الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الحث على اتباع السنة واجتناب البدعة
قال رضي الله عنه: (تمسك) أيها المسلم السني المتبع سنة رسول اللَّه وجماعة السلف الصالح من أهل الفرقة الناجية (بحبل) أى شرع اللَّه من الكتاب المنزل وما شرعه اللَّه تعالى على لسان نبيه المرسل والجار والمجرور متعلق بتمسك يقال أمسكت الشيء وبالشيء ومسكت به وتمسكت وامتسكت ومنه الحديث: "من مسك من هذا الفى بشيء"(1) أى أمسك وهو نظير قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} [آل عمران: 103] أى بدين الإسلام أو بكتابه لقوله صلى الله عليه وسلم: "القرآن حبل اللَّه المتين" كما فى الترمذي (2). استعار له الحبل من حيث أن التمسك به سبب النجاة عن التردي كما أن التمسك بالحبل سبب السلامة عن التردي الموثوق به والإعتماد عليه فهر استعارة مصرحة وذكر التمسك ترشيحا.
وقد أخرج الترمذي عن الحارث (3) الأعور قال مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على علي رضي الله عنه فأخبرته فقال أوقد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أما إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا إنها ستكون فتنة قلت فما المخرج منها يا رسول اللَّه؟ قال كتاب اللَّه فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم
(1) جزء من حديث طويل رواه أبو داود في الجهاد رقم (2694)؛ والنسائي في الهبة (6/ 220 - 221) هبة المتاع، وأحمد في المسند (2/ 184) من رواية عبد اللَّه بن عمرو بن العاص؛ وانظر النهاية (4/ 330).
(2)
(5/ 172) رقم (2906) وسيذكره المؤلف بعد قليل.
(3)
الحارث بن عبد اللَّه الأعور الهمداني يكنى أبا زهير روى عن علي وابن مسعود من كبار علماء التابعين على ضعف فيه، وكان شيعيًا مات سنة خمس وستين.
ميزان الإعتدال (1/ 435)، والكاشف (1/ 195).
وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه اللَّه ومن ابتغى الهدى في غيره أضله اللَّه وهو حبل اللَّه المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيع به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم ينته الجن إذ سمعته حتى قالوا:{قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} . من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم (1) خذها إليك يا أعور.
قال الترمذي حديث غريب.
ونحوه حدث عمر رضي الله عنه قال نزل جبريل عليه السلام على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره أنها ستكون فتنة قال فما المخرج منها يا جبريل قال كتاب اللَّه فيه نبأ ما قبلكم ونبأ ما هو كاين بعدكم وفيه الحكم بينكم وهو حبل اللَّه المتين وهو النور المبين الحديث (2).
وفي حدث ابن عباس رضي الله عنهما قال: جمع اللَّه في هذا الكتاب علم الأولين والآخرين وعلم ما كان وعلم ما يكون والعلم بالخالق جل جلاله أمره وخلقه (3).
(1) الحديث رواه الترمذي في جامعه في فضائل القرآن (5/ 172) رقم (2906) باب ما جاء في فضل القرآن.
وقال الترمذي عقيبه: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال.
(2)
و (3) الحديثان أخرجهما رزين. قاله أبو السعادات بن الأثير في جامع الأصول (9/ 353 - 354) ولم أجدهما فيما اطلعت عليه من كتب الحديث.
(واتبع الهدى): أي الذي جاء به النبي المصطفى والرسول المقتدى والهدى بضم الهاء وفتح الدال المهملة الرشاد والدلالة ولو لم تكن موصلة خلافًا (1) للمعتزلة (2).
يقال هداه هدى وهديا وهداية وهدية بكسرهما أرشده فتهدى واهتدى وهداه اللَّه الطريق دله.
قال الإمام (3) المحقق في كتابه بدائع الفوائد: "الهداية أربعة أنواع:
أحدها: الهداية العامة المشتركة بين الخلق المذكورة في قوله تعالى {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] أي أعطى كل شيء صورته التي لا يشتبه فيها بغيره وأعطى كل عضو شكله وهيئته، وأعطى كل موجود خلقه المختص به. ثم هداه لما خلقه له من الأعمال.
قال وهذه الهداية تعم الحيوان المتحرك بإرادته إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره. قال وللجماد أيضًا هداية تليق به كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليق به وإن اختلفت أنواعها وصورها. وكذلك لكل عضو هداية تليق به: فالرجلين للمشي
(1) انظر لوامع الأنوار (1/ 334 - 335).
(2)
المعتزلة: أصحاب واصل بن عطاء خالف فى حكم الفاسق من أمة محمد فجعله في منزلة بين المنزلين فلما سمع الحسن البصرى بدعته طرده من مجلسه فاعتزل عند سارية من سواري المسجد وانضم إله قرينه في الضلال عمرو بن عبيد فقال الناس أنهما قد اعتزلا قول الأمة فسموا معتزلة ثم صاروا فرقًا كثيرة ويجمعها في بدعتها أمور منها:
1 -
القول بنفي صفات الباري.
2 -
القول بخلق القرآن.
3 -
القول بالقدر.
4 -
القول بالمنزلة بين المنزلتين.
انظر الفرق بين الفرق (ص 114)؛ والملل والنحل (1/ 44 - 45).
(3)
أى: ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد (2/ 35 - 37).
واللسان للكلام والعين لكشف المرئيات وهلمّ جرا، وكذا هدى الزوجين من كل حبران إلى الأزدواج والتناسل وتربية الولد، والولد (1) إلى التقام الثدي عند وضعه ومراتب هدايته تعالى لا يحصيها إلا هو.
الثاني: هداية البيان والدلالة والتعريف لنجدي الخير والشر وطريقي النجاة والهلاك (2).
وهذه الهداية لا تستلزم الهدي التام فإنها سبب وشرط لا موجب ولهذا ينتفي الهدى معها كقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17] أي بينا لهم وأرشدناهم ود للناهم فلم يهتدوا ومنها قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] وهذه تنكرها المعتزلة.
فعندهم يلزم من الهداية الهدى فلا هداية عندهم إن لم تكن موصلة (والذكر الحكيم يرد قولهم وباللَّه التوفيق)(3).
الثالث: هداية التوفيق والإلهام وهي الهداية المستلزمة للإهتدى فلا يتخلف عنها وهى المذكورة في قوله تعالى {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: 8].
وفي قوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37]
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "من يهدي اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .. "(4).
(1) أى وهدى الولد إلى التقام الثدي.
(2)
كما في قوله {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10].
(3)
ما بين القوسين من كلام المؤلف وليس من كلام ابن القيم.
(4)
جزء من حديث أخرجه مسلم رقم (867) في الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة من =
وفي قوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] فنفى عنه هذه الهداية وأثبت له هداية الدعوة والبيان في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
الرابع: غاية هذه الهداية وهي الهداية إلى الجنة أو النار إذا سيق أهلهما إليهما قال اللَّه تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس: 9].
وقال أهل الجنة فيها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43].
وقال تعالى في حق أهل النار: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} (1)[الصافات: 22].
وفي تفسير القاضي البيضاوي (2) رحمه اللَّه تعالى: "الهداية دلالة بلطف
= رواية جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه.
وفي حديث آخر رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه.
انظر: جامع الأصول (5/ 679)؛ وانظر خطبة الحاجة للشيخ ناصر الدين الألباني.
(1)
نهاية كلام ابن القيم. انظر كتابه بدائع الفوائد (2/ 37).
(2)
القاضي البيضاوي: عبد اللَّه بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي أبو سعيد أو أبو الخير ناصر الدين البيضاوي: قاضي مفسر علامة ولد في مدينة البيضاء بفارس قرب شيراز، وولي قضاء شيراز مدة صرف عن القضاء فرحل إلى تبريز فتوفى فيها سنة 685 هـ، من تصانيفه: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، مطبوع يعرف بتفسير البيضاوي؛ وطوالع الأنوار أو منهاج الوصول إلى علم الأصول، والغاية القصوى في دراية الفتوى في الفقه، طبع، وغيرها.
انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (8/ 157)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 220) والأعلام (4/ 110).
ولذلك تستعمل في الخير قال: وقوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] على سبيل التهكم. ثم قال: وهداية اللَّه تعالى تتنوع أنواعًا لا يحصيها عد لكنها تنحصر في أجناس مترتبة:
الأول: افاضته القوى التي بها يتمكن المرء من الإهتداء إلى مصالحه كالقوة العقليه والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة.
الثاني: نصب الدلائل الفارفة بين الحق والباطل والصلاح والفساد وإليه أشار بقوله: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10].
وقال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17].
الثالث: الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب وإياها عنى بقوله:
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73].
وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
الرابع: أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي أو الإلهام والمنامات الصادقة. وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء وإياه عنى بقوله:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
وقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] انتهى (1).
فمن تمسك بالدين القويم واتبع الهدي الذي جاء به النبي الكريم هدي إلى الصراط المستقيم وإلى جنات الخلود والنعيم المقيم.
ثم صرح الناظم رحم اللَّه تعالى روحه ونور ضريحه ما أشعر بنفيه ورفضه ناهيًا
(1) النص في تفسير البيضاوي (1/ 10).
عن الإتصاف به والمثول إلى غرضه فقال (ولا) ناهية (تك) أصلها تكون دخلت أداة النهي فسكنت النون فالتقى ساكنان النون والواو فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصارت اللفظة (تكن) فحذفت النون تخفيفا حذفا جائزا لا لازما فصارت تك. وكان القياس أن لا تحذف هذه النون لكنهم حذفوها تخفيفا لكثرة الإستعمال.
ومذهب سيبوية (1) ومن تابعه أن هذه النون لا تحذف عند ملاقاة ساكن فلا تقول: لم يك الرجل قائما. وأجاز ذلك يونس (2) وقرئ شاذا {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1].
وأما إذا لاقت متحركا فلا يخلو إما أن يكون ذلك المتحرك ضميرًا متصلا أولا فإن كان لم تحذف النون اتفاقا كقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في ابن
(1) سيبويه: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء أبو بشر الملقب سيبويه إمام النحاة وأول من بسط علم النحو، ولد في إحدى قرى شيراز وقدم البصرة فلزم الخليل بن أحمد وصنف كتابه المسىمى "الكتاب" ط في النحو لم يصنع قبله ولا بعده مثله ورحل إلى بغداد فناظر الكسائي وأجازه الرشيد بعشرة آلاف درهم وعاد إلى الأهواز فتوفى بها وقيل وفاته وقبره بشيراز، توفى سنة 180 هـ.
