الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في مسألة الكلام
يعني القرآن العظيم
والذكر الحكيم المنزل على النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، قال الناظم قدس اللَّه روحه ونور ضريحه (وقل) أيها السني المتبع للآثار والسلف الصالح (غير مخلوق) ولا محدث (1)(كلام مليكنا) أي مالكنا ومالك الخلق أجمعين.
ومن أسمائه تعالى الملك وهو التام الملك الجامع لأصناف المملوكات والملك الخاص الملك.
وقد يسمى بعض المخلوقين ملكا إذا إتسع ملكه إلا أن الذي يستحق هذا الإسم هو اللَّه تعالى لأنه مالك الملك، وليس ذلك لغيره لأنه الملك الحق الذي يتصرف في الأمر والنهي في الدنيا والآخرة على الإطلاق، وقيل هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل شيء ويحتاج إليه كل شيء وهو يوصف بالملك والمالك والمليك وكلها في القرآن (2) كما في تحفة الودود للعلامة أبي بكر بن أبي داود (3) الحنبلي تلميذ المحقق ابن القيم.
والتحفة هذه كتاب جليل ذكر فيه أدلة أوراد والده الصالح المسماة بالدر المنتقى
(1) في هذه الكلمة اجمال فإن مفهومها أنه قديم والسلف لا يقولون ذلك، بل يقولون أن كلام اللَّه قديم النوع حادث الآحاد، وأنه سبحانه متكلم في الأزل ويتكلم إذا شاء بما شاء بلا كيف. وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة انظر (1/ 208 - 209).
(2)
كما قال تعالى {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس: 2]، وكما قال تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، وكما قال تعالى {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55].
(3)
أبو بكر بن أبي داود كذا في المخطوطتين وجاء في مصادر ترجمته: أبو بكر بن داود.
المرفوع في أوراد اليوم والليلة والأسبوع، وهو كتاب جليل في بابه وإنما عرفته هذا التعريف لموافقته الناظم في الكنية وكنية الأب (1) وأن كلا منهما حنبلي.
إذا علمت ذلك فدن اللَّه تعالى وطعه وتعبده باعتقاد قدم (2) القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي هو كلام اللَّه المنزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
(بذلك): أي كون كلام اللَّه غير مخلوق بل قديم (3).
(1) كذا ذكر الشارح رحمه الله وقد ذكرت المصادر أن التحفة هذا هو لعبد الرحمن بن أبي بكر بن داود زين الدين، وكنيته: أبو الفرج توفي سنة 856 هـ.
واسم كتابه الكامل: "تحفة العباد وأدلة الأوراد" شرح فيه أوراد والده المسماة: "بالدر المنتفى المرفوع في أوراد اليوم والليلة والأسبوع".
وقد جعل السخاوي الكتابين من تأليف الابن عبد الرحمن كما ذكر ابن العماد أن الدر لعبد الرحمن أيضًا.
والصحيح كما ذكر الشارح وبينه حاجي خليفه في كشف الظنون أن الدر هو للأب أبو بكر بن داود، وأن التحفة للابن عبد الرحمن.
وأما والده فاسمه: أبو بكر بن داود تقي الدين أبو الصفا الدمشقي الصالحي الحنبلي، ويعرف بابن داود، توفي سنة ست وثمانمائة.
انظر: السخاوي: الضوء اللامع (4/ 62 - 63). (11/ 31)، وابن العماد: شذرات الذهب (7/ 288)؛ وحاجي خليفة: كشف الظنون (1/ 369، 733)؛ وابن طولون: تاريخ الصالحية (1/ 298 - 299)؛ والسحب الوابلة (ص 199 - 200)، والأعلام (3/ 300)، ومعجم المؤلفين (3/ 61، 5/ 128).
(2)
و (3) علق الشيخ عبد اللَّه بابطين في حاشية لوامع الأنوار (1/ 130) للمؤلف على قول الشارح "كلامه سبحانه قديم" ما نصه:
قوله إن مذهب السلف: إن كلام اللَّه قديم وكذلك القرآن فيه نظر فإن مذهب السلف كما هو معروف أن كلام اللَّه مما يتعلق بمشيئته فإذا شاء تكلم ويتكلم متى شاء كيف يشاء بلا كيف. =
(دان) أى تعبد وأطاع (الأتقياء) جمع تقي من الوقاية، يقال: وقاه فاتقى فالوقاية فرط الصيانة (1). فالتاء من التقوى مبدلة من الواو لأن أصلها من الوقاية وتقديرها يوتقى فقلبت وأدغمت فلما كثر استعمالها توهموا أن التاء من نفس الكلمة فقالوا اتقى يتقي بفتح الياء فيهما وربما قالوا: اتقى يتقي مثل رمى يرمي.
والتقوى في الشرع: اسم لمن يقي نفسه عما يضره في الآخرة وله ثلاث مراتب (2):
الأولى: التوقي عن العذاب المخلد بالتبري عن الشرك وعليه قوله تعالى {إِوَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26].
الثانية: التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم وهو
= وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه التسعينية (ص 143) ما نصه بالحرف الواحد: الوجه الثاني أن أحدًا من السلف والأئمة لم يقل أن القرآن قديم وأنه لا يتعلق بمشيئته وقدرته انتهى.
وفي تنبيه ابن سحمان في حاشية لوامع الأنوار للمؤلف (1/ 131) قال: فقوله: كلامه سبحانه قديم هو من جنس ما قبله من الألفاظ المبتدعة المخترعة التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها والذي عليه أهل السنة والجماعة المخالفون لأهل البدع أن كلام اللَّه سبحانه وتعالى حادث الآحاد قديم النوع وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته إذا شاء لا يمتنع عليه شيء أراده وأن اللَّه تعالى متصف بالأفعال الإختيارية القائمة به فهر سبحانه قد تكلم في الأزل بما شاء ويتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته بما أراد وهو الفعال لما يريد: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} .
انظر: لوامع الأنوار (1/ 131) للمؤلف.
(1)
انظر: تفسير البيضاوي (1/ 16).
(2)
انظر: تفسير البيضاوي (1/ 16).
المتعارف بالتقوى في الشرع وهذا المعني بقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} [الأعراف: 96].
الثالثة: أن ينزه عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه بشراشره (1).
وهذا هو التقوى على الحقيقة المطلوب بقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102].
وقد أخرج الترمذي وابن ماجة من حديث عبد اللَّه بن يزيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس"(2).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: تمام التقوى أن يتقي اللَّه العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حرامًا حجابًا بينه وبين الحرام (3).
وقال الحسن (4) ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام.
(1) الشراشر: النفس يقال ألقى عليه شراشره، أي نفسه حرصًا ومحبة. والشراشر المحبة (تاج العروس: شرر (12/ 159 - 160).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (2451) في صفة القيامة، وابن ماجة في الزهد رقم (4215) باب الورع والتقوى؛ وعبد بن حميد في المنتخب رقم (483)؛ والقضاعي في مسند الشهاب (909)، والطبراني في الكبير (17/ 446) من حديث عطية السعدي؛ وقال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال الألباني في تخريج أحاديث الحلال والحرام رقم (178) ص (130) ضعيف.
تنبيه: عبد اللَّه بن يزيد أحد رجال السند وليس اسم الصحابي الذي روى الحديث فهو من حديث عطية السعدي.
(3)
النص في جامع العلوم والحكم (1/ 178، 2/ 11).
(4)
الحسن هو البصري تقدم في (1/ 193).
وقال الثوري: (1) إنما سموا متقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى (2).
(وأفصحوا) بقولهم: القرآن كلام اللَّه قديم (3) غير مخلوق.
