط.

(6)

هو: أبو بكر محيي الدين محمَّد بن علي بن محمَّد الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بابن عربي، الملقب بالشيخ الأكبر عند الصوفية، صاحب التصانيف في التصوف وغيره. توفي سنة 638 هـ.

انظر: ميزان الاعتدال -للذهبي- 3/ 659، 660. وفوات الوفيات -لابن شاكر- 3/ 435 - 440. ولسان الميزان -لابن حجر- 5/ 311 - 315.

وكتابه "فصوص الحكم" مرتب على سبعة وعشرين فصًّا، و"شرح عدة شروحات من قبل من تلقى الكتاب بالقبول كالتلمساني وغيره، استوفى ذكرهم حاجي خليفة في كتابه، كشف الظنون" 2/ 1262 - 1265.

والكتاب طبع في القاهرة سنة 1946 م بتحقيق: د. أبي العلا عفيفي.

(7)

هو: أبو الربيع عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني، صوفي على طريقة ابن عربي قولًا وفعلًا. =

ص: 725

الناس وعبادهم، ووقع تعظيمهم في نفوس طوائف كثيرة من العلماء والعباد والملوك تقليدًا وتعظيمًا لقولهم من غير فهم لقولهم.

فكل مسلم بل كل عاقل إذا فهم قولهم حقيقة، علم أن القوم جاحدون للصانع مكذبون بالرسل والشرائع مفسدون للعقل والدين [و](1) ليس الغرض هنا (2) الكلام فيهم فإن الأشعرية لا تقول بهذا -وحاشاها من هذا- بل هم من أعظم الناس تكفيرًا ومحاربة لمن هو أمثل من هؤلاء، وإنما هؤلاء من جنس القرامطة والباطنية.

ومن قال من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية ومن الفلاسفة: ليس بمنقسم فإن هذا المعنى هو أظهر فسادًا عندهم من أن يكون هو مرادهم، بل يريدون أنه موجود في الخارج متميز بنفسه، وأنه مع ذلك ليس له أجزاء وأبعاض، وقد يقول نفاة الصفات من الفلاسفة وغيرهم كابن سينا وغيره: إن واجب الوجود ليس له أجزاء، لا (3) أجزاء حد ولا أجزاءَ كَمٍّ ومراده بذلك أنه ليس له صفة كالعلم والقدرة، ولا بعض كالجسم (4)، وهو يقول: إنه موجود متميز عن الممكنات، ولكن يقول

= يقول ابن كثير: "وقد نسب هذا الرجل إلى عظائم في الأقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض". توفي سنة 690 هـ.

انظر: فوات الوفيات -لابن شاكر- 2/ 72 - 76. والبداية والنهاية -لابن كثير- 13/ 309. وشذرات الذهب -لابن العماد- 5/ 412، 413.

(1)

ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.

(2)

في جميع النسخ "هذا" ولعل الصواب ما أثبته.

(3)

في الأصل، س: إلا.

(4)

ابن سينا وأتباعه يسمون نفي الصفات والأفعال القائمة بذات الله تعالى توحيدًا لأن إثبات ذلك يؤدي إلى التركيب والتجسيم - بزعمهم.

وقد قال ذلك موافقة للمعتزلة، فتناقضت عليه أصوله. ولشيخ الإِسلام رحمه الله كلام لطيف حول هذا الموضوع، يمكن الاطلاع عليه في "درء تعارض العقل والنقل" 8/ 239 - 249.

ص: 726