انظر: وفيات الأعيان (3/ 463 - 465)؛ نزهة الألباء في طبقات الأدباء (ص 60 - 66)؛ والأعلام (5/ 81).
(2)
يونس بن حبيب الضبي بالولاء أبو عبد الرحمن ويعرف بالنحوي علامة بالأدب، كان إمام نحاة البصرة في عصره أخذت سيبويه والكسائي والفراء وغبرهم من أئمة اللغة.
قال ابن النديم كانت حلقته بالبصرة ينتابها طلاب العلم وأهل الأدب وفصحاء الأعراب ووفود البادية من كتبه: معاني القرآن كبير وصغير؛ واللغات؛ والنوادر؛ والأمثال؛ وغيرها، توفى سنة 182 هـ.
انظر: أخبار النحويين البصريين (ص 51)، ونزهة الألباء (ص 49)، والأعلام (8/ 261).
صياد إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله (1) فلا يجوز حذف النون فلا يقال: إن يكه ولا إن لا يكه وإن كان غير ضمير متصل جاز الحذف والإثبات نحو: لم يكن زيد قائمًا، ولم يك زيد قائما (2).
واسمها في النظم عائد على المخاطب وبدعيًا خبرها أي ولا تكن صاحب بدعة أي مرتكبا غير سبيل السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين المقتدى بأقوالهم وأفعالهم.
وأصل هذه الكلمة من الإختراع وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق ولا مثال احتذى ولا ألف مثله ومنه قولهم أبدع اللَّه الخلق أي خلقهم ابتداء ومنه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117].
وقوله: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]، أي لم أكن أول رسول إلى أهل الأرض.
قال العلامة الفاضل أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي (3) المالكي في
(1) جزء من حديث طويل أخرجه البخاري (3/ 258) رقم (1354)؛ ومسلم رقم (2924) عن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما.
(2)
انظر: هذا المبحث في شرح ابن عقيل (1/ 299 - 300)، وشرح قطر الندى لابن هشام (ص 138 - 139).
(3)
أبو بكر الطرطوشي: محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهري الأندلسي أبو بكر الطرطوشي أديب من فقهاء المالكية الحفاظ من أهل طرطوشه بشرقي الأندلس تفقه ببلاده ثم رحل إلى المشرق سنة 476 هـ، فحج وزار العراق ومصر وفلسطين ولبنان وأقام مدة في الشام ثم سكن الاسكندرية فتولى التدريس واستمر فيها إلى أن توفى بها سنة 520 هـ.
انظر: فهرسة شيوخ القاضي عياض (ص 62)؛ والأنساب (9/ 69)؛ والسير (19/ 490)؛ والصلة (2/ 575)؛ والأعلام (7/ 133).
كتابه (1): "وهذا الإسم يدخل فيما تخترعه القلوب وفيما تنطق به الألسنة وفيما تفعله الجوارح (2)، وقد غلب لفظ البدعة على الحدث المكروه في الدين مهما أطلق هذا اللفظ ومثله لفظ المبتدع لا يكاد يستعمل إلا في الذم (3).
وأما من حيث أصل الإشتقاق فإنه يقال: ذلك فى المدح والذم لأن المراد أنه شيء مخترع على غير مثال سبق ولهذا يقال في الشيء الفائق جمالًا وجودة: ما هو إلا بدعة.
قال (4) والبدعة: الحدث في الدين بعد الكمال وهو ما لم يكن في عصر النبي صلى الله عليه وسلم مما فعله أو أقر عليه، أو علم من قواعد شريعته الإذن فيه وعدم النكير عليه. وفي معنى ذلك ما كان في عصر الصحابة رضي الله عنهم مما أجمعوا عليه قولًا أو فعلًا أو تقريرًا، وكذا ما اختلفوا فيه فإن اختلافهم رحمة مهما كان للإجتهاد والتردد مساغ وليس لغيرهم إلا الإتباع دون (5) الإبتداع (6).
(1) الحوادث والبدع (ص 38 - 39).
(2)
نهاية كلام الطرطوشي.
وانظر في هذا المبحث الإعتصام (1/ 36 - 37).
(3)
انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 17 - 18).
(4)
أى: الجوهرى في الصحاح (3/ 1184)؛ ونقله عنه أبو شامة فى الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 18) وعنه الشارح هنا.
(5)
اختلف العلماء في تحديد معنى البدعة شرعًا: فمنهم من جعلها في مقابل السنة، ومنهم من جعلها عامة في تحديد كل ما أحدث بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كان محمودًا أو مذمومًا.
ولعل أحسنها وأوضحها: الطريقة المخترعة في الدين تضاهي الشرعية يقصد بها التقرب إلى اللَّه ولم يقم على صحتها دليل شرعي صحيح أصلًا أو وصفًا.
انظر الأعتصام للشاطبي (1/ 37)؛ والبدعة وأثرها السيئ في الأمة (ص 6) سليم الهلالي.
(6)
انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 18).
فإن قلت المحدثات منقسمة إلى بدع مستحسنة وإلى بدع مستقبحة (1) كما قال
(1) لخص الدكتور ناصر العقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" حول مفهوم البدعة فقال:
لقد أخطأ كثير من الناس في العصور المتأخرة فى مفهوم البدعة وأحكامها، فقالوا: بأن البدعة تنقسم إلى حسنة وقبيحة وأنه ليست كل بدعة ضلالة وأن ما ارتضاه المسلمون وتعارفوا عليه لا يكون بدعة، وهذه المفاهيم كلها إنما حدثت بعد القرون الثلاثة الفاضلة.
قال: فاستطاع المؤلف -يعني ابن تيمية- أن يؤصّل لهذه المسألة ويستقرئ أدلتها ويبين أحكامها ووجه الخطأ فيها على النحو التالي ويبين أن كل بدعة ضلالة بصريح السنة ومنطوقها حيث ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: "أن كل بدعة ضلالة" وأن شر الأمور محدثاتها، وأن كل محدثة بدعة، وما زعمه بعض الناس من أنه ليس كل بدعة ضلالة فهو مصادم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ومشاقة له.
إن البدع التي هي محل الكلام هنا هي ما أحدثه الناس فى العبادات وشعائر الدين وشرائعه كالأعياد المحدثة والبدع التي أحدثها الناس حول القبور والمزارات والمشاهد والموالد.
وكالصلوات المحدثة مثل صلاة الرغائب، والصلاة الألفية، والصيام المحدث مثل صيام أول خميس من رجب ونحو ذلك من المبتدعات التي يتعبد الناس بها أو تصير من شعائرهم وسماتهم الدينية فهذه الأصل فيها أن لا يشرع منها إلا ما شرعه اللَّه.
أما العادات فالأصل فيها الإباحة إلا ما حرمه اللَّه.
مسألة إن كل بدعة فى الدين ضلالة محرمة هذا مما أجمع عليه الصحابة والسلف الصالح ولم تنتشر البدع إلا بعد القرون الثلالة الفاضلة حين صارت للروافض والقرامطة دولة وكثرت الطرق الصوفية النكدة.
إن ما اعتاده بعض الناس أو حتى أكثرهم فى بلاد المسلمين من الإقرار ببعض البدع وعملهم لها وسكوت بعض العلماء عنها وعمل بعضهم لها ودعوة آخرين لها كل هذا لا يصلح دليلًا على أنها بدع حسنة ومقبولة ومرضية فى دين اللَّه لأن الدليل المجمع عليه إنما هو كتاب اللَّه أو سنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين والإجماع وهذه الأصول كلها تبطل البدع أما مجرد أعمال وأقوال تصدر من بعض المسلمين أو أكثرهم وإن سموا علماء فهذا لا يصير دليلا بالإجماع.
استدل بعضهم على أن بعض البدع حسنة فى الدين بقول عمر فى صلاة التراويح (نعمت =
الإمام الشافعي (1) رضي الله عنه: البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم (2) واحتج قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قيام رمضان "نعمت البدعة"(3).
= البدعة) وأنه سنها وأقره الصحابة على ذلك.
لكن المؤلف يرد هذا بأن صلاة التراويح لها أصل في السنة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها وصلاها الصحابة خلفه، وأنه تركها خشية أن تفرض فبقيت مسنونة بعد توقف الوحي وإنقطاع احتمال فرضها.
ثم إن قول عمر لا يرد به قول الرسول "كل بدعة ضلالة" لأن تسمية عمر لها "بدعة" تسمية لغوية إذ مفهوم البدعة في اللغة أوسع منه في الشرع. فلا تعني تسمية عمر لها "بدعة" أنها بدعة في الدين. انتهى.
اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 55 - 56).
وقال الحافظ بن رجب: وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك من البدع اللغوية لا الشرعية ثم ذكر قول عمر: "نعمت البدعة".
ثم أورد قول الشافعي: البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة، وقال ومراد الشافعي رضي الله عنه ما ذكرناه من قبل أن أصل البدعة المذمومة ما ليس له أصل في الشريعة ترجع إليه وهي البدعة في إطلاق الشرع.
وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة يعني ما كان لها أصل من السنة ترجع إليه. وإنما هي بدعة لغة لا شرعًا لموافقتها السنة. انتهى.
جامع العلوم (2/ 291 - 294).
(1)
الشافعي: محمد بن إدريس بن العباس أبو عبدالله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي الإمام عالم العصر وفقيه الملة صنف التصانيف ودون العلم من أئمة المسلين وعلمائهم المقتدى بهم، توفى سنة أربع ومائتين.
سير أعلام النبلاء (5/ 10)؛ وتقريب (ص 289).
(2)
النص عن الشافعي رواه أبو نعيم في الحلية (9/ 113)؛ وذكره أبو شامة في كتابه الباعث (ص 20).
(3)
رواه البخاري في صحيحه (3/ 39) ومالك في الموطأ (1/ 114).
وقال الشافعي أيضًا: المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما ما أحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا وإجماعا فهذه البدعة الضلالة.
والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لو أحدث من هذا فهي محدثة غير مذمومة (1).