قال الإمام موفق الدين ابن قدامة (4) في صدر كتابه: "البرهان في حقيقة القرآن"(5): مذهب أهل السنة والجماعة والذي كان عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان ومن بعدهم من أئمة أهل الإسلام أن القرآن كلام اللَّه القديم وحبله المتين وكتابه المبين نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين، وهو سور وآيات وحروف وكلمات، منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، من قرأه وأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، نزله اللَّه تنزيلًا، ورتله ترتيلًا، وسماه قولًا ثقيلًا، ووعد على تلاوته أجرًا جزيلًا، فقال عز من قائل:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان: 23].
وشهد اللَّه وملائكته بإنزاله على رسوله صلى الله عليه وسلم وحض على تدبره وترتيله وآجرنا على أحكامه وتفصيله، ونص على تشريفه وتفضيله، وعجز الخلق عن الإتيان بمثله أو تبديله.
(1) الثوري: هو سفيان الثوري تقدم في (1/ 184).
(2)
النصوص في جامع العلوم والحكم (1/ 178، 2/ 11).
(3)
انظر ما تقدم (1/ 208 - 209).
(4)
ابن قدامة: عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الفقيه الزاهد الإمام وأحد الأعلام موفق الدين أبو محمد، صاحب "المغني" في الفقه وغيره من المؤلفات النفيسة، مات سنة 620 هـ.
ذيل طبقات الحنابلة (2/ 133)؛ وسير أعلام النبلاء (22/ 165).
(5)
طبع باسم "البرهان في بيان القرآن" ضمن مجلة البحوث الإسلامية، العدد التاسع عشر بتحقيق الدكتور سعود الفنيسان.
قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].
وقال: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 166].
وهو هذا الكتاب العربي الذي هو مائة وأربعة عشرة سورة أولها الفاتحة وآخرها المعوذتان، مكتوب في المصاحف متلو في المحاريب مسموع بالآذان متلو بالألسن، له أول وآخر وأجزاء وأبعاض.
والدليل على أن هذا هو القرآن: الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فإن اللَّه تعالى تحدى الخلق بالإتيان بمثله في قوله تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ. . .} [الإسراء: 88].
وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: 34].
ثم قال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
وقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13].
والتحدي إنما وقع بالإتيان بمثل هذا الكتاب بغير إشكال لأن ما في النفس لا يدري ما هو ولا يسمى سورًا ولا حديثًا فلا يجوز أن يقال فأتوا بحديث مثل ما في نفس الباري ولأن المشركين إنما زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم افترى هذا القرآن أو تقوله، فرد اللَّه عليهم دعواهم فتحداهم بالإتيان بمثل ما زعموا أنه مفترى ومتقول دون غيره.
وهذا واضح لا شك فيه والكتاب العزيز مملوء من مثل هذا فلا نطيل بذكره.
وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم وسكوته، أما قوله فكثير جدًّا كقوله صلى الله عليه وسلم:"هذا القرآن مأدبة اللَّه فتعلموا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل اللَّه وهو النور المبين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه، لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد، فاتلوه فإن اللَّه يأجركم على تلاوته لكل حرف عشر حسنات، ألا إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر (1) " رواه أبو عبيد (2) في فضائل القرآن.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الذي يقرأ القرآن وهو يشتد عليه فله أجران"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "أعربوا القرآن"(4).
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/ 357)؛ وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 482 - 483) رقم (10057)، ومحمد بن نصر المروزي في قيام الليل (ص 155)؛ والحاكم في المستدرك (1/ 555) عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا؛ ورواه الدارمي في سننه (2/ 308)، والطبراني في الكبير (9/ 139) موقوفًا على عبد اللَّه بن مسعود.
وفي إسناده إبراهيم الهجري وهو لين الحديث لكن له متابعات يتقوى بها.
انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (660).
(2)
أبو عبيد: القاسم بن سلام بن عبد اللَّه الهروي الأزدي الخزاعي بالولاء الخراساني البغدادي، من كبار العلماء بالحديث والفقه واللغة والأدب، له مصنفات كثيرة، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (10/ 490)؛ والأعلام (5/ 176).
(3)
رواه البخاري (8/ 560) في تفسير سورة عبس؛ ومسلم رقم (798) في صلاة المسافرين باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتعتع فيه.
(4)
ورد من رواية عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه مرفرعًا وموقوفًا، أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 150) رقم (8684 - 8686).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 164) رواه الطبراني من طرق وفيها ليث بن أبي سليم وفيه ضعف وبقية رجال أحد الطرق رجال الصحيح.=
وقال: لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم (1).
وقال من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأه فلحن فيه فله بكل حرف حسنة (2) حديث صحيح فهذه الأخبار وأضعاف أضعافها تدل دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد بالقرآن سوى هذا الكتاب المنزل عليه الذي يعرف المسلمون قرآنا.
ولم يرد ما تزعم هذه الطائفة أنه معنى في النفس لا يظهر للشخص ولا ينزل ولا له أول ولا آخر ولا يدري ما هو لا سور ولا آيات ولا حروف ولا كلمات.
وأما سكوته صلى الله عليه وسلم فإنه لو كان القرآن ما قالوا لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم بيانه وتعريفه
= وورد من رواية أبي هريرة رضي الله عنه رواه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 456) رقم (9961)؛ والحاكم في المستدرك (2/ 439)؛ وأبو يعلى (11/ 436) رقم (6560)، وقال الحاكم صحيح الإسناد على مذهب جماعة من أئمتنا. ورده الذهبي بقوله:"قلت بل أجمع على ضعفه" وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 163) في إسناده عبد اللَّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو متروك.
(1)
رواه البخاري في الجهاد والسير: باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو (6/ 155) رقم (2990) فتح الباري، ومسلم رقم (1869) في الإمارة: باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم. ورواه أبو داود رقم (2610) وذكر أن قوله: "مخافة أن يناله العدو" من قول مالك، وهو كذلك في الموطأ (2/ 446) في الجهاد، باب النهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، ورواه ابن ماجه رقم (2879 - 2880)؛ وأحمد بعدة أسانيد عن نافع عن ابن عمر به. المسند (2/ 6، 55، 63، 128).
(2)
ذكره ابن قدامة في عقيدته لمعة الاعتقاد رقم (33) وفي البرهان (ص 224) وأشار إلى صحته ولم أجده بهذا اللفظ لكن روى البيهقي في شعب الإيمان رقم (2096) عن ابن عمر نحوه بلفظ "من قرأ القرآن فأعرب في قراءته كان له بكل حرف منه عشرون حسنة ومن قرأ بغير إعراب كان له بكل حرف عشر حسنات، وأشار محققه إلى ضعفه.
فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه بالاتفاق، وما أشد حاجة الأمة إلى معرفة القرآن الذي فيه ذكرهم وشرفهم. قال أهل التفسير في قوله تعالى:{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] أي شرفكم (1).
وقال بعضهم (2) في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 193]. هو القرآن.
(فإن كل الأمة)(3) لم تسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لا يحتاج المسلمون إلى معرفة القرآن الذي شرفهم اللَّه به وجعله بشيرًا ونذيرًا ومناديًا وداعيًا إلى الهدى وحجة ونورًا وبرهانًا وشفاء ورحمة ومعجزة لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفًا للأحكام من الحلال والحرام والصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الأحكام.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغه والإنذار به.
فهذا مما لا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يهمل بيانه ولا يكتمه عن أمته سيما وقد أمره اللَّه بالتبليغ وفرضه وتوعده على تركه فقال: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67].
وقال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94].
