الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطلب في الاستواء
وأنه من جملة الصفات الواجب على كل فرد اعتقادها (1)
تنبيه:
لم يذكر الناظم -رحمه اللَّه تعالى- مسألة الاستواء مع أنها من أعظم مسائل المعترك بين أهل السنة وأهل البدع، بل وبين علماء السلف وعلماء الخلف ممن ينتسب إلى المذاهب الأربعة وغيرها من أهل الحق.
ولكنه أشار بالتجلي وبالنزول وبقوله فيما يأتي فكلهم يعصي وذو العرش يصفح إلى ما يعلم منه ذلك، ونحن نبرهن عليها على حسب ما يعتقده السلف ونشير إلى ما يذهب إليه الخلف فنقول: قد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن اللَّه عز وجل مستو على عرشه، بائن من خلقه استواء يليق بذاته من غير تكييف، ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تعطل، قال تعالى في محكم كتابه العزيز {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)} [السجدة: 4].
قال الإمام المحقق ابن القيم (2) في كتابه "الجيوش الإسلامية" بعد ذكره هذه الآيات إلى العزيز الرحيم: "تأمل ما في هذه الآيات من الرد على طوائف المعطلين والمشركين فنقوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} يتضمن إبطال قول الملاحدة القائلين بقدم العالم، وأنه لم يزل وأن اللَّه تعالى لم يخلقه بقدرته ومشيئته، ومن أثبت منهم وجود الرب جمله لازمًا لذاته أزلًا وأبدًا غير مخلوق كما هو قول
(1) هذا العنوان انفردت به "ظ".
(2)
تقدم التعريف به (1/ 161).
ابن سينا (1)، والنصير الطوسي (2) وأتباعهما من الملاحدة الجاحدين لما اتفقت عليه الرسل والكتب وشهدت به العقول والفطر، وقوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يتضمن إبطال قول المعطلة الجهمية ومن نحا نحوهم القائلين ليس على العرش سوى العدم وإن اللَّه تبارك وتعالى ليس مستويًا على عرشه، ولا ترفع إليه الأيدي، ولا يصعد إليه الكلم الطيب، ولا رفع المسيح إليه، ولا عرج برسوله محمد صلى الله عليه وسلم إليه ولا تعرج الملائكة والروح إليه" (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -روح اللَّه روحه-: "وهذا كتاب اللَّه من أوله إلى آخره، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعامة كلام الصحابة والتابعين وكلام سائر الأئمة مملؤ بما هو نص أو ظاهر في أن اللَّه سبحانه فوق كل شيء، وأنه فوق عرشه مستو عليه استواء يليق بذاته المقدسة كما في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54].
وهذا مذكور في سبع آيات من القرآن (4).
فمذهب السلف: الإيمان بذلك جريًا على عادتهم من عدم الخوض في المتشابه
(1) ابن سينا: الحسين بن عبد اللَّه بن الحسن بن علي بن سيناء البلخي، ثم البخاري فيلسوف طبيب شاعر، ولد بخرميش من قرى بخاري سنة 370، وتوفى سنة 428 بهمذان.
معجم المؤلفين (4/ 20).
(2)
هو: محمد بن محمد بن الحسن أبو جعفر نصير الدين الطوسي، فيلسوف عالم بالفلك والرياضيات والعلوم العقلية، توفى سنة 672.
الأعلام (7/ 30).
(3)
اجتماع الجيوش الإسلامية (ص 95).
(4)
انظر الفتوى الحموية الكبرى (5/ 12 - 13) من مجموع الفتاوى.
مع تفويض علمه إلى اللَّه تعالى (1).
فقد روى اللالكائي (2) الحافظ في كتابه "السنة"(3) من طريق قرة بن خالد عن الحسن البصري عن أمه عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنهما في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] قالت: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة والبحث عنه كفر"(4).
(1) في كلام الشارح هذا اجمال، يحتاج إلى بيان وتوضيح فأقول: ذهب بعض الناس إلى أن آيات وأحاديث الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا اللَّه وأن السلف رحمهم الله لم يفهموا معانيها، وما تدل عليه وأنهم فوضوا العلم في ذلك إلى اللَّه.
وهذا مذهب غير صحيح، فإن اللَّه أوضح في كتابه من أسمائه وصفاته أوضح بيان وكذلك رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام بينها أكمل بيان وقد فهمها السلف، وآمنوا بها وصدقوا بها وأثبتوها للَّه على الوجه اللائق له سبحانه وتعالى، وإنما نفوا علم الكيفية والصفة فهذا هو الذي لا يعلمه إلا اللَّه.
كما أجاب الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله لما سئل عن الاستواء قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول.
وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على الذاهبين إلى هذا المذهب ردًا قويًا في رسالته "إلإكليل في المتشابه والتأويل"(13/ 294 - 305) من مجموع الفتاوى.
وانظر: القواعد المثلى للشيخ محمد بن صالح العثيمين (ص 34 - 35).
وفتاوى وتنبيهات للشيخ عبد العزيز بن باز حفظه اللَّه (ص 187) وما بعدها.
وتعليق الشيخ عبد اللَّه بابطين، والشيخ ابن سحمان في حاشية "لوامع الأنوار" للمصنف (1/ 93 - 99، 220).
(2)
اللالكائي: تقدم (1/ 271).
(3)
طبع بتحقيق الدكتور أحمد سعد حمدان في أربعة مجلدات.
(4)
الأثر عن أم سلمة رضي الله عنها، أخرجه اللالكائي في شرح السنة (1/ 397)؛ وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف رقم (23)؛ وابن قدامة في إثبات صفة العلو رقم (82) وعنه الذهبي في العلو (ص 65)؛ وذكره السيوطي في الإتقان (3/ 13)، ومرعي بن =
وهذا له حكم الحديث المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي.
وفي لفظ آخر قالت: "الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر.
وروي أيضًا عن ربيعة (1) بن أبي عبد الرحسن شيخ الإمام مالك -المشهور بربيعة الرأي أنه سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن اللَّه الرسالة وعلى الرسول
= يوسف في أقاويل الثقات (60) والشارح في لوامع الأنوار (1/ 199)، قال الذهبي: "هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي، ومالك الإمام، وأبي جعفر الترمذي فأما عن أم سلمة فلا يصح لأن أبا كنانة ليس بثقة وأبو عمير لا أعرفه.
وقال ابن تيمية في الفتاوى (5/ 365) بعد ذكر قول الإمام مالك في الاستواء: وقد روى هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفًا ومرفوعًا، ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه.
وقال الذهبي في العلو: (104) وفي مختصره (ص 141): هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة: أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به لا نتعمق ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيًا، ولا إثباتا، بل نسكت ونقف كما وقف السلف ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقينًا مع ذلك أنه عز وجل لا مثل له في صفاته ولا في استوائه ولا في نزوله -سبحانه عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
(1)
في النسختين ربيعة بن عبد الرحمن وما اثبتنا من صادر ترجمته فهو: ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي مولاهم أبو عثمان، ويقال أبو عبد الرحمن المدني المعروف بربيعة الرأي، واسم أبيه فروخ إمام فقيه مشهور كان من أئمة الاجتهاد، توفى سنة سته وثلاثين ومائة.
