الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالخلق، أن
الألفاظ نوعان:
أحدهما: ما معناه مفرد كلفظ الأسد والحمار والبحر والكلب، فهذا إذا قيل: أسد الله وأسد رسوله أو قيل للبليد: حمار (1)، أو قيل: للعالم أو السخي أو الجواد من الخيل: بحر، أو قيل للأسد: كلب، فإذا مجاز، ثم إن قرنت (2) به قرينة تبين المراد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لفرس أبي طلحة (وإن (3) وجدناه لبحرًا) (4) وقوله: (إن خالدًا سيف من سيوف
(1) في الأصل، س: حمارًا. والمثبت من: ط، والمجموع. ولعله الصواب.
(2)
في س: ثم اقترنت.
(3)
في الأصل: أنا. والمثبت من: س، ط، والمجموع، وصحيح البخاري.
(4)
هذا جزء من حديث، وأوله: عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان بالمدينة فزع، فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسًا لأبي طلحة يقال له: مندوب، فركبه وقال:"ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرًا".
صحيح البخاري 3/ 218 - كتاب الجهاد- باب الركوب على الدابة الصعبة.
وصحيح مسلم - 4/ 1803 - كتاب الفضائل- باب في شجاعة النبي عليه السلام الحديث / 49.
وانظره في سنن أبي داود 5/ 263 كتاب الأدب -باب ما روي في الرخصة في ذلك- الحديث / 4988.
وسنن الترمذي 4/ 198، 199 - كتاب الجهاد- باب ما جاء في الخروج عند الفزع- الحديثان / 1685، 1686.
وقال ابن حجر في "فتح الباري" 11/ 55 قوله: "وإن وجدناه لبحرا" في رواية المستملي: وإن وجدنا بحذف الضمير.
قال الخطابي: "إن" هي النافية، واللام في "البحرا" بمعنى: إلا، أي: ما وجدناه إلّا بحرا.
قال ابن التين: هذا مذهب الكوفيين، وعند البصريين "إن" مخففة من الثقيلة، والسلام زائدة، كذا قال.
وقال الأصمعي: يقال للفرس بحر، إذا كان واسع الجري، أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر.
ويؤيده: ما في رواية سعيد عن قتادة "وكان بعد ذلك لا يجارى".
الله على المشركين) (1)، وقوله لعثمان (إن الله قمصك قميصًا)(2)، وقول ابن عباس: (الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن استلمه
(1) الحديث رواه الإِمام أحمد رحمه الله في مسنده 1/ 8 بلفظ قريب مما ذكر الشيخ رحمه الله ولفظه: أن أبا بكر رضي الله عنه عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله عز وجل على الكفار والمنافقين".
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/ 348 - باب ما جاء في خالد بن الوليد بعد أن ذكر الحديث "رواه أحمد والطبراني بنحوه ورجالهما ثقات".
وأخرجه الترمذي في سننه 5/ 688، 689 - كتاب المناقب- باب مناقب خالد بن الوليد. الحديث / 3846 عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلًا فجعل الناس يمرون فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من هذا يا أبا هريرة؟ " حتى مر خالد بن الوليد فقال: "من هذا؟ " فقلت: هذا خالد بن الوليد، فقال:"نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله".
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ولا نعرف لزيد بن أسلم سماعًا من أبي هريرة، وهو عندي حديث مرسل.
(2)
الحديث -مع اختلاف يسير في اللفظ- رواه الإِمام أحمد رحمه الله في مسنده 6/ 75: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: استأذن عثمان فأذن له فدخل فناجاه النبي صلى الله عليه وسلم طويلًا، ثم قال:"يا عثمان إن الله عز وجل مقمصك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة" يقولها له مرتين أو ثلاثًا.
وأخرجه الترمذي في سننه عن عائشة رضي الله عنها 5/ 628 - كتاب المناقب- باب مناقب عثمان رضي الله عنه الحديث / 3705 - بلفظ: "يا عثمان إنه لعل الله يقمصك قميصًا. . . ".
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وأورده ابن ماجه في سننه -أيضًا- بلفظ آخر- 1/ 41 - المقدمة- باب في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الحديث / 112.
وصافحه فكأنما بايع ربه) (1)، أو كما قال، ونحو ذلك.
فهنا اللفظ (2) فيه تجوز، وإن كان قد ظهر من اللفظ مراد صاحبه، وهو محمول على هذا الظاهر في استعمال هذا المتكلم، لا على الظاهر في الوضع الأول، وكل من سمع هذا القول عدم المراد به وسبق ذلك إلى ذهنه، بل أحال إرادة المعنى الأول، وهذا يوجب أن يكون نصًّا لا محتملًا، وليس حمل اللفظ على هذا المعنى من التأويل الذي هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح في شيء، وهذا أحد مثارات غلط الغالطين في هذا الباب، حيث يتوهم أن المعنى المفهوم من هذا اللفظ مخالف للظاهر، وأن اللفظ يؤول.
النوع الثاني: -من الألفاظ- ما في معناه إضافة، إما بأن يكون المعنى إضافة محضة، كالعلو والسفول وفوق وتحت، ونحو ذلك، أو [أن](3) يكون معنى ثبوتيًّا فيه إضافة، كالعلم والحب والقدرة والعجز والسمع والبصر، فإذا النوع من الألفاظ لا يمكن أن يوجد له معنى مفرد بحسب بعض موارده لوجهين:
أحدهما: [أنه](4) لم يستعمل مفردًا قط.
والثاني: أن ذلك يلزم منه الاشتراك أو المجاز، بل يجعل حقيقته (5) في القدر المشترك بين موارده.
(1) هذا الأثر يروى بألفاظ متعددة عن ابن عباس وغيره.
وراجعه في: المصنف -لعبد الرزاق الصنعاني- 5/ 39.
وإتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين -للزبيدي- 4/ 451. وكشف الخفاء ومزيل الإلباس - للعجلوني 1/ 417.
(2)
في الأصل: اللفظة. ولا يستقيم المعنى بها. والمثبت من: س، ط، والمجموع.
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمجموع.
(4)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والمجموع.
(5)
في س، ط: حقيقة.
وما نحن فيه من هذا الباب فإن لفظ (استوى) لم تستعمله العرب في خصوص جلوس الآدمي [-مثلًا- على سريره حقيقة، حتى يصير في غيره مجازًا، كما أن لفظ (العلم) لم تستعمله العرب في خصوص](1) العرض القائم بقلب البشر المنقسم إلى ضروري ونظري حقيقة، واستعملته (2) في غيره مجازًا، بل هذا المعنى تارة يستعمل بلا تعدية، كما في قوله -تعالى-:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} (3)، وتارة يعلى بحرف الغاية، كقوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} (4) وتارة يعلى بحرف الاستعلاء. ثم هذا تارة يكون صفة لله، وتارة يكون صفة لخلقه، فلا يجب أن يجعل في أحد الموضعين حقيقة، وفي الآخر مجازًا.
ولا يجوز أن يفهم من استواء الله -تعالى- الخاصية التي تثبت للمخلوق دون الخالق، كما في قوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} (5)، وقوله تعالى:{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} (6)، وقوله تعالى:{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (7)، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} (8)، {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ} (9).
فهل يستحل مسلم أن يثبت لربه خاصية الآدمي الباني الصانع العامل الكاتب؟ أم يستحل أن ينفي (10) عنه حقيقة العمل والبناء كما يختص به
(1) ما بين المعقوفتين كرر في: س، ط.
(2)
في س: استعمله.
(3)
سورة القصص، الآية:14.
(4)
سورة البقرة، الآية:29.
(5)
سورة الذاريات، الآية:47.
(6)
سورة يس، الآية:71.
في س، ط: سقطت من الآية كلمة (أنعامًا).
(7)
سورة النمل، الآية:88.
(8)
سورة الأنبياء، الآية:105.
(9)
سورة الأعراف، الآية:145.
(10)
في س: ينبغي.
ويليق بجلاله؟ أم يستحل (1) أن يقول: هذه الألفاظ مصروفة عن ظاهرها أم الذي يجب أن يقول: عمل كل أحد بحسبه، فكما أن ذاته ليست مثل ذوات خلقه فعمله وصنعه وبناؤه ليس مثل عملهم وصنعهم وبنائهم.
ونحن لم نفهم من قولنا: بني فلان وكتب فلان ما في عمله من المعالجة والتأثرة إلّا من جهة علمنا بحال الباني، لا من جهة مجرد اللفظ، ففرق -أصلحك الله- بين ما دل عليه مجرد اللفظ الذي هو لفظ الفعل، وما يدل عليه بخصوص إضافة إلى الفاعل المعين (2).
وبهذا ينكشف لك كثير مما يشكل على كثير من الناس، ونرى مواقع اللبس (3) في كثير من هذا الباب، والله يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين لما يحبه ويرضاه من القول والعمل، ويجمع قلوبنا على دينه الذي ارتضاه لنفسه وبعث به رسوله صلى الله عليه وسلم (4). (5)
…
(1) في س: يستحيل.
(2)
في الأصل: على المعين. والمثبت من: س، ط، والمجموع.
(3)
في س: اللبن. وهو تصحيف.
(4)
لفظ الجلالة ساقط من: س.
(5)
نهاية الإجابة على سؤال السائل عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن القرآن حرف وصوت وأن الرحمن على العرش استوى على ما يفيده الظاهر ويفهمه الناس من ظاهره هل يحنث في هذا أم لا؟. والذي بدأ في ص: 547.
فصل
وهذا والذي ذكرناه من أن القرآن كلام الله (1) حروفه ومعانيه، هو المنصوص عن الأئمة والسلف، وهو الموافق للكتاب والسنة.
فأما نصوصهم التي فيها بيان أن كلامه (2) ليس مجرد الحروف والأصوات بل المعنى -أيضًا- من كلامهم فكثير في كلام أحمد وغيره، مثل ما ذكر الخل الذي كتاب السنة (3) عن الأثرم (4)، وإبراهيم بن الحارث العبادي، أنه دخل على أبي عبد الله الأثرم، وعباس بن عبد العظيم العنبري، فابتدأ عباس فقال:(يا أبا عبد الله قوم قد حدثوا يقولون: لا نقول مخلوق ولا غير مخلوق، هؤلاء أضر من الجهمية على الناس ويلكم فإن لم تقولوا: ليس (5) بمخلوق. فقولوا: مخلوق، فقال أبو عبد الله: قوم سوء. فقال العباس: ما تقول يا أبا عبد الله؟ فقال: الذي أعتقده وأذهب إليه ولا أشك فيه أن القرآن غير مخلوق، ثم قال: سبحان الله من يشك في هذا؟ ثم تكلم أبو عبد الله مستعظمًا للشك في ذلك. فقال: سبحان الله في هذا شك؟ قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ
(1) لفظ الجلالة ساقط من: س.
(2)
في الأصل: الكلامه. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.
(3)
راجع هذا النقل في: كتاب السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" للخلال -مخطوط- اللوحتان: 156، 157.
(4)
هو: أحمد بن محمَّد بن هاني -صاحب الإِمام أحمد. وقد تقدم التعريف به ص: 164.
(5)
في الأصل: أليس. والمثبت من: س، ط، والسنة. وليس في الكلام ما يدل على هذا الاستفهام.
وَالْأَمْرُ} (1) ففرق بين الخلق والأمر. قال أبو عبد الله: فالقرآن من علم الله، ألا تراه يقول:{عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (2) والقرآن فيه (3) أسماء الله عز وجل أي شيء يقولون؟ لا يقولون: أسماء (4) الله غير مخلوقة، ومن زعم أن أسماء الله مخلوقة فقد كفر، لم يزل الله -تعالى- قديرًا عليمًا عزيزًا حكيمًا سميعًا بصيرًا، لسنا نشك أن أسماء الله ليست بمخلوقة، ولسنا نشك أن علم الله ليس بمخلوق وهو كلام الله ولم يزل الله متكلمًا.
ثم قال أبو عبد الله: وأي أمر (5) أبين من هذا، وأي كفر أكفر من هذا، إذا (6) زعموا أن القرآن مخلوق فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة [وأن علم الله مخلوق](7)، ولكن الناس يتهادنون بهذا ويقولون، إنما يقولون (8): القرآن مخلوق [فيتهاونون به ويظنون أنه هين ولا يدرون ما فيه من الكفر](9).
قال: وأنا أكره أن أبوح بهذا (10) لكل أحد، وهم يسألونني فأقول إني أكره الكلام في هذا، فيبلغني أنهم يدعون علي أني أمسك.
(1) سورة الأعراف، الآية 54.
(2)
سورة الرحمن، الآية:2.
(3)
فيه: ساقطة من: س.