وقال مخبرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]. أي ومن بلغه القرآن.
وأيضًا لو ساغ للنبي صلى الله عليه وسلم السكوت عن بيان القرآن فكيف ساغ له إيهام أمته أن
(1) قاله ابن عباس وغيره: انظر تفسير ابن كثير والبغوي (5/ 477).
(2)
هو محمد بن كعب القرظي: انظر تفسير ابن جرير (4/ 212).
(3)
في النسختين (فإن كلاميته لم تسمع من اللَّه. . . والتصويب من البرهان لابن قدامة (ص 227) ومنه ينقل المؤلف.
القرآن غير ما هو قرآن بما تلاه من الآيات التي فيها ذكر القرآن بأنه هو هذا الذي نقرأه.
والأخبار التي رويناها عنه صلى الله عليه وسلم ليضل أمته بذلك عن الصواب ويعتقدوا غير الحق ويصيروا معتقدين غير الصواب فلو كان الأمر كما زعموا لكان صلى الله عليه وسلم هو المضل لأمته والمغوي لهم والداعي إلى صراط الجحيم والمانع من الصراط المستقيم.
ولا شك أن اعتقاد مثل هذا كفر باللَّه العظيم، فهذه أدلة قاطعة في أن القرآن هو ما يعتقده المسلمون قرآنًا لا غير.
وأما الإجماع: فإن أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما كانوا يعتقدون القرآن سوى هذا الذي نعتقده قرآنًا دلت على ذلك أقوالهم وأحوالهم فإنهم سموا (1) حروفه وآياته وكلماته وأجزاءه وذكروا قراءته واستماعه على نحو ما ذكرناه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الصديق الأعظم أبو بكر رضي الله عنه: "إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه"(2).
وسئل علي رضي الله عنه عن الجنب يقرأ القرآن قال: لا ولا حرف (3).
وروي عنه أنه قال: من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به كله (4).
(1) في النسختين: فإنهم "سموه. . . " والمثبت من البرهان لابن قدامة (ص 230) طبع ضمن مجلة البحوث الإسلامية العدد التاسع عشر، ومنه ينقل الشارح.
(2)
روى ذلك عنه وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، رواه عنهما ابن الأنباري كما في تفسير القرطبي (1/ 23)؛ وذكره ابن تيمية (12/ 102).
(3)
رواه عبد الرزاق في المصنف (1/ 336) رقم (1306)؛ وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 102)؛ والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 89)، وذكره ابن قدامة في المغني (1/ 134 - 135) عن علي رضي الله عنه.
(4)
ذكره ابن قدامة في عقيدته رقم (36).
ونصوص الصحابة في ذلك كثيرة جدًّا تخرج عن حد الإحصاء كل ذلك يدل دلالة ظاهرة واضحة على أن القوم ما اعتقدوا قرآنًا سوى هذا الذي هو حروف منظومة وآيات معلومة وكذلك من بعدهم من أهل الإسلام وكلامهم في هذا كثير جدًّا. قال الإِمام الموفق في البرهان: وما علمت أحدًا جحد كون هذا قرآنًا سوى هذه الطائفة ثم إنهم قد أجمعوا مع المسلمين على أنهم متى تلو آية قالوا: قال اللَّه كذا وقول اللَّه هو كلامه.
وأجمع المسلمون على أن القرآن يقرأ ويسمع ويحفظ ويكتب وهذه الصفات لا تعلق لها بما لم ينزل إلينا مما لم ندر ما هو، وأجمعوا على أن القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأنه معجزته التي تحدى بها اللَّه تعالى الخلق الإتيان بمثله فعجزوا عنه، وأجمعوا على أن في القرآن ناسخًا ومنسوخًا، ولا تعلق لذلك بالكلام النفسي، وأجمعوا على أن من جحد سورة من القرآن أو آية أو كلمة أو حرفًا متفقا عليه أنه كافر (1).
قال أبو نصر السجزي: (2) هذه حجة قاطعة على أنه حروف وأجمع المسلمون على أن القرآن لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة وإنما نزل نجومًا في ثلاث وعشرين سنة، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا
(1) انظر: البرهان لابن قدامة (ص 235 - 236).
(2)
أبو نصر السجزي: جاء في النسختين السنجري والمثبت من المصادر فهو: عبد اللَّه بن سعيد بن حاتم السجزي الوائلي البكري أبو نصر أصله من سجستان ونسبته إليها على غير بأس: قال الذهبي الإِمام العالم المجود شيخ السنة ومصنف "الإبانة الكبرى" في أن القرآن غير مخلوق. وهو مجلد كبير قال على سعة علم الرجل بفن الأثر، توفي سنة أربع وأربعين وأربع مائة بمكة.
سير أعلام النبلاء (17/ 654)؛ والأعلام (4/ 194).
جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 32 - 33]. انتهى ملخصًا (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس اللَّه روحه في قاعدة له في بيان أن القرآن كلام اللَّه ليس شيء منه كلامًا لغيره، لا جبريل ولا محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيرهما (2) قال اللَّه تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ. . .} [النحل: 98 - 102].
فإن الضمير في قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ} عائد على ما في قوله {بِمَا يُنَزِّلُ} والمراد به القرآن كما يدل عليه سياق القرآن وقوله: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} فيه إخبار اللَّه بأنه أنزله لكن ليس في هذه اللفظة بيان أن روح القدس نزل به ولا أنه منزل منه.
ولفظ الإنزال في القرآن قد يرد مقيدًا بالإنزال منه كنزول القرآن، وقد يرد مقيدًا بالإنزال من السماء، ووواد به العلو فيتناول نزول المطر من السحاب ونزول الملائكة من عند اللَّه وغير ذلك، وقد يرد مطلقًا فلا يختص بنوع من الإنزال، بل ربما تناول الإنزال من رؤوس الجبال كقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ. . .} [الحديد: 25].
والإنزال من ظهور الحيوان كإنزال الفحل الماء وغير ذلك.
فقوله: {نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} بيان لنزول جبريل به من اللَّه فإن روح القدس هنا جبريل بدليل قوله تعالى: {. . . مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ
(1) انظر: البرهان في بيان القرآن لابن قدامة (ص 250).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (12/ 117) وما بعدها؛ ولوامع الأنوار (1/ 163).
عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 97].
وهو الروح الأمين في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192 - 195].
وفي قوله: الأمين دلالة على أنه مؤتمن على ما أرسل به لا يزيد فيه ولا ينقص منه. فإن الرسول الخائن قد يغير الرسالة، كما قال في صفته في الآية الأخرى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 20].
وفي قوله: {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} [الأنعام: 114] دلالة على أمور:
منها بطلان قول من يقول إنه كلام مخلوق خلقه في جسم من الأجسام المخلوقة كما هو قول الجهميين (1) الذين قالوا بخلق القرآن من المعتزلة (2) والنجارية (3) والضرارية (4) وغيرهم. فإن السلف كانوا يسمون كل من نفى الصفات وقال إن
(1) الجهميون نسبة إلى الجهم بن صفوان: انظر (1/ 181).
(2)
المعتزلة: انظر (1/ 166).
(3)
النجارية: أتباع الحسين بن محمد النجار (ويسمون الحسينية) من المعتزلة الجهمية، وافقوا المعتزلة في نفي الصفات من العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر، وخالفوهم في خلق أفعال العباد بمعنى أن أعمال العباد مخلوقه للَّه وأنكر الرؤية وقال: الإيمان التصديق ولا يخلد صاحب الكبيرة في النار.
الملل والنحل (1/ 88 - 90)؛ ومقالات الإسلاميين (1/ 340).