قلت الأمر كذلك ولكن تسمية المستحسن من ذلك بدعة على سبيل التوسع والمجاز وإلا فالبدع المراد بها ما خالف المشروع وتعدى به إلى الممنوع.
وأما المحدثات الحسنة فجائزة ومنها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب (2) مثل
(1) رواه البيهقي في مناقب الشافعي (1/ 69)؛ وفي المدخل إلى السنن الكبرى (ص 206) وذكره أبو شامة في الباعث (ص 20).
(2)
قسم العز بن عبد السلام البدعة إلى خمسة أقسام:
1 -
واجبة.
2 -
محرمة.
3 -
مندوبة.
4 -
مكروهه.
5 -
مباحة.
وذكر أن الطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة ثم ذكر أمثلة للبدع الواجبة مثل الإشتغال بما به يفهم كتاب اللَّه وكلام رسول اللَّه. وحفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة.
والمندوبة: مثل إحداث الربط والمدارس وبناء القناطر.
ورد علي الشاطبي في الإعصام وقال: إن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي بل هو في نفسه متدافع لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده إذ لو كان منالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة. ولكان العمل داخلًا فى عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها.
قلت: وما ذهب إليه الشاطبي هو الرأى الصحيح، وهو أن البدعة واحدة وهي التي لا دليل عليها من الشرع وأن كل بدعة ضلالة كما جاء فى الحديث الصحيح.
انظر: القواعد الكبرى (2/ 195)؛ والاعتصام (1/ 191 - 192)؛ البدعة وأثرها السيء فى الأمة (ص 39 - 40).
بناء المنابر والربط والمدارس والمارستانات (1) وخانات السبيل وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعهد فى الصدر الأول فإن فعل ذلك موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى (2).
ومن أعظم ذلك صنعا وأحسنه وضعا وأعمه نفعا تصانيف الكتب فى جميع العلوم النافعة الشرعية على اختلاف فنونها وتقرير قواعدها وتقسيمها وتقريبها وتعليمها وكثرة التفريعات وفرض المسائل التي لم تقع وتحقيق الأجوبة عنها وتفسير الكتاب العزيز والأخبار النبوية، والكلام على الأسانيد والمتون والجرح والتعديل ولواحق ذلك.
وتتبع كلام العرب نثره ونظمه وتدوين كل ذلك وإستخراج علوم جمة منه كالنحو والمعاني والبيان والقوافي والأوزان، فهذا كله وما شاكله معلوم حسنه، ظاهرة فائدته معين على معرفة أحكام اللَّه تعالى وفهم معاني كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فكل ذلك مأمور به ولا محذور فيه (3).
وأما البدع المستقبحة فهي التي أطلق العلماء ذمها والمراد هنا بالبدع الإعتقادية المخالفة لما كان عليه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين المعول عليهم والمشهود لهم بالتمكين والمجمع على إمامتهم بين علماء أهل السنة العاملين.
(1) المارستان: بفتح الراء، دار المرضى وهو معرب، صحاح الجوهري، مرسى.
(2)
انظر هذا المبحث في الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 21)؛ والقواعد الكبرى لابن عبد السلام (2/ 195)، والاعتصام للشاطبي (1/ 188) وما بعدها.
(3)
انظر: الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 21 - 22).
قال الحافظ ابن رجب (1): " (2) يتعين في هذه الأزمنة التي بعد العهد فيها بعلوم السلف ضبط ما نقل عنهم ليتميز به ما كان من العلوم موجودًا في زمانهم وما حدث من ذلك بعدهم فتعلم بذلك السنة من البدعة.
وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إنكم قد أصبحتم اليوم على الفطرة وإنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول (3).
وروى ابن مهدي (4) عن الإمام مالك (5) رضي الله عنه قال: "لم يكن شيء من هذه الأهواء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم (6).
(1) ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي ثم الدمشقي أبو الفرج زين الدين الحنبلي حافظ للحديث فقيه مؤرخ من العلماء، ولد في بغداد ونشأ وتوفى في دمشق من كتبه: شرح جامع الترمذي؛ وجامع العلوم والحكم ط؛ وفضائل الشام؛ والاستخراج لأحكام الخراج؛ والقواعد الفقهية؛ وذيل طبقات الحنابلة، جزءآن؛ وفتح الباري شرح صحيح البخاري، لم يتمه؛ وغيرها، توفى سنة 795 هـ.
الدرر الكامنة (2/ 428 - 429)؛ وابن العماد شذرات الذهب (6/ 339 - 340)؛ والأعلام (3/ 295).
(2)
النص في جامع العلوم والحكم (2/ 295 - 296).
(3)
أخرجه الدارمي في سننه (1/ 56)؛ والمروزي في السنة (ص 24).
(4)
ابن عدى: عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، مات سنة ثمان وتسعين ومائة.
تاريخ بغداد (10/ 240)؛ وتذكرة الحفاظ (1/ 329)، وسير أعلام النبلاء (9/ 192 - 209).
(5)
مالك ابن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي أبو عبد اللَّه المدني الفقيه إمام دار الهجرة وشيخ الإسلام إمام من أئمة المسلمين وأعلامهم، توفى سنة تسع وسبعين ومائة.
سير أعلام النبلاء (8/ 23)؛ وتقريب (ص 326).
(6)
أورده ابن رجب في جامع العلوم (2/ 295 - 296).
وكان مالك يشير بالأهواء إلى ما حدث من التفرق في أصول الدين من أمر الخوارج (1) والروافض (2) والمرجئة (3) ونحوهم ممن تكلم في تكفير المسلمين واستباحة أموالهم ودمائهم أو في تخليدهم في النار أو في تفسيق خواص هذه الأمة أو عكس ذلك فزعم أن المعاصي لا تضر أهلها وأنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد.
(1) الخوارج: جمع خارج وهو الذي خلع طاعة الإمام الحق وأعلن عصيانه وألّب عليه. وأول ما ظهر من أمر الخوارج في عهد علي رضي الله عنه حيث خرجوا عليه وكفروه لما صار إلى التحكيم وأجمعوا على تكفير أصحاب الكبائر وتخليدهم في النار ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقًا واجبًا.
مقالات الإسلاميين (1/ 167 - 168)؛ الفرق بين الفرق (ص 73)؛ الملل والنحل (1/ 114 - 115).
(2)
الروافض: طوائف من غلاة الشيعة سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر وهم مجمعون على أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه وأظهر ذلك وأعلنه وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الإقتداء به بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بل تعدوا ذلك إلى الوقيعة في كبار الصحابة طعنًا وتكفيرًا وهم فرق وطوائف كثيرة وكل فرقة تكفر سائرها.
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 88 - 89)؛ والملل والنحل (1/ 146، 164)، والفرق بين الفرق (ص 21، 29، 53).
(3)
المرجئة: الإرجاء في اللغة التأخير وسموا مرجئة لأنهم أخروا العمل عن الإيمان وهم فرق:
أ- مرجئة الجهمية يقولون الإيمان المعرفة بالقلب فلا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
ب- منهم من يقول الإيمان القول باللسان وهو قول الكرامية.
جـ- من يقول الإيمان التصديق بالقلب والنطق باللسان وليست الأعمال من مسمى الإيمان. وهو قول الأحناف.
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 213 - 214) والفرق بين الفرق (202 - 203) وشرح العقيدة الطحاوية (ص 373).
وأصعب من ذلك كله: ما أحدث من الكلام فى أفعال اللَّه تعالى من قضائه وقدره وكذب بذلك من كذب وزعم أنه نزه اللَّه تعالى بذلك عن الظلم.
وأصعب من ذلك ما أحدث من الكلام في ذات اللَّه تعالى وصفاته مما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان رحمهم اللَّه تعالى.
فقوم نفوا كثيرا مما ورد في الكتاب والسنة من ذلك وزعموا أنهم فعلوه تنزيهًا للَّه تعالى عما تقتضى العقول تنزيهه عنه وزعموا أنّ لازم ذلك مستحيل على اللَّه تعالى وقوم لم يكتفوا بإثباته حتى أثبتوا بإثباته ما يظن أنه لازم له بالنسبة إلى المخلوقين.
وهذه اللوازم نفيًا وإثباتًا درج صدر الأمة والرعيل الأول على السكوت عنها (1)(2) وهو مذهب السلف واعتقاد الفرقة الناجية الذي أشار إليه الناظم رحمه اللَّه تعالى ورضي عنه.
(1) نهاية كلام ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 296).
(2)
يقول ابن تيمية رحمه الله: الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها "ستة أقسام" كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة:
قسمان يقولان: تجرى على ظواهرها.
وقسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها.
وقسمان: يسكتون.
أما الأولون فقسمان: أحدهما من يجريها على ظاهرها ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين، فهؤلاء المشبهة ومذهبهم باطل أنكره السلف.
الثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال اللَّه كما يجرى ظاهر اسم العليم والقدير والرب والإله والموجود والذات ونحو ذلك على ظاهرها اللائق بجلال اللَّه.
وهذا هو المذهب الذي حكاه الخطابي وغيره عن السلف وعليه يدل كلام جمهورهم وكلام الباقين لا يخالفه. وهو أمر واضح فإن الصفات كالذات فكما أن ذات اللَّه ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات فصفاته ثابتة من غير أن تكون من جنس =
وأراد بقوله: (ولا تك بدعيا) أي لا تكن ممن إعتقد إعتقاد أهل البدع في أصول الدين من الإثنتين وسبعين فرقة، فإنها في النار كما أخبر النبي المختار صلى الله عليه وسلم: فمنهم الخوارج (1) والمرجئة (2) والقدرية (3)
= صفات المخلوقات.
وأما القسمان اللذان ينفيان ظاهرهما فقسان:
1 -
(قسم) يتأولونها ويعينون المراد مثل قولهم: استوى بمعنى استولى أو بمعنى علو المكانة والقدر، أو بمعنى ظهور نوره للعرش أو بمعنى انتهاء الخلق إليه إلى غير ذلك من معاني المتكلمين.
2 -
(وقسم) يقولون: اللَّه أعلم بما أراد بها: لكنا نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجة عما علمناه.
وأما القسمان الواقفان: فقوم يقولون يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال اللَّه ويجوز أن لا يكون المراد صفة اللَّه ونحو ذلك وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم.
وقوم يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن وقراءة الحديث معرضين بقلوبهم والسنتهم عن هذه التقديرات.