(4)
في السنة: أن أسماء.
(5)
في السنة: كفر.
(6)
في الأصل: إذ. والمثبت من: س، ط، والسنة. وسوف ترد بعد قليل في تعليق الشيخ على كلام الإِمام أحمد.
(7)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والسنة.
(8)
في السنة: نقولون.
(9)
ما بين المعقوفتين ساقط من: س.
(10)
في جميع النسخ: بها. والمثبت من: السنة.
قَال الأثرم (1): فقلت لأبي عبد الله: فمن قال: إن القرآن مخلوق، وقال: لا أقول: إن (2) أسماء الله مخلوقة ولا علمه لم يزد على هذا أقول: هو كافر؟ فقال: هكذا هو عندنا.
قال أبو عبد الله: أنحن (3) نحتاج أن نشك في هذا؟ القرآن عندنا فيه أسماء الله، وهو من علم الله، فمن (4) قال مخلوق فهو عندنا كافر.
ثم قال أبو عبد الله: بلغني أن أبا خالد (5) وموسى بن منصور (6) وغيرهما يجلسون في ذلك الجانب فيعيبون قولنا، ويدعون إلى (7) هذا القول أن لا يقال: مخلوق ولا غير مخلوق، ويعيبون من يكفر،
(1) قال الأثرم: ساقطة من: السنة.
ولعلها إضافة من الشيخ رحمه الله للإيضاح. والكلام متصل بما قبله.
(2)
إن: ساقطة من: السنة.
(3)
في السنة: نحن. وهو استفهام إنكاري.
(4)
في الأصل: فهو. ولا معنى لها. والمثبت من: س، ط، والسنة.
(5)
في الأصل: أبا موسى. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والسنة.
هو: عبد العزيز بن أبان الأموي الكوفي، أحد المتروكين، نزل بغداد وحدث بها إلى أن مات سنة 207 هـ.
قال عنه يحيى بن معين: كذاب خبيث، حدث بأحاديث موضوعة. وقال أحمد: لا يكتب حديثه.
انظر: ميزان الاعتدال -للذهبي- 2/ 622، 623. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 6/ 329 - 331.
(6)
في الأصل: خالد بن منصور. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، والسنة.
هو: موسى بن منصور بن هشام اللخمي، قال ابن يونس: منكر الحديث.
راجع: ميزان الاعتدال -للذهبي- 4/ 224. ولسان الميزان -لابن حجر - 6/ 132.
(7)
في جميع النسخ: أن. والكلام يستقيم بالمثبت من: السنة.
ويقولون: إنا نقول يقول الخوارج، ثم تبسم أبو عبد الله كالمغتاظ ثم قال: هؤلاء قوم سوء.
ثم قال أبو عبد الله لعباس: وذاك السجستاني الذي عندكم بالبصرة ذاك الخبيث، بلغني أنه قد وضع في هذا -أيضًا- يقول: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، ذاك خبيث، ذاك الأحول. فقال العباس: كان يقول مرة بقول جهم، ثم صار إلى أن يقول بهذا القول، فقال أبو عبد الله: ما بلغني أنه كان يقول يقول جهم إلّا الساعة).
فقول الإِمام أحمد: إذا زعموا أن القرآن مخلوق فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة، وأن علم الله مخلوق يبين (1) أن العلم الذي تضمنه القرآن داخل في مسمى القرآن، وقد نبهنا -فيما تقدم- على أن كل كلام حق فإن العلم أصل معناه.
فإن كان قد ينضم إلى العلم معنى الحب والبغض، وذلك أن الكلام خبر (2) وطلب، أما الخبر الحق فإن معناه علم بلا ريب، وأما الإنشاء كالأمر والنهي فإنه مسبوق بتصور المأمور والمأمور به وغير ذلك، فالعلم -أيضًا- أصله، واسم القرآن والكلام يتضمن هذا كله، فقول القائل: القرآن مخلوق يتضمن أن علم الله مخلوق، وكذلك أسماء الله هي في القرآن، فمن قال هو مخلوق، والمخلوق هو الصوت القائم (3) ببعض الأجسام، يكون ذلك الجسم هو الذي سمى الله بتلك الأسماء، ولم يكن قبل ذلك الجسم وصوته لله اسم، بل يكون ذلك الاسم قد نحله إياه ذلك الجسم.
(1) في الأصل، س: تبين. والكلام يستقيم بالمثبت من: ط. لأن الضمير يعود إلى قول الإِمام أحمد.
(2)
في س: خبرا.
(3)
في الأصل: والمخلوق أسماء الله القائم. والمثبت من: س، ط. وهو ما يدل عليه سياق الكلام.
ولهذا روى البخاري في صحيحه (1) عن سعيد بنِ جبير عن ابن عباس (أنه سأله سائل عن قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (2){عَزِيزًا حَكِيمًا} (3){سَمِيعًا بَصِيرًا} (4) فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (5) سمى نفسه ذلك، وذلك قوله، أي: لم يزل كذلك (6). . .) هذا لفظ البخاري وهو رواه مختصرًا.
ولفظ البوشنجي (7) محمَّد بن إبراهيم الإِمام، عن شيخ البخاري (8) الذي رواه من جهته البرقاني في صحيحه (9):(فإن الله سمى نفسه ذلك ولم ينحله غيره، فذلك قوله: (وكان الله) أي: لم يزل كذلك) هكذا رواه البيهقي (10) عن البرقاني.
وذكر الحميدي لفظه: (فإن الله جعل نفسه وسمى نفسه، وجعل نفسه ذلك ولم ينحله أحد (11) غيره (وكان الله) أي: لم يزل كذلك).
ولفظ يعقوب بن سفيان (12) عن يوسف بن عدي شيخ البخاري:
(1) تقدم تخريجه ص: 321.
(2)
سورة الفتح، الآية:14.
(3)
سورة النساء، الآية:165.
(4)
سورة النساء، الآية:134.
(5)
سورة الفتح، الآية:14.
(6)
في جميع النسخ: ". . أني لم أزل كذلك". والمثبت من: صحيح البخاري.
(7)
في الأصل، س: البوسنجي. وهو خطأ. وتقدم التعريف به ص: 460.
(8)
يوسف بن عدي. تقدمت ترجمته ص: 324.
(9)
تقدم التعريف بالبرقاني والكلام على صحيحه وروايته ص: 146، 324.
(10)
في الأسماء والصفات. ص: 382.
(11)
في ط: أحدًا. وهو خطأ.
(12)
في التاريخ والمعرفة. وقد تقدم ص: 327.
(فإن الله سمى نفسه ذلك، ولم يجعله غيره (وكان الله) أي: لم يزل كذلك).
فقد أخبر ابن عباس أن معنى القرآن: أن الله سمى نفسه بهذه الأسماء لم ينحله ذلك غيره، وقوله:(وكان الله) يقول: إني لم أزل كذلك.
ومن المعلوم أن الذي قاله ابن عباس هو مدلول الآيات، ففي هذا دلالة على فساد قول الجهمية من وجوه:
أحدها: أنه إذا كان عزيزًا حكيمًا، ولم يزل عزيزا (1) حكيمًا، والحكمة تتضمن كلامه ومشيئته، كما أن (2) الرحمة تتضمن مشيئته، دل على أنه لم يزل متكلمًا مريدًا، وقوله:{غَفُورًا} أبلغ، فإنه إذا كان لم يزل غفورًا فأولى أنه لم يزل متكلمًا، وعند الجهمية بل لم يكن متكلمًا ولا رحيمًا ولا غفورًا، إذ هذا لا يكون إلّا بخلق أمور منفصلة عنه، فحينئذ كان كذلك.
والثاني: قول ابن عباس: فإن الله سمى نفسه ذلك، يقتضى أنه هو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء، لا أن (3) المخلوق هو الذي سماه بها، ومن قال: إنها مخلوقة في جسم، لزمه أن يكون ذلك الجسم هو الذي سماه بها.
الثالث: قوله: ولم ينحله ذلك غيره (4)، وفي (5) اللفظ الآخر: ولم يجعله ذلك غيره، وهذا يتبين (6) بجعله ذلك في
(1) عزيزًا: ساقطة من: س.
(2)
في س، كمان. وهو تصحيف.
(3)
في الأصل: لأن. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.
(4)
في الأصل: ذا كهذا. والمثبت من: س، ط.
(5)
في س: ومن.
(6)
في ط: يبين.
الرواية (1). أي: هو الذي حكم لنفسه بذلك لا غيره، ومن جعله مخلوقًا لزمه أن يكون الغير هو الذي جعله كذلك ونحله ذلك.
الرابع: أن ابن عباس ذكر ذلك في بيان معنى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ، {عَزِيزًا حَكِيمًا} ، {سَمِيعًا بَصِيرًا} ، ليبين حكمة الإتيان بلفظ كان في مثل هذا، فأخبر في ذلك أنه هو الذي سمى نفسه ذلك ولم ينحله (2) ذلك غيره.
ووجه مناسبة هذا الجواب، أنه إذا نحل ذلك غيره كان ذلك مخلوقًا بخلق ذلك الغير، فلا يخبر عنه بأنه كان كذلك، وأما إذا كان هو الذي سمى به نفسه ناسب أن يقال: إنه كان كذلك وما زال كذلك؛ لأنه هو لم يزل سبحانه وتعالى وهذا التفريق إنما يصح إذا كان غير مخلوق، ليصح أن يقال: لما كان هو المسمي لنفسه بذلك، كان لم يزل كذلك.
فذكر الإِمام أحمد أن قول القائل: القرآن مخلوق يتضمن القول بأن علم الله مخلوق وأن أسماءه مخلوقة؛ لأن ظهور عدم خلق هذين للناس أبين من ظهور عدم القول بفساد إطلاق القول بخلق هذين، ولو كان القرآن اسمًا لمجرد الحروف والأصوات لم يصح ما ذكره الإِمام أحمد من الحجة، فإن خلق الحروف وحدها لا يستلزم خلق العلم، وهكذا القائلون بخلق القرآن إنما يقولون بخلق الحروف والأصوات في بعض الأجسام لأن هذا هو عندهم القرآن، ليس العلم (3) عندهم داخلًا (4) في مسمى القرآن.
ولهذا لما قال له الأثرم: (فمن قال القرآن مخلوق، وقال:
(1) في ط: في رواية.
(2)
في الأصل: ينحل. والمثبت من: س، ط.
(3)
في ط: للعلم.
(4)
في ط: دخل.
لا أقول أسماء الله مخلوقة، ولا علمه، لم يزد على هذا، أقول هو كافر؟ فقال: هكذا هو عندنا، ثم استفهم استفهام المنكر، فقال: نحن (1) نحتاج أن نشك في هذا؟ القرآن عندنا فيه أسماء الله، وهو من علم الله، فمن قال: مخلوق فهو عندنا كافر.
فأجاب أحمد بأنهم وإن [لم](2) يقولوا بخلق أسمائه وعلمه، فقولهم يتضمن ذلك، ونحن لا نشك في ذلك حتى نقف فيه، فإن ذلك يتضمن خلق أسمائه وعلمه، ولم يقبل أحمد قولهم: القرآن مخلوق، وإن لم يدخلوا فيه أسماء الله وعلمه؛ لأن دخول ذلك فيه لا ريب فيه، كما أنهم لما قالوا: القرآن مخلوق خلقه الله في جسم، لكن هو المتكلم به لا (3) ذلك الجسم، لم يقبل ذلك منهم؛ لأنه من المعلوم أنه إنما يكون كلام ذلك الجسم لا كلام الله، كإنطاق الله لجوارح (4) العبد وغيرها (5)، فإنه يفرق بين نطقه وبين إنطاقه لغيره من الأجسام.
وقال أحمد: (فيه أسماء الله وهو من علم الله) ولم يقل فيه علم الله؛ لأن كون أسماء الله في القرآن يعلمه كل أحد، ولا يمكن أحد أن ينازع فيه، وأما اشتمال القرآن على العلم، فإذا ينازع فيه من يقول: إن القرآن هو مجرد الحروف والأصوات، فإن هؤلاء لا يجعلون (6) القرآن فيه علم الله، بل والذين يقولون: الكلام معنى قائم بالذات، الخبر والطلب، وأن معنى الخبر ليس هو العلم، ومعنى الطلب لا يتضمن الإرادة ينازعون في أن مسمى القرآن يدخل فيه العلم.
(1) في ط: أنحن.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(3)
في الأصل، س: لأن. ولا يستقيم المعنى بذلك. والمثبت من: ط.
(4)
في س، ط: كإنطاق جوارح.
(5)
في س: وغيرهما.
(6)
في الأصل: هؤلاء يجعلون. والمثبت من: س، ط. لأن المعنى يدل عليه.