(4)
الضرارية: أصحاب ضرار بن عمرو من المعتزلة لكن خالفهم في أن أعمال العباد مخلوقة، وكان يزعم أن معنى: عالم قادر أي ليس بجاهل ولا عاجز وكذلك سائر صفاته وأنكر قراءة ابن مسعود وأُبي.
مقالات الإِسلاميين (1/ 339)؛ والملل (1/ 90 - 91).
القرآن مخلوق وأن اللَّه لا يرى في الآخرة جهميا. فإن جهما (1) أول من ظهرت عنه بدعة نفي الأسماء والصفات وبالغ في نفي ذلك فله في هذه البدعة مزية المبالغة في النفي والابتداء بكثرة إظهار ذلك والدعوة إليه وإن كان الجعد بن درهم (2) سبقه إلى بعض ذلك.
فإن الجعد بن درهم أول من أحدث ذلك في الإسلام فضحى به خالد بن عبد اللَّه القسري (3) بواسط يوم النحر وقال: "يا أيها الناس ضحوا تقبل اللَّه ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن اللَّه لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليمًا. تعالى عما يقول الجعد بن درهم علوًا كبيرًا ثم نزل فذبحه"(4).
وكان خالد أمير العراقين (5) من جهة هشام بن
(1) جهم بن صفوان. انظر (1/ 181).
(2)
الجعد بن درهم من الموالي من أهل الشام، وهو مؤدب مروان بن محمد الخليفة الأموي وهو شيخ الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية أول من ابتدع أن اللَّه ما اتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى، وأن ذلك لا يجوز على اللَّه. قتله خالد بن عبد اللَّه القسري في نحو سنة 118 هـ.
البداية والنهاية (10/ 19)؛ وسير أعلام النبلاء (5/ 433)؛ والأعلام (2/ 120).
(3)
خالد بن عبد اللَّه بن يزيد بن ساد القسري من بجيلة أبو الهيثم، أمير العراقيين وأحد خطباء العرب وأجوادهم، يماني الأصل من أهل دمشق، ولي مكة للوليد بن عبد الملك سنة 89 هـ ثم ولاه هشام العراقين سنة 105، مات مقتولًا سنة 126 هـ.
سير أعلام النبلاء (5/ 425)؛ والبداية (10/ 17)؛ والأعلام (2/ 297).
(4)
انظر الخبر في خلق أفعال العباد للبخاري (12) رقم 3؛ وفي التاريخ الكبير له (1/ 64)؛ وفي الرد على الجهمية لأبي سعيد الدارمي (13، 388)، والآجري في الشريعة (97، 328)؛ وعند ابن كثير في البداية (10/ 19)، وفي السير (5/ 432)؛ وهنا نهاية كلام ابن تيمية، انظر مجموع الفتاوى (12/ 119).
(5)
العراقين الكوفة والبصرة. معجم البلدان (4/ 93) عراق.
عبد الملك (1) الأموي وكان معدودًا من خطباء العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة وكان جوادًا كثير العطاء، وفيه يقول بعض الشعراء (2):
تبرعت لي بالجود حتى نعشتني
…
وأعطيتني حتى حسبتك تلعب
فأنت الندى وابن الندى وأبو الندى
…
حليف الندى ما للندى عنك مذهب
ولكن (3) المعتزلة وإن وافقوا جهما على بعض ذلك فهم يخالفونه في مسائل غير ذلك كمسائل الإيمان والقدر وبعض مسائل الصفات أيضًا، ولا يبالغون في النفي مبالغته، وهو يقول إن اللَّه تعالى لا يتكلم ويقول: إنه يتكلم بطريق المجاز.
وأما المعتزلة فيقولون: إنه يتكلم حقيقة لكن قولهم في المعنى هو قول جهم وجهم ينفي الأسماء كالصفات كما نفتها الباطنية ومن وافقهم من الفلاسفة.
وأما جمهور المعتزلة فلا ينفون الأسماء.
والمقصود أن قوله تعالى: {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} [الأنعام: 114] فيه بيان أنه منزل من اللَّه لا من مخلوق.
ولهذا قال السلف منه بدأ أي هو الذي تكلم به لم يبتد من غيره كما قالت الخلقية (4)، ومنها أن قوله:{مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} فيه بطلان قول من يجعله فاض
(1) هشام بن عبد الملك بن مروان من خلفاء الدولة الأموية في الشام، ولد في دمشق وبويع فيها، كان حسن السياسة يقظًا في أمره يباشر الأعمال بنفسه، مات سنة 125 هـ. الأعلام (8/ 86).
(2)
الأبيات في: السير (5/ 428)؛ وفي البداية (10/ 20)؛ وفي مختصر تاريخ دمشق (7/ 379)؛ وفي وفيات الأعيان (2/ 227) في ترجمة خالد.
(3)
عود إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر: مجموع الفتاوى (12/ 119).
(4)
الخلقية: أي الذين يقولون إن القرآن مخلوق وهم المعتزلة ومن وافقهم.
على نفس النبي صلى الله عليه وسلم من العقل الفعال أو غيره كما يقول ذلك طوائف من الفلاسفة والصابئة، وهذا القول أعظم كفرًا وضلالًا من الذي قبله.
ومنها أن هذه الآية تبطل أيضًا قول من يقول إن القرآن العربي ليس منزلًا من اللَّه بل مخلوق له تعالى إما في جبربل، أو محمد، أو جسم آخر غيرهما كما تقول ذلك الكلابية (1) والأشعرية (2) الذين يقولون القرآن العربي ليس هو كلام اللَّه وإنما كلامه المعنى القائم بذاته، والقرآن العربي خلق ليدل على ذلك المعنى. ثم عندهم إما أن يكون خلق في بعض الأجسام: الهواء وغيره أو ألهمه جبريل فعبر عنه بالقرآن العربي، أو ألهمه محمدًا صلى الله عليه وسلم فعبر عنه بالقرآن العربي، أو يكون أخذه جبريل من اللوح المحفوظ أو غيره.
فهذه الأقوال التي تقال تفريعًا على هذا القول فإن هذا القرآن العربي لا بد له من متكلم تكلم به أولًا قبل أن يصل إلينا وهذا يوافق قول المعتزلة ونحوهم في إثبات خلق القرآن العربي وكذا التوراة البرية ويفارقه من وجهين:
أحدهما أن أولئك يقولون: أن المخلوق كلام اللَّه وهؤلاء لا يقولون: إنه كلام اللَّه لكن يسمونه كلام اللَّه مجازًا، وهذا قول أئمتهم وجمهورهم، وقالت طائفة من
(1) الكلابية أصحاب عبد اللَّه بن سعيد بن كلاب (توفي نحو سنة 240 هـ) قال الذهبي: رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه وصاحب التصانيف في الرد على المعتزلة وربما وافقهم ثم قال والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة بل هو في مناظريهم. وكان يقول بأن القرآن قائم بالذات بلا قدرة، ولا مشيئة. وهذا ما سبق إليه أبدًا قاله في معارضة من يقول بخلق القرآن. والكلابية يثبتون الأسماء والصفات لكن على طريقة أهل الكلام لذلك يعدهم أهل السنة من متكلمة أهل الإثبات ويوافقون أهل السنة في كثير من مسائل العقيدة.
انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 174 - 175)؛ ومجموع الفتاوى لابن تيمية (3/ 103)(4/ 12، 14، 147، 156، 174)، ومقالات الإسلاميين (1/ 350).