تهذيب الكمال (9/ 123)؛ وسير أعلام النبلاء (6/ 89)؛ وتقريب التهذيب (ص 102).
البلاغ، وعلينا التصديق (1).
وروي عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه سئل عن الآية فقال الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وقال للسائل: أراك رجل سوء (2).
وسئل الشعبي (3) عن الاستواء، فقال: هذا من متشابه القرآن نؤمن به ولا نتعرض لمعناه (4).
(1) رواه اللالكائي في شرح السنة رقم (665) والعجلي في معرفة الثقات (1/ 358)، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 516)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو رقم (90)؛ والذهبي في الحلو (98) مختصره (132)؛ وذكره ابن تيمية في الحموية (111 - 112) وفي درء تعارض العقل والنقل (1/ 278، 6/ 264 - 265)، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص 133).
وقال ابن تيمية رواه الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات.
الحموية (ص 111) ضمن لنفائس.
(2)
رواه اللالكائي في السنة رقم (664)؛ وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف رقم (25)؛ وأبو نعيم في الحلية (6/ 325 - 326)؛ والدارمي في الرد على الجهمية (ص 55 - 56)؛ والبيهقي في الأسماء والصفات (515 - 516) من طريقين، وابن قدامة في إثبات صفة العلو رقم (119) وابن عبد البر في التمهيد (7/ 138، 151) وذكره ابن تيمية في الحموية (112)؛ وابن القيم في الجيوش الإسلامية (ص 141) والذهبي في العلو -مختصره- (ص 141).
قال الذهبي: هذا ثابت عن الإمام مالك.
وانظر: فتح الباري (13/ 417 - 418)، وأقاويل الثقات (120 - 121)؛ ولوامع الأنوار للشارح (1/ 199).
(3)
الشعبي تقدم (1/ 155).
(4)
ذكره مرعي بن يوسف في أقاويل الثقات (ص 121) وصدره بقوله: "ويروى" عن الشعبي. وقد ذكره الشارح في لوامع الأنوار (1/ 199) قلت: ومراد الشعبي بالمتشابه، =
وسئل الإمام الشافعي (1) عن ذلك فقال: آمنت بلا تشبيه، وصدقت بلا تمثيل، واتهمت نفسي في الإدراك، وأمسكت عن الحوض غاية الإمساك (2).
وسئل الإمام أحمد عن ذلك فأجاب بقوله: استوى كما ذكر لا كما يخطر للبشر (3).
وقال الخلال (4) في كتاب السنة، أخبرني عبيد اللَّه بن حنبل (5) أخبرني أبي حنبل (6) بن إسحق قال: قال عمي -يعني الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: "نحن نؤمن أن اللَّه على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حدود ولا صفة بيلغها واصف، أو يحده حاد، وصفات اللَّه تعالى له ومنه وهو كما وصف نفسه
= هو علم الكيفية، والصفة فهذا هو الذي نؤمن به ولا نعرفه، لا معنى الاستواء، فإن الاستواء معلوم، لكن الكيف مجهول كما هو جواب الإمام مالك رحمه الله المشهور، وجواب الإمام الشافعي وأحمد -رحمهما اللَّه- بعده يؤيد ذلك ويوضحه.
(1)
الشافعي: تقدم (1/ 174).
(2)
ذكره مرعي بن يوسف في أقاويل الثقات (ص 121)؛ وذكره الشارح في لوامع الأنوار (1/ 200).
(3)
أقاويل الثقات (121).
(4)
تقدم التعريف به (1/ 107).
(5)
عبيد اللَّه بن حنبل بن إسحاق بن حنبل الشيباني حدث عن أبيه، وروى عنه الخلال وسماه بعضهم عبد اللَّه كما في تاريخ بغداد.
انظر: تاريخ بغداد (9/ 450) ولم أجد له ترجمة في غيره من المصادر.
(6)
حنبل بن إسحاق بن حنبل الشيباني أبو علي ابن عم أحمد بن حنبل، ولد سنة 193 هـ، وسمع ابن عمه أحمد بن حنبل، والفضل بن دكين، وعفان بن مسلم، وغيرهم، وكان عالمًا بالفقه والحديث والتاريخ.
قال الخطيب: كان ثقة ثبتا، توفى سنة 273 بواسط.
تاريخ بغداد (8/ 286)؛ وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/ 143 - 145).
لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب (1).
قال الخلال: وأخبرني علي بن عيسى (2) أن حنبلًا حدثهم، قال: سألت أبا عبد اللَّه عن الأحاديث التي تروى أن اللَّه سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا وأن اللَّه يرى وأن اللَّه يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث؟.
فقال أبو عبد اللَّه: نؤمن بها ونصدق بها، ولا نرد منها شيئا، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على اللَّه قوله، ولا نصفه بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد، ولا غاية:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11](3).
وقال حنبل بن إسحاق عن الإمام أحمد: "ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه قد أجمل اللَّه الصفة لنفسه فعد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء، وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه، قال: فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون صفته، ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه بما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك، ولا يبلغ صفته الواصفون، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، وما وصف
(1) انظر: درء تعارض العقل والنقل (2/ 29 - 30)؛ وبيان تلبيس الجهمية (1/ 430)؛ واجتماع الجيوش الإسلامية (ص 211).
(2)
علي بن عيسى، لم أجد له ترجمة.
(3)
انظر درء تعارض العقل والنقل (2/ 30 - 31)؛ وبيان تلبيس الجهمية (1/ 431)؛ واجتماع الجيوش الإسلامية (ص 211 - 212)؛ ولمعة الاعتقاد (ص 9).
واعتقاد الإمام أحمد رواية التميمي: في طبقات الحنابلة (2/ 307).
به نفسه من كلام ونزول "وخلوه بعبده يوم القيامة ووضعه كنَفَه عليه"(1).
فهذا كله يدل على أن اللَّه تعالى يرى في الآخرة والتحديد في هذا كله بدعة، والتسليم فيه بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه سميع بصير لم يزل متكلمًا، عالمًا غفورًا عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه، لا تدفع ولا ترد وهو على العرش، بلا حد كما قال تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] كيف شاء، المشيئة إليه والاستطاعة إليه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وهو خالق كل شيء وهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير لا نتعدى القرآن ولا الحديث، تعالى اللَّه عما تقول الجهمية والمشبهة.
قلت له: والمشبهة ما تقول؟ قال: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي فقد شبه اللَّه بخلقه.
وكلام الإمام رضي الله عنه في هذا كثير، فإنه أُمتحن بالجهمية وجميع المتقدمين من أصحابه على مثل منهاجه في ذلك، وغن كان بعض المتأخرين منهم
(1) جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه (13/ 483) رقم (7514)"أن رجلا سأل ابن عمر رضي الله عنهما: كيف سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال: يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنَفَه عليه فيقول: أعملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم".
وقوله في الحديث: "حتى يضع كنَفَه عليه" جاء الكَنَفُ مفسرًا في الحديث بأنه الستر والمعنى: أنه تعالى يستر عبده عن رؤية الخلق له لئلا يفتضح أمامهم فيخزى لأنه حين السؤال والتقرير بذنوبه تتغير حاله ويظهر على وجهه الخوف الشديد، ويتبين فيه الكرب والشدة.