فذكر الإِمام أحمد ما يستدل به على أن علم الله في القرآن، وهو قوله:(فإن القرآن من علم الله؛ لأن الله أخبر بذلك).
فذكر أحمد لفظ القرآن الذي يدل على موارد النزاع، فإن قوله:(القرآن من علم الله) مطابق لقوله -تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (1)، وقوله تعالى:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (2)، ولقوله:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} (3)، الآية، ولقوله:{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} (4).
ومعلوم أن المراد بالذي جاءهم من العلم في هذه الآيات إنما هو ما جاءه من القرآن، كما يدل عليه سياق الآيات، فدل ذلك على أن مجيء القرآن إليه مجيء ما جاءه من علم الله إليه، وذلك دليل على أن مِنْ علم الله في القرآن.
ثم قد يقال: هذا الكلام (5) فيه علم عظيم، وقد يقال: هذا الكلام (6) علم عظيم، فأطلق أحمد على القرآن أنه من علم الله؛ لأن الكلام الذي فيه علم هو نفسه يسمى علمًا، وذلك هو من علم الله، كما
(1) سورة البقرة، الآية:120.
(2)
سورة البقرة، الآية:145.
(3)
سورة آل عمران، الآية:61.
(4)
سورة الرعد، الآية:37.
(5)
في س: لكلام.
(6)
في س: لكلام.
قال: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (1)، ففيه من علم الله ما شاءه الله (2) -سبحانه- لا جميع علمه.
ومثل هذا كثير في كلام الإِمام أحمد كما رواه الخلال (3) عن أبي الحارث (4) قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر؛ لأنه يزعم أن علم الله مخلوق، وأنه لم يكن له علم حتى خلقه).
وكما روي (5) عن محمَّد بن إبراهيم الهاشمي (6) قال: (دخلت على أحمد بن حنبل، أنا وأبي، فقال له أبي: يا أبا عبد الله ما تقول في القرآن؟ قال: القرآن من علم الله، ومن قال: إن من علم الله شيئًا مخلوقا (7) فقد كفر).
وذكر ذلك لأن من الجهمية من يقول: علم الله بعضه مخلوق وبعضه غير مخلوق، وقد يقول: إن الله وإن جعل القرآن من علمه فبعض ذلك مخلوق.
(1) سورة آل عمران، الآية:61.
(2)
لفظ الجلالة لم يرد في: س، ط.
(3)
لم أقف عليه في السنة (المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل) رواية أبي بكر الخلال، لعدم ظهور بعض لوحاته.
وانظر نحوه: في "السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 4.
(4)
لم أقف عليه.
(5)
أي: الخلال في السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" مخطوط اللوحة: 162.
(6)
قال عنه الذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/ 449: "محمَّد بن إبراهيم الهاشمي، عن إدريس الأودي، وعنه حرمي بن عمارة. لا يعرف".
(7)
في السنة: ومن قال من علم الله شيء مخلوق. .
كما روى الخلال (1) عن الميموني (2) أنه سأل أبا عبد الله قال: قلت من قال كان الله ولا علم؟ فتغير وجهه تغيرًا شديدًا وأكبر غيظه، ثم قال لي: كافر، وقال في: في كل يوم أزداد في القوم بصيرة.
قال: وقال (3) أبو عبد الله [علمت](4) أن بشر (5) المريسي كان يقول: العلم علمان، فعلم مخلوق، وعلم ليس بمخلوق فإذا أيش (6) يكون هذا؟ قلت: يا أبا عبد الله كيف يكون ذا؟
قال: لا أدري أيكون علمه كله بعضه مخلوق وبعضه ليس بمخلوق؟ لا أدري كيف ذا؟ بشر كذا كان يقول، وتعجب أبو عبد الله تعجبًا شديدًا.
وروى (7) عن المروذي قال: قال أبو عبد الله: قلت لابن الحجام -يعني: يوم المحنة- ما تقول في علم الله؟ فقال: مخلوق، فنظر ابن رباح إلى ابن الحجام نظرًا منكرًا عليه لما أسرع.
فقلت لابن رباح: إيش (8) تقول أنت (9)؟ فلم يرض ما قال ابن الحجام، فقلت له: كفرت.
قال أبو عبد الله يقول: إن الله كان لا علم له، فهذا الكفر بالله.
(1) في المصدر السابق - نفس اللوحة.
(2)
عبد الملك بن عبد الحميد. وقد تقدم التعريف به ص: 337.
(3)
في السنة: وقال لي أبو عبد الله.
(4)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والسنة.
(5)
في ط: بشرا.
(6)
في جميع النسخ: أي شيء. والمثبت من: السنة.
(7)
أي: الخلال في المصدر السابق، نفس اللوحة.
(8)
في جميع النسخ: أي: شيء. والمثبت من: السنة.
(9)
أنت: ساقطة من: س.
[وقد كان المريسي يقول: إن علم الله وكلامه مخلوق وهذا الكفر بالله](1).
وعن عبد الله بن أحمد (2) سمعت أبي يقول: من قال: القرآن مخلوق فهو عندنا كافر؛ لأن القرآن من علم الله وفيه أسماء الله، قال الله -تعالى:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (3).
وعن المروذي (4) سمعت أبا عبد الله يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: القرآن مخلوق فهو كافر بالله واليوم الآخر، والحجة:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} (5). . . الآية، وقال:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (6)، وقال:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (7) وقال:
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والسنة.
(2)
كلام عبد الله بن أحمد، في المصدر السابق، نفس اللوحة. والكلام متصل بما قبله.
وانظره في: "السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 4.
(3)
سورة آل عمران، الآية:61.
في ط: (من ما جاءك من بعد) وهو خطأ.
(4)
السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" رواية أبي بكر الخلال -مخطوط- اللوحة 163.
وورد نحوه في "السنة" لعبد الله بن أحمد- ص: 25.
(5)
سورة آل عمران، الآية:61.
(6)
سورة البقرة، الآية:145.
وهذه الآية ساقطة من: س.
(7)
سورة البقرة، الآية:120.
وهذه الآية ساقطة من: س.
والذي جاء النبي (2) صلى الله عليه وسلم القرآن (3) وهو العلم الذي جاءه. العلم (4) غير مخلوق، والقرآن من العلم، وهو كلام الله، وقال:{الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ} (5)، وقال:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (6)، فأخبر أن الخلق خلق، والخلق غير الأمر (7)، وأن الأمر غير الخلق وهو كلامه وأن الله عز وجل لم ينحل من العلم، وقال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (8) والذكر هو القرآن، وإن الله لم يخل منهما ولم يزل الله متكلمًا عالمًا.
وقال في موضع آخر: إن الله لم يخل من العلم والكلام وليسا من الخلق لأنه لم يخل منهما، فالقرآن من علم الله.
وعن (9) الحسن بن ثواب (10) أنه قال لأبي عبد الله: من أين
(1) سورة الرعد، الآية:37.
في س: (لأهواءهم من بعد) وهو خطأ.
وحصل في السنة: تقديم وتأخير بين هذه الآية والآية التي قبلها.
(2)
في س: لنبي. وفي ط: به النبي.
(3)
في ط: والقرآن.
(4)
في ط: والعلم.
(5)
سورة الرحمن، الآيات: 1 - 3.
(6)
سورة الأعراف، الآية:54.
(7)
والخلق غير الأمر: لم ترد في: السنة.
(8)
سورة الحجر، الآية:9.
(9)
النقل عن الحسن في السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" رواية الخلال -مخطوط- اللوحة: 165.
(10)
في س: تواب.
هو: أبو علي الحسن بن ثواب المخرمي، قال عنه الخلال: كان شيخًا جليل القدر، وكان له بأبي عبد الله أنس شديد. وقال الدارقطني: بغدادي ثقة. توفي سنة 268 هـ. =
أكفرتهم؟ قال: قرأت في كتاب الله غير موضع: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} (1)، [فذكر الكلام](2).
قال ابن ثواب: ذاكرت ابن الدورقي (3) فذهب إلى أحمد ثم جاء فقال في: سألته فقال لي كما قال لك، إلّا أنه قال (4): زادني: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} (5) ثم قال لي أحمد: إنما أرادوا الإبطال.
وقد فسر طائفة منهم: ابن حزم (6)، كلام أحمد بأنه أراد بلفظ
= راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 7/ 291، 292. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 131، 132.
(1)
سورة الرعد، الآية:37.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، والسنة.
(3)
هو: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد العبدي، المعروف بالدورقي، كان ثقة متقنًا.
قال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة 252 هـ.
انظر: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 2 / 202. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 414، 415. وتهذيب التهذيب -لابن حجر - 11/ 381، 382.
(4)
في ط: قد.
(5)
سورة النساء، الآية:166.
(6)
هو: أبو محمَّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري. يقول ابن كثير رحمه الله: "والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريًّا حائرًا في الفروع، لا يقول بشيء من القياس، لا الجلي ولا غيره، وهذا الذي وضعه عن العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرًا في نظره وتصرفه، وكان مع هذا من أشد الناس تأويلًا في باب الأصول، وآيات الصفات، وأحاديث الصفات. . ". توفي سنة 456 هـ.
انظر: وفيات الأعيان -لابن خلكان- 3/ 325 - 330. وسير أعلام النبلاء -للذهبي- 18/ 184 - 212. والبداية والنهاية -لابن كثير- 12/ 99، 100.
كما يقول الشيخ رحمه الله في "درء تعارض العقل والنقل 5/ 249، 250 " "وابن حزم مع معرفته بالحديث، وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة
القرآن المعنى فقط، وأن معنى القرآن يعود إلى العلم، فهو من علم الله، ولم يرد بالقرآن الحروف والمعاني، فمن جعل القرآن كله ليس له معنى إلّا العلم فقد كذب.
وأما من قال عن هذه الآيات التي احتج بها أحمد أن معناها العلم، لأنها [كلها](1) من باب الخبر، ومعنى الخبر [العلم فإذا أقرب من الأول، وهذا إذا صح يقتضي أنه قد يراد بالكلام المعنى](2) تارة كما يراد به الحروف أخرى، فأما أن يكون أحمد يقول: إن الله لا يتكلم بالحروف، فإذا خلاف نصوصه الصريحة عنه، لكن قد يقال: القرآن الذي هو قديم لا يتعلق بمشيئته هو المعنى الذي سماه الله علمًا، وذلك هو الذي يكفر من قال بحدوثه.
قال الخلال في كتاب السنة (3): الرد على الجهمية الضلال أن الله
= القياس أصحاب الظاهر، قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم، مع أنه لا يثبت علمًا هو صفة".
يقول في "الفصل" 3/ 8: "ونقول -أيضًا- إن القرآن هو كلام الله -تعالى-، وهو علمه، وليس شيئًا غير الباري -تعالى- برهان ذلك قول الله عز وجل:{وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} 14 / الشورى. وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} 115 / الأنعام.
وباليقين يدري كل ذي فهم أنه تعالى إنما عنى سابق علمه الذي سلف بما ينفذه ويقضيه".
ويقول في ص: 9: "وأما علم الله تعالى فلم يزل وهو كلام الله تعالى، وهو القرآن، وهو غير مخلوق، وليس هو غير الله تعالى أصلًا، ومن قال: إن شيئًا غير الله تعالى لم يزل مع الله عز وجل فقد جعل لله عز وجل شريكًا".
(1)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(3)
لم أقف عليه في كتاب السنة "المسند من مسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل" لعدم وضوح بعض لوحاته، رغم اجتهادي في ذلك.
وذكره الشيخ رحمه الله في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" 2/ 38.
لا يتكلم بصوت: "وروي عن يعقوب بن بختان أن أبا عبد الله سئل عمن زعم أن الله لا يتكلم بصوت، قال: بلى تكلم بصوت، وهذه الأحاديث كما جاءت نرويها، لكل حديث وجه، يريدون أن يموهوا على الناس، من زعم أن الله لم يكلم موسى، فهو كافر.
حدثنا عبد الرحمن بن المحاربي، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله (1)، قال (2): إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء فيخرون سجودًا حتى إذا فزع عن قلوبهم - قال: سكن (3) عن قلوبهم، نادى أهل السماء: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، قال: كذا وكذا".
وكذلك ذكر عبد الله في كتاب السنة، وذكره عنه الخلال (4) "قال: سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت، فقال أبي: بل تكلم الله تبارك وتعالى بصوت، وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت، وقال أبي: حديث ابن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سمع له صوت كجر سلسلة على الصفوان (5)، قال أبي: والجهمية تنكره، قال (6) أبي: وهؤلاء (7) كفار يريدون أن يموهوا على الناس، من زعم أن الله لم يتكلم فهو كافر، إنما نروي هذه الأحاديث كما جاءت.