(2)
الأشعرية تقدمت انظر (1/ 142)
متأخريهم: بل لفظ الكلام يقال على هذا، وهذا بالإشتراك اللفظي لكن قد ينقض أصلهم في إبطال قيام الكلام بغير المتكلم به وهم من هذا لا يقولون: إن المخلوق كلام اللَّه حقيقة كما تقوله المعتزلة مع قولهم: إنه كلامه حقيقة، بل يجعلون القرآن العربي كلامًا لغير اللَّه، وهو كلامه حقيقة وهذا شر من قول المعتزلة، وهذا حقيقة قول الجهمية. ومن هذا الوجه فقول المعتزلة أقرب وقول الآخرين هو قول الجهمية المحضة.
نعم المعتزلة موافقون لهؤلاء في المعنى وإنما ينازعونهم في اللفظ.
الثاني: أن هؤلاء يقولون للَّه كلام هو معنى قديم قائم بذاته تعالى والخلقية يقولون: لا يقوم بذاته كلام.
ومن هذا الوجه الكلابية والأشعرية خير من الخلقية في الظاهر، لكن جمهور الناس يقولون: إن أصحاب هذا عند التحقيق لم يثبتوا كلامًا له حقيقة غير المخلوق فإنهم يقولون: إنه معنى واحد هو الأمر والنهي والخبر إن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا، ومنهم من قال: هو خمس معان.
وجمهور العقلاء يقولون: إن فساد هذا معلوم بالضرورة بعد التصور التام. والعقلاء الكثيرون لا يتفقون على الكذب وجحد الضرورات من غير تواطؤ واتفاق كما في مخبر الأخبار المتواترة. وأما مع التواطؤ فقد يتفقون على الكذب عمدًا، وقد يتفقون على جحد الضرورات وإن لم يعلم كل منهم أنه جاحد للضرورة ولم يفهم حقيقة القول الذي يعتقده لحسن ظنه فيمن يقلد قوله ولحبه لنصرة ذلك القول.
كما اتفقت النصارى والرافضة وغيرهم من الطوائف على مقالات يعلم مفاسدها بالضرورة.
وقال جمهور العقلاء: نحن إذا عربنا التوراة والإنجيل لم يكن معنى ذلك معنى القرآن بل معاني هذا ليست معاني هذا.
وكذلك: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ليس هو معنى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] ولا معنى آية الكرسي آية الدين.
وقالوا: إذا جوزتم أن تكون الحقائق المتنوعة شيئًا واحدًا فجوزوا أن يكون العلم والقدرة والكلام والسمع والبصر صفة واحدة فاعترف أئمة هذا القول بأن هذا الإلزام ليس لهم عنه جواب عقلي، ثم منهم من قال: إن الناس في الصفات إما مثبت لها قائل بالتعدد، وإما ناف لها، وإما إثباتها واتحادها فخلاف الإجماع. وهذه طريقة أبي بكر الباقلاني (1)، وأبِي المعالي الجويني (2)، وغيرهما ومنهم من اعترف بأنه ليس له جواب كأبي الحسن الآمدي (3) وغيره.
والمقصود هنا أن هذه الآية الكريمة تبين بطلان هذا القول كما بينت بطلان غيره فإن قوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} يقتضي نزول القرآن من ربه.
والقرآن اسم للقرآن العربي لفظه ومعناه بدليل قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [النحل: 98] وإنما يقرأ القرآن العربي لا يقرأ معانيه المجرده.
فإذا كان روح القدس نزل بالقرآن العربي لزم أن يكون نزله من اللَّه فلا يكون شيء منه نزله من عين الأعيان المخلوقة ونزله من نفسه.
(1) الباقلاني: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم البصري ثم البغدادي المعروف بالباقلاني (أبو بكر) متكلم على مذهب الأشعري ولد بالبصرة، وسكن بغداد وسمع بها الحديث، توفى سنة 403 هـ.
تاريخ بغداد (5/ 379)؛ ووفيات الأعيان (4/ 269).
(2)
الجويني: انظر (1/ 137).
(3)
الآمدي: (1/ 137).
وأيضًا فإنه قال عقب هذه الآية {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103].
وهم كانوا يقولون: إنما يعلمه هذا القرآن العربي بشر لم يكونوا يقولون إنما يعلمه بشر معانيه فقط.
بدليل قوله: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} .
وعبر عن هذا بـ (يلحدون) لما تضمن من معنى ميلهم عن الحق، وميلهم إلى هذا الذي أضافوا إليه القرآن، فإن لفظ الإلحاد يقتضي ميلًا عن شيء إلى شيء بباطل.
وقد اشتهر في التفاسير: أن بعض الكفار كانوا يقولون إن محمدًا صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن من شخص كان بمكة أعجمي قيل: إنه كان مولى لابن الحضرمي (1).
فإذا كان الكفار جعلوا الذي يعلمه ما نزل به روح القدس بشرًا واللَّه أبطل ذلك بأن لسان ذلك أعجمي، وهذا لسان عربي مبين.
علم أن روح القدس نزل باللسان العربي المبين وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يؤلف نظم القرآن بل سمعه من روح القدس، وإذا كان روح القدس نزل به من اللَّه علم أنه سمعه منه لم يؤلفه هو، وهذا بيان من اللَّه أن القرآن الذي هو باللسان العربي المبين سمعه روح القدس من اللَّه رب العالمين ونزل به منه (2) " وهذا بين وللَّه الحمد.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا في شرح الأصفهانية (3).
(1) انظر: تفسير ابن كثير والبغوي (5/ 91).
(2)
مجموع الفتاوى (12/ 124).
(3)
شرح العقيدة الأصفهانية (ص 35).
قال أبو الحسن محمد بن عبد الملك (1) الكرجي الشافعي في كتابه الذي سماه "الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول" وذكر إثنى عشر إمامًا: الشافعي (2)، ومالك (3)، وسفيان الثوري (4)، وأحمد بن حنبل (5)، وسفيان بن عيينة (6)، عبد اللَّه بن المبارك (7)، وإسحاق بن راهوية (8)، والبخاري (9)، وأبا زرعة (10)، وأبا حاتم (11).
قال فيه: سمعت الإمام أبا منصور محمد بن أحمد (12) يقول: سمعت الإمام
(1) محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الكرجي بالجيم أبو الحسن بن أبي طالب: فقيه محدث مفسر أديب شاعر، من تصانيفه: الذرائع في علم الشرائع، الفصول في اعتقاد الأئمة الفحول؛ تفسير القرآن؛ وغيرها، توفى سنة 532.
طبقات الشافعية (6/ 137)؛ البداية (12/ 213)، ومعجم المؤلفين (10/ 258).
(2)
الشافعي تقدم (1/ 174).
(3)
مالك تقدم (1/ 177).
(4)
سفيان الثوري تقدم (1/ 174).
(5)
أحمد تقدم (1/ 111).
(6)
سفيان بن عيينة تقدم (1/ 191).
(7)
عبد اللَّه بن المبارك تقدم (1/ 184).
(8)
إسحاق بن راهويه تقدم (1/ 112).
(9)
البخاري تقدم (1/ 186).
(10)
أبو زرعة تقدم (1/ 109).
(11)
أبو حاتم: محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم الرازي، أحد الحفاظ، توفى سنة سبع وسبعين ومائتين.
تقريب (ص 289).
(12)
محمد بن أحمد بن علي بن شكرويه الأصبهاني أبو منصور: القاضي الفقيه المعمر، مات سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة هـ.
سير أعلام النبلاء (18/ 493).
أَبا بكر عبد اللَّه بن أحمد (1) يقول: سمعت الشيخ أبا حامد الأسفرائيني (2)، يقول مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، ومن قال: مخلوق فهو كافر.