ثم قال والصواب فى كثير من آيات الصفات وأحاديثها القطع بالطريقة الثابتة كالآيات والأحاديث الدالة على أن اللَّه سبحانه وتعالى فوق عرشه ويعلم طريقة الصواب فى هذا وأمثاله بدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك.
مجموع الفتاوى (5/ 113 - 117) باختصار.
(1)
انظر (1/ 178).
(2)
تقدمت (1/ 178).
(3)
القدرية: أتباع معبد الجهني (80 هـ) أول من قال بنفي القدر وأن الأمر أنف لم يقدر اللَّه من عمله شيئا وأن الإنسان هو الفاعل للخير والشر لم يسبق به علم من اللَّه ولا تقدير.
وقال: إن الباري تعالى حكيم عادل لا يجوز أن يضاف إليه شر ولا ظلم ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر ويحتم عليهم شيئا ثم يجازيهم عليه فالعبد هو الفاعل للخير والشر والإيمان والكفر والطاعة والمعصية وهو المجازى على فعله. . قال ويستحيل أن يخاطب العبد بإفعل وهو لا يمكنه أن يفعل. وتابعه فى بدعته غيلان الدمشقي وواصل بن عطاء الغزال =
والرافضة (1) والجهمية (2) والمعتزلة (3) وهذه الفرق تتشعب منها الإثنتان وسبعون فرقة (4) واللَّه تعالى أعلم.
وقول الناظم رحمه الله ورضي عنه (لعلك) أيها الأثري المقتفي لنظمي ونثري إن تمسكت كالشرع القويم من الكتاب العزيز القديم وبما صح عن النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم والسلف الصالح القويم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين المعول عليهم في سائر الأزمان وجانبت أهل البدع ولم تركن إلى أهوائهم وما انتحلوه وابتدعوه من دعاويهم ودعواهم ومباينة اعتقادهم ومجانبة فسادهم وإفسادهم. (تفلح): أي تفوز بالدرجات العالية والنعيم المقيم في عرصات الآخرة وجنات النعيم.
والفلاح: من الكلمات الجامعة لخيري الدنيا والآخرة.
قيل: إنه عبارة عن أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل.
= وعمرو بن عيد وغيرهم وقد خالفوا بذلك الكتاب والسنة وتبرأ منهم من كان فى عصرهم من الصحابة كابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.
انظر: صحيح مسلم (1/ 36)؛ والملل والنحل (1/ 47)؛ والفرق بين الفرق (ص 114 - 115، 117).
(1)
تقدمت (1/ 178).
(2)
الجهمية: أتباع الجهم بن صفوان: ومذهبه نفي الصفات عن اللَّه تعالى وهو القائل بأن الإنسان مجبور لا قدرة له ولا اختبار وقال: إن الإيمان المعرفة بالقلب وقال بخلق القرآن وقال بفناء الجنة والنار.
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 338)، والفرق بين الفرق (ص 211)؛ والملل والنحل (1/ 86 - 87).
(3)
تقدمت (1/ 166).
(4)
انظر: الفرق بين الفرق (ص 28)؛ ومقالات الإسلاميين (1/ 65).
قالوا: فلا كلمة في اللغة أجمع للخيرات من كلمة الفلاح (1).
وكذلك النصيحة فإنها كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له ويقال إنها من وجيز الأسماء ومختصر الكلام (2).
فال الخطابي: (3) وليس في كلام العرب كلمة مفردة تستوفي بها العبارة عن معنى هذه الكلمة.
كما قالوا في الفلاح: إنه ليس في كلامهم كلمة أجمع لخيري الدنيا والآخرة منه أي الفلاح (4) انتهى.
ومفهوم كلام (المصي)(5) رحمه اللَّه تعالى أن لا فلاح لأهل البدع أصلا لأنه ترجى لمن أقتفى الآثار ونهج نهج الأتباع وجانب الأشرار وخالف أهل الإبتداع الفلاح ومن لا يكون كذلك فلا يرجى له الفلاح ولا يتوقع له الخلاص ولا النجاح.
(1) و (2) نقله المصنف من شرح ابن دقيق العبد على الأربعين النووية (ص 34 - 35)؛ وانظر لوامع الأنوار للمؤلف (1/ 330).
(3)
الخطابي: حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي أبو سليمان، فقيه محدث لغوي حافظ من أهل بست من بلاد كابل، توفى سنة 388 هـ. من تصانيفه: معالم السنن في شرح سنن أبي داود، ط؛ وغريب الحديث، ط؛ واصلاح غلط المحدثين، ط؛ وبيان إعجاز القرآن؛ وشرح صحيح البخاري، وغيرها.
انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 23)، وطبقات الشافعية (3/ 282 - 290)، وفيات الأعيان (2/ 214 - 216) والأعلام (2/ 273).
(4)
النص في شرح مسلم للنووي (2/ 27).
(5)
كذا في المخطوطتين وهي اختصار لكلمة المصنف.
ولو قال الناظم كما مر لكان أفضل.
ولما طلبت أم بشر بن غياث المريسي (1) الخبيث المعتزلي من الإمام الشافعي (2) رضي الله عنه أن ينهاه عن هواه قال له أخبرني عما تدعو اليه أكتاب ناطق؟ أم فرض مفترض، أم سنة قائمة؟ أم وجوب عن السلف البحث فيه، والسؤال عنه؟ قال بشر: ليس فيه كتاب ناطق ولا فرض مفترض ولا سنة قائمة ولا وجوب عن السلف البحث فيه، والسؤال عنه إلا أنه لا يسعنا خلافه. فقال له الإمام الشافعي رضي الله عنه: أقررت على نفسك بالخطأ فأين أنت عن الكلام في الفقه والأخبار يواليك الناس عليه فلم يفعل فلما خرج بشر عن عند الشافعي قال الشافعي رضي الله عنه: هذا رجل لا يفلح (3) فجزم له بعدم الفلاح.
وكذلك قال سيدنا الإمام أحمد (4) رضي الله عنه: عليكم بالسنة والحديث وما ينفعكم وإياكم والخوض والمراء (5) فإنه لا يفلح عن أحب الكلام.
وقال رضي الله عنه في علماء أهل البدع عن المتكلمة: لا أحب لأحد أن
(1) بشر بن غياث المريسي كان من أصحاب الرأي أخذ الفقه عن أيى يوسف القاضي إلا أنه اشتغل بعلم الكلام وجدَّ في القول بخلق القرآن وناظر عليه واحتج له ودعا إليه وحكي عنه أقوال شنيعة ومذاهب مستنكرة من ذلك القول بخلق القرآن وتعطيل صفات اللَّه ورده للأحاديث الثابتة في الرؤية وغيرها، توفى سنة 218 هـ.
تاريخ بغداد (7/ 56 - 67)؛ والميزان (1/ 322).
(2)
تقدم (1/ 174).
(3)
النص في تاريخ بغداد (7/ 59)، وفي مناقب الشافعي للبيهقي (1/ 204)، وفي الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية (1/ 448).
(4)
تقدم (1/ 111).
(5)
المراء: الجدال، والتماري والمماراة المجادلة على مذهب الشك والريبة ويقال للمناظرة مماراة لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه ويمتر به كما يمتري الحالب اللبن من الضرع. النهاية (4/ 322).
يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم فكل من أحب الكلام لم يكن آخر أمره إلا إلى البدعة. فإن الكلام لا يدعوهم الى خير فلا أحب الكلام ولا الخوض فيه ولا الجدال. عليكم بالسنن والفقه الذي تنتفعون به ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء.
أدركنا الناس وما يعرفون هذا ويجانبون أهل الكلام وقال رضي الله عنه: من أحب الكلام لم يفلح عاقبة الكلام لا تؤول إلى خير أعاذنا اللَّه وإياكم من الفتن وسلمنا وإياكم من كل هلكة (1)(2).
تنبيه:
قد أكثر السلف رضي الله عنهم في ذم الكلام والخوض فيه والتقصي عن دقائقه والتدقيق فيما يزعمون أنه قضايا برهانية وحجج قطعية يقينية، وقد شحنوا ذلك بالقضايا المنطقية والمدارك الفلسفية والتخيلات الكشفية والمباحث القرمطية، وكان أئمة الدين مثل الإمام مالك (3) وسفيان (4) وابن المبارك (5) وأبى يوسف (6)
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 291)، ولوامع الأنوار (1/ 108 - 109).
(2)
كتب هنا في هامش "ظ" بلغ مقابلة.
(3)
الإمام مالك بن أنس تقدم (1/ 177).
(4)
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد اللَّه الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة مات سنة إحدى وستين ومائة.
تقريب (ص 128).
(5)
عبد اللَّه بن المبارك المروزي مولى بني حنظلة ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير. مات سنة إحدى وثمانين ومائة.
تقريب (ص 187).
(6)
يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه وأول من نشر مذهبه كان فقيها علامة ولد بالكوفة وتفقه بالحديث والرواية =
والشافعي (1) وأحمد (2) وإسحق (3) والفضيل (4) بن عياض وبشر الحافي (5) يبالغون في ذم الكلام وفي ذم بشر المريسي (6) وتضليله.
حتى إن هارون الرشيد خامس خلفاء بني العباس قال يومًا: بلغني أن بشر المريسي يقول: إن القرآن مخلوق وللَّه عليَّ إن أظفرني اللَّه لأقتلنه قتلة ما قتلها أحد (7) فأقام بشر متواريًا أيام الرشيد نحو من عشرين سنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس اللَّه روحه في كتابه: شرح العقيدة الأصفهانية: "هذه التأويلات التي ذكرها ابن فورك (8) ويذكرها
= ثم لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي، ولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد، ومات في خلافته سنة 182 هـ ببغداد وهو على القضاء.
تاريخ بغداد (4/ 242)؛ والجواهر المضيئة (2/ 220)؛ والأعلام (8/ 193).
(1)
الشافعي تقدم (1/ 174).
(2)
أحمد تقدم (1/ 111).
(3)
إسحاق بن راهويه تقدم (1/ 112).
(4)
الفضيل بن عياض بن مسعود التيمي أبو علي المشهور أصله من خراسان ثم سكن مكة، ثفة عابد إمام، مات سنة سبع وثمانين ومائة وقيل قبلها.
تقريب (ص 277).
