الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معتمدًا على اللَّه تعالى. ومتوجهًا إليه في الحفظ من الزيغ عن مذهب السلف وفي الإعانة عليه فأقول:
المقدمة المشتملة على الثلاثة مقاصد والخاتمة:
المقصد الأول: في ترجمة الناظم
وذكر مناقبه ومآثره وذكر والده الإمام الحافظ أبي داود صاحب السنن رحمهما اللَّه تعالى ورضي عنهما.
أما أبو بكر فهو (1): الحافظ المتقن العلامة قدوة المحدثين وعمدة المدققين الحافظ
(1) ترجم الشارح لعبد اللَّه هنا لكنه لم يستوعب كل ما يتعلق بترجمته وكنت في بداية بحثي قد كتبت ترجمة موسعة لعبد اللَّه استقصيت فيها كل ما يتعلق بترجمته لكني عدلت عن إثباتها هنا خشية الإطالة وتجنبًا للتكرار وسأكتفي هنا بذكر أهم ما جاء فيها مما يتعلق بعبد اللَّه وبعد ذلك أحيل القارئ الكريم إلى مصادر ترجمة عبد اللَّه إن أراد التفصيل.
أما أهم ما جاء فيها فهو ينحصر في أمرين:
الأول: ما يتعلق بعقيدته.
الثاني: حول ما قيل فيه من الجرح والجواب عن ذلك.
أما ما يتعلق بعقيدته فإنه رحمه الله كان على مذهب السلف من الإيمان باللَّه وبأسمائه وإثبات صفاته على الوجه اللائق باللَّه كما قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
ولعل قصيدته في العقيدة وهي التي شرحها العلامة السفاريني في كتابه هذا خير دليل على ذلك.
فقد جاء عنه أنه قال بعد أن ذكرها:
هذا قولي وقول أبي وقول أحمد بن حنبل رحمه الله وقول من أدركنا من أهل العلم وقول من لم ندرك من أهل العلم ممن بلغنا قوله فمن قال على غير هذا قد كذب (انظر القصيدة 1/ 89) وما بعدها).
وأما ما قيل فيه من الجرح فسأذكر ما قيل فيه ثم أذكر الجواب عنه فأقول: جاء في ترجمته أنه تكلم فيه أبوه فقال: ابني عبد اللَّه كذاب، وكذا قال إبراهيم بن أورمة الأصبهاني وكان =
أبو بكر عبد اللَّه بن الحافظ الكبير الإمام سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب التصانيف المفيدة والفوائد المجيدة، والعوائد العديدة.
= ابن صاعد يقول كفانا ما قاله أبوه فيه.
الكامل لابن عدي (4/ 1577).
وقال أبو القاسم البغوي -وقد كتب إليه عبد اللَّه يسأله عن لفظ حديث-. . أنت عندي واللَّه منسلخ من العلم.
سير أعلام النبلاء (13/ 228).
وكذا قال ابن جرير: حينما أخبر أن ابن أبي داود يقرأ على الناس فضائل علي رضي الله عنه فقال: تكبيرة حارس، يعني أنه قاله خوفا
وقال ابن عدي: كان في الإبتداء نسب إلى شيء من النصب فنفاه ابن الفرات من بغداد فرده علي بن عيسى الوزير فحدث وأظهر فضائل علي رضي الله عنه ثم تحنبل فصار شيخًا فيهم.
الكامل (4/ 1577).
هذا ملخص الكلام حول عبد اللَّه وفي الجواب عنه نقول:
أما تهمة النصب وبغض علي رضي الله عنه فلم يثبت عنه شيء في ذلك بل ثبت عنه أنه قال: "كل من بيني وبينه شيء ويذكرني بشيء فهو في حل إلا من رماني ببغض علي بن أبي طالب، وكذا قال الذهبي رحمه الله: لم يثبت عنه شيء في ذلك.
سير أعلام النبلاء (13/ 229).
أما جرح أبيه فيه فقال: الذهبي: "لعل قول أبيه فيه -إن صح- أراد الكذب في لهجته لا في الحديث. فإنه حجة فيما ينقله، أو كان يكذب ويوري في كلامه، ومن زعم أنه لا يكذب أبدا فهو أرعن نسأل اللَّه السلامة من عثرة الشباب، ثم إنه شاخ وارعوى ولزم الصدق والتقى.
سير أعلام النبلاء (13/ 231).
وقال أيضا في تذكرة الحفاظ: "أما قول أبيه فالظاهر أنه -إن صح- عنه فقد عنى أنه كذاب في كلامه لا في الحديث النبوي وكأنه قال هذا وعبد اللَّه شاب طري ثم كبر وساد"
تذكرة الحفاظ (2/ 772). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال ابن عدي: "وأبو بكر بن أبي داود لولا شرطنا أول الكتاب أن كل من تكلم عنه متكلم ذكرته في كتابي وإلا لما ذكرته. . إلى أن قال: وهو معروف بالطلب وعامة ما كتب مع أبيه وهو مقبول عند أصحاب الحديث، وأما كلام أبيه فما أدري أيش تبين له منه". الكامل (4/ 1577).
قلت: لعل الخلاف الذي وقع بين أبي داود وابنه بسبب طلبه القضاء مما دعاه إلى أن يقول ذلك فقد ورد عنه أنه قال: "من البلاء أن عبد اللَّه يطلب القضاء".
سير أعلام النبلاء (13/ 228).
وعلق عليه السيوطي بقوله: "هذا ليس بكلام بل تواضع".
طبقات الحفاظ (ص 326).
أما كلام ابن صاعد وابن جرير وغيرهما فلا يقبل فيه فإن هؤلاء كان بينهم وبينه عداوة وهم من الأقران لا يقبل جرح بعضهم في بعض وقد كذب ابن أبي داود أيضًا ابن صاعد كما وارد عنه.
لذا قال الذهبي: لا ينبغي سماع قول ابن صاعد فيه كما لا نعتد بتكذيبه لابن صاعد فقف في كلام الأقران بعضهم في بعض.
تذكرة الحفاظ (2/ 772).
وقد تقدم قول ابن عدي أنه لم يذكره في كتابه إلا لوجود الكلام حوله وقد اشترط ذلك على نفسه وإلا لما ذكره.
وكذا قال الذهبي في الميزان: "إنما ذكرته لأنزهه".
الميزان (2/ 436).
وبهذا يتبين أن عبد اللَّه من كبار الأئمة الحفاظ ومن أهل الصدق والأمانة، وإن صح عنه شيء أيام شبيبته فهذا لا يضره، فقد كبر وساد وفاق الأقران. واللَّه أعلم.