انظر شرح الحديث في "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبد اللَّه الغنيمان (2/ 422) وما بعدها.
يدخل في نوع مما أنكره الإمام أحمد على أهل البدع، لكن الرعيل الأول من أصحابه وجميع أئمة أهل الحديث قولهم كقوله (1).
وقال أبو مطيع الحكم بن عبد اللَّه (2) البلخي صاحب الفقه الأكبر سألت أبا حنيفة رضي الله عنه عمن يقول لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقال قد كفر لأن اللَّه تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وعرشه فوق سماواته، فقلت إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال: لا أدري العرش في السماء أو في الأرض فقال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر (3).
قال الإمام الحافظ الذهبي (4) في كتابه "العرش"(5) روى
(1) انظر: درء تعارض العقل والنقل (2/ 31 - 33)؛ وبيان تلبيس الجهمية (1/ 431 - 432)، واجتماع الجيوش الإسلامية (212 - 213).
(2)
الحكم بن عبد اللَّه أبو مطيع البلخي الفقيه صاحب أبي حنيفة، كان بصيرًا بالرأي علامة كبير الشأن، وكان ابن المبارك يعظمه ويجله لدينه وعلمه ولي قضاء بلخ، ومات سنة تسع وتسعين ومائة.
ميزان الاعتدال (1/ 574)؛ والجواهو المضية (4/ 87)؛ والطبقات السنية (3/ 178).
(3)
انظر: الفقه الأكبر بشرح الماتريدي (ص 25) والحموية الكبرى (116 - 117) ضمن النفائس؛ واجتماع الجيوش الإسلامية (ص 139)، والعلو للذهبي (101) مختصره (136)؛ وشرح العقيدة الطحاوية (322 - 323).
(4)
الإمام الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز شمس الدين أبو عبد اللَّه الذهبي الإمام الحافظ الكبير مؤرخ الإسلام، وشيخ المحدثين وصاحب التصانيف المفيدة منها: كتابه الكبير "تاريخ الإسلام" في واحد وعشرين مجلدًا - طبع منه بعض الأجزاء، وسير أعلام النبلاء طبع في ثلاثة وعشرين مجلدا، وتذكرة الحفاظ، والعبر؛ وغيرها كثير، توفى رحمه الله سنة 748.
البداية (14/ 225)، الوافي (2/ 163)؛ وطبقات الشافعية (9/ 100).
(5)
طبع باسم "العلو للعلي الغفار" وقد اختصره الشيخ ناصر الألباني وخرج أحاديثه وطبع في المكتب الإسلامي.
ذلك صاحب "الفاروق"(1) بإسناد عن أبي بكر نصير بن يحيى عن الحكم. سمعت (2) الإمام القاضي تاج الدين عبد الخالق بن علوان (3) قال: سمعت الإمام أبا محمد عبد اللَّه بن أحمد المقدسي يعني موفق الدين ابن قدامة (4) مؤلف المغني والمقنع وغيرهما -يقول: "بلغني عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال: "من أنكر أن اللَّه تعالى في السماء فقد كفر" (5).
وأما الأحاديث فمنها قصة المعراج فهي متواترة، ونجاوز النبي صلى الله عليه وسلم السموات سماء سماء حتى انتهى إلى محل سمع فيه صريف الأقلام فقربه ربه وأدناه وفرض عليه خمسين صلاة، وتردد بين اللَّه عز وجل وبين موسى عليه السلام فسأله موسى عليه السلام كم فرض عليك فيخبره فيقول ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف عن أمتك فيصعد إلى ربه فيسأله التخفيف فيحط عنه خمسا إلى أن استقرت الخمس
(1) هو: شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي الأنصاري -عبد اللَّه بن محمد- المتوفى سنة 481 هـ.
(2)
القائل هو الإمام الذهبي في كتابه العلو (ص 101 - 102).
(3)
عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان القاضي الإمام تاج الدين أبو محمد المعري ثم البعلبكي الشافعي الأديب، ولي قضاء بلده مدة وكان خيرًا صالحًا متواضعًا زاهدًا حسن الاعتقاد، له نظم ونثر.
قال الذهبي: "أكثرت عنه ونعم الشيخ كان".
توفى سنة ست وتسعين وستمائة.
معجم الشيوخ للذهبي (1/ 351 - 352).
(4)
ابن قدامة: تقدم (1/ 211).
(5)
ذكره ابن قدامة في كتابه إثبات صفات العلو (ص 116 - 117)، ورواه عنه الذهبي في العلو (101، 102) مختصره (137).
فأمره موسى بالرجوع ليخفف منها -أيضًا- فقال صلى الله عليه وسلم قد استحييت من مراجحة ربي، ولكن أمضى وأتوكل فسمع النداء من العلي الأعلى، قد شفعت نبي وخففت عن عبادي وأمضيت فريضتي لا يبدل القول لدي، هن خمس وهي خمسون الحسنة بعشرة أمثالها (1).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لما خلق اللَّه الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي"(2).
وفي لفظ كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده (إن رحمتي تغلب غضبي) والأحاديث في ذلك كثيرة جدًا.
فمذهب السلف إثبات صفة الإستواء بلا كيف.
(1) انظر: صحيح البخاري رقم (3207، 3393، 3430، 3887، 7517)(فتح الباري)، ومسلم رقم (164)(62) في الإيمان والنسائي (1/ 178) في الصلاة باب فرض الصلاة.
وانظر: جامع الأصول (11/ 292) وما بعدها، وتفسير ابن كثير (5/ 107) وما بعدها في أول تفسير سورة الإسراء.
(2)
رواه البخاري (6/ 331) فتح، ومسلم (4/ 2107)؛ وأحمد (2/ 258 - 260، 358، 313، 381) وابن جزيمة في التوحيد (ص 8)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 270)، والدارقطني في الصفات رقم (15)، والبيهقي في الأسماء والصفات (525 - 525)؛ وقد وقع في النسخة "ظ" اضطراب في نص الحديث والمثبت من الأصل.
قال الإمام القرطبي (1)، وابن أبي زيد (2)، والقاضي عبد الوهاب (3)، من المالكية، وجماعات من شيوخ أهل الحديث والفقه والإمام ابن عبد البر (4)، (والقاضي أبو بكر)(5)(ابن العربي)(6)، وابن فورك (7)، أنه سبحانه مستو على
(1) القرطبي: تقدم (1/ 301).
والظاهر أن الكلام الآتي هو للقرطبي نفسه يذكر رأى هؤلاء العلماء كما ذكر ذلك في كتابه "الأسني في شرح أسماء اللَّه الحسنى"، ونقله عنه مرعي بن يوسف في أقاويل الثقات (ص 130) ومحمد المغراوي في كتابه "المفسرون بين التأويل والإثبات" (1/ 306) قال وهو يذكر اختلاف الناس في الاستواء:
القول الثامن عشر: قول الطبري وابن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وجماعة من شيوخ الحديث والفقه. . . إلخ
وسير بنا رأى القرطبي في الاستواء بعد قليل.