والقرآن حملة جبريل مسموعًا من اللَّه تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل والصحابة رضي الله عنهم سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا فيما بين الدفتين، وما في صدورنا مسموعًا ومكتوبًا ومحفوظًا ومنقوشًا كل حرف منه كالباء والتاء كله كلام اللَّه غير مخلوق، ومن قال: مخلوق فهو كافر عليه لعائن اللَّه والملائكة والناس أجمعين (3).
قال أبو الحسن: وكان الشيخ أبو حامد الاسفرائيني شديد الإنكار على أصحاب الكلام، وكان يدخل الجامع المنصور ويقبل على من حضر ويقول: أشهدوا عليّ
(1) أبو بكر عبد اللَّه بن أحمد بن عبد اللَّه المروزي الخراساني: الإمام العلامة الفقيه، شيخ الشافعية، ويعرف بالقفال الصغير، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه، كما أن أَبا حامد الأسفرائيني هو صاحب طريقة العراقيين، وعنهما انتشر المذهب الشافعي، توفى سنة سبع عشرة وأربع مائة وله من العمر تسعون سنة.
سير أعلام النبلاء (17/ 405)؛ وطبقات الشافعية للسبكي (5/ 53 - 62).
(2)
أحمد بن أبي طاهر صمد بن أحمد الأسفرائيني: الأستاذ العلامة الفقيه شيخ الشافعية ببغداد، قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى في الطبقات: انتهت إليه رئاسة الدين والدنيا ببغداد وطبق الأرض بالأصحاب، وجمع مجلسه ثلاثمائة متفقه، مات سنة ست وأربعمائه.
سير أعلام النبلاء (17/ 193)؛ وطبقات الشافعية للسبكي (4/ 61).
(3)
الأثر ذكره ابن تيمية أيضًا في درء تعارض الأصل والنقل (2/ 95 - 96)؛ وذكره المؤلف في لوامع الأنوار (1/ 162)، وانظر: مجموع الفتاوى (4/ 175، 12/ 160).
وقد ذكر هنا عشرة وبقيتهم كما في درء تعارض العقل والنقل: الأوزاعي، والليث بن سعد.
بأن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق كما قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، لا كما يقول الباقلاني، وكان يتكرر منه ذلك فقيل له في ذلك، فقال: حتى ينتشر في الناس ويشيع الخبر في أهل البلاد، أني بريء مما هم عليه -يعني الأشعرية- وبريء من مذهب أبي بكر الباقلاني فإن جماعة (1) من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية ويقرؤن عليه فيعتنون بمذهبه، فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة فيظن ظان أنهم مني تعلموه، وأنا قلته، وأنا بريء من مذهب الباقلاني وعقيدته" (2).
هذا كلام (3) الإمام أبي حامد أحمد بن طاهر الاسفرائيني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علمًا وأصحابًا، قال ابن خلكان في تاريخه وفيات الأعيان: أنتهت إليه رئاسة الدنيا والدين ببغداد فكان يحضر مجلسه أكثر من ثلاثمائة فقيه (4).
وذكر الخطيب في تاريخ بغداد: "أنه كان يحضر مجلسه سبعمائة متفقه، وكان الناس يقولون لو رآه الشافعي لفرح به"(5) انتهى.
وكانت ولادة أبي حامد الإسفرائيني سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقدم بغداد سنة ثلاث وستين وثلائمائة، وتوفى سنة ست وأربعمائة ببغداد، ودفن في داره ثم نقل إلى باب حرب (6).
(1) في المخطوطتين فإن جماعته وما أثبتنا من العقيدة الأصفهانية (ص 36)؛ ومن درء تعارض العقل والنقل، ومنهما ينقل الشارح.
(2)
نهاية ما أورده ابن تيمية.
انظر: شرح العقيدة الأصفهانية (ص 36)؛ ودرء تعارض العقل والنقل (2/ 97).
(3)
في الأصل: هذا كلام هذا الإمام أبي حامد، وما أثبته من نسخة "ظ" وهو الصحيح.
(4)
وفيات الأعيان (1/ 72).
(5)
تاريخ بغداد (4/ 369).
(6)
وفيات الأعيان (1/ 74).
وإسفراين بلدة بخراسان من نواحي نيسابور على منتصف الطريق إلى جرجان (1) رحمه الله ورضي عنه.
و"لا" ناهية (تك) مجزومًا بها وحذفت النون تخفيفًا (في القرآن) العظيم والذكر الحكيم: (بالوقف قائلا): بأن تقول: أنا لا أقول القرآن قديم (2) ولا مخلوق.
قال سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه: الواقفة: هم الذين يقولون: القرآن كلام اللَّه ولا يقولون غير مخلوق، قال: وهم من شر الأصناف وأخبثها (3) انتهى.
وقوله رحمه اللَّه تعالى ورضي عنه: (كما قال أتباع) أي نوع من أتباع الجهم بن صفوان الذي نسبت إليه مقالة الجهمية. وإن كان إنما أخذ المقالة المذكورة عن الجعد بن درهم الذي ضحى عليه خالد القسري كما تقدم.
قال شيخ الإسلام بن تيمية روح اللَّه روحه في "الرسالة الحموية"(4) أصل مقالة تعطيل الصفات إنما أخذ من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين فإنه أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم ابن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه.
وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت عن لبيد بن الأعصم اليهودي
(1) نفس المصدر.
(2)
انظر ما تقدم (1/ 208 - 209) حول تسمية القرآن بالقديم.
(3)
انظر السنة لعبد اللَّه بن أحمد (1/ 179)؛ والسنة للإمام أحمد (ص 19 - 20).
(4)
الفتوى الحموية الكبرى (ص 98) ضمن مجموع النفائس.
الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم (1).
وكان الجعد هذا فيما قيل من أهل حران، وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة بقايا أهل دين النمرود الكنعانيين الذين صنف بعض المتأخرين في سحرهم، والنمرود هو ملك الصابئة الكذابين المشركين كما أن كسرى ملك الفرس والمجوس، وفرعون ملك القبط الكفار، وقيصر ملك الروم، فهو اسم جنس لا اسم علم وكانت الصابئة إلا قليلا منهم إذ ذاك على الشرك وعلماؤهم الفلاسفة. وإن كان الصابيء قد لا يكون مشركا، بل قد يكون مؤمنًا باللَّه واليوم الآخر كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].
لكن كثيرًا منهم، أو أكثرهم كانوا كفارًا ومشركين، فأولئك الصابئون كانوا إذ ذاك، وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل فمذهب (2) النفاة من هؤلاء في الرب سبحانه: أنه ليس له إلا صفات سلبية، أو اضافية، أو مركبة منهما، وهم الذين بعث إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام إليهم فيكون الجعد قد أخذها عن الصابئة الفلاسفة وأخذها الجهم عنه، وأخذ المقالة الجهم أيضًا فيما ذكره سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره من السمنية وهم بعض فلاسفة الهند، وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات، فهذه أسانيد الجهم ترجع إلى اليهود والنصارى والصابئين والمشركين والفلاسفة الضالين، إما من الصابئين، وإما من المشركين، ثم لما عربت الكتب الرومية كما تقدم الإشارة إليه زاد البلاء مع ما ألقى
(1) انظر مختصر تاريخ دمشق (6/ 50 - 51)، والبداية (9/ 350)؛ والوافي بالوفيات (11/ 86 - 87)؛ سرح العيون (ص 293 - 294).
(2)
في "ظ": فيذهب.
الشيطان في قلوب الضلال ابتداء من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم.