وهذه مصادر ترجمة عبد اللَّه:
الكامل لابن عدي (4/ 1577)؛ وأخبار أصبهان لأبي نعيم (2/ 66 - 67)؛ وتاريخ بغداد (9/ 464 - 468)؛ وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلي (2/ 51 - 55)؛ والأنساب (7/ 85)؛ وتاريخ دمشق لابن عساكر الجزء الرابع والثلاثين المطبوع من حرف العين (ص 73 - 86)؛ وفي المنتظم لابن الجوزي (6/ 218 - 219)؛ وفي وفيات الأعيان لابن خلكان =
رحل أبو بكر وسمع وبرع وساد الأقران رحل به أبوه من سجستان فطوف به شرقًا وغربًا، وأسمعه من علماء ذلك الوقت، فسمع بخراسان، والجبال (1) وأصبهان، وفارس والبصرة، وبغداد والكوفة، والمدينة ومكة والشام ومصر، والجزيرة، والثغور (2) واستوطن بغداد، وصنف المسند، والسنن، والتفسير، والقراءات والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك (3).
وكان فهمًا عالمًا حافظًا.
= (2/ 405) ضمن ترجمة أبيه، وفي تذكرة الحفاظ (2/ 767 - 768)؛ في سير أعلام النبلاء (13/ 221 - 237)؛ وفي الطبقات الكبرى للسبكي (3/ 307)؛ وفي غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (1/ 420) وفي طبقات المفسرين (1/ 236)؛ وفي المنهج الأحمد للعليمي (2/ 15)؛ وفي طبقات الحفاظ للسيوطي (ص 322)؛ وفي شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (2/ 273)؛ وفي مختصر طبقات الحنابلة لمحمد جميل الشطي (ص 28 - 30).
وقد ترجم له الشيخ عبد الغفور عبد الحق في مقدمتة لكتاب "مسند عائشة رضي الله عنها" ترجمة وافية.
(1)
الجبال: قال ياقوت في معجمه: الجبال جمع جبل: اسم علم للبلاد المعروفة اليوم باصطلاح العجم بالعراق وهي ما بين أصبهان إلى زنجان وقزوين وهمذان والدينور وقرمين والري وما بين ذلك من البلاد الجليلة والكور العظيمة وتسمية المعجم له بالعراق لا أعرف سببه وهو اصطلاح محدث لا يعرف في القديم. . . ".
معجم البلدان (2/ 99).
(2)
الثغور: جمع ثغر قال ياقوت وهو بالفتح ثم السكون وراء كل موضع قريب من أرض العدو يسمى ثغرا كأنه مأخوذ من الثغرة وهي الفرجة في الحائط وهو في مواضع كثيرة، ثم ذكر ثغورًا كثيرة منها ثغر الشام وثغر الإسكندرية وغيرها.
معجم البلدان (2/ 99).
(3)
انظر: تاريخ بغداد (9/ 464).
وحدث عن علي بن خشرم (1) المروزي، وأبي داود بن معبد السنجي (2) وسلمة بن شبيب (3) ومحمد بن يحيى الذهلي (4) وأحمد بن الأزهر (5) النيسابوري، وإسحق بن منصور الكوسج (6) ومحمد بن بشار (7) بندار، ومحمد بن المثنى (8) وعمرو بن علي (9) ونصر بن
(1) علي بن خشرم المروزي ثقة، مات سنة سبع وخمسين ومائتين.
تقريب (ص 245).
(2)
سليمان بن معبد السنجي بكسر المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم، ثقة صاحب حديث رحال أديب، مات سنة سبع وخمسين ومائتين.
تقريب (ص 136).
(3)
سلمة بن شبيب النسائي نزيل مكة حافظ ثقة، مات سنة سبع وأربعين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (12/ 256).
(4)
محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري عالم أهل المشرق، إمام أهل الحديث بخراسان أبو عبد اللَّه، ثقة مأمون، قال أبو بكر بن أبي داود محمد بن يحيى أمير المؤمنين في الحديث، مات سنة 258.
سير أعلام النبلاء (12/ 273).
(5)
أحمد بن الأزهر بن منيع النيسابوري أبو الأزهر، محدث خراسان في وقته، ثقة حافظ وهو من رجال السنن، روى عنه النسائي وابن ماجة، مات سنة ثلاث وستين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (12/ 363).
(6)
اسحاق بن منصور الكوسج المروزي، نزيل نيسابور أبو يعقوب، ثقة ثبت، أحد الأئمة من أصحاب الحديث والفقه، مات سنة 251 هـ.
سير أعلام النبلاء (12/ 258)؛ وتهذيب الكمال (2/ 474).
(7)
محمد بن بشار بن عثمان البصري، الإمام الحافظ الفقيه راوية الإسلام، لقبه بندار لأنه كان بندار الحديث في عصره بلده والبندار الحافظ، مات 252 هـ.
سير أعلام النبلاء (12/ 144).
(8)
محمد بن المثني بن عبيد العنزي بفتح النون والزاي أبو موسى البصري المعروف بالزمن ثقة ثبت كان هو وبندار فرسا رهان وماتا في سنة واحدة وهي سنة 251.
تقريب التهذيب (ص 317).
(9)
عمرو بن علي الفلاس البصري الحافظ الإمام أبو حفص الباهلي أحد الأعلام، مات =
علي (1) البصريين، وإسحاق بن إبراهيم النهشلي (2) وزياد بن أيوب (3) ومحمد ابن عبد اللَّه المخرمي (4) ويعقوب الدورقي (5) ويوسف بن موسى القطان (6) ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة (7) وخلق كثير من أمثالهم (8).
= 249 هـ.
سير أعلام النبلاء (11/ 470).
(1)
نصر بن علي بن نصر الجهضمي الأزي أبو عمرو البصري الحافظ العلامة، الثقة، مات سنة 250.
سير أعلام النبلاء (12/ 133).
تنبيه: جاء في المخطوطتين كذا:
عمرو بن علي بن نصر والتصويب من تاريخ بغداد وغيره من مصادر ترجمة عبد اللَّه.
(2)
إسحاق بن إبراهيم النهشلي المعروف بشاذان الفارسي صدوق، مات ستة سبع وستين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (12/ 382).
(3)
زياد بن أيوب بن زياد الطوسي ثم البغدادي الإمام المتقن الحافظ يقال له شعبة الصغير، توفي سنة 252.
سير أعلام النبلاء (12/ 120)، والتقريب (ص 109).
(4)
محمد بن عبد اللَّه بن المبارك المخرمي أبو جعفر القرشي، ثقة حافظ مات سنة 360 هـ أو قبلها.
تقريب (ص 206).
(5)
يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي الحافظ الإمام الحجة أبو يوسف العبدي كان ثقة حافظًا، صنف السند، مات سنة 252.
سير أعلام النبلاء (12/ 141).
(6)
يوسف بن موسى القطان أبو يعقوب نزيل الري ثم بغداد، صدوق، مات سنة 253.
تقريب (ص 308).