(2)
هو محمد اللَّه بن أبي زيد عبد الرحمن القيرواني أبو محمد، ولد سنة 310 شيخ المالكية بالمغرب، كان إمامًا بارعًا في العلوم واسع الثقافة والإطلاع متبعًا طريق السلف الصالح، قال عنه القاضي عياض: حاز رياسة الدنيا والدين، وكان يسمى مالكًا الصغير عني بمذهب مالك فلخصه ونشره وملأ البلاد بتآليفه العظيمة الفائدة.
ذكر القاضي عياض له ما يقارب ثلاثين مؤلفًا ثم قال: وكل تواليفه مفيده، غزيرة العلم، ترفى رحمه الله سنة 386 هـ بالقيروان.
ترتيب المدارك (6/ 215)؛ وسير أعلام النبلاء (17/ 10)؛ ومقدمة رسالة ابن ابي زيد القيرواني. طبع الجامعة الإسلامية.
(3)
هو: عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد التغلبي العراقى القاضي، الفقيه المالكي أبو محمد كان فقيهًا متادبًا شاعرًا، توفى بمصر سنة 422 هـ.
تاريخ بغداد (11/ 31 - 32)؛ وترتيب المدارك (7/ 220)؛ وسير أعلام النبلاء (17/ 429).
(4)
ابن عبد البر تقدم (1/ 119).
(5)
ما بين القوسين سقط من "ظ".
(6)
في "ظ"(وابن العزيز) والمثبت من الأصل ومن أقاويل الثقات (ص 130) ومن لوامع الأنوار (1/ 302).
(7)
تقدم (1/ 185).
العرش (1) بذاته، وأطلقوا في بعض الأماكن فوق عرشه.
قال القاضي أبو بكر وهو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكين ولا مماسة (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -روح اللَّه روحه- "هو سبحانه مستو على عرشه على الوجه الذي يستحقه سبحانه من الصفات اللائقة به تعالى. . قال فإن قال قائل لو كان فوق العرش للزم إما (3) أن يكون أكبر من العرش أو أصفر أو مساويا وذلك كله محال ونحو ذلك من الكلام.
فهذا لم يفهم من كون اللَّه على العرش إلا ما يثبت للأجسام وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم، وأما استواء يليق بجلال اللَّه ويختص به فلا يلزم به شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها، كما يلزم سائر الأجسام وحال هذا مثل قول القائل إذا كان للعالم
(1) في "ظ"(على عرشه).
(2)
قلت الظاهر من كلام المصنف هنا أن هذا الكلام هو للقاضي أبي بكر ابن العربي.
ويظهر لي أن المراد بأبي بكر هنا أبو بكر الباقلاني وويده أن القرطبي حينما نقل هذا الكلام في كتابه الأسنى -كما في كتاب "المفسرون دين الإثبات والتأويل- (1/ 307).
قال: "قلت وهذا قول القاضي أبي بكر في كتاب "تمهيد الأوائل له".
قلت: وكتاب التمهيد هو لأبي بكر الباقلاني كما هو معروف، وهو من أشهر كتبه.
وقد نقل منه ابن تيمية في الحموية (ص 153)، وابن القيم في اجتماع الحيوش الإسلامية (ص 299 - 301)؛ والذهبي في العلو (ص 174) ما يوافق هذا الكلام. وقد راجعت كتاب التمهيد المطبوع للباقلاني فلم أجد النص فيه، لكن ذكر الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله في كتابه "الصفات الألهية بين السلف والخلف"(ص 59) أن كتاب التمهيد الذي طبع في القاهرة ناقص وأن الكلام الذي نقله منه ابن تيمية وابن القيم في اثبات الاستواء موجود في نسخه الخطة.
(3)
ليست في "ظ".
صانع فإما أن يكون جوهرًا أو عرضًا وكلاهما محال إذا لا يعقل موجود إلا كذلك" (1) وقدمنا كلامه فيما مر. . . (2).
وأما مذهب الخلف فحملوا قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] على عدة محامل أشهرها عندهم بمعنى استولى (3) فالاستواء (4) هو القهر والغلبة، ومعناه الرحمن غلب العرش وقهره، يقال: استوى فلان على الناحية إذا غلب أهلها وقهرهم.
قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
…
من غير سيف ودم مهراق (5)
ورد بوجهين: أحدهما: أنه تعالى استولى على الكونين، والجنة والنار وأهلها، فأي فائدة في تخصيص العرش بالذكر ولا يكفي في الجواب أنه تعالى حيث قهر العرش على عظمته واتساعه فغيره أولى لأن الأنسب في مقام التمدح بالعظمة التعميم بالذكر لقهره الأكوان الكلية بأسرها ومن جملتها العرش.
(1) انظر: الفتوى الحموية؛ الكبرى (ص 102 - 103).
(2)
انظر (1/ 349).
(3)
سيورد المؤلف الرد على من حصله على ذلك.
وانظر: جواب ابن تيمية رحمه الله على ذلك في الفتاوى (5/ 144) وما بعدها؛ وجواب ابن القيم عنه في مختصر الصواعق (2/ 126 - 152).
وانظر أيضًا "شرح كتاب التوحيد في صحيح البخاري" للشيخ عبد اللَّه الغنيمان (1/ 355) وما بعدها.
(4)
كذا في الأصل وفي هامش "ظ" لعله فالاستيلاء.
(5)
البيت ينسب للأخطل النصراني ولم أجده في ديوانه، وقال ابن تيمية رحمه الله:"ولم يثبت نقل أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة". =
ثانيهما: أن الاستيلاء إنما يكون بعد قهر وغلبة واللَّه تعالى منزه عن ذلك (1).
وقد سئل الخليل بن أحمد (2) إمام أهل اللغة والنحو، هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟ فقال: هذا مما لا تعرفه العرب، ولا هو جار في لغتها وكان السائل له في ذلك بشر المريسي (3).
وأخرج اللالكائي في السنة عن ابن الأعرابي (4) أنه سئل عن معنى استوى، فقال: هو على عرشه كما أخبر، فقيل له: يا أَبا عبد اللَّه معناه استولى، قال:
= ثم أبطله من عدة وجوه.
وقال ابن كثير: "والجهمية تستدل على الاستواء على العرش بأنه الاستيلاء ببيت الأخطل:
قد استوى بشر.
وليس فيه دليل، فإن هذا استدلال باطل من وجوه كثيرة.
قلت: وقد أبطله ابن القيم رحمه الله بأكثر من أربعين وجهًا.
انظر: الفتاوى (5/ 146)؛ والبداية (9/ 7)؛ ومختصر الصواعق (2/ 126، 152).
(1)
انظر: أقاويل الثقات (ص 124)؛ والإتقان (3/ 14).
(2)
الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري أبو عبد الرحمن أحد الأعلام وإمام العربية في زمانه، كان رأسًا في لسان العرب، دينًا ورعًا قانعًا متواضعًا كبير الشأن أول من أنشأ علم العروض وله كتاب الحسين في اللغة، ولد سنة 100 ومات سنة بضع وستين ومائة وقيل بقي إلى سنة 170.
سير أعلام النبلاء (7/ 429)؛ ونزهة الألباء في طبقات الأدباء (ص 45)، طبقات النحويين واللغوين (ص 47).