وفي حدود المائة الثانية انتشرت هذه المقالة التي يسميها السلف مقالة الجهمية بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته، وكلام الأئمة مثل: مالك، وسفيان بن عيينة، وابن المبارك، وأبي يوسف، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والفضيل بن عياض، وبشر الحافي رضي الله عنهم وغيرهم في هؤلاء في ذمهم وتضليلهم مشهور معلوم (1).
فقول الناظم رحمه اللَّه تعالى ورضي عنه (كما قال أتباع لجهم وأسمحوا) يعني إن الواقفية من فرق الجهمية.
وأما الجهمية المحضة من جهم وأتباعه المختصين به الذاهبين مذهبه فصرحوا بالقول بخلق القرآن.
قال سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه في كتاب السنة: "الجهمية هم أعداء اللَّه فهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق، وأن اللَّه تعالى لم يكلم موسى عليه السلام، وأن اللَّه تعالى لم يتكلم، وأنه تعالى لا يرى في الآخرة، ويقولون: ليس للَّه عرش ولا كرسي، قال: ويقولون كلامًا كثيرًا أكره حكايته.
قال: وهم كفار" (2) انتهى.
ومعنى قوله: "وأسمحوا" أي جادوا بالقول بخلق القرآن ولانوا. يقال: سمح ككره سماحًا وسماحة جاد وكرم كأسمح فهو سمح وأسمحت قرونته ذلت نفسه والدابة لانت بعد استصعاب (3).
(1) نهاية كلام ابن تيمية. انظر الفتوى الحموية (ص 99) ضمن النفائس.
(2)
السنة للإمام أحمد (ص 19).
(3)
تاج العروس (2/ 166 - 167) سمح.
(ولا تقل القرآن العظيم خلق) أي مخلوق فلا ناهية وتقل مجزوم وحركت اللام بالكسر لالتقاء الساكنين، والقرآن مبتدأ، وخلق بمعنى مخلوق خبره.
و (قراءة) منصوب على الحال أو بنزع الخافض أي في القراءة يعني لا تقل: قراءتي مخلوقة.
قال سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه: "اللفظية هم الذين يزعمون أن القرآن كلام اللَّه، ولكن ألفاظنا وقراءتنا مخلوقة، وهم جهمية (1) فساق. انتهى.
ولهذا قال الناظم (فإن كلام اللَّه) الذي هو القرآن (باللفظ يوضح) أي يكشف ويظهر ويبين.
فتحرير مذهب السلف: أن اللَّه تعالى متكلم، وأن القرآن كلام اللَّه، وأنه قديم (2) حروفه ومعانية.
والكلام كلام من قاله مبتدئًا به لا كلام من قاله مبلغًا ومؤديًا، وموسى عليه السلام سمع كلام اللَّه من اللَّه بلا واسطة، والمؤمنون يسمعه بعضهم من بعض، فسماع موسى مطلق بلا واسطة، وسماع الناس مقيد بواسطة، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51].
وقال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6].
(1) انظر: السنة للإمام أحمد (ص 20)؛ ومجموع الفتاوى (12/ 325).
(2)
انظر: ما تقدم (1/ 208 - 209) حول تسمية القرآن قديم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم"(1).
فجعل الكلام، كلام الباري، وجعل الصوت صوت القارئ فالذي يقرأ به العبد صوت نفسه، فمن قال عن القرآن الذي يقرؤه المسلمون: ليس هو كلام اللَّه، أو هو كلام غيره، فهو ملحد مبتدع ضال. ومن قال إن أصوات العباد والمداد الذي كتب به القرآن قديم أزلي فهو ملحد مبتدع ضال، بل هذا القرآن هو كلام اللَّه وهو مثبت في المصاحف، وهو كلام اللَّه مبلغ مسموع من القراء ليس هو مسموعًا منه تعالى فكلام اللَّه قديم وصوت العبد حادث مخلوق (2).
(1) رواه أبو داود رقم (1468) في الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة؛ والنسائي (2/ 139، 140) في الصلاة باب تزيين القرآن بالصوت؛ والدارمي (2/ 340)؛ وأحمد (4/ 283، 285، 296، 304)؛ وابن ماجة رقم (1342)؛ وابن حبان في صحيحه الإحسان (2/ 64)؛ والحاكم في المستدرك (1/ 571 - 575) من عدة طرق عن البراء بن عازب رضي الله عنه؛ وقال الألباني صحيح. صحيح الجامع (3/ 194).
(2)
هذه المسألة تسمى "مسألة اللفظ بالقرآن".
قال ابن تيمية رحمه الله: قد اضطرب فيها أقوام لهم علم وفضل ودين وعقل وجرت بسببها مخاصمات ومهاجرات بين أهل الحديث والسنة حتى قال ابن قتيبة كلامًا معناه لم يختلف أهل الحديث في شيء من مذاهبهم إلا في مسألة "اللفظ".
وبين أن سبب ذلك لما وقع فيها من الغموض والنزاع بينهم في كثير من المواضع لفظي.
ثم قال في موضع آخر: ولهذا كان الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة يقولون: من قال اللفظ بالقرآن أو لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي.
لأن اللفظ يراد به صدر لفظ يلفظ لفظًا، ومسمى هذا فعل العبد وفعل العبد مخلوق.
ويراد باللفظ القول الذي يلفظ به اللافظ، وذلك كلام اللَّه لا كلام القارئ، فمن قال: إنه مخلوق فقد قال إن اللَّه لم يتكلم بهذا القرآن، وإن هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ليس هو كلام اللَّه، ومعلوم أن هذا مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول، وأما صوت العبد فهو مخلوق. =
والحاصل أن مذهب الحنابلة كسائر السلف أن اللَّه يتكلم بحرف وصوت.
قال العلامة ابن حمدان (1) في "نهاية المبتدئين في أصول الدين": "اللَّه تعالى قائل ومتكلم بكلام قديم (2) ذاتي وجودي غير مخلوق ولا محدث ولا حادث.
وقال: قال الإمام أحمد رضي الله عنه: لم يزل اللَّه متكلمًا كيف شاء وإذا شاء بلا كيف.
وقال: القرآن كيف تصرف فهو غير مخلوق، ولا نرى القول بالحكاية والعبارة وغلط من قال بهما وجهله، ونصه:
"من قال إن القرآن عبارة عن كلام اللَّه تعالى فقد غلط وجهل".
وقال الناسخ والمنسوخ في كتاب اللَّه تعالى دون العبارة والحكاية، وقال:
= وقد صرح أحد وكبره بأن الصوت المسموع صوت العبد.
ثم قال في موضع آخر:
فكان ما قاله الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة من أن الصوت صوت العبد موافقًا للكتاب والسنة، قال تعالى:{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19].
وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2]، وقال تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].
ففرق سبحانه بين المداد الذي تكتب به كلماته وبين كلماته فالبحر وغيره من المداد الذي يكتب به الكلمات مخلوق وكلمات اللَّه غير مخلوقه.
انظر: مجموع الفتاوى (12/ 74، 136، 137، 211، 302 - 303، 333، 566 - 567).
(1)
ابن حمدان تقدم (1/ 153).
(2)
انظر ما تقدم (1/ 208 - 209) حول تسمية كلام اللَّه قديم.
هذه بدعة لم يقلها السلف.
وقوله تعالى: {تَكْلِيمًا} يبطل الحكاية، منه بدأ وإليه يعود (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية طيب اللَّه ثراه: " (2) معنى قولهم منه بدأ: أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره كما قالت الجهمية (3) من المعتزلة وغيرهم إنه بدأ من بعض المخلوقات وأنه سبحانه لم يقم به كلام قال ولم يرد السلف أنه كلام فارق ذاته تعالى فإن الكلام وغيره من الصفات لا يفارق الموصوف به، بل صفة المخلوق لا تفارقه وتنتقل إلى غيره فكيف صفة الخالق تفارقه وتنتقل إلى غيره.