(7)
محمد بن عبد الرحيم بن أبي زهير البغدادي البزاز أبو يحيى المعروف بصاعقة، ثقة حافظ، مات سنة خمس وخمسين ومائتين.
تقريب (ص 308).
(8)
انظر: تاريخ بغداد (9/ 464 - 465).
وروى عنه أبو بكر بن مجاهد القراء (1) وعبد الباقي بن قانع (2) ودعلج (3) وأبو بكر الشافعي (4) ومحمد بن المظرف الوراق (5) والدارقطني (6) وأبو حفص بن شاهين (7) وأبو القاسم (8) بن حبابه،
(1) أبو بكر بن مجاهد: اسمه أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي المقرئ شيخ العراق في وقته، كان حافظًا دينًا خيرًا، توفى سنة 324 هـ.
غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 139).
(2)
عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق الأموي مولاهم أبو الحسين البغدادي صاحب كتاب معجم الصحابة كان حافظًا صدوقًا، مات سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.
سير أعلام النبلاء (15/ 526).
(3)
دعلج بن أحمد بن دعلج أبو إسحاق السجزي، محدث ثقة فقيه ثبت، مات سنة 351 هـ.
تذكرة الحفاظ (3/ 881).
(4)
أبو بكر الشافعي: هو محمد بن عبد اللَّه بن إبراهيم الإمام الحجة كان ثقة ثبتًا، صاحب تصانيف، مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة.
تذكرة الحفاظ (3/ 880).
(5)
محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى أبو محمد البغدادي أبو الحسين كان محدثًا حافظًا، صادقًا مكثرًا، مات سنة 377 هـ.
تاريخ بغداد (3/ 262)؛ وسير أعلام النبلاء (16/ 418).
(6)
علي بن عمر بن أحمد أبو الحسن الدارقطني، أحد الأعلام الثقات، الحافظ الشهير صاحب السنن وغيره من المؤلفات مات سنة 385 هـ.
تذكرة الحفاظ (3/ 991).
(7)
أبو حفص بن شاهين: عمر بن أحمد بن شاهين أبو حفص الإمام المفيد والمكثر محدث العراق، صاحب التصانيف الكثيرة، مات سنة 385.
تذكرة الحفاظ (3/ 987).
(8)
أبو القاسم بن حبابة: عبيد اللَّه بن محمد بن إسحاق بن سليمان ابن حبابة بالتخفيف البغدادي، محدث ثقة، مات سنة تسع وثمانين وثلاثمائة.
تاريخ بغداد (10/ 377)، سير أعلام النبلاء (16/ 548).
والمخلص (1) وأبو عبد اللَّه ابن بطة (2) وعيسى بن علي الوزير (3).
وكان عيسى يشير إلى موضع في داره ويقول: حدثنا أبو القاسم البغوي (4) في ذلك الموضع، وحدثنا يحيى بن صاعد (5) في ذلك.
وثنا (6) أبو بكر بن مجاهد في ذلك الموضع وذكر غير هؤلاء، فيقال ألا نراك تذكر أبا بكر بن أبي داود فيقول: ليته إذا مضينا إلى داره كان يأذن لنا في الدخول عليه والقراءة عليه (7).
ونصب لأبي بكر بن أبي داود السلطان المنبر فحدث عليه لفضله ومعرفته (8)
(1) محمد بن عبد الرحمن أبو طاهر الخلص كان ثقة صالحا، مات سنة 393.
تاريخ بغداد (2/ 222).
(2)
أبو عبد اللَّه بن بطة: عبيد اللَّه بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي ابن بطة مصنف كتاب الإبانة الكبرى، كان محدثًا فقيهًا عابدًا، مات سنة 387 هـ.
سير أعلام النبلاء (16/ 529).
(3)
عيسى بن علي الوزير مسند بغداد صاحب الأمالي، كان ثبت السماع صحيح الكتاب، مات سنة 391 هـ.
تذكرة الحفاظ (3/ 1023).
(4)
أبو القاسم البغوي: عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز أبو القاسم البغوي الأصل البغدادي الدار والولد، محدث حافظ، ثقة مات سنة 317 هـ.
سير أعلام النبلاء (14/ 440).
(5)
يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب محدث حافظ مجود رحال، توفى سنة 318 هـ.
سير أعلام النبلاء (14/ 501).
(6)
كذا في المخطوطتين وهي اختصار لكلمة حدثنا.
(7)
انظر: النص في طبقات الحنابلة (2/ 51 - 52).
(8)
طبقات الحنابلة (2/ 52).
وقال الأزهري (1) سمعت أحمد بن إبراهيم بن شاذان (2) يقول: خرج أبو بكر بن أبي داود إلى سجستان في أيام عمرو (3) بن الليث فاجتمع إليه أصحاب الحديث وسألوه أن يحدثهم فأبى وقال: ليس معي كتاب، فقيل له ابن أبي داود وكتاب؟ قال أبو بكر فأثاروني فأمليت عليهم ثلاثين ألف حديث من حفظي، فلما قدمت بغداد قال البغداديون مضى ابن أبي داود إلى سجستان ولعب بالناس ثم جهزوا فيجًا (4) اكتروه إلى سجستان ليكتب لهم النسخة فكتبت وجئ بها إلى بغداد، وعرضت على الحفاظ فخطئوني في ستة أحاديث، منها ثلاثة حدثت بها كما حدثت وثلاثة أحاديث أخطأت فها (5).
قال ابن شاهين (6) سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول:
دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مدًا باقلا فكنت آكل منه
(1) الأزهري: عبيد اللَّه بن أحمد بن عثمان الأزهري البغدادي الصيرفي أبو القاسم محدث مقري صدوق، مات سنة 435.
تاريخ بغداد (10/ 385)؛ وسير أعلام النبلاء (17/ 578).
(2)
أحمد بن إبراهيم بن الحسين بن شاذان البزاز البغدادي أبو بكر محدث ثقة، مات سنة 383 هـ.
تاريخ بغداد (4/ 18)؛ وتذكرة الحفاظ (3/ 1017).
(3)
في المخطوطتين عمر بن الليث بدون واو والتصويب من مصادر ترجمته فهو عمرو بن الليث الصفار ثاني أمراء الدولة الصفارية توفى سنة 289.
انظر الأعلام للزركلي (5/ 84).
(4)
الفيج: الجماعة من الناس، والفيج المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد.
النهاية (3/ 447، 483).
(5)
انظر النص في تاريخ بغداد (9/ 466).
(6)
تقدم (1/ 104).
مدًا واكتب عن أبي سعيد (1) الأشج ألف حديث، فلما كان الشهر، حصل معي ثلاثون ألف حديث.
وقال ابن شاهين -أيضًا- وكان يملي من حفظه ولقد قرأ علينا يومًا حديث الفتون (2) من حفظة فقال له أبو تمام الزينبي ما رأيت مثلك إلا أن يكون إبراهيم (3) الحربي فقال كلما كان إبراهيم الحربي يحفظه فأنا أحفظه (4).