يروي (8) المروذي عن أحمد حديث ابن مسعود، قال المروذي:
(1) يعني ابن مسعود.
(2)
هذا الأثر عن ابن مسعود تقدم تخريجه ص: 521.
(3)
في س: أسكن.
(4)
لم أقف عليه.
وراجعه في "درء تعارض العقل والنقل 2/ 39 ".
(5)
تقدم ص: 430 بلفظ آخر.
(6)
في س، ط: وقال.
(7)
في س، ط: هؤلاء.
(8)
في س، ط: وروى.
سمعت أبا عبد الله - وقيل له: إن عبد الوهاب (1) قد تكلم وقال: من زعم أن الله كلم موسى بلا صوت فهو جهمي عدو الله وعدو الإِسلام، [أي حقًّا جهمي عدو الله. من موسى بن عقبة (2) يا ضالًا مضلًا من ذب عن موسى بن عقبة؟ من كان من الناس يجانب أشد (3) المجانبة؟ وأبو عبد الله سأل حتى انتهى إلى آخر كلام عبد الوهاب](4) فتبسم أبو عبد الله
(1) هو: أبو الحسن عبد الوهاب بن عبد الحكم بن نافع البغدادي الوراق، روى عنه أبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم، صحب الإِمام أحمد رحمه الله وسمع منه.
قال المروذي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: عبد الوهاب الوراق رجل صالح، مثله يوفق لإصابة الحق.
وقال أحمد رحمه الله: عافاه الله، قل أن ترى مثله. توفي سنة 251 هـ.
راجع: تاريخ بغداد -للبغدادي- 11/ 25 - 28. وطبقات الحنابلة -لابن أبي يعلى- 1/ 209 - 212.
(2)
هو: أبو محمَّد موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي مولاهم، الأسدي المطرفي، عداده في صغار التابعين، وثقه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وغيرهم.
قال الواقدي: كان موسى فقيهًا مفتيًا. توفي سنة 141 هـ.
راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 4/ 1 / 154، 155. وتذكرة الحفاظ للذهبي- 1/ 148. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 10/ 360 - 362.
(3)
أشد: ساقطة من: س.
(4)
ما بين المعقوفتين مقحم في السياق المذكور، والذي وجدته في النسخ جميعًا.
والدليل على أنه مقحم:
1 -
أن النصوص الواردة في الموضوع بأسانيدها لم يرد فيها اسم موسى بن عقبة.
2 -
بالبحث عن ترجمة موسى بن عقبة لم أجد له رأيًا في كلام الله سبحانه وتعالى، بل ذكر أنه ثقة - كما تقدم في ترجمته.
3 -
وجدت الرواية بلا إقحام في كتاب "درء تعارض العقل والنقل"، 2/ 38، 39، ونصها:
"قال الخلال: وأنبأنا أبو بكر المروزي: سمعت أبا عبد الله -وقيل له: إن =
وقال: ما أحسن ما تكلم! عافاه الله! ولم ينكر منه شيئًا.
وقال الإِمام أبو عبد الله البخاري: صاحب الصحيح في "كتاب خلق الأفعال"(1):
"ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن الله ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب" (2) فليس هذا لغير الله عز وجل.
قال البخاري (3): وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق؛ لأن صوت الله يسمع من بعد كما يسمع من قرب، وأن الملائكة يصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا، وقال: لا تجعلوا لله ندًّا (4)، فليس لصفة الله ند ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين.
حدثنا به داود بن شيبة (5)، حدثنا همام، أنبأنا (6) القاسم بن عبد الواحد، حدثني عبد الله بن محمَّد بن عقيل أن جابر بن عبد الله حدثهم
= عبد الوهاب قد تكلم وقال: من زعم أن الله كلم موسى بلا صوت فهو جهمي عدو الله وعدو الإِسلام - فتبسم أبو عبد الله وقال: ما أحسن ما قال! عافاه الله".
4 -
الأسلوب ركيك لا يماثل أسلوب المخطوطة.
(1)
خلق أفعال العباد- ص: 98 - 100.
(2)
تقدم تخريجه ص: 430، 542 بلفظ "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت. . ".
(3)
في خلق أفعال العباد: قال أبو عبد الله.
(4)
في خلق أفعال العباد: وقال عز وجل: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} .
(5)
في خلق أفعال العباد: شيبة. وهو خطأ.
هو: أبو سليمان داود بن شبيب الباهلي البصري، روى عنه البخاري وأبو داود وغيرهما.
قال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة 222 هـ.
راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 1/ 2 / 415 ت: 1899.
وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 3/ 187.
(6)
في ط: أخبرنا. وفي خلق أفعال العباد: ثنا.
أنه سمع عبد الله بن أنيس يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة واحد من أهل النار يطلبه بمظلمة"(1)، وهذا قد استشهد به في صحيحه (2).
وقال (3): حدثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثنا أبي (4)، ثنا الأعمش، ثنا أبو (5) صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله يوم القيامة يا آدم، فيقول: لبيك ربنا (6) وسعديك، فينادي بصوت أن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار، قال: يا رب ما بعث النار؟ قال: من كل ألف -أراه قال- تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (7). وهذا الحديث رواه في صحيحه (8)، وقال (9): حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: من كان يحدثنا بهذه الآية لولا ابن
(1) تقدم تخريجه ص: 430، 542.
(2)
قوله: "وهذا قد استشهد به في صحيحه" إضافة من الشيخ رحمه الله لبيان أن هذا الحديث أورده البخاري في صحيحه -كتاب التوحيد- باب (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) 8/ 194.
(3)
يعني البخاري في خلق أفعال العباد.
(4)
حدثنا أبي: ساقطة من: خلق أفعال العباد.
(5)
في خلق أفعال العباد: عن أبي. .
(6)
كذا في جميع النسخ، وفي خلق أفعال العباد، ولم ترد لفظة "ربنا" في صحيح البخاري.
(7)
سورة الحج، الآية:2.
(8)
صحيح البخاري 4/ 109، 110 كتاب الأنبياء -باب قصة يأجوج ومأجوج. و 8/ 195 كتاب التوحيد - باب قوله تعالى:{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ. . .} .
(9)
يعني: البخاري في خلق أفعال العباد.
مسعود سألناه {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} (1)، قال يسمع أهل السماوات صلصلة مثل صلصة السلسلة على الصفوان فيخرون حتى إذا فزغ عن قلوبهم سكن الصوت عرفوا أنه الوحي، ونادوا:{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} (2).
وقال (3): ثنا عمر (4) بن حفص، ثنا أبي، ثنا الأعمش، ثنا مسلم، عن مسروق، عن عبد الله بهذا.
وقال (3): ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا عمرو (4) [قال سمعت عكرمة يقول] (5) سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله (6) صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان (7) فإذا {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (8).
(1) سورة سبأ، الآية:23.
(2)
سورة سبأ، الآية:23.
(3)
أي: البخاري في خلق أفعال العباد.
(4)
في س: عمرو. وهو خطأ في اسمه.
هو: أبو حفص عمر بن حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي، حدث عنه الشيخان في صحيحيهما، قال أبو حاتم: كوفي ثقة. توفي سنة 222 هـ.
راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 3/ 103 ت: 544. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 7/ 435.
(5)
ما بين المعقوفتين زيادة من صحيح البخاري، وخلق أفعال العباد.
(6)
لفظ الجلالة لم يرد في: س.
(7)
في جميع النسخ: الصفوان. والمثبت من صحيح البخاري، وخلق أفعال العباد.
وقد أخرجه البخاري في صحيحه 6/ 28 - كتاب التفسير- تفسير سورة سبأ.
(8)
سورة سبأ، الآية:23.
قال (1): وقال الحكم بن أبان: حدثني عكرمة، عن ابن عباس، إذا قضى الله أمرًا تكلم رجفت السماوات والأرض والجبال (2)، وخرت الملائكة كلهم سجدًا.
حدثنا عمرو بن زرارة، ثنا زياد، عن محمَّد بن إسحاق (3)، ثنا (4) محمد بن مسلم بن شهاب (5) الزهريّ، عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، عن عبد الله بن عباس، عن نفر من الأنصار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [لهم] (6):"ما كنتم (7) تقولون في هذا النجم الذي يرمى به؟ " قالوا (8): كنا يا رسول الله نقول حين رأيناها (9) يرمى بها: مات ملك أو ولد مولود، فقال (10) رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس ذلك كذلك، ولكن الله إذا قضى في خلقه (11) أمرًا يسمعه أهل العرش. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) أي: البخاري، والكلام متصل في خلق أفعال العباد.
(2)
في خلق أفعال العباد: الأرض والسماء والجبال. . .
(3)
في خلق أفعال العباد: محمَّد بن الحسن. وهو خطأ.
هو: أبو بكر محمَّد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، الإِمام الحافظ، كان أحد أوعية العلم، حبرًا في معرفة المغازي والسير. قال عنه الإِمام أحمد بن حنبل: حسن الحديث. توفي سنة 151 هـ.
راجع: تذكرة الحفاظ -للذهبي- 1/ 172 - 173. وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 9/ 38 - 46.
(4)
في خلق أفعال العباد: حدثني.
(5)
في خلق أفعال العباد:. . . مسلم بن عبيد الله بن شهاب. . . ". وقد تقدمت ترجمته ص: 308.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وخلق أفعال العباد.
(7)
كنتم: ساقطة من: خلق أفعال العباد.
(8)
في جميع النسخ: قال. والمثبت من: خلق أفعال العباد.
(9)
في س: رأينا هذا.
(10)
في خلق أفعال العباد: قال.
(11)
في س، ط حقه. وهو خطأ.
فيسبحون (1) فيسبح [من تحتهم](2) بتسبيحهم، فيسبح من تحت ذلك، فلم يزل التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا حتى (3) يقول بعضهم لبعض: لم سبحتم؟ فيقولون: سبح من فوقنا فسبحنا بتسبيحهم فيقولون: أفلا تسألون من فوقكم مم سبحوا (4)؟ فيسألونهم، فيقولون: قضى الله في خلقه كذا وكذا الأمر الذي كان، فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء، حتى ينتهي إلى السماء الدنيا، فيتحدثون به فتسترقه (5) الشياطين بالسمع على توهم منهم واختلاف، ثم يأتون به إلى الكهان (6)
(1) في س، وخلق أفعال العباد: فيسبحوا.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، وخلق أفعال العباد.
(3)
في خلق أفعال العباد: ثم.
(4)
في الأصل: لم سبحتم. وهو تصحيف. وفي س: بم سبحوا. والمثبت من: ط، وخلق أفعال العباد.
(5)
في خلق أفعال العباد: فيسترقه.
(6)
الكهان: جمع كاهن، والكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، ومطالعة علم الغيب، وحرفته الكهانة -بفتح الكاف وكسرها.
راجع: لسان العرب -لابن منظور- 13/ 362، 363 (كهن). والتعريفات -للجرجاني- ص:183. وتاج العروس -للزبيدي- 9/ 326، 327 (كهن).
والكهانة على ثلاثة أضرب -كما قال القاضي عياض، فيما نقله عنه النووي في شرحه لصحيح مسلم 7/ 14 / 223:
أحدها: يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء.
الثاني: أن يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض، وما خفي عنه مما قرب أو بعد.
الثالث: المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله فيه لبعض الناس قوة، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن (العرافة). وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفته بها، وقد يعتضد بعضهم في ذلك بالزجر والطرق والنجوم.
وانظر: فتح الباري لابن حجر 21/ 344 - 346. وشرح السنة للبغوي =
من أهل الأرض فيحدثونهم، فيخطئون ويصيبون، فتحدث به الكهان، ثم إن الله حجب الشياطين عن السماء بهذه النجوم وانقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة" (1).
قال أبو عبد الله محمَّد بن عمر الرازي في كتاب "نهاية العقول في دراية الأصول"(2) الذي زعم أنه أورد فيه من الدقائق ما لا يوجد في شيء من كتب الأولين والآخرين والسابقين واللاحقين والمخالفين (3) والموافقين:
= 12/ 182 تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة، وقد كذبهم الرسول صلى الله عليه وسلم وذمهم ونهى عن تصديقهم وإتيانهم.
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى. . . كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم".
أخرجه الترمذي في سنته 1/ 243 - أبواب الطهارة - باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض- الحديث / 135.
وأبو داود في سننه 4/ 225 - كتاب الطب -باب في الكاهن- الحديث رقم 3904.
والدارمي في سننه 1/ 207 - كتاب الطهارة. والإمام أحمد في المسند - 2/ 476.
قال محققًا كتاب "شرح السنة" 12/ 182: "إسناده قوي، وصححه الحاكم، وقواه الذهبي، وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح".