(3)
النص في أقاويل الثقات (ص 124)؛ وانظر: مجموع الفتاوى (5/ 146).
(4)
ابن الأعرابي: محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي الكوفي أبو عبد اللَّه لغوي نحوي راوية لأشعار العرب نسابة ولد بالكوفة وسمع من المفضل الضبي الدواوين وأخذ عن الكسائي وابن السكيت وثعلب وغيرهم وأخذ عنه الأصمعي، توفى سنة 331 هـ. طبقات النحويين (195) ونزهة الألباء (150) ومعجم المؤلفين (10/ 11).
اسكت لا يقال استولى على الشيء إلا إذا كان له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل استولى" (1).
وفي رواية أخرى: واللَّه تعالى لا مضاد له، فهو على عرشه كما أخبر (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس اللَّه روحه-: "والقول الفاصل هو ما عليه الأمة الوسط من أن اللَّه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله فكما أنه موصوف بالعلم والبصر والقدرة، ولا يثبت لذلك خصائص الأعراض التي للمخلوقين، فكذلك هو فوق عرشه، ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقيه (المخلوق) (3) على المخلوق تعالى اللَّه عن ذلك" انتهى (4).
وقال القرطبي: "أظهر الأقوال -وإن كنت لا أقول به ولا اختاره- ما تظاهرت عليه الآي والأخبار والفضلاء الأخيار أن اللَّه سبحانه على عرشه كما أخبر في كتابه
(1) أخرجه اللآلكائي في السنة (3/ 399) رقم (666)؛ والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 283 - 284)؛ ورواه الهروي في كتابه الفاروق كما في الفتح (13/ 417)؛ وابن قدامة في العلو رقم (105)؛ وذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (265)؛ ومرعي بن يوسف في أقاويل الثقات (124 - 125) أو ذكره البيهقي في الأسماء والصفات (ص 523).
وقد وقع في "ظ" قيل له استولى، والمثبت من الأصل.
(2)
أخرجها الخطيب في تاريخ بغداد (5/ 283 - 284)؛ وليست في السنة لللآلكائي.
(3)
في المخطوطتين: فوقية المخلوقين وهو خطأ، وما أثبتنا من الحموية.
ومن أقاويل الثقات، وعنهما ينقل الشارح.
(4)
انظر الفتوى الحموية الكبرى (5/ 28)؛ وأقاويل الثقات (ص 131)؛ ولوامع الأنوار (1/ 206).
بلا كيف بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح" انتهى (1).
وفي قوله رحمه الله: وإن كنت لا أقول به غاية العجب لأنه اعترف بتظافر الآيات القرآنية عليه ودلالة الأخبار النبوية إليه وتعويل السلف الصالح الأخيار عليه فكيف يليق من مثله أن يقول وإن كنت لا أقول به ولا أختاره مع الدلالات القرآنية والأحاديث النبوية وكونه معتقد الرعيل الأول والحزب الذي عليه المعمول، ولعله إنما خاف من دسائس الحساد ووسواس أهل الزيغ والفساد وإفتراء ذوي البدع والإلحاد واللَّه تعالى الموفق.
ورضي اللَّه تبارك وتعالى عن الإمام مالك حيث قال: "أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء (2)(وكل من هؤلاء مخصوم بمثل ما خصم به الآخر)(3).
(1) هذا كلام القرطبي كما جاء في كتابه "الأسنى في شرح أسماء اللَّه الحسنى" ونقله عنه مرعي بن يوسف في أقاويل الثقات (ص 132)؛ والشيخ محمد المغراوي في كتابه: "المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات"(1/ 310).
وقد اضطرب رأيه في مسألة الاستواء فبينما يظهر من كلامه إثباتها عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ. . .} [الأعراف: 54](7/ 219) من تفسيره نجده في كتابه الأسنى -كما هنا- لا يقول بالإثبات ولا يختاره، وأما رأيه في بقية الصفات فهو يميل إلى مذهب الأشاعرة من التأويل. للمزيد من التفصيل راجع المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات لمحمد المغراوي (1/ 289) وما بعدها.
(2)
رواه أبو نعيم في الحلية (6/ 324)؛ والهروي في ذم الكلام كما في صون المنطق (ص 56)؛ وذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 95)؛ وذكره الذهبي في العلو (103) مختصره (140).
وروى الآجري في الشريعة (ص 56) عن مالك نحوه.
(3)
من قوله: "وكل من هؤلاء مخصوم. . ليست في الرواية عن مالك في المصادر التي أشرنا إليها. =
فلم يبق إلا الرجوع لما قاله اللَّه ورسوله والتسليم لهما.
تتمة: ذكر الكمال ابن الهمام (1) الحنفي بحد أن تكلم على الاستواء بما حاصله: "وجوب الإيمان بأنه استوى على العرش مع نفي التشبيه.
وقال وأما كون الاستواء بمعنى الاستيلاء على العرش مع نفي التشبيه فأمر جائز الإرادة، إذ لا دليل على إرادته عينًا فالواجب عين ما ذكرنا، نعم إن خيف على العامة عدم فهمهم الاستواء إلا باتصال ونحوه من لوازم الجسمية فلا بأس بصرف فهمهم إلى الاستهلاء، قال: وعلى نحو ما ذكر كما ورد مما ظاهره الجسمية في الشاهد كالأصبع واليد والقدم، فإن الأصبع واليد صفة له تعالى لا بمعنى الجارحة بل على وجه يليق به وهو سبحانه أعلم به.
قال: وقد تؤل اليد والإصبع بالقدرة والقهر، وقد يؤل "اليمين" في قوله صلى الله عليه وسلم:"الحجر الأسود يمين اللَّه في الأرض"(2) على التشريف والإكرام لما ذكرنا من صرف فهم العامة عن الجسمية.
قال: وهو ممكن أن يراد ولا يجزم بإرادته على قول أصحابنا أنه من المتشابه وحكم المتشابه انقطاع معرفة المراد منه في هذه الدار، وإلا لكان قد علم" انتهى كلام ابن الهمام (3).
= وانظر النص في أقاويل الثقات (ص 132)؛ وفي لوامع الأنوار للمؤلف (1/ 206).
(1)
الكمال ابن الهمام: محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي ثم الإسكندري كمال الدين المعروف بابن الهمام من علماء الحنفية، فقيه أصولي متكلم مشارك في علوم كثيرة، توفى سنة 861.
الأعلام (6/ 255)؛ ومعجم المؤلفين (10/ 264).
(2)
الحديث ضعيف وقد تقدم تخريجه (1/ 315).
(3)
انظر كلام ابن الهمام هذا في كتابه: "المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= (ص 33 - 37).
ونقله عنه مرعي بن يوسف في أقاويل الثقات (ص 132 - 134).
قلت: كلام ابن الهمام هذا هو كلام أهل التأويل المخالفين لمنهج السلف ومذهبهم في صفات اللَّه تعالى، وفيه من التناقض والاضطراب ما هو واضح كعادة أهل التأويل في التخرص وتكلف التأويلات البعيدة، ورحم اللَّه الشارح حيث ختم به مبحث الاستواء وسكت عنه ولم يتعقبه بشيء. وسوف أذكر الرد عليه فيما يلي:
1 -
قوله: "وأما كون الاستواء بمعنى الاستيلاء على العرش مع نفي التشبيه فأمر جائز".