وقال (5) أبو محمد الخلال (6): "كان أبو بكر بن أبي داود إمام العراق وكان في وقته مشايخ أسند منه -أي أعلا سندًا منه- ولم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ (7).
(1) أبو سعيد الأشج: عبد اللَّه بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي أبو سعيد الأشج محدث حافظ مفسر ثقة، مات سنة سبع وخمسين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (12/ 182)؛ وتقريب (ص 175).
(2)
في النسختين: القنوت وما أثبته من مصادر تخريج الحديث، وهو حديث طويل جدًا رواه النسائي في تفسيره (5/ 10)؛ وابن جرير في تفسيره (16/ 164)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 10) كلهم موقوفا على ابن عباس عند تفسير قوله تعالى {وَفَتَنَّاكَ فُتُوْنَا} [طه: 40].
(3)
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي البغدادي أبو إسحاق محدث حافظ علامه صاحب تصانيف، توفى سنة 285 هـ.
سير أعلام النبلاء (13/ 256).
(4)
انظر سير أعلام النبلاء (13/ 225).
(5)
في "ظ": فقال.
(6)
الخلال: الحسن بن أبي طالب محمد بن الحسن بن علي البغدادي أبو محمد الخلال محدث حافظ مصنف، سنة 439 هـ.
سير أعلام النبلاء (17/ 593).
(7)
انظر النص في سير أعلام النبلاء (13/ 224).
وقال الخطيب (1): طاف شرفًا وغربًا استوطن بغداد وصنف المسند والسنن وغيرهما، وكان فقيهًا عالمًا حافظًا (2)، وكان قوي النفس لا يذل نفسه أراد علي بن عيسي (3) الوزير أن يصالح بينه وبين ابن صاعد (4) فجمعهما فقال: يا أبا بكر أبو محمد أكبر منك فلو قمت إليه قال لا أفعل، فقال الوزير أنت شيخ زيف، قال الشيخ الزيف الكذاب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال الوزير: من الكذاب؟ قال: هذا، ثم قام وقال: تتوهم أني أذل لك لأجل رزقي وإنه يصل على يدك، واللَّه لا أخذت من يدك شيئا.
قال: فكان الخليفة المقتدر (5) يزن رزقه بيده ويبعث إليه في طبق على يد الخادم (6).
(1) الخطيب: أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد أبو بكر البغدادي من كبار العلماء بالحديث والفقه له مصنفات كثيرة منها تاريخ بغداد، وشرف أصحاب الحديث، والكفاية في علم الرواية وغيرها، توفي سنة 463 هـ.
سير أعلام النبلاء (18/ 270).
(2)
تاريخ بغداد (9/ 464).
(3)
علي بن عيسى بن لاود بن الجراح أبو الحسن وزير المقتدر باللَّه والقاهر باللَّه كان صدوقًا دينًا فاضلًا عفيفًا في ولايته محمودًا في وزارته، توفي سنة 334 هـ.
تاريخ بغداد (11/ 14).
(4)
تقدم (1/ 105).
(5)
المقتدر: جعفر بن المعتضد باللَّه أحمد بن أبي أحمد طلحة ابن المتوكل على اللَّه الهاشمي البغدادي الخليفة العباسي أبو الفضل مات سنة 320.
سير أعلام النبلاء (15/ 43).
(6)
انظر: النص في سير أعلام النبلاء (13/ 226).
وعن أبي بكر بن أبي داود رضي الله عنهما قال: قلت لأبي زرعة (1) ألق عليّ حديثًا غريبًا من حديث مالك (2) فألقى علي حديث وهب بن كيسان (3)"لا تحصي فيحصى عليك"(4) رواه عبد الرحمن (5) بن شيبة وهو ضعيف، فقلت له يجب أن تكتبه عني عن أحمد بن صالح (6) عن عبد اللَّه بن نافع (7) عن مالك، فغضب وشكاني إلى أبي وقال: انظر ما يقول لي أبو بكر (8).
(1) أبو زرعة: عبيد اللَّه بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ أبو زرعة الرازي إمام حافظ ثقة مشهور، مات سنة 264.
تقريب (ص 226).
(2)
مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي أبو عبد اللَّه المدني الفقيه، إمام دار الهجرة وشيخ الإسلام، إمام من أئمة العلماء وأعلامهم، توفى سنة 127 هـ.
سير أعلام النبلاء (8/ 23).
(3)
وهب بن كيسان القرشي مولاهم أبو نعيم، المدني المعلم، ثقة، مات سنة 127 هـ.
تقريبي (ص 372).
(4)
الحديث صحيح من طريق هشام بن عروه عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أخرجه البخاري في الزكاة باب الحث على الصدقة. فتح الباري (3/ 351)؛ ومسلم في الزكاة باب الحث على الإنفاق وكراهية الإحصاء (2/ 713) رقم (1029).
(5)
عبد الرحمن بن شيبة: اسمه عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة، نسب إلى جده أبو بكر الجزائري المدني مختلف في توثيقه، مات في حدود العشرين ومائتين.
ميزان الإعتدال (2/ 578).
(6)
أحمد بن صالح المصري المعروف بابن الطبري أبو جعفر، إمام محدث، ثقة حافظ، توفي سنة 248.
سير أعلام النبلاء (12/ 160).
(7)
عبد اللَّه بن نافع بن أبي نافع الصائغ المخزومي مولاهم أبو محمد المدني ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، مات سنة ست ومائتين وقيل بعدها.
تهذيب التهذيب (6/ 51)، وتقريب التهذيب (ص 1091).
(8)
انظر: النص في سير أعلام النبلاء (13/ 226).
وكان أحمد بن صالح يمنع المرد من مجلسه فأحب أو (1) داود أن يسمع من أبنه فشد لحيته على وجهه وسمع، فعرف وقال: أمثلي يعمل معه هذا، فقال لا تنكر عليّ هذا واجمع إبني مع الكبار فإن لم يقاومهم بالمعرفة فاحرمه السماع (2).
وذكره ابن عدي (3) فقال: تكلم فيه أبوه وابن صاعد (4) فأما أبوه فقال: من البلاء أنّ عبد اللَّه يطلب للقضاء (5).
قال الحافظ السيوطي (6) في طبقات الحفاظ:
"هذا ليس بكلام بل قاله على سبيل التواضع، وأما ابن صاعد فعدوه فلا يعتد
(1) في "أ" فأحب ابن أبي داود، وقد صححت في "ظ".
(2)
قال الذهبي: اسناد هذه الحكاية منقطع.
سير أعلام النبلاء (13/ 226 - 227).