(1)
وقد أخرجه مسلم في صحيحه بلفظ آخر 4/ 1750، 1751 - كتاب السلام -باب في تحريم الكهانة وإتيان الكهان- الحديث / 124.
والترمذي في سننه 5/ 362، 363 كتاب تفسير القرآن - باب ومن سورة سبأ الحديث / 3224.
وبنهاية هذا الحديث انتهى النقل من: خلق أفعال العباد.
(2)
"نهاية العقول في دراية الأصول" - مخطوط- اللوحة 130.
(3)
المخالفين: ساقطة من: س، ط.
وراجع هذا الزعم في الورقة الأولى من "نهاية العقول" -مخطوط- معهد المخطوطات العربية - القاهرة.
الأصل التاسع (1)
في كونه تعالى متكلمًا. وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: في البحث عن محل النزاع:
أجمع المسلمون على أن الله تعالى متكلم، لكن المعتزلة زعموا أن المعنى بكونه متكلمًا أنه خلق هذه الحروف والأصوات في جسم، ونحن نزعم (2) أن كلام الله تعالى صفة حقيقة مغايرة (3) لهذه (4) الحروف والأصوات، وأن (5) ذاته تعالي موصوفة بتلك الصفة (6).
واعلم (7) أن التحقيق أنه لا نزاع بيننا وبينهم [في كونه متكلمًا بالمعنى * الذي ذكروه، لأن النزاع بيننا (8) وبينهم](9) إما في المعنى * (10) وإما في اللفظ (11).
أما في المعنى فإما أن يقع في الصحة أو في الوقوع، أما النزاع في الصحة (12) فذلك غير ممكن؛ لأنا توافقنا جميعَّا عَلى
(1) في هامش س: كلام الفخر الرازي في نهاية العقول.
(2)
في نهاية العقول: وأما نحن فنزعم.
(3)
في الأصل: متغايرة. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. وهو ما يستقيم به الكلام.
(4)
في جميع النسخ: لهذا. والصواب ما أثبت.
(5)
في نهاية العقول: ولكن.
(6)
في نهاية العفول: الصفات.
(7)
في نهاية العقول: اعلم.
(8)
في نهاية العقول: الذي بيننا.
(9)
ما بين المعقوفتين زيادة من: ط، ونهاية العقول.
وقد ورد في س: في كونه متكلمًا بالمعنى. وسقط الباقي.
(10)
ما بين النجمتين ساقط من: س. وقد ورد في نهاية العقول: إما أن يقع في المعنى.
(11)
في نهاية العقول: أو في اللفظ.
(12)
في س: الحق.
أنه (1) تعالى يصح منه إيجاد الحروف والأصوات، أما في الوقوع فذلك عندنا (2) غير ممكن؛ لأنه تعالى موجد لجميع أفعال العباد، ومنها هذه الحروف والأصوات، فكيف يمكننا إنكار كونه موجدًا لها على مذهبهم وهم يثبتون (3) ذلك بالسمع.
ومعلوم أن الجزم بوقوع الجائزات التي لا تكون محسوسة لا يستفاد إلا من السمع، فإذا كان المعنى بكونه متكلمًا عندهم أنه (4) خلق هذه الحروف والأصوات، ولم يثبتوا له من كونه تعالى خالقًا صفة (5) أو حالة أو حكمًا (6) أزيد من كونه خالقًا لها، فقد (7) تعين أنه لا يمكن منازعتهم في ذلك ثبت أنه لا نزاع بيننا وبينهم من جهة (8) المعنى في كونه متكلمًا بالتفسير الذي قالوه.
وأما النزاع من جهة اللفظ فهو أن يقال: لا نسلم أن لفظة (9) المتكلم في اللغة موضوعة لموجد الكلام، والناس قد أطنبوا من الجانبين في هذا المقام، وليس ذلك (10) مما يستحق الإطناب، لأنه بحث لغوي
(1) في نهاية العقول: أن الله.
(2)
عندنا: ساقطة من: نهاية العقول.
(3)
في نهاية العقول: وأما على مذهبهم فهم يثبتون. . . .
(4)
في الأصل، س: إلا أنه. ولا يستقيم المعنى بذلك. وقد وردت العبارة في نهاية العقول: "وإذا كان لا معنى لكونه متكلمًا عندهم إلا أنه. . " والمثبت من: ط.
(5)
في نهاية العقول: ولم يثبتوا له تعالى من كونه خالقًا لها صفة. .
(6)
في س، ط: وحكمًا.
(7)
في نهاية العقول: وقد.
(8)
في نهاية العقول: من حيث.
(9)
في نهاية العقول: لفظ.
(10)
في نهاية العقول: هو.
وينبغي أن يرجع فيه إلى (1) الأدباء، وليس هذا من المباحث العقلية في شيء، وأقوى ما تمسك به أصحابنا في هذه المسألة اللفظية أمور أربعة:
أولها: أن أهل اللغة متى سمعوا من إنسان (2) كلامًا سموه متكلمًا، مع أنهم لا يعلمون كونه فاعلًا لذلك الكلام [اللهم إلا](3) بالدلالة (4)، ولو كان المتكلم هو الفاعل للكلام لما أطلقوا اسم المتكلم عليه إلا بعد العلم بكونه فاعلًا [له](5).
ثانيها: أن الاستقراء (6) لما دل على (7) أن الأسود هو الموصوف بالسواد وكذلك الأبيض والعالم والقادر، وجب أن يكون المتكلم في اللغة هو (8) من قام به الكلام.
وثالثها: أن الله تعالى خلق الكلام في السماء والأرض، حين قال {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (9) ثم إنه أضاف ذلك القول إليهما،
(1) في الأصل، س: في. وأثبت المناسب للسياق من: ط، وقد وردت العبارة في نهاية العقول: وينبغي أن يراجع فيها الأدباء.
(2)
في نهاية العقول: الإنسان.
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة من: نهاية العقول. توضح العبارة.
(4)
في الأصل: أو بالأدلة. وفي س: أو بالدلالة. وساقطة من: ط. والمثبت من: نهاية العقول.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن طابع الكتاب أسقط هذه الكلمة تعمدًا لعدم فهمه العبارة، ولو رجع إلى نهاية العقول -مخطوط- واطلع عليه لاتضحت له، لكنه لم يكلف نفسه عناء الرجوع إليه فحذف الكلمة، وفي هذا إساءة إلى الكتاب وتصرف فيه.
(5)
ما بين المعقوفتين زيادة من: نهاية العقول.
(6)
في س، ط: الاستقرار.
(7)
في الأصل: عليه. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
(8)
هو: ساقطة من: نهاية العقول.
(9)
سورة فصلت، الآية:11.
وأيضًا فلو كان ذلك كلام الله (1) تعالى لزم أن يكون الله تعالى متكلمًا بقوله {ائْتِيَا طَوْعًا} وذلك باطل وخطأ (2).
ورابعها: أنه تعالى خلق الكلام في الذراع التي أكلها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لا تأكل مني فإني مسمومة (3)، وذلك باطل، وأقوى ما تمسك به المعتزلة أن العرب يقولون: تكلم الجني على لسان المصروع، فأضافوا الكلام القائم بالمصروع إلى الجني، لاعتقادهم كون الجني فاعلًا له، فلولا اعتقادهم أن المتكلم هو الفاعل للكلام وإلا لما صح ذلك.
والجواب عنه يحتمل أن يكون ذلك مجازًا، وإن (4) كان حقيقة فربما كان مرادهم أن ذلك الكلام هو كلام الجني حال كونه قريبًا من لسان المصروع، فإذا القدر كاف من (5) البحث اللغوي الخالي عن الفوائد العقلية فإذا هو البحث عن كونه متكلمًا على مذهب المعتزلة.
فأما (6) على مذهبنا، فنحن نثبت لله تعالى كلامًا مغايرًا لهذه الحروف والأصوات، وندعي قدم ذلك الكلام، وللمعتزلة فيه (7) ثلاث مقامات:
الأول: مطالبتهم إيانا بإفادة تصور ماهية هذا الكلام.
الثاني: المطالبة بإقامة الدلالة على اتصافه تعالى بها.
الثالث: المطالبة بإقامة الدلالة على كونه قديمًا، فثبت أن الخلاف
(1) في نهاية العقول: كلامًا لله.
(2)
خطأ: ساقطة من: نهاية العقول.
(3)
في نهاية العقول: مسموم. وقد تقدم تخريجه ص: 282.
(4)
في نهاية العقول: أو إن. .
(5)
في نهاية العقول: عن.
(6)
في نهاية العقول: وأما.
(7)
في نهاية العقول: معنا فيه.
بيننا وبينهم (1) ليس في كيفية الصفة فقط، بل في وجه تصور ماهيتها أولًا (2) ثم في إثباتها ثانيًا (3)، ثم في إثبات قدمها [ثالثًا](4)، وهذا القدر لا بد من معرفته لكل من أراد (5) أن يكون كلامه في هذه المسألة ملخصًا، ونحن بعون الله تعالى نذكر دلالة وافية بالأمور الثلاثة.
الفصل (6) الثَّاني: في كونه متكلمًا وإثبات قدم كلامه:
الدليل (7) عليه (8) حصول الاتفاق على أنَّه آمر ناه مخبر، لا يخلو (9) إما أن يكون أمره ونهيه عبارة عن مجرد الألفاظ، أو لا يكون كذلك (10)، والأول باطل، لأنَّ اللفظة الموضوعة للأمر قد كان من (11) الجائز (12) أن يضع اللفظة الموضوعة للأمر (13) لإفادة معنى الخبر وبالعكس، فإذن كون اللفظة المعنية أمرًا ونهيًا أو خبرًا إنَّما كان لدلالته (14) على ماهيته (15): الطّلب والزجر والحكم، وهذه الماهيات
(1) في نهاية العقول: وبين المعتزلة.
(2)
في الأصل: أم لا. وهو خطأ- والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
(3)
ثم في إثباتها ثانيًا: ساقطة من: س، ط.
(4)
ما بين المعقوفتين زيادة من: نهاية العقول.
(5)
في نهاية العقول: لمن أراد.
(6)
في س: فصل.
(7)
في ط: فالدليل. وفي نهاية العقول: والدليل.
(8)
عليه: ساقطة من: س، ط.
(9)
في نهاية العقول: آمر وناه ومخبر فلا يخلو. . .
(10)
كذلك: ساقطة من: نهاية العقول.
(11)
من: كررت في: س.
(12)
في س، ط: الجائزات.
(13)
في جميع النسخ: اللفظة التي وضعها لأن إفادة معنى الأمر. . ولعل الكلام يستقيم بما أثبت من: نهاية العقول.
(14)
في نهاية العقول: إنَّما كانت لدلالتها.
(15)
في الأصل: هية. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
ليست أمورًا وضعية (1)، لأنا نعلم بالضرورة أن [ماهية](2) السواد لا ينقلب بياضًا أو غيره وبالعكس، وكذلك ماهية (3) الطّلب لا تنقلب ماهية الزجر، ولا الواحدة منها (4) ماهية الحكم.
وإذا أثبت ذلك فنقول: لما كان الله تعالى آمرًا ناهيًا مخبرًا، وثبت أن ذلك لا يتحقق إلّا إذا (5) كان الله موصوفًا بطلب وزجر وحكم، فهذه الأمور الثلاثة ظاهر (6) أنها ليست عبارة عن العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والبقاء، بل الذي يشتبه الحال (7) فيه إما في الطّلب والزجر (8) فهي (9) الإرادة والكراهة (10)، وإما في الحكم فهو (11) العلم.
والأول: باطل لما ثبت في خلق الأعمال (12) وإرادة الكائنات، أن الله تعالى قد يأمر بما لا يريد وينهى (13) عما يريد،
(1) في جميع النسخ: وصفية. ولعلّه تصحيف. والمثبت من: نهاية العقول. وهو ما يدل عليه السياق.
(2)
ما بين المعقوفتين: زيادة من: نهاية العقول.
(3)
في نهاية العقول: وكذلك نعلم بالضرورة أن ماهية. . .
(4)
في الأصل، ط: ولا الزجر منها. وفي س: ولا الزاجر منها. ولا يستقيم الكلام بذلك، والمثبت من: نهاية العقول.
(5)
في س: فنقول لما. وهو تصحيف.
(6)
في س، ط: ظاهرًا. وفي نهاية العقول: ظاهره.
(7)
الحال: ساقطة من: نهاية العقول.
(8)
في ط: ولزجر.
(9)
في نهاية العقول: فهو.
(10)
في س، ط: الكراهية.
(11)
في جميع النسخ: وهو. والمثبت من: نهاية العقول. ولعلّه المناسب للسياق.