ونحن نقول إنه غير جائز، وهذا هو كلام أئمة اللغة الخليل بن أحمد، وابن الأعرابي وغيرهم، قالوا: لا يجوز تفسير الاستواء بالاستيلاء.
وقال ابن تيمية في الإكليل في كلامه على الاستواء: "ثم السلف متفقون على تفسيره بما هو مذهب أهل السنة، قال بعضهم: ارتفع على العرش، وقال بعضهم: علا على العرش"(الإكليل ضمن مجموعة الرسائل 2/ 34).
وقال ابن القيم رحمه الله في مختصر الصواعق (2/ 145 - 146، 148)"وظاهر الاستواء العلو والارتفاع كما نص عليه جميع أهل اللغة وأهل التفسير المقبول فلا يحتمل استواء الرب تبارك وتعالى على عرشه المعدى بعلى المعلق بالعرش، المعرف بالألف والام، المعطوف على خلق السموات والأرض بثم مطردًا في موارده بهذا الأسلوب ولا يحتمل إلا معنى واحد لا معنيين" انتهى ببعض التصرف.
2 -
وأما قوله: "إذ لا دليل على إرادته عينا".
ونحن نقول بل هناك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف تعين المعنى الصحيح وهو استواء اللَّه على عرشه كما أخبر في كتابه استواء يليق بعظمته وجلاله.
3 -
وأما قوله: "نعم إن خيف على العامة عدم فهمهم الاستواء إلا باتصال ونحوه من لوازم الجسمية".
ونحن نقول لا مخافة على العامة من فهم الاستواء بالاتصال ونحوه. فإن كتاب اللَّه وسنة نبيه الكريم قد تلقتهما الأمة بالقبول والتسليم ولم يتطرق إلى أذهان أحد منهم هذا المفهوم الخاطئ، وإنما يخاف على العامة من تأويلات أهل الكلام ودعاويهم الباطلة. روى البخاري في خلق أفعال العباد رقم (63) قال: "وحذر يزيد بن هارون عن الجهمية وقال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي".
فقال الذهبي في العلو (ص 117): "والذي وقر في قلوبهم هو ما دل عليه الخطاب مع يقينهم بأن المستوي ليس كمثله شيء، هذا الذي وقر في فطرهم السليمة وأذهانهم الصحيحة".
4 -
ثم إن في كلامه هذا تناقضًا ظاهرًا كما هي عادة أهل التأويل فإنه بعد أن ذكر تأويلات الأشاعرة.
قال: "وهو ممكن أن يراد ولا يجزم بإرادته على قول أصحابنا أنه من المتشابه وحكم المتشابه انقطاع معرفة المراد منه".
ونحن نقول: أهل السنة والحمد للَّه يجزمون بما نطق به الكتاب وجاء من عند اللَّه وليس عندهم من الاضطراب والتناقض ما عند أهل الكلام والبدع، فلا يصف اللَّه أعلم باللَّه من اللَّه (أأنتم أعلم أم اللَّه).
ولا يصف اللَّه بعد اللَّه أعلم باللَّه من رسول اللَّه.
وقد أوضح اللَّه في كتابه أسماءه وصفاته أوضح بيان وكذلك في سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقد فهمها المسلمون وآمنوا بها وصدقوا بها ولم يقل أحد منهم إن هذا من المتشابه ولم ينقل عن أحد منهم أنه قال: إن ظاهرها التجسيم والتشبيه، بل آمنوا بها على ظاهرها وعلى حقيقتها على الوجه اللائق باللَّه، وإنما نفوا عدم الكنه والكيفية فهذا الذي لا يعلمه إلا اللَّه.
وقال ابن القيام رحمه الله: "تنازع الناس في كثير من الأحكام ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بيانًا وأن العناية بها أهم لأنها من تمام تحقيق الشهادتين وإثباتها من لوازم التوحيد فبينها اللَّه سبحانه وتعالى ورسوله بيانًا شافيًا، لا يقع فيه لبس يقع للراسخين في العلم، وآيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصه من الناس، وأما آيات الصفات فيشترك في فهم معناها الخاص والعام أعني فهم أصل المعنى لا فهم الكنه والكيفية. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ولهذا أشكل على بعض الصحابة قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} حتى بينه لهم بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].
ولم يشكل عيه ولا على غيره قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]. إلى أن قال: وليس في آيات الصفات وأحاديثها مجمل يحتاج إلى بيان من خارج بل بيانها فيها وإن جاءت السنة بزيادة في البيان والتفصيل" انتهى.
الصواعق المرسلة (1/ 210 - 211)؛ مختصر الصواعق (1/ 21).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان (7/ 442) وما بعدها، وهو يرد على من زعم أن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر.
قال: "وهذا قول باطل لا يشك في بطلانه من عنده أدنى معرفة. . . " ثم قال: "ولأجل هذه البلية العظمى والطامة الكبرى زعم كثير من النظار الذين عندهم فهم أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها غير لائقة باللَّه لأن ظواهرها المتبادرة منها هو تشبيه صفات اللَّه بصفات خلقه.
وعقد ذلك المقري في إضاءته في قوله:
والنص إن أوهم غير اللائق
…
باللَّه كالتشبيه بالخلائق
فاصرفه عن ظاهره إجماعًا
…
واقطع عن الممتنع الأطماعا
وهذه الدعوى الباطلة من أعظم الافتراءات على آيات اللَّه وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم.
والواقع في نفس الأمر أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها المتبادرة منها لكل مسلم، راجع عقله هي مخالفة صفات اللَّه لصفات خلقه. . " إلى أن قال:"ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم عالم كل العلم بأن الظاهر المتبادر مما ممدح اللَّه به نفسه في آيات الصفات هو التنزية التام عن صفات الخلق ولو كان يخطر في ذهنه أن ظاهره لا يليق لأنه تشبيه بصفات الخلق لبادر كل المبادرة إلى بيان ذلك، لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ولا سيما في العقائد، ولا سيما فيما ظاهره الكفر والتشبيه فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن بيان هذا يدل على أن ما زعمه المؤلون لا أساس له كما نرى". انتهى.
فصل في ذكر الصحابة الكرام وذكر التفاضل بينهم رضوان اللَّه تعالى عليهم
وبدأ الناظم رضي الله عنه بذكر التفاضل بينهم رضي الله عنهم فقال:
(وقل) بلسانك معتقدًا بجنانك.
(إن خير الناس) وأفضلهم من هذه الأمة التي هي خير الأم وأفضل الأمم بشاهد قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].
فخير الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضل أمة محمد (بعد محمد) صلى الله عليه وسلم (وزيراه) تثنية وزير، والضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في القاموس: "الوزير حباء الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه وقد استوزره فتوزر له واوزره، وحاله الوزارة بالكسر ويفتح والجمع وزراء وأوزار" انتهى (1).
وفي نهاية ابن الأثير: "في حديث السقيفة نحن الأمراء وأنتم الوزراء جمع وزير وهو الذي يوازره فيحمل عنه ما حمله من الأثقال، والذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره، فهو ملجأ له ومفزع"(2).