(3)
ابن عدي: عبد اللَّه بن عدي بن عبد اللَّه بن محمد الجرجاني أبو أحمد محدث حافظ، ناقد صاحب كتاب الكامل في الجرح والتعديل، طبع في سبعة مجلدات، مات سنة 365 هـ.
سير أعلام النبلاء (16/ 154).
(4)
ابن صاعد تقدم (1/ 105).
(5)
كما في المخطوطتين وفي طبقات الحفاظ للسيوطي (ص 324) يطلب للقضاء، والذي في الكامل لابن عدي (4/ 1578)؛ وفي تذكرة الحفاظ (2/ 772)؛ وكذلك في تاريخ دمشق 34/ 82 بطلب القضاء.
(6)
السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري الأسيوطي جلال الدين، محدث حافظ مؤرخ أديب بارع في عدد من العلوم له نحو 600 مصنفا منها الكتاب الكبير والرسالة الصغيرة. وقد ترجم لنفسه في كتابه حسن المحاضرة (1/ 325)، توفي سنة 911 هـ.
الأعلام (3/ 301).
بكلامه فيه كما لا يعتد بكلام ابن أبي داود في ابن صاعد (1).
وقال ابن خلكان (2) في وفيات الأعيان: "كان أبو بكر عبد اللَّه بن أبي داود من أكابر الحفاظ ببغداد عالمًا متفقًا عليه إمامًا وله كتاب "المصابيح" وشارك أباه في شيوخه بمصر والشام وسمع ببغداد وخراسان وأصبهان وشيراز وغيرها. انتهى (3).
وأبو بكر هذا وأبوه الإمام صاحب السنن من أئمة علماء مذهبنا، وأبوه أحد نقلة مذهب الإمام أحمد (4) وعدهما علماؤنا وغيرهم من جملة علماء المذهب.
مولد الإمام الحافظ أبي بكر بن أبي داود سنة ثلاثين ومائتين، قال وأول ما كتبت سنة إحدى وأربعين عن محمد بن أسلم الطوسي (5) وكان بطوس (6) وكان
(1) انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي (ص 324). وانظر ما كتبته حول ما قيل في عبد اللَّه (1/ 98) وما بعدها.
(2)
ابن خلكان: أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان الأربلي الشافعي شمس الدين أبو العباس مؤرخ أديب شاعر من تصانيفه وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان مطبوع، توفى سنة 681 هـ.
الوافي بالوفيات (7/ 308)؛ ومعجم المؤلفين (2/ 59).
(3)
وفيات الأعيان (2/ 405).
(4)
أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي البغدادي أبو عبد اللَّه أحد الأئمة الأعلام، ثقة فقيه حافظ حجة، مات سنة 241 هـ.
سير أعلام النبلاء (11/ 177)؛ وتقريب (ص 16).
(5)
محمد بن أسلم بن سالم بن يزيد أبو الحسن الكندي مولاهم الخراساني الطوسي محدث حافظ ثقة، مات سنة 242 هـ.
سير أعلام النبلاء (12/ 195).
(6)
طوس: مدينة خراسان بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ.
معجم البلدان (4/ 49).
رجلًا صالحًا وسر بي أبي لما كتبت عنه وقال لي أول ما كتبت كتبت عن رجل صالح (1).
قال أبو بكر: ورأيت جنازة إسحاق (2) بن راهوية، ومات إسحاق سنة ثلاث وأربعين ومائتين وكنت مع ابنه في الكتاب (3).
وتوفى أبو بكر عبد اللَّه بن أبي داود رضي الله عنهما وهو ابن ست وثمانين سنة وست أشهر وأيام وصلى عليه مطلب الهاشمي (4) ثم أبو عمر حمزة بن القاسم الهاشمي (5) وقيل إنه صلى عليه ثمانين مرة (6) حتى أنفذ الخديفة المقتدر باللَّه جماعة
(1) النص في تاريخ بغداد (9/ 465).
(2)
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي أبو محمد بن راهوية المروزي، ثقة حافظ مجتهد، قرين أحمد بن حنبل، مات سنة 238 هـ.
تقريب (ص 27).
(3)
طبقات الحنابلة (2/ 54).
(4)
مطلب ين إبراهيم بن عبد العزيز أبو هاشم الهاشمي كان إمام وخطيب جامع المهدي وهو جامع الرصافة ببغداد، توفى سنة 322 هـ.
تاريخ بغداد (13/ 271).
(5)
حمزة بن القاسم بن عبد العزيز أبو عمر الهاشمي كان يتولى الصلاة بالناس في جامع المنصور، ثم تولى إمامة جامع الرصافة، توفى سنة 335 هـ.
تاريخ بغداد (8/ 181).
(6)
الصلاة على أبي بكر أكثر من مرة فيها احتمالان: الاحتمال الأول أن هذا التكرار هو من عدة أئمة وجماعات متعددة جاءوا في أوقات مختلفة وذلك لكثرة المصلين عليه وعدم تمكنهم من المجيء في وقت واحد، ولذلك أبقي فى مكانه حتى يتمكن أكبر عدد ممكن من الصلاة عليه. ويؤيد هذا أن النص جاء في طبقات الحنابلة، وفي المنهج الأحمد هكذا:(وقيل صلى عليه ثمانون مرة) والصلاة على هذه الصفة جائزة فى قول كثير من أهل العلم عنهم الإمام أحمد وغيره. =
فخلصوا جنازته، ودفنوه يوم الأحد لاثنتي عشرة بقيت من ذى الحجة سنة ست عشرة وثلاثمائة في مقبرة باب البستان في بغداد وقيل صلى عليه زهاء ثلاثمائة ألف إنسان وأكثر، وأخرج بعد صلاة الغداة ودفن بعد صلاة الظهر وخلف ثمانية أولاد أبو داود محمد، وأبو عمر عبيد اللَّه، وأبو أحمد عبد الأعلى وخمس بنات رحمهم اللَّه تعالى (1).
وأما والده أبو داود (2) فهو: سليمان بن الأشعث بن إسحق بن بشير بن شداد بن عمر بن عمران الأزدي، الإمام المتقن أبو داود السجستاني حافظ زمانه وإمام عصره وأوانه، وهو ممن رحل وجمع وصنف، وكتب عن العراقيين والخراسانيين
= قال ابن قدامة فى المغني عند كلامه على مسألة: الرجل تفوته الصلاة على الجنازة قال: "وجملة ذلك أن من فاتته الصلاة على الجنازة فله أن يصلى عليها ما لم تدفن فإن دفنت فله أن يصلى على القبر إلى شهر.
هذا قول أكثر أهل الحلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. . . ثم ساق الأدلة على ذلك ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا مات فقال: دلوني على قبره فأتى قبره فصلى عليه متفق عليه" انتهى.
