الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه (1) جملة لا يسع هذا الموضع تفصيلها، وقلت في جواب الفتيا الدمشقية (2)، وقد سئلت فيها عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن القرآن حرف وصوت، وأن الرحمن على العرش استوى على (3) ما يفيده الظاهر ويفهمه الناس من ظاهره، هل يحنث هذا أم لا؟
فقلت في الجواب: إن كان مقصود هذا الحالف أن أصوات العباد بالقرآن، والمداد الَّذي يكتب به حروف القرآن قديمة أزلية، فقد حنث في يمينه، وما علمت أحدًا من الناس يقول ذلك.
وإن (4) كان
يكره تجريد الكلام في المداد الَّذي في المصحف وفي صوت العبد
لئلا يتذرع بذلك إلى القول بخلق القرآن، ومن الناس من تكلم في صوت العبد، وإن كنا نعلم أن الَّذي نقرؤه هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره، وأن الَّذي بين اللوحين هو كلام الله حقيقة، ولكن ما علمت أحدًا حكم على مجموع المداد المكتوب به، وصوت العبد بالقرآن بأنه قديم.
(1) في س، ط: هذا.
(2)
لم أقف عليه بهذا الاسم، وقد وجه إلى الشيخ رحمه الله عدد من الأسئلة فيما يحل من الطلاق ويحرم، وأجاب عنها بما يكفي ويشفي.
ومما وجه إليه: "سئل شيخ الإسلام - الشجاع المقدام، ليث الحروب، وأسد السنة، والصابر في ذات الله على المحنة، والعلم الحجة، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله رب البرية- عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن القرآن حرف وصوت. . . ".
مجموع فتاوى ابن تيمية - كتاب الطلاق - 33/ 169. . .
وهل الإجابة عن هذه الأسئلة في المجموع 33/ 170 - 186 والتي ذكرها الشيخ هنا ص: 547 فما بعدها هي المقصودة بالفتيا الدمشقية؟ هذا ما لم يتبين لي بعد.
وانظر ما ذكرته عن الفتيا الدمشقية ص: 228.
(3)
على: ساقطة من: س.
(4)
في الأصل، س: فإن. والكلام يستقيم بالمثبت من: ط، والمجموع.
ولكن الذين في قلوبهم زيغ من أهل الأهواء لا يفهمون من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام السابقين الأولين، والتابعين لهم بإحسان في (باب صفات الله تعالى) إلَّا المعاني (1) التي تليق بالخلق لا بالخالق، ثم يريدون تحريف الكلم عن مواضعه، في كلام الله، وكلام رسوله إذا وجدوا ذلك فيهما، وإن وجدوه في كلام التابعين للسلف افتروا الكذب عليهم، ونقلوا عنهم بحسب الفهم الباطل الَّذي فهموه، أو زادوا عليهم في الألفاظ، أو غيّروها قدرًا أو وصفًا (2)، كما نسمع من ألسنتهم، ونرى في كتبهم.
ثم إن بعض من يحسن الظن بهؤلاء النقلة قد يحكي هذا المذهب عمن حكوه عنهم، ويذم ويحنث مع من لا وجود له، وذمه واقع على موصوف غير موجود، نظير ما وصف الله تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال:"ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش يشتمون مذممًا وأنا محمد"(3) صلى الله عليه وسلم.
وهذا نظير ما تحكي الرافضة عن أهل السنة من أهل الحديث والفقه
(1) في س: المطاني. وهو تصحيف.
(2)
في س، ط: ووصفًا.
(3)
الحديث بهذا اللفظ رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده 2/ 369، عن أبي هريرة، وبدون ذكر للفظ الجلالة، وتمامه:(ويلعنون مذممًا وأنا محمد).
ورواه البخاري عن أبي هريرة بلفظ (. . . شتم قريش ولعنهم يشتمون مذممًا ويلعنون مذممًا وأنا محمد).
صحيح البخاري - 4/ 162 - كتاب المناقب - باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم. .
وأخرجه النسائي في سننه - 6/ 129، 130 - كتاب الطلاق -باب الإبانة والإفصاح بالكلمة الملفوظ بها. . مع اختلاف يسير في اللفظ.