(5)
بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطا بن هلال المروزي نزيل بغداد أبو نصر الحافي: الزاهد الجليل المشهور، ثقة قدوة مات سنة سبع وعشرين ومائتين.
تقريب (ص 44).
(6)
بشر المريسي تقدم (1/ 183).
(7)
تاريخ بغداد (7/ 64).
(8)
ابن فورك: محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الأصبهاني أبو بكر واعظ عالم بالأصول والكلام من فقهاء الشافعية سمع بالبصرة وبغداد وحدث بنيسابور وبنى فيها مدرسة وتوفى على مقربة منها فنقل إليها سنة 406 هـ.
طبقات الشافعية (4/ 127)؛ ووفيات الأعيان (4/ 272)؛ والأعلام (6/ 83).
الرازى (1) في كتابه تأسيس التقديس وغيره ويوجد منها في كلام غالب المتكلمة من عبد السلام الجبائي (2) وعبد الجبار (3) وأبي حسن البصري (4) وغيرهم هي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي ورد عليه الإمام عثمان بن سعيد الدارمي (5)
(1) الرازى: محمد بن عمر بن الحسن بن الحسن بن علي التيمي البكري الطبرستاني الرازي الشافعي المعروف بالفخر الرازي وبابن خطيب الري أبو عبد اللَّه: مفسر متكلم فقيه أصولي حكيم أديب شاعر طبيب مشارك فى كثير من العلوم، توفى سنة 543 هـ.
طبقات الشافعية للسبكي (8/ 96)؛ ووفيات الأعيان (4/ 248)؛ ومعجم المؤلفين (11/ 79).
(2)
عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي (أبو هاشم) من شيوخ المعتزلة وإليه تنسب الطائفة الهاشمية من المعتزلة، توفى سنة 321 هـ.
تاريخ بغداد (11/ 55)؛ وابن كثير البداية (11/ 176)، ومعجم المؤلفين (5/ 230).
(3)
عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني أبو الحسن فقيه أصولي متكلم مشارك في بعض العلوم كان مقلدًا الشافعي فى الفروع وعلى رأس المعتزلة فى الأصول، توفى سنة 415 هـ.
تاريخ بغداد (11/ 113)؛ وطبقات الشافعية (5/ 97)، ومعجم المؤلفين (5/ 78).
(4)
أبو الحسن البصري، كذا فى المخطوطتين ولعل الصواب أبو الحسين البصري: فهو الذي يذكره ابن تيمية فى كتبه وهو: محمد بن علي الطيب أبو الحسين البصري أحد أئمة المعتزلة، ولد فى البصرة وسكن بغداد وتوفى بها، من كتبه: المعتمد فى أصول الفقه، ط؛ وتصفح الأدلة؛ وغرر الأدلة، وشرح الأصول الخمسة، توفى سنة 436 هـ.
تاريخ بغداد (3/ 95)؛ والأعلام (6/ 275).
(5)
عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الإمام العلامة الحافظ أبو سعيد التميمي الدارمي أخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد وفاق أهل زمانه، وكان ناصرًا للسنة، بصيرًا بالمناظرة، عنف كتاب الرد على بشر المريسي؛ وكتاب الرد على الجهمية، وغيرها، توفى سنة 280 هـ.
سير أعلام النبلاء (13/ 319)، البداية والنهاية (11/ 69)، وطبقات السبكي (2/ 302).
أحد مشاهير أئمة السنة من علماء السلف في زمن البخاري (1) في المائة الثالثة في كتابه الذي سماه: رد عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على اللَّه في التوحيد. فحكى هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتصي أنَّ المريسي أقعد بها وأعلم بالمعقول والمنقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت اليهم من جهته (2).
وقد أجمع أئمة الهدى على ذم الفرقة المريسية وأكثرهم كفروهم وضللوهم وذموا الكلام و (أهله)(3) بعبارات رادعة وكلمات جامعة.
قال أبو الفتح نصر المقدسي (4) في كتابه "الحجة على تارك المحجة" بإسناده عن الربيع (5) بن سليمان قال سمعت الإمام محمد بن إدريس الشافعي يقول:
(1) البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبو عبد اللَّه الإمام الحافظ لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحب الجامع الصحيح، المعروف بصحيح البخاري، مات سنة 256 هـ
سير أعلام النبلاء (12/ 391 - 471)؛ الأعلام (6/ 34).
(2)
لم أجد النص في شرح العقيدة الأصفهانية كما ذكر المؤلف وإنما وجدته في الحموية (ص 99 - 100) ضمن نفائس. وانظر لوامع الأنوار للمؤلف (1/ 23 - 24، 108).
(3)
في النسختين وأهلها ولعل الصحيح ما أثبته.
(4)
أبو الفتح نصر المقدسي: نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود المقدسي: النابلسي الدمشقي الشافعي أبو الفتح فقيه محدث حافظ جمع بين العلم والدين، من مصنفاته: الإنتخاب الدمشقي، في بضعة عشر مجلدًا، وكتاب الحجه على تارك المحجة؛ وكتاب التهذيب، وغيرها، توفي سنة 490 هـ.
طبقات السبكي (5/ 351)؛ ومعجم المؤلفين (13/ 87).
(5)
الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي بالولاء المصري أبو محمد صاحب الإمام الشافعي وراوي كتبه وأول من أملى الحديث بجامع ابن طولون وكان مؤذنًا، مولده ووفاته بمصر.
طبقات السبكي (2/ 132)؛ والأعلام (3/ 14 - 15).
"ما رأيت أحدًا إرتدى بالكلام فأفلح (1) ولما كلمه حفص الفرد من أهل الكلام قال: لأن يبتلي اللَّه العبد بكل ما نهى اللَّه عنه خلا الشرك باللَّه عز وجل خير له من أن يبتلى بالكلام (2).
وقال حكمي في أصحاب الكلام إن يصفعوا وينادى بهم في العشائر والقبائل هذا جزاء من ترك السنة وأخذ في الكلام (3).
وعن عبد الرحمن (4) بن مهدي قال: دخلت على الإمام مالك (5) بن أنس رضي الله عنه وعنده رجل يسأله عن القرآن والقدر فقال للرجل لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد (6) لعن اللَّه عمرًا فإنه إبتدع هذه البدعة من الكلام ولو كان الكلام علمًا لتكلم به الصحابة والتابعون رضي الله عنهم كما تكلموا في الأحكام والشرائع
(1) رواه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي (ص 186)؛ وأبو نعيم في الحلية (9/ 111، 112)؛ والبيهقي في مناقب الشافعي (1/ 463)؛ وابن عساكر في تبيين كذب المفتري (ص 335 - 336)؛ والهروي فى ذم الكلام كما في صون المنطق للسيوطي (ص 64)، وفي مناقب الشافعي للرازي (ص 99)؛ والذهبي في السير (10/ 18 - 27).
(2)
النص فى آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم (ص 182، 187)؛ وفي مناقب الشافعي للبيهقي (1/ 452، 453)؛ وفي الحلية (9/ 111)؛ وابن عساكر في التبيين (ص 335، 336، 337)؛ وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 95)؛ وفي الإنتفاء (ص 78)؛ ومناقب الشافعي للفخر الرازي (ص 99)؛ وتوالى التأسيس (ص 110).
(3)
مناقب الشافعي للبيهقي (1/ 462)، وابن عبد البر في الإنتقاء (ص 80)، ومناقب الشافعي للرازي (ص 99)؛ وسير أعلام النبلاء (10/ 29)؛ توالي التأسيس (ص 111).
(4)
تقدم (1/ 177).
(5)
تقدم (1/ 177).
(6)
عمرو بن عبيد: الزاهد العابد القدري كبير المعتزلة وأولهم أبو عثمان البصري، مات سنة ثلاث أو أربع وأربعين ومائة.
سير أعلام النبلاء (6/ 104).
ولكنه باطل يدل على باطل (1).
وقال الإمام محمد بن الحسن (2) صاحب أبي حنيفة النعمان (3) بن ثابت سمعت أبا حنيفة رضي الله عنه يقول: لعن اللَّه عمرو بن عبيد فإنه مبتدع (4) فهل يكون أشد من هذا الإنكار من هؤلاء الأئمة الكبار.
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي (5) سمعت علي بن الحسين (6) القاضي يقول:
(1) رواه الهروي في ذم الكلام كما في صون المنطق (ص 57)؛ وذكره المؤلف في لوامع الأنوار (1/ 109).
(2)
محمد بن الحسن بن فرقد من موالي بني شيبان أبو عبد اللَّه إمام بالفقه والأصول وهو الذي نشر علم أبي حنيفة، له كتب كثيرة في الفقه والأصول منها: المبسوط في فروع الفقه؛ والزيادات؛ والجامع الكبير؛ والجامع الصغير؛ والآثار؛ والسير؛ وغيرها؛ توفي سنة 189 هـ.
تاريخ بغداد (2/ 172)؛ والجواهر المضيئة (3/ 122)؛ والأعلام (6/ 80).
(3)
أبو حنيفة: النعمان بن ثابت التيمي بالولاء الكوفي الإمام الفقيه المجتهد أحد الأئمة الأربعة، مات سنة 150 هـ.
تاريخ بغداد (13/ 323)؛ والجواهر المضيئة (1/ 49)؛ والأعلام (8/ 36).
(4)
ذكره الهروي في ذم الكلام بنحوه عن أبي حنيفة. صون المنطق (ص 60)، والمؤلف في لوامع الأنوار (1/ 109).
(5)
أبو جعفر الطحاوي: أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك الأزدي الحجري الطحاوي أبو جعفر المصري الحنفي، فقيه مجتهد محدث حافظ مؤرخ، توفي بمصر سنة 321 هـ
وفيات الأعيان (1/ 71)، والجواهر المضيئة (1/ 271)؛ ومعجم المؤلفين (2/ 107).
(6)
علي بن الحسين القاضي: علي بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادي (ابن حربويه) قاضي علامة محدث ثبت قاضي مصر أقام بها وقتًا طويلًا ثم رجع الى بغداد فتوفي بها سنة تسع عشرة وثلاثمائة.
سير أعلام النبلاء (14/ 536)؛ وتاريخ بغداد (11/ 395)؛ وطبقات السبكي (3/ 446).