الإحتمال الثاني: تكرر الصلاة عليه من إمام واحد وجماعة واحدة ومن رجل واحد والصلاة على هذه الصفة فيها خلاف ين العلماء فمنعها الحنابلة وعند الشافعية فيها وجهان:
الأول: الاستحباب.
الثاني: المنع.
للتفصيل راجع: المغني لابن قدامة (2/ 391)؛ والمجموع للنووي (5/ 244) وما بعدها.
(1)
انظر: طبقات الحنابلة (2/ 54 - 55).
(2)
ترجمة أبي داود فى المصادر الآتية: تاريخ بغداد (9/ 55 - 56)، وطبقات الحنابلة (1/ 159 - 162)؛ والمنتظم (5/ 97 - 98)، ووفيات الأعيان (2/ 404)، وتذكرة الحفاظ (2/ 591 - 593)، وسير أعلام النبلاء (13/ 203)؛ والبداية والنهاية (11/ 54 - 56)؛ وتهذيب الكمال (11/ 355)، وطبقات الحفاظ (ص 261)؛ ومختصر تاريخ دمشق (10/ 109) وغيرها.
والشاميين والمصريين، سمع سيدنا الإمام أحمد (1) ومسلم (2) بن إبراهيم وسليمان (3) بن حرب، وأبا عمر الحوضي (4) وأبا الوليد الطيالسي (5) وخلقًا سواهم.
روي عنه ابنه عبد اللَّه المتقدم ذكره (6) وأبو عبد الرحمن النسائي (7) وأبو بكر النجاد (8) وأبو الحسين بن المنادي (9) وأبو بكر
(1) الإمام أحمد تقدم (1/ 111).
(2)
فى النسختين: سليمان بن إبراهيم والتصويب من تاريخ بغداد وغيره من مصادر ترجمة أبي داود.
وهو مسلم بن إبراهم الأزدي الفراهيدى أبو عمرو البصري، ثقة مأمون مكثر عمي بآخره، مات سنة 222 هـ، وهو أكبر شيخ لأبي داود.
تقريب (ص 335).
(3)
سليمان بن حرب الأزدي البصري القاصي بمكة، ثقة إمام حافظ توفى سنة 224 هـ.
تقريب (ص 133).
(4)
حفص بن عمر بن الحارت الحوضي أبو عمر الأزدي البصري، محدث ثقة حافظ، مات سنة 225 هـ.
سير أعلام النبلاء (10/ 354)؛ وتقريب (ص 78).
(5)
أبو الوليد الطيالسي: هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم أبو الوليد الطيالسي البصري، ثقة ثبت، مات سنة سبع وعشرين ومائتين هـ.
تقريب (ص 364).
(6)
انظر (1/ 98).
(7)
أحمد بن شعيب بن علي بن سنان أبو عبد الرحمن النسائي صاحب السنن، إمام محدث حافظ ثبت، مات سنة 302 هـ.
سير أعلام النبلاء (14/ 125)؛ وتهذيب الكمال (1/ 328).
(8)
أبو بكر النجاد: أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس المعروف بالنجاد أبو بكر محدث فقيه صدوق، مات سنة 348.
تاربخ بغداد (4/ 189)؛ وسير أعلام النبلاء (15/ 503).
(9)
أحمد بن جعفر بن محمد بن عبد اللَّه بن أبي داود بن المنادي أبو الحسين البغدادي، =
الخلال (1) وأبو بكر ابن داود الأصبهاني (2).
وسمع منه سيدنا الإمام أحمد حديثًا واحدا (3) من في رواية الأكابر عن الأصاغر (4).
= محدث حافظ مقرئ صاحب تصانيف، مات سنة 326.
سير أعلام النبلاء (15/ 361).
(1)
أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي المشهور بالخلال أبو بكر محدث فقيه حافظ، مات سنة 311 هـ.
سير أعلام النبلاء (14/ 297).
(2)
أبو بكر بن داود: محمد بن داود بن علي الظاهري، عالم أديب فقيه، وهو مؤلف كتاب الزهرة في الأدب والشعر، مات سنة 297 هـ.
سير أعلام النبلاء (13/ 109).
(3)
الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي داود هو كما ذكره الخطيب بسنده عن عبد اللَّه بن سليمان عن أبيه. . بسنده إلى أبي العشرا الدارمي عن أبيه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة فحسنها، قال ابن أبي داود قال أبي فذكرته لأحمد ابن حنبل فاستحسنه وقال: هذا حديث غريب، وقال لي: اقعد فدخل فأخرج محبرة وقلما وورقة وقال أمله علي فكتبه عني، ثم شهدته يومًا آخر وجاءه أبو جعفر بن أبي سمينة فقال له أحمد ابن حنبل يا أبا جعفر عند أبي داود حديث غريب أكتبه عنه فسألني فأمليته عليه.
تاريخ بغداد (9/ 57 - 58).
ومعنى العتيرة في الحديث: شاة كان العرب في الجاهلية يذبحونها في العشر الأول من شهر رجب لأصنامهم وتسمى الرجبية وقد كانت تفعل في صدر الإسلام ثم نهى عنها.
راجع المغني لابن قدامة (11/ 125 - 126)؛ ومختصر سنن أبي داود للمنذري (4/ 92، 122)؛ والنهاية في غريب الحديث (3/ 178).
(4)
رواية الأكابر عن الأصاغر: أن يروي الكبير القدر أو السن أو هما عمن دونه في كل منهما أو فيهما.
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث (ص 195).
سكن أبو داود الإمام البصرة وقدم بغداد غير مرة، وروى كتابه المصنف في السنن بها ونقله عنه أهلها، ويقال إنه صنفه قديمًا وعرضه على سيدنا الإمام أحمد فاستجاده (1) واستحسنه.
وهو أحد الكتب الستة.
قال أبو داود رحمه اللَّه تعالى: قلت لأبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل رضي الله عنه أرى رجلا من أهل السنة مع رجل من أهل البدع أترك كلامه؟ قال: لا، أولًا تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة فإن ترك كلامه فكلمه وإلا فالحقه به (2).
وسألته عن ملك يوم الدين أو مالك يوم الدين أنهما أحب إليك، قال: مالك أكثر ما جاء في الحديث (3).
قال أبو داود رضي الله عنه: "كنت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمته هذا الكتاب -يعني كتاب السنن- جمعت فيها أربعة آلاف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث (4).
(1) في "أ" فاستجازه وما أثبتنا في "ظ" وهو الموافق لما في تاريخ بغداد، وفي سير النبلاء (13/ 209)؛ وفي طبقات الحنابلة: فأجازه واستحسنه.
ولعل ما أثبتنا هو الصحيح.
انظر تاريخ بغداد (9/ 56)؛ وطبقات الحنابلة (1/ 160).
(2)
النص في طبقات الحنابلة (1/ 161).
(3)
انظر: النص في طبقات الحنابلة (1/ 161)؛ وفي مسائل الإمام أحمد لأبي داود (ص 285).