وقوله: (قدما) أي في ابتداء الأمر والنبوة فهو مفعول فيه، والمراد بهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
والإشارة في ذلك إلى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي إلا وله وزيران، وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل
(1) القاموس: (2/ 159)(وزر).
(2)
النهاية (5/ 180).
الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء: فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض: فأبو بكر وعمر" (1).
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّه تعالى أيدنى بأربعة وزراء اثنين من أهل السماء: جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الأرض: أبو بكر وعمر"(2).
وأخرج الطبراني أيضًا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي خاصة من أصحابه، وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمر"(3).
(1) رواه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 159)؛ والترمذي في الجامع (5/ 616)؛ وابن عدي في الكامل (2/ 517) كلهم عن أبي سعيد مرفوعًا وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
ورواه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 134) عن أبي الجحاف مرسلًا وذكر عبد اللَّه بن أحمد عن أَبيه أن الصواب في هذه الرواية هو المرسل، وقال الشيخ ناصر الألباني في تخريج المشكاة (3/ 1710) سنده ضعيف.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 264) من طريق آخر عن أبي سعيد مرفوعًا وصححه ووافقه الذهبي.
قلت: لكن في سنده عطاء بن عجلان الحنفي وهو متروك، وذكره الألباني في ضعيف الجامع (2/ 187).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 179)؛ وأبو نعيم في الحلية (8/ 160)؛ والخطيب في تاريخ بغداد (3/ 298) كلهم عن ابن عباس؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 51) في إسناده محمد ابن مجيب الثقفي وهو كذاب.
ورواه البزار كما في كشف الأستار (3/ 167 - 168).
قال الهيثمي في المجمع (9/ 51) في إسناده عبد الرحمن مالك ابن مغول وهو كذاب.
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 94) رقم (10008)؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد =
وأخرج ابن عساكر (1) عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل نبي وزيرين، ووزيراي وصاحباي: أبو بكر وعمر"(2).
ودليل خيريتهما وأفضليتهما على سائر أمة محمد بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ما أخرج الشيخان وغيرهما من حدث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. فقلت من الرجال؟ قال: أبوها. فقلت ثم من؟ فقال: عمر بن الخطاب" (3).
وفي رواية لست أسألك عن أهلك إنما أسألك عن أصحابك.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما كنا في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدًا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم (4).
= (9/ 52) وفيه عبد الرحيم بن حماد الثقفي وهو ضعيف.
(1)
ابن عساكر: علي بن الحسن بن هبة اللَّه أبو القاسم، ثقة الدين ابن عساكر الدمشقي المؤرخ المحدث الحافظ الرحالة كان محدث الديار الشامية، له تاريخ دمشق، طبع منه بعض الأجزاء ويعرف بتاريخ ابن عساكر وله مصنفات كثيرة، مات سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.
سير أعلام النبلاء 2/ 554، والأعلام 4/ 373.
(2)
ذكره السيوطي في الجامع الصغير (1/ 372)؛ وعزاه لابن عساكر وزاد في فيض القدير (2/ 517) نسبته لأبي يعلى ورمز السيوطي لضعفه؛ وذكره الشيخ ناصر الألباني في ضعيف الجامع (2/ 176).
(3)
رواه البخاري في "فضائل الصحابة" باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلا"(7/ 22) رقم (3662)؛ وفي المغازي، باب غزوة ذات السلاسل رقم (4358)؛ ومسلم رقم (2384)؛ والترمذي رقم (3885)؛ وابن سعد في الطبقات (8/ 67).
(4)
رواه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه (7/ 66) رقم=
وفي رواية عند أبي داود كنا نقول ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حي: "أفضل أمته بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان"(1).
ورواه الطبراني، وزاد فيبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلا ينكره (2).
وفي صحيح البخاري أيضًا عن محمد بن الحنفية رحمه الله ورضي عنه) (3) قلت لأبي -يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أي الناس خير بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، قال: وخشيت أن يقول عثمان، قلت ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا واحد من المسلمين" (4).
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما كنا وفينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نفضل أَبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا رضي الله عنهم (5).
وأخرج أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، كنا معشر أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
= (3697)؛ (وأبو داود في السنة رقم (4627).
(1)
سنن أبي داود رقم (4628).
(2)
بهذه الزيادة رواه الطبراني في الكبير (12/ 285 - 286) رقم (13132)؛ وفي الأوسط كما في مجمع الزوائد (9/ 58)؛ ورواه أبو يعلى في مسنده (9/ 456) رقم (5604).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 58)؛ رجاله وثقوا وفيهم خلاف ورواه عبد اللَّه بن أحمد في السنة رقم (1357): وابن أبي عاصم في السنة (2/ 567 - 568)، قال الشيخ ناصر: إسناده صحيح.
(3)
كذا في الأصل وفي "ظ" رضي الله عنه.
(4)
رواه البخاري في فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذًا خليلًا. . . " (7/ 24) رقم (3671).
(5)
لم أتمكن من تخريجه عند ابن عساكر لأن كتابه "تاريخ دمشق" لا يزال مخطوطًا، وهذا =
ونحن متوافرون نقول: أفضل هذه الاُمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت (1).
وقد تواترت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر وعمر"(2).
وأنه قال: " لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى"(3).
وأخرج الترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (4).
= العزو إليه، لكن له شواهد تقدمت قبل قلبل.
(1)
رواه عبد اللَّه بن أحمد في السنة رقم (1356) وفي فصائل الصحابة لأبيه من زياداته رقم (52)؛ وابن أبي عاصم في السنة رقم (1197) وإسناده ضعيف والمحفوظ رواية ابن عمر رضي الله عنهما كما تقدم.
(2)
رواه البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفيه كما تقدم (1/ 372). وانظر: السنة لعبد اللَّه بن أحمد (2/ 581 - 590)؛ وفضائل الصحابة للإمام أحمد (1/ 76 - 91)، والسنة بن أبي عاصم (2/ 569 - 575).
وقال ابن تيمية رحمه الله: وقد تواتر هذا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقال: ويروى هذا عن أمير المؤمنين علي من نحو ثمانين وجهًا، وأنه كان يقوله على منبر الكوفة.
مجموع الفتاوى (4/ 421 - 422، 3/ 153).
(3)
رواه عبد اللَّه بن أحمد في السنة رقم (1312)؛ وفي فضائل الصحابة لأبيه رقم (49)؛ وابن أبي عاصم في السنة رقم (1219).
(4)
رواه بهذا القدر الترمذي في المناقب، باب مناقب أبي بكر الصديق رقم (3656)؛ وقال هذا حديث صحيح غريب، والحاكم في المستدرك (3/ 66) وصححه ووافقه الذهبي.
ورواه ابن حبان في صحيحه -الإحسان- (9/ 6) رقم (6823)؛ وله شاهد رواه البخاري في صحيحه طولًا في فضائل الصحابة باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم (7/ 23 - 24) =
وروى ابن عساكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صعد المنبر ثم قال: "ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبينا أبو بكر، فمن قال غير هذا فهو مفتر عليه ما على المفتري"(1).
تنبيه: أعلم أن أفضل هذه الأمة بالتحقيق أمير المؤمنين خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه أبو بكر الصديق (2) بن عثمان أبو قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب، يجتمع نسبه مع نسب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب.