حدثني ابن فهم (1) حدثني ابن زنجوية (2) حدثني الإمام أحمد بن حنبل (3) قال: كنت في مجلس أبي يوسف (4) القاضي حين أمر ببشر المريسي فجر برجله فأخرج قال ثم رأيته بعد تلك فى المجلس فقيل له على ما فعل بك رجعت إلى المجلس؟ فقال: لست أضيع حظي من العلم لما فعل بي بالأمس (5)، قال في طبقات الحنفية (6): أخذ بشر المريسي الفقه عن أبي يوسف وبرع فيه ونظر في الكلام والفلسفة.
قال الصيمري (7) فيما جمعه ومن أصحاب أبي يوسف خاصة: "بشر بن غياث المريسي وله تصانيف وروايات كثيرة عن أبي يوسف، وكان من أهل العلم غير أنه رغب الناس عنه في ذلك الزمان لاشتهاره بعلم الكلام وخوضه في ذلك (8).
وقالوا في ترجمته هو المعتزلي المتكلم مولى زيد بن الخطاب (9) قالوا وكان
(1) ابن فهم: كذا فيه ولم أجده.
(2)
ابن زنجويه: حميد بن مخلد بن قتيبة أبو أحمد الأذري خراساني من أهل نساء كثير الحديث قديم الرحلة روى عن الإمام أحمد أشياء وروى عنه البخاري ومسلم وكان ثقة ثبت حجة، توفي بمصر سنة إحدى وخمسين ومائتين.
طبقات الحنابلة (1/ 150)، وسير أعلام النبلاء (12/ 19).
(3)
أحمد بن حنبل تقدم (1/ 111).
(4)
أبو يوسف تقدم (1/ 183).
(5)
لم أجد النص فبما اطلعت عليه من المصادر.
(6)
اسمه: الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية لمحيي الدين عبد القادر ابن محمد القرشي، المتوفى سنة 775، طبع في أربعة مجلدات، والنص فيه (1/ 448).
(7)
الصيمري: حسين بن علي بن محمد بن جعفر الصيمري أبو عبد اللَّه القاضي الفقيه كان إمام الحنفية ببغداد وكان قاضيًا عاملًا خيرًا، توفي سنة 436 هـ.
تاريخ بغداد (8/ 78)؛ والجواهر المضيئة (2/ 116).
(8)
أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (ص 156).
(9)
البداية والنهاية (10/ 281)، والسير (10/ 199).
أبو يوسف يذمه قال: وهو عندي كأبرة الرفا طرفها دقيق ومدخلها ضيق وهي سريعة الإنكسار (1) ثم نفاه من بغداد فاختفى بالبصرة أيام الرشيد كما أشرنا إليه سابقًا.
قال العلامة شهاب الدين ابن خلكان (2) فى تاريخه وفيات الأعيان: بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي الفقيه الحنفي المتكلم من موالي زيد بن الخطاب رضي الله عنه أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف الحنفي إلا أنه اشتغل بالكلام وجرد (3) القول بخلق القرآن وحكى عنه ذلك أقوال شنيعة وكان مرجئًا وإليه تنسب الطائفة المرجئة، وكان يقول إن السجود للشمس والقمر ليس بكفر ولكن علامة للكفر.
قال: وكان يناظر الإمام الشافعي رضي الله عنه، وكان لا يعرف النحو فيلحن لحنًا فاحشًا، ويقال إن أباه كان يهوديًا صباغًا بالكوفة وروى الحديث عن حماد بن سلمة (4)، وسفيان ين عيينة (5)، وأبي يوسف القاضي وغيرهم (6)، وتوفى فى
(1) الجواهر المضيئة (1/ 448).
(2)
ابن خلكان تقدم (1/ 111).
(3)
جرد: تجرد للأمر أي جد فيه، مختار الصحاح (ص 99)(جرد).
(4)
حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة: محدث ثقة فقيه، مات سنة سبع وستين ومائة.
الكاشف (1/ 251)؛ وتقريب (ص 82).
(5)
سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي: محدث ثقة فقيه حافظ، مات سنة ثمان وتسعين ومائة.
تقريب (ص 128).
(6)
قال الخطيب البغدادي: أسند في الحديث شيئًا يسيرًا.
وقال الذهبي: لا ينبغي أن يروى عنه ولا كرامة.
تاريخ بغداد (7/ 56)، وميزان الإعتدال (1/ 322).
سنة ثمان عشرة ومائتين ببغداد أو البصرة والأول أصح (1).
وأما عمرو بن عبيد الذي لعنه أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما فهو عمرو بن عبيد بن باب المتكلم الزاهد مولى بنى عقيل كان جده باب من سبي كابل من جبال السند وهو رفيق واصل بن عطاء (2) إمام أهل الإعتزال مولى بني منبه وقيل مولى بنى مخزوم كان واصل أحد الأئمة البلغاء المتكلمين في علم الكلام وغيره وكان يلثغ بالراء فيجعلها غينا قال أبو العباس المبرد (3) في كتابه الكامل: كان واصل بن عطا أحد الأعاجيب وذلك أنه كان ألثغ قبيح اللثغة في الراء فكان يخلص كلامه من الراء ولا يفطن لذلك لإقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه (4).
وهو أول المعتزلة، وعمرو بن عبيد رفيقه، ولما ظهر الإختلاف فقالت الخوارج بتكفير مرتكبي الكبيرة وبخلوده في النار.
وقالت الجماعة: مرتكبو الكبيرة مؤمنون وان فسقوا بالكبائر وهم في مشيئة اللَّه تعالى يجوز أن يعفو عنهم إبتداء ويدخلهم الجنة ويجوز أن يعذب من شاء منهم ثم
(1) انظر النص فى وفيات الأعيان (1/ 277).
(2)
واصل بن عطاء الغزال أبو حذيفة رأس المعتزلة وأحد الأئمة البلغاء المتكلمين سمي أصحابه بالمعتزلة لإعتزاله حلقة درس الحسن البصري ومنهم طائفة تنسب إليه تسمى الواصلية، وهو الذي نشر مذهب الإعتزال مات سنة إحدى وثلاثين ومائة.
الأعلام (8/ 108 - 109).
(3)
أبو العباس المبرد: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي المعروف بالمبرد أبو العباس أديب نحوي لغوي أخباري نسابة، ولد بالبصرة وأخذ عن أبي عثمان المازني وتصدر للإشتغال ببغداد أخذ عنه نفطوية وغيره: من تصانيفه الكامل فى اللغة والأدب؛ والمقتضب فى النحو؛ وإعراب القرآن؛ وغيرها، توفي سنة 311 هـ.
تاريخ بغداد (3/ 380)؛ وفيات الأعيان (4/ 313)؛ ومعجم المؤلفين (12/ 114).
(4)
النص فى: الكامل (3/ 1112)؛ والبيان والتبيين (1/ 14 - 17).
يخرجهم من النار ويدخلهم الجنة، فلا يخلد في النار أحد من أهل الكبائر إذا مات على الإسلام (1) فخرج واصل بن عطاء عن الفريقين وقال: إن الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر منزلة بين منزلتين فطرده الحسن (2) عن مجلسه وقال: اعتزلنا فاعتزل عنه وجلس إليه عمرو بن عبيد فقيل لهما ولأتباعهما معتزلة (3).
وقيل أول من سماهم بهذا الاسم قتادة (4) بن دعامة السدوسي البصري الأكمه كان تابعيًا عالمًا كبيرًا. قالوا إنه دخل مسجد البصرة فإذا بعمرو بن عبيد ونفر قد اعتزلوا من حلقة الحسن البصري وحلقوا وارتفعت أصواتهم فأمهم وهو يظن أنها حلقة الحسن فلما صار معهم عرف أنها ليست هي فقال: إنما هؤلاء المعتزلة، ثم قام عنهم فمنذ يومئذٍ سموا المعتزلة (5).
وكان قتادة هذا مع فضله ومعرفته يرمى بالقدر (6) واللَّه أعلم.
(1) انظر: الفرق بين الفرق (ص 117 - 118).
(2)
الحسن بن أبي الحسن واسمه أبي الحسن يسار بالتحتانية والمهملة البصري الأنصاري مولاهم: ثقة فقيه فاضل، مات سنة عشر ومائة.
تقريب (ص 69).
(3)
الفرق بين الفرق (ص 118)، التبصير في الدين (ص 40 - 41)؛ والملل والنحل (1/ 47 - 48)؛ وخطط المقريزي (2/ 345).
(4)
قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري: مفسر ثقة ثبت، مات سنة بضع وعشر ومائة هـ.
تقريب (ص 281).
(5)
ممن قال ذلك: ابن خلكان في وفيات الأعيان (4/ 85).
(6)
للذهبي فيهم كلام مفيدٌ أنقله بنصه قال فيه: "وكان يرى القدر نسأل اللَّه العفو ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه ولعل اللَّه يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه واللَّه حكم عدل لطيف بعباده ولا يسأل عما يفعل ثم =
وكانت ولادة واصل بن عطاء سنة ثمانين للهجرة بالمدينة المنورة على صاحبها الصلاة والسلام، ومات سنة إحدى وثلاثين ومائة وكانت ولادة عمرو بن عبيد سنة ثمانين من الهجرة أيضا، وتوفي سنة أربع وأربعين ومائة وهو راجع إلى مكة بموضع يقال له مران ولهذا قال أبو جعفر (1) المنصور ثاني خلفاء بني العباس يرثي عمرا (2) ولم يسمع بخليفة رثى من دونه سواه حيث يقول:
صلى الإله عليك من متوسد
…
قبرا مررت به على مران
قبرا تضمن مؤمنا متحنفا
…
صدق الإله ودان بالعرفان
لو أن هذا الدهر أبقى صالحًا
…
أبقى لنا عمرًا أبا عثمان (3).
= إن الكبير من أئمة العلم إذ كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلَله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه. نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك" انتهى.
انظر: السير (1/ 271).
(1)
أبو جعفر المنصور: عبد اللَّه بن محمد بن علي بن عبد اللَّه بن العباس أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس وأول من عني بالعلوم من ملوك العرب، كان عارفًا بالفقه والأدب محبًا للعلماء وهو باني مدينة بغداد، وهو والد الخلفاء العباسيين جميعًا، وكان بعيدًا عن اللهو والعبث كثير الجد والتفكير وله تواقيع في غاية البلاغة، توفي سنة 158 هـ.
