الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتخلف والإستبداد وإرهاق الرعية بالضرائب والأتاوات الباهظة فعم الفقر والبؤس) (1).
وإذا ما أردنا أن نتعرف على موقف السفاريني من حكام عصره لا شك أن السفاريني رحمه الله قد نشأ وتربى في هذا الجو السياسي والظروف القاسية وعانى منها وأحس بوطئتها على من حوله لذا فإنه عندما اكتملت رجولته ووصل إلى درجة التأثير. . (نراه محاربًا للظلم والطغيان صادعًا بكلمة الحق لا يماري فيه ولا يهاب أحدًا والجميع من أعيان بلده وأمرائه ليهابونه، يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر)(2).
ومما يذكر من شجاعته أنه قال لأمير نابلس لما تولى بعد أبيه وجاء أهل العلم لتهنئته بالإمارة وطلبوا منه إلغاء الضرائب الزائدة عن الزكاة الشرعية فإن المزارعين جائعون لا يشبعون من غلة أراضيهم من الضرائب الفادحة، فقال الأمير: لا أغير شيئًا مما كان عليه والدي المرحوم، فقال له الشيخ السفاريني: وما أدراك أنه مرحوم؟ أزل الضرائب والناس يدعون لك وله فاستجاب الأمير للشيخ وأزال كثيرًا من الضرائب وأخذوا منه كتابه بإزالة الضرائب ودعوا له بالتوفيق (3).
ثانيًا:
الحالة الدينية:
كان العالم الإِسلامي في القرن الثاني عشر يعاني من الجمود والإنحطاط وقد تسربت الأداواء إلى الأخلاق والإجتماع وقبل المسلمون كثيرًا من العادات والشعائر
(1)"مقدمة الدكتور محمد السمهري للبحور الزاخرة"، (ص 10) نقلًا عن مذكرة التاريخ لطلبة المعاهد العلمية (ص 28)، وانظر "حاضر العالم الإسلامي" تأليف لوثروب (1/ 259)
(2)
انظر "النعت الأكمل"(ص 302).
(3)
انظر "التقريض على كتاب لوامع الأنوار البهية" للسفاريني (1/ 478).
والتقاليد الأعجمية غير الإِسلامية (1) وانتشر فيه التصوف وظهر فيه كثير من البدع والخرافات فقد اشتدت غربة الإِسلام بينهم وعفت آثار الدين لديهم وانهدمت ملة الحنيفية وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن (2).
ويصور الكاتب الأمريكى "لوثروب ستودارد" في كتابه: (حاضر العالم الإسلامي) الحالة الدينية المتردية فيقول: (وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة للناس سجفا من الخرافات وقشور الصوفية وخلت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عدد الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات ويوهمون الناس بالباطل والشبهات ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور وغابت عن الناس فضائل القرآن. . .)(3).
وينقل لنا السفاريني رحمه اللَّه تعالى في كتابه غذاء الألباب صورًا من مظاهر الحالة الدينية في عصره قال رحمه الله -بعد أن ذكر شكوى ابن عقيل (4) ومن بعده ابن مفلح (5) من أهل زمانهم وما ظهر في زمنهم من البدع والمنكرات قال: "فما
(1)"مقدمة الدكتور محمد السمهري لكتاب البحور الزاخرة"(ص 11)، نقلًا عن مقال للشيخ أبى الحسن الندوي.
(2)
"الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(1/ 186) وانظر "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" للشيخ صالح العبود (ص 26).
(3)
"حاضر العالم الإسلامي"(1/ 259 - 260).
(4)
ابن عقيل: ستأتي ترجمته. انظر (ص 1/ 248).
(5)
ابن مفلح: محمد بن مفلح شمس الدين المتوفى سنة 673 هـ.
بالك بعصرنا هذا الذي نحن فيه -وهو في المائة الثانية عشرة- وقد انطمست معالم الدين وطفئت إلا من بقايا حفظة الدين فصارت السنة بدعة والبدعة شرعة والعبادة عادة والعادة عبادة، فعالمهم عاكف على شهواته، وحاكمهم متمادي في غفلاته، وأميرهم لا حلم لديه ولا دين، وغنيهم لا رأفة عنده ولا رحمة للمساكين، وفقيرهم متكبر، وغنيهم متجبر" ثم قال:
مطلب متصوفة زماننا وما يفعلونه من المنكرات
فلو رأيت جموع صوفية زماننا وقد أوقدوا النيران واحضروا آلات المعازف بالدفوف المجلجلة والطبول والنايات والشّباب (1) وقاموا على أقدامهم يرقصون ويتمايلون لقضيت بأنهم فرقة من بقية أصحاب السامري وهم على عبادة عجلهم يعكفون أو حضرت مجمعا وقد حضره العلماء بعمائمهم الكبار والفراء المثمنة والهيئات المستحسنة وقدموا نصاب الدخان التي هي لجامات الشيطان وقد ابتدر ذو نغمة ينشد من الأشعار المهيجة فوصف الخدود والنهود والقدود وقد أرخى القوم رؤوسهم ونكسوها واستمعوا للنغمة واستأنسوها لقلت وهم لذلك مطرقون ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون (2).
وفي خضم هذا الفساد الإعتقادي والإبتعاد عن كتاب اللَّه وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي ساد العالم في القرن الثاني عشر قيض اللَّه من يصحح لهذه الأمة عقيدتها وسلوكها ومن بين هؤلاء الذين حملوا لواء الإصلاح الشيخ محمد السفاريني في بلاد الشام.
ومن أبرز مظاهر تغييره للأوضاع الإعتقادية السائدة تأليفه في العقيدة السلفية
(1) الشّبَاب: جمع شبَّابه بتشديد الباء نوع من المزمار.
(2)
غذاء الألباب (2/ 314 - 315).