(4)
علق الذهبي رحمه الله على قوله: يكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث بقوله: =
أحدها: قوله عليه السلام: "الأعمال بالنيات"(1).
والثاني: قوله عليه السلام: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(2).
والثالث: قوله عليه السلام: "لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضي لنفسه"(3).
والرابع: قوله عليه السلام: "الحلال بين والحرام بين. . . "(4). الحديث.
= فيكفي الإنسان لدينه. . . ممنوع بل يحتاج المسلم إلى عدد كثير من السنن الصحيحة مع القرآن.
السير (13/ 210).
قلت ومراد أبي داود رحمه الله أن هذه الأحاديث من أصول الدين وقواعده الأساسية التي يندرج تحتها الكثير من الأحكام وإن كان المسلم يحتاج إلى غيرها من السنن. واللَّه أعلم.
(1)
حديث مشهور رواه البخاري في صحيحه رقم (1) في بدء الوحي (1/ 15)؛ ومسلم رقم (1907) في الإمارة باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنية"؛ ورواه أصحاب السنن جامع الأصول (11/ 555).
(2)
حديث صحيح بشواهده: أخرجه من حديث أبي هريرة الترمذي (2317)؛ وابن ماجة (3976)؛ وذكره الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 268)؛ وفي صحيح سنن ابن ماجة رقم (3979)، وأخرجه من حديث الحسين بن علي أحمد في المسند (1/ 201)؛ والطبراني في الكبير (3/ 138)، وفي الأوسط (3/ 420)، وفي الصغير (2/ 43، 111)؛ قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 18)؛ رواه أحمد والطبراني في الثلاثة ورجال أحمد والكبير ثقات؛ وأخرجه مالك في الموطأ عن علي بن الحسين موقوفًا (2/ 903)؛ وانظر التمهيد (3/ 195)؛ وصحيح الجامع الصغير (5/ 216).
(3)
الحديث متفق عليه رواه البخاري، فتح الباري (1/ 73)؛ ومسلم في الإيمان (ص 45) من حديث أنس بن مالك.
(4)
متفق عليه رواه البخاري في الإيمان: باب فضل من استبرأ لدينه (1/ 16)؛ ومسلم في المساقات: باب أخذ الحلال وترك الشبهات (1599) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
قال إبراهيم الحربي: "لما صنف أبو داود هذا الكتاب أُلين له الحديث كما أُلين لداود الحديد"(1).
وروي أن سنن أبي داود قرئت على ابن الأعرابي (2) فأشار إلى النسخة وهي بين يديه (3) فقال لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب اللَّه عز وجل، ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة (4).
وجاء لأبي داود سهل بن عبد اللَّه التستري (5) رحمه اللَّه تعالى فقيل له يا أبا داود هذا سهل بن عبد اللَّه قد جاءك زائرًا قال فرحب به وأجلسه، فقال: يا أبا داود لي إليك حاجة، قال وما هي؟، قال حتى تقول لي قد قضيتها، قال قد قضيتها مع الإمكان، قال أخرج لسانك الذي حدثت به عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أقبله، قال: فأخرج لسانه فقبله (6).
وقال أبو العلا المحسن (7) الواذاري: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: من أراد
(1) انظر النص في: طبقات الحنابلة (1/ 162)؛ وفي سير أعلام النبلاء (3/ 212).
(2)
ابن الأعرابي: أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم أبو سعيد ابن الأعرابي البصري إمام محدث صدوق، حمل السنن عن أبي داود مات سنة أربعين وثلاثمائة.
تذكرة الحفاظ (3/ 852)؛ وسير أعلام النبلاء (15/ 407) وما بعدها.
(3)
في "أ" بين يده والمثبت من "ظ" ومن طبقات الحنابلة (1/ 162) ولعله الصحيح.
(4)
انظر النص في: طبقات الحنابلة (1/ 162).
(5)
سهل بن عبد اللَّه التستري أبو محمد أحد أئمة الصوفية وعلمائهم، مات سنة 283. الأعلام (3/ 143).
(6)
النص في سير أعلام النبلاء (13/ 213)؛ وفي وفيات الأعيان (2/ 404 - 405).
(7)
في النسختين: أبو العلا الحسن الداودي.
وما أثبته من الأنساب للسمعاني واللباب لابن الأثير، قال في الأنساب: الواذاري بفتح الواو والدال المعجمة بين الألفين وفي آخرها الراء هذه النسبة إلى واذر وهي قرية من قرى =
أن يستمسك بالسن فليقرأ كتاب أبي داود" (1).
فائدة:
ذكر الحافظ ابن حجر (2) في شرح البخاري أن الإمام الحافظ يوسف بن عبد البر (3) إمام المغرب أخرج بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن -يعني صاحب الترجمة- أنه كان في سفينة فسمع عاطسًا على الشط حمد فأكثرى قاربًا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمته ثم رجع فسئل عن ذلك فقال: لعله يكون مجاب الدعوة، فلما وقد سمعوا قائلًا يقول: يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة من اللَّه بدرهم (4).
= أصبهان والمشهور بالنسبة إليها: أبو العلا المحسن بن إبراهيم بن أحمد الواذاري، توفي بعد الأربعمائة، وكذلك قال في اللباب؛ الأنساب (13/ 252)؛ واللباب (3/ 345)؛ وانظر معالم السنن للخطابي (1/ 19)؛ والمنهل العذب المورود (1/ 16)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 227).
(1)
النص ذكره الخطابي في معالم السنن (1/ 9)؛ ونقله عنه النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/ 227)؛ ومحمود السبكي في المنهل العذب (1/ 16).
(2)
ابن حجر: أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، حافظ عصره وأحد أئمة علم الحديث له مصنفات كثيرة منها: فتح الباري في شرح صحيح البخاري؛ والإصابة في معرفة الصحابة وغيرها، مات سنة 852 هـ.
الضوء اللامع (2/ 36)، البدر الطالع (1/ 87)، الأعلام (1/ 178).
(3)
يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي القرطبى المالكي أبو عمر الإمام العلامة حافظ المغرب وصاحب التصانيف الفائقة منها التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، طبع كاملًا في ستة وعشرون مجلدًا، ومنها الإستيعاب في معرفة الأصحاب وغيرها، مات سنة 463 هـ.
سير أعلام النبلاء (18/ 153)؛ وترتيب المدارك (8/ 127).
(4)
انظر: فتح البارى (10/ 626).
وكانت ولادة أبي داود سليمان بن الأشعث رضي الله عنه سنة (اثنتين)(1) ومائتيين، وتوفى في البصرة يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين رحمه الله ورضي عنه (2).