تاريخ بغداد (10/ 53)؛ الأعلام (4/ 117).
(2)
قال الذهبي: كان المنصور يعظم ابن عبيد ويقول:
كلكم يمش رويد
…
كلكم يطلب صيد
غير عمرو بن عبيد
قال الذهبي: اغتر بزهده وإخلاصه واغفل بدعته.
سير أعلام النبلاء (6/ 105).
(3)
الأبيات في المعارف (ص 483)؛ وتاريخ بغداد (12/ 187).
ومران موضع بين البصرة ومكة المشرفة على ليلتين من مكة (1) واللَّه تعالى الموفق.
ولما أمر الناظم رحمه اللَّه تعالى ورضي عنه بالتمسك والإعتصام بحبل اللَّه واتباع الهدى الذي شرعه اللَّه تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من كتاب اللَّه وسنة رسول اللَّه وحذر من إرتكاب البدع والأهواء ليفوز بالفلاح والتقوى أعقب ذلك مبينا وموضحًا للأصلين العظيمين والحصنين الحصينين فقال: (ودن) أمر من دان يدين يقال: دنته بكسر الدال المهملة وسكون النون دينا: جازيته فالدين لغة الجزاء والإسلام والعادة والعبادة والمواظب من الأمطار والطاعة والذل والحساب والقهر والغلبة. والإستعلاء والسلطان والملك والحكم والسيرة والتدبير والتوحيد واسم لجميع ما يتعبد اللَّه عز وجل به والملة وغير ذلك (2).
والدين اصطلاحًا: "وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات (3) لما يتعرف به العباد من أمري المعاش والمعاد ويتعرفون منه أحكام عقائدهم وأفعالهم وأقوالهم وما يترتب عليه صلاحهم في الدارين وذلك الموضوع بالوضع الإلهي من حيث أنه منقاد له ومطاع له ومجازي عليه دين: وهو لغة الجزاء كما تقدم آنفًا ومنه قولهم: كما تدين تدان، وبيت الحماسة (4):
(1) انظر المرجعين السابقين.
(2)
تاج العروس (9/ 207 - 208): دين.
(3)
انظر هذا التعريف فى حاشية: جوهرة التوحيد (ص 12)، وانظر التعريفات للجرجاني (ص 105)
(4)
البيت للفند الزماني واسمه شهل بن شيبان بن ربيعة من أبيات له قالها فى حرب البسوس. انظر: الحماسة لأبي تمام (1/ 59 - 60)، وخزانة الأدب (3/ 431)؛ وأورده البيضاوي فى تفسيره (1/ 8) عند قوله تعالى {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
ولم يبق سوى العدوان
…
دناهم كما دانوا
وباعتبار أنه طريق موصل إلى المقصود شريعة:
فعيلة بمعنى مفعولة وهي مورد الشاربة.
والطريقة إلى الماء شُبّه بها الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب الحياة الأبدية.
وباعتبار أنه مجتمع عليه: ملة بكسر الميم وهي لغة الإجتماع من إجتماع الرماد والجمر.
ومراد الناظم رحمه اللَّه تعالى بقوله: (ودن) أى تعبد واهتد بكتاب اللَّه المنزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي هو القرآن العظيم والذكر الحكيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. فحلل حلاله وحرم حرامه وأتبع محكمه وآمن بالمتشابه منه أي اعتقد ذلك واجزم به جزمًا محكمًا تكن مؤمنًا مسلمًا.
ودن بالسنة: وهي فى اللغة الطريقة والسيرة والعادة (1).
واصطلاحا: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة (2).
ومن ثم قال: (التي أتت) أى جاءت وثبتت عن سيدنا محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي أرسله على حين فترة من الرسل وقلة من الدين، وقد طبق الظلم والجهل والكفر الأرض برحبتها والأمم بجملتها والفرق على اختلاف دعوتها فأرسله رحمة للعالمين وحجة على الظالمين وقطع معذرة المتعنتين، وهداية للغافلين ومنجاة للمتقين
(1) انظر: مختار الصحاح (ص 317)، والمصباح المنير (ص 396 - 397).
(2)
انظر: شرح الكوكب المنير (2/ 159) وما بعدها، إرشاد الفحول (ص 33)، مذكرة أصول الفقه (ص 95)، أصول مذهب الإمام أحمد (ص 199 - 200)؛ منزلة السنة في التشريع الإسلامي (ص 10 - 11).
فهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة وأغنى به بعد القلة وأعز به بعد الذلة ففتح به أعينا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا وجعل العز والفلاح لمن والاه والذل والصغار والخيبة على من عاداه، وحصر النجاة فى إتباع سبيله والربح فى اقتفاء دليله ومن ثم قال: إذا أنت دنت اللَّه تعالى ومرت إليه متبعًا لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (تنج)(1) من جميع الآفات وتسلم من الهلكات، وتتنزه عن البدع والأهواء فتسلم من غضب اللَّه وعذابه ودخول دار سخطه وانتقامه، وعقابه.
(وتربح): زائدًا عن النجاة الفوز والفلاح والخلود فى دار النعيم وجوار الكريم.
والربح: بالكسر والتحريك وكسحاب (2) اسم لما يربحه الإنسان وأصله الفاضل عن رأس المال فكان هذا المتبع لكتاب اللَّه المستن بسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأس ماله النجاة من عذاب اللَّه وربحه الخلود في دار القرار، فى قصور وحور، وأزهار وأنهار في أمن وأمان ونعيم ورضوان ورب غير غضبان.
تتمة في بعض ما ورد من مدح الإتباع وذم الإبتداع:
قال اللَّه تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. . .} [آل عمران: 31].
وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].
وقد روى عن أبي الحجاج مجاهد بن جبر (3) المكي وهو من كبار التابعين وإمام
(1) في "ظ" تنجوا.
(2)
في هذه الكلمة غموض وبيانها كما في تاج العروس (6/ 379)(ربح)(والربح بالكسر والتحريك والرباح كسحاب: النماء في التجر).
(3)
مجاهد بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي ثقة إمام في =
المفسرين أنه قال فى قوله تعالى {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} : البدع والشبهات (1).
وقال عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59].
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه فى كتاب الرسالة -واللَّه أعلم- إلى ما قال اللَّه والرسول (2).
وقال أبو عبد اللَّه ميمون بن مهران الجزري (3) وهو من فقهاء التابعين في هذه الآية: الرد إلى اللَّه إلى كتابه والرد إلى الرسول إذا قبض إلى سنته (4).
وأخرج الترمذي وصححه وأبو داود وابن ماجه (5)
= التفسير وفي العلم، مات سنة إحدى أو إثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة.
تقريب (ص 328).
(1)
النص في تفسير الطبرى (8/ 88)؛ وفي تفسير مجاهد (ص 227) وزاد فيه (والضلالات).
(2)
الرسالة (ص 80 - 81).
(3)
ميمون بن مهران الجزري أبو يعقوب أصله كوفي نزل الرقة ثقة فقيه ولي الجزيرة لعمر بن عد العزيز، مات سنة سبع عشرة ومائة.
تقريب (ص 354).
(4)
رراه ابن شاهين في السنة (ص 86) رقم 46؛ وابن جرير في تفسيره (5/ 151)؛ وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 187، 190)، والهروي في ذم الكلام ورقة (ص 30)؛ وابن بطة في الإبانة (ص 127)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 144)؛ واللآلكائي رقم (76)، وذكره السيوطي فى مفتاح الجنة عن البيهقي (ص 38) رقم (66)
(5)
ابن ماجة: محمد بن يزيد الربعي بفتح الراء الموحدة القزويني أبو عبد اللَّه بن ماجة بتخفيف الجيم صاحب السنن أحد الأئمة حافظ صنف السنن والتفسير والتاريخ، مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (13/ 277)، وتقريب (ص 324).
وابن حبان (1) في صحيحه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول اللَّه كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: "أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها كالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة"(2).
قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين النووية (3) هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بما وقع في أمته بعده من كثرة الإختلاف في أصول الدين وفروعه وفي الأقوال والأعمال والإعتقادات وهذا موافق لما روى عنه من افتراق أمته على بضع وسبعين فرقة وأنها كلها في النار إلا فرقة واحدة، وهي ما كان على (4) ما هو عليه وأصحابه
(1) ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي الدارمي البستي، محدث حافظ ناقد من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال، له مصنفات كثيرة أشهرها: صحيحه المسمى "الأنواع والتقاسيم" في الحديث وقد قام بترتيبه على الكتب والأبواب الأمير علاء الدين أبو الحسن علي بن بلبان، وقد طبع في سبعة مجلدات، وكتاب الثقات في تراجم الرجال وغيرها، مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
سير أعلام النبلاء (16/ 92).
(2)
رواه أبو داود في السنة (5/ 13) رقم (4607) باب في لزوم السنة؛ والترمذي رقم (2676) في العلم باب في الأخذ بالسنة واجتناب البدع؛ ورواه ابن ماجة في المقدمة رقم (43) باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ والإمام أحمد في المسند (4/ 126 - 127)، والحاكم في المستدرك (1/ 95 - 96)، وابن حبان في صحيحه (1/ 104)؛ وابن أبي عاصم في السنة (ص 31، 54)؛ والدارمي في سننه (1/ 43 - 44)؛ وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي وكذا الألباني في تخريج السنة (1/ 17).
(3)
الأربعون النووية للنووي رحمه الله وقد زاد عليها ابن رجب عشرة أحاديث وشرحها في كتاب سماه "جامع العلوم والحكم شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم" وهو مطبوع.
(4)
في "ظ" وهي ما كان هو عليه.
وكذلك هنا فى الحديث أمر صلى الله عليه وسلم عند الإفتراق والإختلاف بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.
والسنة هي الطريقة المسلوكة كما تقدم فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الإعتقادات والأعمال والأقوال وهذه هي السنة الكاملة. وإن كان كثير من المتأخرين يخص اسم السنة بما يتعلق بالإعتقادات لأنها أصل الدين والمخالف فيها على خطر عظيم (1).
وروى الطبراني فى الكبير بإسناد جيد عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه قالوا: بلى قال: إن هذا القرآن طرفه بيد اللَّه وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا (2) ".
ورواه الطبراني أيضًا والبزار (3) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه وفيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالجحفة فذكره (4).