ولهذا قال سيدنا الإمام أحمد: كلام اللَّه من اللَّه ليس ببائن منه خلقه في بعض الأجسام.
ومعنى قول السلف: "إليه يعود":
ما جاء في الآثار أن القرآن يسرى به حتى لا يبقى في المصاحف منه حرف ولا في القلوب منه آية (4).
(1) انظر: اعتقاد الإمام أحمد رواية أبي الفضل عبد الواحد التميمي في الجزء الثاني (ص 296) من طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى؛ وشرح الكوكب المنير (2/ 4)؛ والعين والأثر (ص 76).
(2)
شرح العقيدة الأصفهانية (ص 5 - 6)؛ وشرح الكوكب المنير (2/ 87 - 88)؛ ومجموع الفتاوى (12/ 390، 517)؛ وتوضيح المقاصد شرح النونية (1/ 204 - 205)؛ ولوامع الأنوار (1/ 133 - 134).
(3)
في "ظ" والمعتزلة.
(4)
ورد في ذلك أحاديث منها: ما رواه ابن ماجه في سننه (2/ 1344) رقم (4049) في الفتن باب ذهاب القرآن والعلم، والحاكم في المستدرك (4/ 473، 506) عن حذيفة رضي الله عنه في حديث طويل وفيه: "وليسرى على كتاب اللَّه عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية". =
وقال الإمام أحمد رضي الله عنه تارة: منه القرآن أي من اللَّه خرج وهو المتكلم به وإليه يعود: أي يرتفع القرآن دفعة واحدة عن الناس وترتفع تلاوته وأحكامه.
فيعود إلى اللَّه تعالى حقيقة نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه.
ونص الإمام أحمد أيضًا رضي الله عنه على أنه حروف وأصوات وسور وآيات فقال في رواية ابنه عبد اللَّه: تكلم اللَّه بصوت، وإنما تنفى هذا الجهمية، وإنما يدورون على التعطيل (1).
وقال في رسالته إلى أهل نيسابور: من زعم أن حروف الهجاء مخلوقة فهو كافر لأنه سلك طريقًا إلى البدعة، قال: ومتى قال بذلك حكم بأن القرآن مخلوق (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس اللَّه روحه (3): "إذا قيل إن حروف المعجم قديمة بمعنى النوع كان ذلك ممكنًا بخلاف ما إذا قيل إن عين اللفظ الذي نطق به زيد وعمرو قديم فإن هذا مكابرة للحس والمتكلم يسلم أن حروف المعجم كانت موجودة قبل وجوده بنوعها.
وأما نفس الصوت المعين الذي قام به أو التقطيع أو التأليف المعين لذلك الصوت فيعلم أن عينه لم يكن موجودًا قبله قال: والمنقول عن الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره من الأئمة أهل السنة يطابق لهذا القول.
= قال البوصيرى في زوائد ابن ماجة (4/ 194): إسناده صحيح رجاله ثقات.
وصححه الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي.
(1)
انظر كتاب السنة لعبد اللَّه بن أحمد (1/ 280 - 281)، والأصفهانية (ص 31)؛ وشرح الكوكب المنير (2/ 99 - 100)؛ وفتح الباري (13/ 469).
(2)
انظر مجموع الفتاوى (12/ 85).
(3)
المصدر السابق (12/ 158 - 159).
قال: ولهذا أنكروا على من زعم أن حرفًا من حروف المعجم مخلوق وأنكروا على من قال لما خلق اللَّه الحروف سجدت له إلا الألف فقالت لا أسجد حتى أومر، مع أن هذه الحكاية نقلت للإمام أحمد عن السري السقطي (1) وهو نقلها عن بكر (2) بن خنيس العابد (3).
ولم يكن قصد أولئك الشيوخ بها إلا بيان أن العبد الذي يتوقف فعله على الأمر والشرع هو أكمل من العبد الذي يعبد اللَّه بغير شرع، فإن كثيرًا من العباد يعبدون اللَّه تعالى بما تحبه قلوبهم، وإن لم يكونوا مأمورين به، فقصد أولئك الشيوخ أن من عبد اللَّه بالأمر، ولم يفعل شيئًا حتى يؤمر به فهو أفضل ممن عبده بما لم يؤمر به.
وذكروا هذه الحكاية الإسرائيلية شاهدًا لذلك، مع أن هذه لا إسناد لها ولا يثبت بها حكم، ولكن الإسرائيليات إذا ذكرت على طريق الاستشهاد بها لما عرف صحته لم يكن بذكرها بأس.
وقصدوا بذلك الحروف المكتوبة لأن الألف منتصبة وغيرها ليس كذلك، مع أن هذا أمر اصطلاحي وخط العرب غير خط الغرب، ولم يكن قصد أولئك الأشياخ أن نفس الحروف المنطوقة التي هي مباني أسماء اللَّه الحسنى وكتبه المنزلة مخلوقة
(1) السري بن المغلس السقطي أبو الحسن البغدادي: أحد العباد الزهاد، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
تاريخ بغداد (9/ 187)، سير أعلام النبلاء (12/ 185).
(2)
بكر بن خنيس الكوفي العابد نزيل بغداد، قال الذهبي: كان في حدود السبعين ومائة.
تهذيب الكمال (4/ 208 - 211)؛ تقريب (ص 47).
(3)
روى هذه الحكاية أبو بكر النقاش في تفسيره كما في الإنصاف للباقلاني (ص 152 - 153) وسيأتي تعليق شيخ الإسلام ابن تيمية عليها بعد قليل.
بائنة عن اللَّه تعالى، بل هذا شيء لمله لم يخطر بقلوبهم، والحروف المنطوقة لا يقال فيها إنها منتصبة ولا ساجدة، فمن احتج بهذا من قولهم على أنهم يقولون: إن اللَّه لم يتكلم بالقرآن العربي، ولا بالتوراة العبرية، فقد قال عنهم ما لم يقولوه.
وأما الإمام أحمد رضي الله عنه فإنه أنكر إطلاق هذا القول وما يفهم منه عند الإطلاق، وهو أن نفس حروف المعجم مخلوقة كما نقل عنه أنه قال: ومن زعم أن حرفًا من حروف المعجم مخلوق، فقد سلك طريقًا إلى البدعة فإنه إذا قال ذلك مخلوق فقد قال القرآن مخلوق (1) أو كما قال.
قال الإمام تقي الدين ابن تيمية: ولا ريب أن من جعل نوع الحروف مخلوقًا بائنًا عن اللَّه كائنًا بعد أن لم يكن لزم أن يكون كلام اللَّه العربي والعبري ونحوهما مخلوقًا وامتنع أن يكون اللَّه تكلم بكلامه الذي أنزله على عبده فلا يكون شيء من ذلك كلامه.
فطريقة (2) الإمام أحمد وغيره من السلف مطابقة لصريح المعقول، وصحيح المنقول (3) انتهى.
قال سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه: فإن قال القرآن مخلوق، أو محدث، أو حادث، أو القرآن بلفظي، أو لفظي بالقرآن مخلوق، أو محدث، أو حادث، أو وقف فيه شاكًا، أو ادعى قدرة بشر على مثله كفر.
ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع (4) نص عليه انتهى.
(1) انظر: مجموع الفتاوى (12/ 158 - 160، 84، 85).
(2)
في "ظ" فطريق.
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (12/ 160).
(4)
انظر: السنة للإمام أحمد (ص 16)، وعقيدة أهل السنة للإمام أحمد (ص 27)؛ والسنة =