(12)
في الأصل: الأفعال لعمال. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
(13)
في نهاية العقول: وقد ينهى.
فوجب (1) أن يكون معنى (افعل) و (لا تفعل)(2) في حق الله شيئًا سوى الإرادة، وذلك هو المعني بالكلام (3).
والثاني (4): باطل، لأنَّه (5) في الشاهد قد يحكم الإنسان بما لا يعلمه ولا يعتقده ولا يظنه، فإذن الحكم الذهني في الشاهد مغاير (6) لهذه الأمور، وإذا ثبت ذلك في الشاهد ثبت في الغائب، لانعقاد الإجماع على أن ماهية الخبر لا تختلف في الشاهد والغائب.
قال (7): فثبت أن أمر الله ونهيه وخبره صفات حقيقة (8) قائمة بذاته مغايرة (9) لإرادته (10) وعلمه، وأن الألفاظ الواردة في الكتب المنزلة دليل عليها، وإذا ثبت ذلك وجب القطع بقدمها، لأنَّ الأمة على قولين (11) في هذه المسألة، منهم من نفى كون الله موصوفًا بالأمر والنهي والخبر بهذا المعنى، ومنهم من أثبت ذلك، وكل من أثبته موصوفًا بهذه الصفات زعم أن هذه الصفات قديمة، فلو أثبتنا (12) كونه -تعالى- موصوفًا بهذه الصفات، ثم حكمنا بحدوث هذه الصفات، كان ذلك قولًا ثالثًا خارقًا للإجماع وهو باطل.
(1) في س، ط: فموجب.
(2)
في نهاية العقول: أن يكون المرجع بما دلت عليه لفظة: افعل أو لا تفعل.
(3)
في نهاية العقول: ولا معنى بالكلام سوى ذلك.
(4)
في نهاية العقول: والثاني أيضًا.
(5)
في نهاية العقول: لأن.
(6)
في س: مغايرًا.
(7)
أي: الرازي في نهاية العقول. والكلام متصل بما قبله.
(8)
في ط: حقيقية.
(9)
في الأصل: متغايرة. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. ولعلّه المناسب.
(10)
في جميع النسخ: لذاته. والمثبت من: نهاية العقول. وبه يستقيم الكلام.
(11)
في س: القولين.
(12)
في س، ط: أثبت.
ثم أورد على نفسه (1) أسئلة، منها ممانعات (2) تارة في إثبات هذه المعاني لله، وتارة في قدمها، وقال (3):
"ومنها لم (4) لا يجوز أن يكون المرجع بالحكم الذي هو معنى الخبر إلى كونه عالمًا بذلك؟ ولئن (5) سلمنا كونه -تعالى- موصوفًا بالأمر والنهي والخبر على الوجه الذي ذكرتموه، لكن لم قلتم: إن تلك المعاني قديمة بقولكم (6): كل من أثبت هذه المعاني أثبتها قديمة؟
قلنا (7): القول في إثباتها مسألة، والقول في قدمها مسألة أخرى، فلو لزم من ثبوت إحدى المسألتين ثبوت (8) المسألة الأخرى، لزم من إثبات كونه تعالى عالمًا بعلم قديم إثبات كونه -تعالى- متكلمًا بكلام قديم، وإذا كان ذلك باطلًا، فكذا ما ذكرتموه، ثم لئن سلمنا أن هذا النوع [من الإجماع يقتضي (9) عدم كلام الله، لكنَّه معارض بنوع آخر](10) من الإجماع، وهو أن أحدًا من الأمة لم يثبت قدم كلام الله بالطريق الذي ذكرتموه فيكون التمسك بما ذكرتموه خرقًا للإجماع".
(1) يعني: الرازي في نهاية العقول. وهذه الأسئلة تقع في لوحة تقريبًا من الكتاب رقمها 131.
(2)
في س: ممانعًا. وفي ط: ممانعاة.
(3)
في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 131.
(4)
لم: ساقطة من: س، ط.
(5)
في س: وإن.
(6)
في الأصل، س: قولكم. وفي نهاية العقول: قوله. وأثبت المناسب من: ط.
(7)
في جميع النسخ: قلت. وهو خطأ إذ يفهم منه أنَّه بداية كلام الشَّيخ رحمه الله. والمثبت من: نهاية العقول.
(8)
في س: بثبوت.
(9)
في نهاية العقول: في أنَّه يقتضي.
(10)
ما بين المعقوفتين ساقط من: س.
ثم ذكر معارضات المخالف بوجوه عقلية ونقلية تسعة (1).
وقال (2) في الجواب: "قوله: سلمنا أن خبر الله دليل (3) على أن الله حكم بنسبة (4) أمر إلى أمر، لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك الحكم هو العلم؟
قلنا: هذا باطل لوجهين:
أما أولًا: فلأن القائل في المسألة (5) قائلان: قائل يقول نثبت لله -تعالى- خبرًا قديمًا، ونثبت كونه مغايرًا للعلم، وقائل: لا نثبت له خبرًا قديمًا أصلًا، فلو قلنا: إن الله له خبر قديم (6)، ثم قلنا: إنه هو العلم، كان ذلك خرقًا للإجماع.
وأمَّا ثانيًا: فلأنّا بيّنا في أول الاستدلال أن فائدة الخبر في الشاهد [ليست هي الظن والعلم (7) والاعتقاد، وإذا بطل ذلك في الشاهد](8) وجب أن يكون في الغائب (9) كذلك، لانعقاد الإجماع على أن فائدة الخبر لا تختلف في الشاهد والغائب.
(1) خمسة عقلية، وأربعة نقلية، ذكرها الرازي في نهايته في اللوحات: 131، 132، 133.
(2)
الرازي في نهاية العقول- مخطوط- اللوحة: 133.
(3)
في الأصل: بدليل، ولا يستقيم الكلام به. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
(4)
في الأصل: بنسبته. ولا يناسب السياق. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
(5)
في س، ط: في هذه المسألة.
(6)
في نهاية العقول: قلنا: إن لله خبرًا قديمًا. .
(7)
في نهاية العقول: هي العلم والظن. . .
(8)
ما بين المعقوفتين ساقط من: س.
(9)
في الأصل: الغالب. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول. وهو المناسب للسياق.
قوله: سلمنا بثبوت معاني (1) هذه الألفاظ لله، فلم قلتم: إنَّها قديمة؟
قلنا: للإجماع المذكور.
قوله: لو لزم من القول بإثبات هذه الصفة لله إثبات قدمها، لأنَّ كل من قال بالأول قال بالثاني، لزم من القول بإثبات العلم القديم إثبات الكلام القديم، لأنَّ [كل](2) من قال بالأول قال بالثاني.
قلنا: الفرق بين الموضوعين مذكور في "المحصول في علم الأصول"(3)، فإن المعتزلة يساعدوننا (4) على الفرق بين الموضعين فلا يكون.
قوله: إثبات قدم كلام الله بهذه الطريقة (5) على خلاف الإجماع.
قلنا: قد بينا في كتاب المحصول (6) أن إحداث دليل لم يذكره أهل الإجماع لا يكون خرقًا للإجماع.
وقال (7): في الجواب عن المعارضة: "وأمَّا المعارضة الخامسة (8) وما بعدها من الوجوه السمعية، فالجواب عنها حرف واحد، وهو أنا لا ننازع في إطلاق لفظ القرآن وكلام الله على هذه الحروف والأصوات، وما ذكروه من الأدلة فهو إنَّما يفيد حدوث القرآن بهذا
(1) معاني: ساقطة من: س، ط.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ونهاية العقول.
(3)
"المحصول في علم أصول الفقه" -لأبي عبد الله الرازي.
(4)
في جميع النسخ: يساعدونا. والمثبت من: نهاية العقول.
(5)
في س، ط، ونهاية العقول: الطريق.
(6)
انظر: المحصول في علم أصول الفقه -لأبي عبد الله الرازي 2/ 1 / 224 - 228.
(7)
الرازي في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 134.
(8)
الإجابة عن المعارضات الأربع في نصف صفحة تقريبًا من اللوحة: 133.
التفسير، وذلك متَّفقٌ عليه، وأمَّا نحن (1) بعد ذلك ندعي صفة قائمة بذات الله -تعالى- وندعي قدمها، وقد بينا أن تلك الصفة يستحيل وصفها بكونها عربية وعجمية ومحكمة ومتشابهة، لأنَّ كل ذلك من صفات الكلام الذي حاولوا (2) إثبات حدوثه، فنحن لا ننازعهم في حدوثه، والكلام الذي ندعي قدمه لا يجري فيه ما ذكروه من الأدلة".
ثم قال (3): في الأصل العاشر الذي هو في الكلام على بقية الصفات في القسم الثالث منه.
الفصل الثَّاني (4): في بيان (5)[أن](6) كلام الله واحد.
المشهور اتفاق الأصحاب على ذلك، وقد نقل أبو القاسم الإسفرائيني (7) منا عن بعض قدماء أصحابنا أنهم أثبتوا لله خمس كلمات، الأمر والنهي والخبر والاستخبار والنداء.
قال (8): وأعلم أن هذه المسألة إما أن يتكلم فيها مع القول بنفي الحال (9)، أو مع القول بإثباته، فإن كان. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) في س، ط: وإنما نحن.
(2)
ورد في "نهاية العقول بعد الاسم الموصول"، وقبل كلمة "حاولوا" ما يلي:"هو عبارة عن الحروف والأصوات، فالحاصل أن الكلام الذي. . . ".
(3)
الرازي في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 157.
(4)
في الأصل: الثالث. وهو خطأ. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
(5)
بيان: ساقطة من: نهاية العقول.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ونهاية العقول.
(7)
هو: أبو القاسم عبد الجبار بن علي بن محمد الإسفراييني، الأصم المتكلم على مذهب أبي الحسن الأشعري، المعروف بالإسكاف، وهو تلميذ أبي إسحاق الإسفراييني، وشيخ إمام الحرمين الجويني. توفي سنة 452 هـ.
انظر: "تبيين كذب المفتري" -لابن عساكر- ص: 265. "طبقات الشَّافعية"- للسبكي - 5/ 99، 100. "سير أعلام النبلاء" -للذهبي- 18/ 117.
(8)
أي: الرازي في نهاية العقول. والكلام متصل بما قبله.
(9)
الحال كما يقول الجويني في الإرشاد ص: 80: "صفة لموجود غير متصفة بالوجود =
الأول (1) صعبت (2) المسألة جدًّا لأنَّ (3) وجود كل شيء عين حقيقته، فإذا كانت حقيقة الطّلب مخالفة لحقيقة الخبر، كان وجود الطّلب مخالفًا لوجود الخبر -أيضًا- إذ لو اتحدا في الوجود مع اختلافهما في الحقيقة كان الوجود غير الحقيقة، وذلك يقتضي إثبات الأحوال، لا يقال: لا نسلم أن يكون (4) الكلام خبرًا وطلبًا حقائق مختلفة، بل حقيقة الكلام هو الخبر، ألا ترى أن من طلب من غيره فعلًا أو تركًا، فقد أخبر ذلك الغير بأنه لو لم يفعله لعاقبه، أو بأنه يجب على العاقل الإحلال، ومن استفهم فقد أخبر أنَّه يطلب منه الإفهام، وإذا صار الكلام كله خبرًا زال الإشكال (5)، لأنا نقول: ليس هذا. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولا بالعدم".
أي: الواسطة بين الوجود والعدم.
والحال أثبتها إمام الحرمين والباقلاني من الأشاعرة، وأبو هاشم وأتباعه من المعتزلة، وأبطلها غير هؤلاء من المتكلمين.
وللاطلاع على تفاصيل أقوال مثبتي الأحوال، ونفاتها تراجع الكتب التالية:
"الإرشاد" -للجويني- ص: 80 - 84. "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" -للرازي- ص: 60، 61. "غاية المرام في علم الكلام" -للآمدي- ص: 27 - 37. "التمهيد" -للبقلاني- ص: 200 - 202.
(1)
في الأصل: الكلام. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
(2)
في جميع النسخ: ضعفت. ويظهر أنَّه تصحيف. والمثبت من: نهاية العقول.
(3)
في س: الآن.
(4)
في نهاية العقول: لا نسلم كون. .
(5)
بعد كلمة الإشكال ورد في نهاية العقول الكلام التالي: "ثم لئن سلمنا اختلاف هذه الأمور في حقائقها، ولكن لا نسلم أن الشيء الواحد يستحيل أن يكون خبرًا وطلبًا.