(1) انظر النص في جامع العلوم والحكم (2/ 281 - 282).
(2)
رواه الطبراني في الكبير (22/ 188) رقم (491)؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 169) رجاله رجال الصحيح.
ووقع فيه ابن شريح وهو خطأ صوابه: أبو شريح.
كما رواه عد بن حميد في المنتخب (1/ 432)؛ وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 481)؛ وابن نصر في قيام الليل (ص 162) قال الألباني في الصحيحة رقم 713 وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
(3)
البزار: أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري البزار أبو بكر حافظ من العلماء بالحديث صاحب المسند الكبير، توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (13/ 554)، والأعلام (1/ 189).
(4)
رواه الطبراني في الكبير (2/ 129) رقم (1539)؛ وفي الصغير (2/ 98)، والبزار كما =
وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد"(1).
ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه باسناد لا بأس به إلا أنه قال: فله أجر شهيد (2).
وفي الصحيحين وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(3).
وفي صحيح مسلم وسنن ابن ماجة وغيرهما من حديث جابر رضي الله عنه قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم. ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب اللَّه، وفي
= في كشف الأستار (1/ 77) رقم (120)؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 169) فيه أبو عبادة الزرقي وهو متروك.
(1)
قال المنذري في الترغيب (1/ 73): رواه البيهقي من رواية الحسن ابن قتيبة.
قلت ورواه الديلمي رقم (6608) وابن عدي في الكامل (2/ 739) من رواية الحسن بن قتيبة؛ وذكره الشيخ ناصر الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (326) وقال: ضعيف جدًا.
(2)
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 173): رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن صالح العدوي ولم أر من ترجمه وبقيه رجاله ثقات. وقال المنذري في الترغيب (1/ 73) اسناده لا بأس به.
(3)
رواه البخاري في الصلح (5/ 355) رقم (2697) باب إذا إصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود؛ ومسلم رقم (1718) في الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة؛ وأبو داود في السنة رقم (4606) باب لزوم السنة وأخرجه ابن ماجة في المقدمة رقم (14) باب تعظيم حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
لفظ أصدق الحديث كتاب اللَّه وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة.
وفي لفظ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (1). وزاد البيهقي (2) وكل ضلالة في النار (3).
وأخرج الإمام أحمد في المسند والبزار والطبراني في معاجمه الثلاثة وبعض أسانيدهم رواته ثقات عن أبي برزة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى"(4).
وأخرج الطبراني بإسناد حسن من حديث أنس (5) رضي الله عنه قال:
(1) الحديث رواه مسلم (2/ 592 - 593) رقم (43 - 45) في الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة؛ والنسائي في العيدين: كيف الخطبة (3/ 153)؛ وابن ماجة في المقدمة (1/ 17) باب اجتناب البدع والجدل؛ والدارمي في المقدمة (1/ 61) مختصرًا، وأحمد في المسند (3/ 310، 371)؛ والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 213 - 214).
(2)
البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي أبو بكر الحافظ الأصولي الفقيه العلامة سمع الحديث وبورك في علمه وصنف التصانيف النافعة منها: السنن الكبرى، طبع في عشرة مجلدات؛ والسنن والآثار؛ والأسماء والصفات، مجلد مطبوع؛ ودلائل النبوة، طبع في سبعة مجلدات وغيرها، توفي سنة ثمان وخمسين وأربع مائة.
سير أعلام النبلاء (18/ 163) وما بعدها، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (4/ 8 - 16).
(3)
هي في رواية النسائى ورواها البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص 185) رقم (202)
(4)
رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 420، 423)؛ ورواه الطبرانى في الكبير وفي الأوسط كما في مجمع الزوائد (1/ 188)، وفي الصغير (1/ 185)، (1/ 309)؛ قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح. وقال المنذري في الترغيب (1/ 82): وبعض أسانيدهم رواته ثقات.
(5)
كتب هنا في هامش "ظ": تأمل قف على هذا الحديث.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته"(1)
ورواه أيضًا ابن ماجة وابن أبي عاصم (2) فى كتاب السنة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أبى اللَّه أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته"(3).
ورواه ابن ماجة أيضًا من حديث حذيفة رضي الله عنه ولفظه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل اللَّه لصاحب بدعة صومًا ولا صلاة ولا صدقة ولا حجًا ولا عمرة ولا جهادًا ولا صرفًا ولا عدلًا يخرج من الإسلام كما يخرج الشعر من العجين"(4).
(1) رواه الطبراني فى الأوسط كما فى مجمع الزوائد (10/ 189)، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقه.
(2)
ابن أبي عاصم: أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني أبو بكر بن أبي عاصم حافظ كبير إمام بارع متبع للآثار كثير التصانيف وكان ثقة نبيلًا معمرًا من مصنفاته: كتاب "السنة" فى أحاديث الصفات، طبع في مجلدين بتخريج الشيخ ناصر الألباني؛ وكتاب الزهد طبع وغيرها، توفي سنة سبع وثمانين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (13/ 430)؛ البداية (11/ 284).
(3)
رواه ابن ماجه في المقدمة (1/ 19) رقم (50)؛ وابن أبي عاصم في السنة (1/ 22) رقم (39).
قال البوصيري في زوائد ابن ماجة (1/ 11): هذا إسناد رجاله كلهم مجهولون، قاله الذهبي في الكاشف، وقال أبو زرعة: لا أعرف أبا زيد ولا المغيرة.
وقال الألباني في تخريج السنة (رقم 39) إسناده ضعيف: بشر وأبو زيد وأبو المغيرة ثلاثتهم مجهولون، كما بينته في الضعيفة (1492).
(4)
رواه ابن ماجة رقم (49)؛ قال الألباني فى الضعيفة رقم (1493) موضوع آفته محمد بن محصن فإنه كذاب، كما قال ابن معين وأبو حاتم؛ وقال الحافظ في التقريب كذبوه؛ وانظر زوائد ابن ماجة (1/ 10).
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "من رغب عن سنتي فليس مني"(1).
وعن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث يومًا: "اعلم يا بلال، قال ما أعلم يا رسول اللَّه؟ قال: إعلم أن من أحيا سنة من سنتي أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي اللَّه ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئًا" رواه الترمذي وابن ماجة كلاهما من طريق كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده.
وقال الترمذي: حديث حسن (2).
وقال الحافظ المنذري (3) وكثير بن عبد اللَّه وإن كان متروك الحديث واهيا فللحديث شواهد (4).
(1) الحديث رواه البخاري في صحيحه في النكاح (9/ 5) باب الترغيب في النكاح، ومسلم رقم (1401) باب استحباب النكاح في حديث طويل، وفيه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"من رغب عن سنتي فليس مني".
(2)
الحديث رواه الترمذي في العلم: باب الأخذ بالسنة واجتناب البدع رقم (2677) وابن ماجة في المقدمة رقم (209 - 210) وقال الترمذي: حديث حسن لكن قال الألباني في تخريج السنة لابن أبي عاصم رقم (42) إسناده ضعيف جدًا، وكذا قال في ضعيف ابن ماجة رقم (37، 210).
(3)
المنذري: عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد اللَّه بن سلامة المنذري الشامي الأصل المصري زكى الدين أبو محمد الشافعي محدث حافظ محقق فقيه، له مصنفات منها: الترغيب والترهيب في الحديث، مطبوع وغيره، مات سنة ستة وخمسين وستمائة هـ.
سير أعلام النبلاء (23/ 319).
(4)
انظر: الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 86).
وروى نحوه أبو داود، والدارمي (1) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا"(2).
وقال سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يهدم الإسلام زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين (3).
وقال رضي الله عنه: إنه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب اللَّه عز وجل (4).
وقال رجل لابن عباس رضي الله عنهما أوصني فقال: عليك بتقوى اللَّه والإستقامة اتبع ولا تبتدع (5).
(1) الدارمي: عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد اللَّه الإمام الحافظ أحد الأعلام وصاحب المسند طبع، بإسم سنن الدارمي مات سنة خمس وخمسين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (12/ 224)؛ وتقريب (ص 180).
(2)
رواه أبو داود في السنة رقم (4609)؛ والدارمي في المقدمة (1/ 107) رقم (519)، ورواه مسلم في العلم رقم (2674) باب من سن سنة حسنة؛ والترمذي في العلم رقم (2674)؛ وابن ماجة في المقدمة رقم (206).
(3)
رواه الدارمي في المقدمة (1/ 63) رقم (220)، والهروي في ذم الكلام كما في صون المنطق (38).
(4)
رواه الآجري في الشريعة (48، 52، 74)، واللآلكائي في السنة رقم (202)، والدارمي في سننه المقدمة (1/ 47) رقم (121)؛ والهروي في ذم الكلام كما في صون المنطق (40).
(5)
رواه الدارمي في سننه المقدمة (1/ 50) رقم (141)؛ والهروي في ذم الكلام كما في المنطق (39).
وقال ابن عباس أيضًا إن أبغض الأمور إلى اللَّه البدع (1).
وفي حديث: "ما من أمة تحدث في دينها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة"(2).
(فالتمسك بالسنة أحب إليَّ من أن أحدث بدعة)(3).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة (4).
والكلام والنصوص في ذلك كثير من أن تحصى في مثل هذا المختصر.
(1) رواه محمد بن نصر المروزي في السنة (24).
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 105)؛ والبزار كما في كشف الأستار (1/ 82) رقم (131)؛ ومن طريقه الطبراني في الكبير (18/ 99) رقم (178) من رواية غضيف بن الحارث ووقع فيه عفيف وهو تصحيف والصواب غضيف بمعجمتين.
ورواه اللآلكائي في السنة رقم (121)؛ والمروزي في السنة (27)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 188) في إسناده أبو بكر بن أبي مريم، وهو منكر الحديث؛ وذكره الألباني في ضعيف الجامع الصغير رقم (4985).
(3)
ما بين القوسين هو من كلام الراوي ضعيف.
وقد وقع في المخطوطتين هكذا: والتمسك بالسنة أحب إلى اللَّه من أن أحدث بدعة.
وما اثبتنا من السنة للمروزي والسنة للآلكائي ولعله الصواب. واللَّه أعلم.
(4)
رواه اللآلكائي في السنة رقم (126)، وابن نصر المروزي في السنة (24).