والمعرفة أنهم ناصبة (1)، وتحكي (2) القدرية عنهم أنهم مجبرة، وتحكي الجهمية عنهم أنهم مشبهة، ويحكي من خالف الحديث ونابذ أهله عنه أنهم نابتة (3) وحشوية وغثاء (4) وغثر (5)، إلى غير ذلك من الأسماء المكذوبة (6).
(1) طائفة يبغضون عليًّا رضي الله عنه وأصحابه، وقد نصبوا لهم العداء، وأظهروا مخالفتهم.
راجع: تاج العروس -للزبيدي- 1/ 487 (نصب). والكليات -لأبي البقاء الكفوي- 4/ 363.
(2)
في س، ط: تحكي. بدون واو.
(3)
النابتة والنوابت: من ألقاب السوء التي رمى المبتدعة بها أهل السنة، وهي بذور الزرع التي لا خير فيها. انظر: فتح رب البرية بتلخيص الحموية -لابن عثيمين - ص: 110.
(4)
الغثاء: ما يحمله السيل من القش.
وحدده الزجاج بأنه الهالك البالي من ورق الشجر الَّذي إذا خرج السيل رأيته مخالطًا لزبده.
راجع: لسان العرب -لابن منظور - 15/ 115، 116 (غثا).
(5)
الغثراء والغثر: سفلة الناس، الواحد: أغثر.
راجع: لسان العرب -لابن منظور - 5/ 7 (غثر).
(6)
كتسمية المرجئة لهم بالشكاكية، والأشعرية بالمجسمة، إلى غير ذلك من الألقاب التي أطلقها أهل البدع على أهل السنة، والتي استوفاها السكسكي رحمه الله في كتابه "البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ص: 517 - 519 " تحقيق د. علي بن حسن ناصر.
قال رحمه الله قبل إيرادها: "وقد سمتها كل فرقة من فرق الضلالة باسم غير موافق للحق حسدًا منهم لها، وافتراء عليها، ونسبة لها إلى غير ما تعتقده".
ثم يقول رحمه الله مبينًا أن هذه الألقاب غير صحيحة في حق أهل السنة: "جميع ذلك غير صحيح في حقها، بل هي الفرقة الناجية الهادية المهدية، واعتقادها هو الاعتقاد الصحيح والإيمان الصريح، الَّذي نزل به القرآن، ووردت به السنة، وأجمعت عليه علماء الأمة من أهل السنة والجماعة". =
ومن تأمل كتب المتكلمين الذين يخالفون هذا القول وجدهم لا يبحثون في الغالب أو (1) في الجميع إلَّا مع هذا القول الَّذي ما علمنا لقائله وجودًا.
وإن كان مقصود الحالف أن القرآن الَّذي أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم هو هذه المائة والأربع عشرة سورة حروفها ومعانيها وأن القرآن ليس الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، بل هو مجموع (2) الحروف والمعاني، وأن تلاوتنا للحروف وتصورنا للمعاني لا يخرج المعاني والحروف عن أن تكون موجودة قبل وجودنا، فهذا مذهب المسلمين، ولا حنث عليه.
وكذلك إن كان مقصوده أن هذا القرآن الَّذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم هو كلام الله - سبحانه - حقيقة لا مجازًا، وأنه لا يجوز نفي كونه كلام الله، إذ الكلام يضاف حقيقة لمن قاله متصفًا به مبتدئًا، وإن كان قد قاله غيره مبلغًا مؤديًا، وهو كلام لمن اتصف به مبتدئًا لا لمن بلغه مؤديًا (3)، فإنا باضطرار نعلم من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ودين سلف الأمة أن قائلًا لو قال: إن هذه الحروف -حروف القرآن- ما هي من القرآن، وإنما القرآن اسم لمجرد المعاني، لأنكروا ذلك عليه غاية الإنكار، وكان عندهم بمنزلة من يقول: إن جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم
= وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ذكر أن أبا إسحاق إبراهيم بن درباس صنف جزءًا سماه "تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة" ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه عليهم، وقد سبقهم المشركون فكانوا يلقبون النبي صلى الله عليه وسلم بألقاب افتروها".
انظر: مجموع الفتاوى 5/ 111.
(1)
في الأصل: وفي. والمثبت من: س، ط والمجموع.
(2)
في الأصل: بل مجموعها. والمثبت من: س، ط والمجموع.
(3)
في س، ط: مرويًّا.