ولقبه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالعتيق، قيل لجمال وجهه، وقيل لأنه عتيق اللَّه من النار، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر ابن عمرو بن كعب بنت عم أَبيه، ماتت هي وأبوه مسلمين رضوان اللَّه عليهما، وكانت وفاة أبي قحافة في خلافة عمر رضي الله عنهما، وهو أول الناس إيمانًا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على قول جموع من أهل العلم.
وفي سنن الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: ألست أول من أسلم، ألست صاحب كذا، ألست صاحب كذا. . . (3) الحديث.
= رقم (3667 - 3668) عن عائشة رضي الله عنها.
(1)
رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة رقم (189) وعنه ابنه عبد اللَّه في السنة رقم (1364) وانظر: السنة رقم (1365) وفضائل الصحابة رقم (396).
وقد وقع في الأصل: "ما على المفنرين".
وما أثبتنا من "ظ" ومن السنة ومن فضائل الصحابة.
(2)
انظر: ترجمة أبي بكر في طبقات ابن سعد (13/ 169)؛ والاستيعاب رقم (1633)، وأسد الغابة رقم (3064)؛ والإصابة رقم (4808)؛ ومستدرك الحاكم (3/ 61 - 80)، ومناقبه وفضائله كثيرة جدًّا، وهي مدونة في كتب السنة رضي الله عنه وأرضاه.
(3)
رواه الترمذي في جامعه في المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما رقم (3667) من حديث أبي سعيد، وقال هذا حدث غريب. =
وقيل: بل أول من آمن: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونقل الحاكم اتفاق المؤرخين عليه (1) واستنكر هذا من الحكم (2).
وقيل: أول من آمن زيد بن حارثة، وقيل: خديجة، وادعى الثعلبي (3) الإجماع فيه، وإنما الخلاف فيمن بعدها -وصوبه كثير واستظهره البرماوي (4) وغيره.
وقيل: أولهم بلال الحبشي رضي الله عنهم أجمعين.
ويروى عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: "الأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال. وهذا من أحسن ما قيل لجمعه الأقوال"(5).
= ثم قال: هذا حديث قد رواه بعضهم عن شعبة عن الجريري عن أبي نضرة، قال: قال أبو بكر وهذا أصح ثم ساقه بإسناده إلى أبي نضرة، ولم يذكر أبا سعيد، وقال هذا أصح.
انظر: تحفة الأحوذي (10/ 151).
(1)
ذكره الحاكم في كتابه: علوم الحديث (ص 22 - 23).
(2)
ممن استنكره ابن الصلاح في مقدمته في علوم الحديث (ص 265 - 266).
(3)
الثعلبي: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري أبو إسحاق مفسر مقرئ، واعظ أديب، من تصانيفه: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، توفى سنة 427 هـ.
وفيات الأعيان (1/ 79)؛ وطبقات المفسرين للسيوطي (ص 28)؛ ومعجم المؤلفين (2/ 60).
(4)
البرماوي: محمد بن عبد الدائم بن موسى النعيمي العسقلاني الرماوي أبو عبد اللَّه شمس الدين فقيه محدث، أقام مدة في دمشق، وتصدر للافتاء والتدريس بالقاهرة، وتوفى في بيت المقدس سنة 831 هـ.
الضوء اللامع (7/ 280)؛ والأعلام (6/ 188 - 189).
(5)
كما يروى هذا الجمع أيضا عن إسحاق بن راهويه رحمه الله.
انظر: تفسير القرطبي (8/ 237)؛ وفتح المغيث (3/ 126).
فالصديق الأعظم رضي الله عنه أفضل الصحابة رضي الله عنهم وخيرهم بإجماع أهل السنة.
فقد أجمع الصحابة وأهل السنة والجماعة على أن أفضل الصحابة والناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبو بكر رضي الله عنه (1)؛ ولي الخلافة بإجماع الصحابة واتفاقهم عليه بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكانت خلافنه سنتين وأربعة أشهر تعجز عشر ليال، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن في الحجرة الشريفة مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وغسلته زوجته أسماء بنت عميس بوصية منه رضي الله عنه (2).
(1) كتب في هامش "ظ": قف على كون الصديق أفضل هذه الأمة بعد نبيها.
(2)
لم يذكر الشارح رحمه الله شيئًا من الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه بخصوصه بخلاف ما عرف عن الشارح من التوسع والإطالة في أغلب الموضرعات التي يطرقها، ولعل هذا سهو منه رحمه الله، أو أنه لم يذكرها لشهرتها.
هذا وتتميمًا للفائدة، وتنويهًا بشأن أبي بكر رضي الله عنه أذكر فيما يلي جملة من الأحاديث الصحيحة الواردة في فضله رضي الله عنه فأقول: لأبي بكر رضي الله عنه من المآثر والمناقب ما يطول ذكره، وقد اختص بمزايا وخصائص دون غيره من الصحابة فلذلك قدموه وبايعوه ورضوا به خليفة لرسول اللَّه فمن ذلك:
1 -
ما روى البخاري في صحيحه - فتح (7/ 22) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: أتت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت إن لم أجدك -كأنها تقول الموت- قال صلى الله عليه وسلم: إن لم تجديني فأتي أبا بكر".
2 -
وقال صلى الله عليه وسلم لعمر وقد وقع بينه وبين أبي بكر خلاف: "إن اللَّه بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي - مرتين فما أوذى بعدها"، رواه البخاري في صحيحه عن أبي الدرداء. فتح (7/ 22).
3 -
ورى البخاري أيضًا عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "خطب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس وقال: إن اللَّه خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند اللَّه قال فبكى =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن عد خير فكان رسول اللَّه هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إن أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وما له أبو بكر ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أَبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر" رواه البخاري فتح (7/ 15)؛ ورواه أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما فتح (1/ 665) رقم (467).
4 -
وأنابه صلى الله عليه وسلم في الصلاة بالمسلمين -في مرضه- فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" متفق عليه من حديث عائشة وأبي موسى رضي الله عنهم. فتح الباري (2/ 192، 278)، ومسلم رقم (418، 420).
وقال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول اللَّه" رواه البخاري كما تقدم.
5 -
وسأل عمرو بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها، رواه البخاري كما تقدم
6 -
وكان رفيقه في الغار وصاحبه في الهجرة: روى البخاري في صحيحه (7/ 11) عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، قال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين اللَّه ثالثهما، وأنزل اللَّه في شأنهما قوله تعالى:{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا. . .} الآية (40) من سورة التوبة.
وقد أتفق جميع الصحابة رضوان اللَّه عليهم على تفضيله وعلى خلافته. واتفق جماهير المسلين وأئمتهم من أهل السنة والجماعة على ذلك ولا عبرة بخلاف فرق الشيعة وفرق أهل الضلال.
انظر: الإبانة لابن بطة (257 - 258)؛ والإبانة للأشعري (185 - 188)؛ ومجموع الفتاوى (11/ 56)؛ وتدريب الراوي (ص 407 - 408)؛ والباعث الحثيث (138)؛ وشرح العقدة الطحاوية (533)؛ وعقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني (ص 86 - 88)