بيانه أن إنسانًا لو قال لبعض عبيده: متى قلت لك هذه الصيغة فاعلم أني أطلب منك الترك، وقال للآخر: متى قلت لك افعل فاعلم أني أطلب منك الفعل، وقال للآخر: متى قلت لك هذه الصيغة فاعلم أني أخبر عن كون العالم محدثًا، فإذا حضروا بأمر وخاطبهم دفعة واحدة بهذه الصيغة كانت تلك الصيغة الواحد أمرًا نهيًا خبرًا معًا، فإذا عقل ذلك في الشاهد فليقل مثله في الغائب، لأنا نقول. . ".
شيء (1)، لأنَّ حقيقة الطّلب مغايرة لحقيقة حكم الذهن بنسبة أمر إلى أمر، وتلك المغايرة معلومة بالضرورة، ولهذا يتطرق التصديق والتكذيب إلى أحدهما دون الآخر".
قال (2): "وإن تكلمنا على القول بالحال، فيجب أن ينظر في (3) أن الحقائق الكثيرة هل يجوز أن تتصف بوجود واحد أم لا؟.
فإن قلت: جاز (4) ذلك، فحينئذ يجوز أن تكون الصفة الواحدة حقائق مختلفة، وإلّا بطل القول بذلك، وأنا إلى الآن لم يتضح لي فيه دليل، لا نفيًا ولا إثباتًا.
والذي يقال في امتناعه: أنا لو قدرنا شيئًا واحدًا يكون (5) له حقيقتان، فإذا طرأ عليهما ما يضاد إحدى الحقيقتين [دون الأخرى](6) لزم أن تعدم (7) تلك الصفة من أحد (8) الوجهين، ولا تعدم (9) من الوجه الآخر.
قال (10): وهذا ليس بشيء، لأنا حكينا عن المعتزلة (11) استدلالهم
(1) في نهاية العقول: "لأنا نقول: إن القول بأنَّ كل كلام خبر ليس بشيء. . ".
(2)
الرازي في نهاية العقول- اللوحة: 157.
(3)
في: ساقطة من: نهاية العقول.
(4)
في الأصل، س: فإن قلنا يجوز. وفي ط: فإن قلنا بجواز. والمثبت من: نهاية العقول. لأنَّ الرازي يناقش خصومه.
(5)
في جميع النسخ: واحدًا له يكون له. والمثبت من: نهاية العقول. والكلام يستقيم بدون لفظة "له".
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: نهاية العقول.
(7)
في س، ط: نقدم. وهو تصحيف.
(8)
في ط: إحدى.
(9)
في س، ط: نقدم. وفي نهاية العقول: وإن لم تعدم. .
(10)
القائل: هو الرازي في نهاية العقول. وهي إضافة من الشَّيخ رحمه الله للبيان، والكلام متصل بما قبله.
(11)
في نهاية العقول: عن المعتزلة في إثبات المعدوم. .
بمثل هذا الكلام، على أن صفات الأجناس لا تقع بالفاعل، ثم زيفنا ذلك من وجوه عديدة (1)، وتلك الوجوه بأسرها عائدة ها هنا، فهذا هو الكلام على من استدل على امتناع أن يكون الكلام الواحد أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا (2) معًا.
وأمَّا الذي يدل على أن الأمر كذلك فلا يمكن أن يعول (3) فيه على الإجماع من الحكاية (4) التي ذكرها أبو إسحاق الإسفرائيني، ولم نجد لهم نصًّا، ولا يمكن أن يقال (5) فيه دلالة عقلية (6)، فبقيت المسألة بلا دليل.
وإنَّما قال: لا يمكن التعويل فيها على الإجماع، لأنَّ الذي اعتمد عليه في أن علم الله واحد (7) ما نقله عن القاضي أبي بكر أنَّه عول فيها على الإجماع فقال (8): "القائل قائلان: قائل يقول: الله عالم [بالعلم](9) قادر بالقدرة، وقائل يقول:[إن (10) الله ليس بعالم (11) بالعلم، ولا قادرًا بالقدرة](12)، وكل من قال بالقول الأول قال: إنه عالم بعلم واحد، قادر (13) بقدرة واحدة، فلو قلنا: إنه عالم بعلمين أو أكثر كان
(1) في نهاية العقول: عدة.
(2)
في نهاية العقول: أمرًا نهيًا خبرًا استخبارًا.
(3)
في س: نقول. وفي ط: نعول.
(4)
في نهاية العقول: للحكاية. وسوف يشير إليها الشَّيخ فيما بعد.
(5)
قوله: ولا يمكن أن يقال: ساقط من: نهاية العقول.
(6)
في س: عقيله.
(7)
في س: واحدًا.
(8)
في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 157 - الأصل العاشر- القسم الثالث الفصل الأول في وحدة علم الله وقدرته.
(9)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط، ونهاية العقول.
(10)
إن: ساقطة من: س، ط، ونهاية العقول.
(11)
في نهاية العقول: ليس عالمًا. .
(12)
ما بين المعقوفتين مكرر في: س.
(13)
في نهاية العقول: وقادر.
ذلك قولًا ثالثًا خارقًا للإجماع وهو باطل" (1).
وقد ذكر (2) عن أبي سهل (3) الصعلوكي أنَّه قال: إنه عالم بعلوم غير متناهية، لكن قال: هو مسبوق بهذا الإجماع.
قلت: وهذا الكلام فيه أمور (4) يتبين بها من الهدى لمن يهديه الله ما ينتفع به.
أحدها:
أنَّه لم يعتمد في كون كلام الله قديمًا على حجة عقلية، ولا على كتاب ولا سنة، ولا كلام أحد من السلف والأئمة، بل ادعى فيها الإجماع قال: لأنَّ الأمة في هذه المسألة على قولين: منهم من نفى كون الله موصوفًا بالأمر والنهي والخبر بهذا المعنى، ومنهم من أثبت ذلك، وكل من أثبته موصوفًا بهذه الصفات زعم أن هذه الصفات قديمة فلو أثبتنا كونه موصوفًا بهذه الصفات، ثم حكمنا بحدوث هذه الصفات كان ذلك
(1) في نهاية العقول:. . . ثالثًا خارجًا عن الإجماع، وإنه باطل.
(2)
أي: الرازي في المصدر السابق، نفس اللوحة والأصل والقسم والفصل.
(3)
في الأصل: أبو بكر الصعلوكي. وهو خطأ.
والمثبت من: س، ط، ونهاية العقول.
هو: أبو سهل محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون الحنفي نسبًا -من بني حنيفة- العجلي الصعلوكي النيسابوري، الفقيه الشَّافعي المتكلم الصُّوفي.
ذكر الذهبي أن الحاكم قال فيه: أبو سهل مفتي البلدة وفقيهها وأجدل من رأينا من الشَّافعية بخراسان، وهو مع ذلك أديب شاعر نحوي كاتب عروضي صحب الفقراء، توفي بنيسابور سنة 269 هـ.
راجع: وفيات الأعيان لابن خلكان- 4/ 204، 205. سير أعلام النبلاء -للذهبي- 16/ 235 - 239. طبقات الشَّافعية -للسبكي- 3/ 167 - 173.
(4)
الأولى أن تكون: "وجوه". لأنَّ الشَّيخ رحمه الله عند ذكره لها عدا الأول يذكر "الوجه. . ".
قولًا ثالثًا خارقًا للإجماع.
يقال له: ليس كل من أثبت اتصافه وأنه يقوم به معنى الأمر والنهي والخبر يقول بقدمه، بل كثير من هؤلاء لا يقول بقدمه، فمن أهل الكلام كالشيعة والكرامية وغيرهم، وأمَّا من أهل الحديث والفقهاء فطوائف كثيرة، وهذا مشهور في الكتب الحديثية والكلامية، وليس له أن يقول هؤلاء يقولون: إنه يقوم به حروف ليست قديمة، ولكن لا يقولون: إنه يقوم به معان ليست قديمة، لأنَّ أقوالهم المنقولة تنطق بالأمرين جميعًا.
الوجه الثَّاني:
أن أحدًا من السلف والأئمة لم يقل: إن القرآن قديم، وإنه لا يتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، والمخلوق عندهم ما خلقه الله من الأعيان والصفات القائمة بها، والذين قالوا: هو مخلوق، قالوا: إنه خلقه في جسم كما نقله عنهم".
فقال السلف: إن ذلك يستلزم أن لا يكون الله متكلمًا، وإن الكلام كلام ذلك الجسم المخلوق، فتكون الشجرة هي القائلة لموسى:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} (1).
ولهذا صرحوا [بخطأ](2) من يقول: إن ذلك مخلوق لأنَّ عندهم أنَّه من المعلوم بالفطرة شرعًا وعقلًا ولغة أن المتكلم بهذا الذي يقوم به وربما قد يقولون: إنه لم يكن متكلمًا حتَّى خلق الكلام، فصار متكلمًا بعد أن كان عاجزًا عن الكلام، فتوهم هؤلاء أن السلف عنوا بقولهم: القرآن كلام الله غير مخلوق أنَّه معنى واحد قديم، كتوهم من توهم من المعتزلة والرافضة أنهم عنوا به أنَّه غير مفترى مكذوب، كما ذكره هو في
(1) سورة طه، الآية:14.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة من: ط. وفي الأصل، س: بياض بقدر كلمة.
هذه المسألة، فقال" (1):
الحجة الرابعة لهم من السمعيات: "ما روى أبو الحسين البصري (2) في الغرر (3) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من آية الكرسي" (4)، وروى عنه عليه السلام أنَّه كان يقول في دعائه: "يا رب طه" ويس "ويا رب القرآن العظيم" (5).
قال (6): ولا يقال هذا معارض بمبالغة السلف من الامتناع عن القول بخلق القرآن، لأنا نقول: يحمل ذلك على (7) الامتناع من إطلاق هذا اللفظ (8)، لأنَّ لفظ (9) الخلق قد يستعمل في الافتراء ضرورة التوفيق بين الروايات".
قلت: وجواب هذه الحجة سهل، فإنَّه لا خلاف بين أهل العلم بالحديث أن هذين الحديثين كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الحديث
(1) أبو عبد الله الرازي في نهاية العقول -مخطوط- اللوحة: 132.
(2)
في نهاية العقول: أبو الحسن، وهو خطأ. وتقدمت ترجمته ص:314.
(3)
الغرر: سوف يرد الكلام عليه في ص: 648.
(4)
الشَّيخ رحمه الله بين أن هذا الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه على هذه الحجة بعد أسطر قليلة، وأنه لا يوجد في شيء من كتب الحديث.
وقد ورد هذا الحديث المكذوب في نهاية العقول بلفظ: "ما خلق الله في السماء والأرض ولا في سهل ولا جبل. . . ".
(5)
أيضًا هذا الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بين ذلك الشَّيخ رحمه الله فيما بعد، وأوضح أن هذا الحديث والذي قبله لا يوجدان في شيء من كتب الحديث، ولا في شيء من كتب المسلمين أصلًا بإسناد معروف.
(6)
أي: الرازي في نهاية العقول. قال: إضافة من الشَّيخ للبيان. والكلام متصل.
(7)
في س: على أن.
(8)
في نهاية العقول:. . . الامتناع من هذه اللفظة.
(9)
لفظ: ساقطة من: نهاية العقول.
يعلمون أن ذلك مفترى عليه بالضرورة، كما يعلمون ذلك في أشياء كثيرة من الموضوعات عليه، ويكفي أن نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوجد في شيء من كتب الحديث، ولا في شيء من كتب المسلمين أصلًا بإسناد معروف، بل الذي رووه في كتب أهل الحديث بالإسناد المعروف عن ابن عباس أنَّه أنكر على من قال ذلك.
فروي من [غير](1) وجه عن عمران بن حدير (2) عن عكرمة قال: "صليت مع ابن عباس على رجل، فلما دفن قام رجل فقال: يا رب القرآن اغفر له، فوثب إليه ابن عباس فقال: مه إن القرآن منه".
وفي رواية: "القرآن كلام الله ليس بمربوب، منه خرج وإليه يعود"(3).
فهذا الأثر المأثور عن ابن عباس هو ضد ما رووه، وأمَّا ما رووه فلا يؤثر لا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصّحابة ولا التّابعين أصلًا.
وكذلك الحديث الآخر: "ما خلق (4) الله من سماء ولا أرض" فإن هذا لا يؤثر عن -النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أصلًا، ولكن يؤثر عن ابن مسعود نفسه (5).
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
(2)
في جميع النسخ: جدير. وهو خطأ. وتقدم التعريف به.
(3)
سبق تخريجه ص: 294، 365.
(4)
في س، ط: وهو قوله ما خلق. .
(5)
أخرجه البُخاريّ في خلق أفعال العباد بلفظ آخر سوف يذكره الشَّيخ رحمه الله بعد عدة أسطر.
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص: 288. وأبو عبد الله الجوزقاني في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير 2/ 295، 296، 297. والسيوطي في الدر المنثور 2/ 7. وكلهم بلفظ: "ما من سماء. . . ".
وقد أخرج السيوطي في المصدر السابق ص: 8: عن ابن الضريس ومحمد بن نصر والهراوي في فضائله عن ابن عباس قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من سورة البقرة، وأعظم آية فيها آية الكرسي.
وقد ثبت عن ابن مسعود بنقل العدول أنَّه قال: من حلف بالقرآن فعليه بكلِّ آية يمين، ومن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع" (1).
وقد اتفق المسلمون على أن الكفارة لا تجب بما يخلقه في الأجسام، فعلم أن القرآن كان عند ابن مسعود صفة لله، لا مخلوقًا له، وأن معنى ذلك الأثر أنَّه ليس في الموجودات المخلوقة ما هو أفضل من آية الكرسي، لا أنها (2) هي مخلوقة، كما يقال: الله أكبر من كل شيء، وإن كان ذلك الكبير مخلوقًا، والله تعالى ليس بمخلوق، وبذلك فسر الأئمة قول ابن مسعود.
ذكر الخلال في كتاب السنة (3)، عن سفيان ابن عيينة أنَّه ذكر هذا الحديث الذي يروى = ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا جبل أعظم من آية الكرسي، قال (4): فقال ابن عيينة (5) هو هكذا: "ما خلق الله من شيء إلَّا وآية الكرسي أعظم ممَّا خلق".
= وسوف يبين الشَّيخ في مناقشته القريبة المراد من هذا الأثر.
وانظر: الأسماء والصفات -للبيهقي- ص: 288.
(1)
تقدم تخريجه ص: 292.
(2)
في ط: لأنها. وهو خطأ كبير يحيل المعنى.
(3)
لم أجد هذا النقل، وكذا ما بعده في السنة للخلال، ولعل هذه النقول في بقية الكتاب المخطوط الذي لم يقع تحت يدي.
وكلام ابن عيينة أورده التِّرمذيُّ في سننه 5/ 161 كتاب فضائل القرآن -باب ما جاء في سورة آل عمران- رقم 2884 بلفظ: "حدَّثنا محمد بن إسماعيل قال: حدَّثنا الحميدي، حدَّثنا سفيان بن عيينة في تفسير حديث عبد الله بن مسعود قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي، قال سفيان: لأنَّ آية الكرسي هي كلام الله وكلام الله أعظم من خلق الله من السماء والأرض.
(4)
قال: ساقطة من: س، ط.
(5)
في س: عينه. وهو خطأ وتقدم التعريف به.
وروى الخلال عن أبي عبيد قال: وقد قال رجل (1): ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي، أفليس يدلك على أن هذا مخلوق.
قال أبو عبيد: إنَّما قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي، فأخبر الله أن السماء والأرض أعظم من خلق، وأخبر أن آية الكرسي التي هي من صفاته أعظم من هذا العظيم المخلوق.
وروى عن أحمد بن القاسم قال: قال أبو عبد الله: هذا الحديث ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا كذا أعظم فقلت لهم: إن الخلق ها هنا وقع على السماء والأرض، وهذه الأشياء لا على القرآن، لأنَّه قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض، فلم يذكر خلق القرآن ها هنا.
وقال البُخاريّ في كتاب خلق الأفعال (2): "وقال الحميدي، ثنا سفيان، ثنا حصين، عن مسلم بن صبيح، عن شتير بن شكل (3)، عن عبد الله (4)، قال: ما خلق الله من أرض ولا سماء ولا جنة ولا نار أعظم من {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (5).
(1) في س: زحل. وهو خطأ.
(2)
خلق أفعال العباد -للبخاري- ص: 33، 34.
(3)
في س: تستير. وفي ط: تستر.
هو: أبو عيسى شتير بن شكل بن حميد العبسي الكوفيِّ، روي له مسلم والأربعة، وثقه النَّسائيّ وغيره، توفي في حدود التسعين للهجرة.
راجع: الجرح والتعديل -لابن أبي حاتم- 2/ 1 / 387 ت: 1688.
وتهذيب التهذيب -لابن حجر- 4/ 311، 312. والوافي بالوفيات -للصفدي- 16/ 112.
(4)
هو عبد الله بن مسعود، وقد أخرج هذا الأثر عنه السيوطي في الدر المنثور 2/ 7.
(5)
سورة البقرة، الآية:255.
قال سفيان [في](1) تفسيره: إن كل شيء مخلوق، والقرآن ليس بمخلوق، وكلامه أعظم من خلقه، لأنَّه إنَّما يقول للشيء كن فيكون، فلا يكون شيء أعظم ممَّا يكون به الخلق، والقرآن كلام الله.
وأمَّا تأويلهم أن السلف امتنعوا من لفظ الخلق لدلالته على الافتراء فألفاظ السلف منقولة عنهم بالتواتر عن نحو خمسمائة من السلف كلها تصرح بأنهم أنكروا الخلق الذي تعنيه الجهمية من كونه مصنوعًا في بعض الأجسام، كما أنهم (2) سألوا جعفر بن محمد عن القرآن هل هو خالق أو مخلوق (3)؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله.
ومثل قول (4) علي رضي الله عنه لما قيل له: حكمت مخلوقًا، فقال: ما حكمت مخلوقًا وإنما حكمت القرآن، وأمثال ذلك ممَّا يطول ذكره.
والمقصود هنا أن السلف اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهذا الذي أجمع عليه السلف ليس معناه ما قالته المعتزلة، ولا ما قالته الكلابية، وهذا الرازي ادعى الإجماع، وإجماع السلف ينافي ما ادعاه من الإجماع، فإن أحدًا من السلف لم يقل هذا ولا هذا (5)، فضلًا عن أن يكون إجماعًا، [ويكفي أن يكون اعتصامه في هذا الأصل العظيم بدعوى إجماع](6)، والإجماع المحقق على خلافه، فلو كان فيه
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من: خلق أفعال العباد.
(2)
قول جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الصادق يروى من طرق متعددة فراجعه في: السنة -لعبد الله بن أحمد بن حنبل- ص: 29، 30. وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة -للالكائي- 2/ 241 - 243. والأسماء والصفات -للبيهقي- ص:247.
(3)
في س، ط: أو هو.
(4)
تقدم.
(5)
أي: لم يقولوا مخلوق ولا مفترى، وإنَّما قالوا: إنه كلام الله.
(6)
ما بين المعقوفتين زيادة من: س، ط.
خلاف لم تصح الحجة، فكيف إذا كان الإجماع المحقق السلفي على خلافه.
الوجه الثالث:
أن الرجل (1) قد أقر أنَّه لا نزاع بينهم وبين المعتزلة من جهة المعنى في خلق الكلام بالمعنى الذي يقوله المعتزلة، وإنَّما النزاع لفظي حيث إن المعتزلة سمت ذلك المخلوق كلام الله، وهم لم يسموه كلام الله.
ومن المعلوم بالاضطرار أن الجهمية من المعتزلة وغيرهم لما ابتدعت القول بأنَّ القرآن مخلوق، أو بأنَّ كلام الله مخلوق أنكر ذلك عليهم سلف الأمة وأئمتها، وقالوا: القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، فلو كان ما وصفته المعتزلة بأنه مخلوق وهو مخلوق عندهم -أيضًا- وإنَّما خالفوهم في تسمية كلام الله أو في إطلاق اللفظ لم تحصل هذه المخالفة العظيمة والتكفير العظيم بمجرد نزاع لفظي، كما قال هو: إن الأمر في ذلك يسير، وليس هو ممَّا يستحق الإطناب، لأنَّه بحث لغوي وليس هو من الأمور المعقولة المعنوية، فإذا كانت المعتزلة فيما أطلقته لم تنازع إلَّا في بحث لغوي لم يجب تكفيرهم وتضليلهم وهجرانهم بذلك، كما أنَّه هو وأصحابه لا يضللونهم في تأويل ذلك وإن نازعوهم في لفظ، ومجرد النزاع اللفظي لا يكون كفرًا ولا ضلالًا في الدين.
الوجه الرابع:
أنَّه قد استخف بالبحث في مسمى المتكلم، وقال: إنه ليس ممَّا يستحق الإطناب، لأنَّه بحث لغوي، وهذا غاية الجهل بأصل هذه
(1) هو: الرازي، وإقراره تقدم في النقل من نهاية العقول فراجعه في ص: 597، 598.
المسألة، وذلك أن هذه المسألة هي سمعية (1) كما قد ذكر هو ذلك فإنَّه إنما أثبت ذلك بالنقل المتواتر عن الأنبياء عليهم السلام أن الله يتكلم.
ولهذا لما قال له المنازع: إثبات كونه متكلمًا آمرًا ناهيًا مخبرًا بالإجماع لا يصح لتنازعهم في معنى الكلام.
أجاب بأنا نثبتها بالنقل المتواتر عن الأنبياء عليهم السلام أنهم كانوا يقولون: إن الله أمر بكذا ونهى عن كذا وأخبر بكذا وقال كذا وتكلم بكذا، وإنا (2) نثبتها -أيضًا- بالإجماع- كما قرره (3).
وإذا كان أصل هذه المسألة هو (4) الاستدلال بالنقل المتواتر بالإجماع على أن الله متكلم آمر ناه، كان العلم بمعنى المتكلم الآمر الناهي هل هو الذي قام به الكلام؟ كالأمر والنهي والخبر، أو هو من فعله ولو (5) في غيره؟ هو أحد مقدمتي دليل المسألة الذي لا تتم إلَّا به، فإنَّه إذا جاز أن يكون القائل الآمر الناهي المخبر لم يقم به كلام ولا أمر ولا نهي ولا خبر، بطلت حجة أهل الإثبات في المسألة من كل وجه، فالإطناب في هذا الأصل هو أهم ما في هذه المسألة، بل ليس في المسألة أصل أهم من هذا، وبهذا الأصل كفر الأئمة الجهمية، لأنهم علموا أن المتكلم هو الذي يقوم به الكلام، وأن ذلك معلوم بالضرورة من الشرع والعقل واللغة عند الخاصة والعامة (6)، وليس هذا بحثًا لغويًّا كما زعمه بل هو بحث عقلي معنوي شرعي، مع كونه -أيضًا- لغويًّا كما نذكره في:
(1) في س: سمعته. وهو تصحيف.
(2)
في س، ط: وبأنا.
(3)
في س، ط: قرروه.
(4)
في الأصل: هي. ولعل ما أثبت من: س، ط: يكون مناسبًا للسياق.
(5)
في الأصل: وكو. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.
(6)
في س: الطامة. وهو تصحيف.
الوجه الخامس:
وذلك أن كون المتكلم هو الذي يقوم به الكلام أو لا يقوم به الكلام، وكون الحي يكون متكلمًا بكلام يقوم بغيره، هو مثل كونه حيًّا عالمًا وقادرًا وسميعًا وبصيرًا ومريدًا بصفات تقوم بغيره، وكون الحي العليم القدير لا تقوم به حياة ولا علم ولا قدرة، وهذه كلها بحوث معقولة معنوية لا تختص بلغة دون لغة، بل تشترك فيها الأمم كلها (1)، وهي -أيضًا- داخلة فيما أخبرت به الرسل عن الله، فإن ثبوت حكم الصفة للمحل (2) الذي تقوم به الصفة أو لغيره، أمر معقول يعلم بالعقل، فعلم أنَّه مقام عقلي، وهو مقام سمعي، ولهذا يبحث معهم في سائر الصفات كالعلم والقدرة بأنَّ الحي لا يكون عليمًا قديرًا إلَّا بما يقوم به من الحياة والعلم.
الوجه السادس:
أنَّه لولا ثبوت هذا المقام لما أمكنه أن يثبت (3) قيام معنى الأمر والنهي والخبر، لأنَّه قرر بالإجماع أن الله آمر وناه ومخبر، وأن ذلك ليس هو اللفظ، بل هو معنى هو الطّلب والزجر والحكم، وهذه المعاني سواء كانت هي الإرادة والعلم أو غير ذلك.
يقال له: لا نسلم أنها قائمة بذات الله إن لم يثبت أن الأمر الناهي المخبر هو من قام به معنى الأمر والنهي والخبر، بل يمكن أن يقال فيها ما يقوله المعتزلة في الإرادة والعلم، إما أن يقولوا: يقوم بغير محل، أو يقولوا: كونه آمرًا ومخبرًا مثل كونه عالمًا، وذلك حال أو صفة، فإنَّه إذا
(1) في س، ط: كلهم.
(2)
في الأصل: لمحل. وهو تصحيف. والمثبت من: س، ط.
(3)
في س: ثبت.