المقصد (3) الثاني (4): في الإشارة إلى مذهب السلف وبيان حقيقته وأنه أسلم المذاهب وأعلم وأحكم وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وسائر أصحاب النبي المختار صلى الله عليه وسلم، والذين اتبعوهم بإحسان وأئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم وتقدمهم والإقتداء بهم واتباعهم والسير بسيرهم والنهج على منوالهم فإن اللَّه سبحانه وتعالى بعث نبيه وحبيبه ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد وشهد له بأنه بعثه داعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا وأمره (5) أن يقول:{. . . قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذى أخرج به الناس من الطمات إلى النور، وأنزل معه الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة
(1) فى النسختين سنة اثنين والصحيح ما أثبته.
(2)
انظر: طبقات الحنابلة (1/ 162).
(3)
كتب فى هامش "ظ" هنا: بلغ مقابلة.
(4)
من هنا إلى آخر هذا المبحث نقله المصنف من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فى الفتوى الحموية الكبرى (ص 87 - 92) مع بعض الزيادات. وقد استعنت في تصحيح بعض الكلمات هنا بنص الحموية.
(5)
في "ظ" فى الهامش: صلى الله عليه وسلم وكتب عليها صح.
وهو يدعو الى اللَّه وإلى سبيله، بإذنه على بصيرة وقد أخبر تعالى بأنه أكمل له ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته، فمحال مع هذا وغيره أن يكون ترك باب الإيمان باللَّه والعلم به ملتبسًا (1) مشتبهًا ولم يميز ما يجب للَّه من الأسماء الحسنى والصفات العلى، وما يجوز عليه وما يستحيل فإن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية وأوجب وأفضل ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول.
فكيف يكون ذلك الكتاب، وذلك الرسول (2) وأفضل خلق اللَّه بعد (3) النبيين والمرسلين لم يحكموا هذا الباب إعتقادًا ولم يتقنوه قولًا واعتمادًا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته كل شيء حتى الخراءة (4).
وقال: "تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"(5).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه "ما بعث اللَّه نبيًّا إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاههم عن شر ما يعلمه لهم"(6).
(1) في المخطوطتين متلبسا، وما أثبته من الحموية لابن تيمية (ص 88) ضن مجموع النفائس، وهو الصحيح.
(2)
بعد هذه الكلمة في "ظ": الذى هو.
(3)
في "ظ" من.
(4)
هذا الحديث عن سليمان رضي الله عنه قيل له: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، قال: أجل لقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن لا نستنجي باليمين ولا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار، وأن لا نستنجي برجيع أو عظم".
رواه مسلم في الطهارة رقم (262)؛ وأبو داود في الطهارة رقم (7).
(5)
الحديث رواه ابن ماجة في المقدمة (1/ 16) رقم (43)، وأحمد في المسند (4/ 126)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 19) عن العرباض بن سارية وقال الألباني: صحيح.
(6)
رواه مسلم (3/ 1473) عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص.
وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: "لقد توفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا (1) منه علمًا"(2).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام فينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقامًا فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه" رواه البخاري (3).
فمحال مع (4) تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين وإن دقت (5) أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه بقلوبهم في ربهم رب العالمين الذي معرفته غاية المعارف وعبادته أشرف المقاصد والوصول إليه غاية المطالب هذه (6) خلاصة الدعوة النبوية وخلاصة الرسالة الإلهية، فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب (7) قد وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم على غاية التمام والكمال، ثم إذا كان وقع ذلك منه فمن المحال أنّ خير أمته وأفضل قرونها
(1) إلا ذكرنا منه علمًا كذا في النسختين وهي رواية في المسند؛ وفي الحمرية (ص 88): إلا ذكر لنا منه علمًا.
(2)
رواه أحمد في المسند (5/ 153، 162)، والطبرانى في الكبير (2/ 166)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 263): ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد اللَّه بن يزيد المقرئ وهو ثقة، وفي إسناد أحمد من لم يسم.
(3)
في صحيحه كتاب بدء الخلق باب ما جاء في قول اللَّه تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27](6/ 331) رقم (3192).
(4)
في النسختين بعد كلمة مع: (هذا) ولا يستقيم الكلام مع وجودها وما أثبته من الحموية (ص 88).
(5)
في النسختين: وإلا يترك والمثبت من الحموية.
(6)
في "ظ": هذا هو.
(7)
في "ظ": هذه الباب.
قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه.
ثم من المحال -أيضًا- أن تكون القرون الفاضلة القرن الذي بعث فيهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا غير عالمين وقائلين في هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق وكلاهما ممتنع.
أما الأول فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم ونهمة للعبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه من أكبر مقاصده وأعظم مطالبه -أعني بيان ما يعتقده- لا كيفية الرب تعالى وكيفية صفاته. وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر (وهذا أمر)(1) معلوم بالفطرة الوجدانية (2)، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضى الذي هو من أقوى المقتضيات أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم، هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدهم إعراضًا عن اللَّه وأعظمهم إكبابًا على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر اللَّه فكيف يقع في أولئك وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم.
ثم الكلام عنهم في هذا الباب أكثر من أن يمكن سطره (3) في مثل هذا المختصر، يعرفه من تتبعه وطلبه، فزعم من زعم أن الخلف أعلم من السلف غباوة وجهل بقدر القوم بل ذلك جهل بمعرفة اللَّه ورسوله والمؤمنين به فإن حقيقة المعرفة المأمور بها في طريقة السلف ونهجهم أسلم وأعلم وأحكم.
(1) زيادة من الحموية وبها يستقيم الكلام.
(2)
في النسختين: الوجدية وما أثبتناه من الحمويه.
(3)
في "ظ": تسطيره.
وأما زعم من زعم أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم فكذب وافتراء وتمويه على الناس، لأنهم ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه، بل بمنزلة الأميين الذين قال اللَّه تعالى فيهم {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78].
وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات. فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة الفاسدة، التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر وقد كذبوا على طريقة السلف وظلموا في تصويب طريقة الخلف فجمعوا بين الجهل والظلم.
وسبب ذلك إعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة التي شركوا (1) فيها الفلاسفة والمعطلين فلما أعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر وكان مع ذلك لابد للنصوص من معان ارتبكوا بين الإيمان بالألفاظ وتفويض المعاني وهي التي يسمونها طريقة السلف وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف وهي التي يسمونها طريقة الخلف، فصار هذا مركبًا من فساد العقل والكفر بالسمع فإن النفي إنما اعتمدوا في على أمور عقلية ظنوها بينات وهي في نفس الأمر شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه فلما ابتنى أمرهم علي هاتين المقدمتين كانت النتيجة استجهل السابقين الأولين واستبلاههم واعتقاد أنهم (2) كانوا قومًا أميين بمنزلة الصالحين من العامة لم يتبحروا في حقائق العلم باللَّه تعالى ولم تفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في
(1) كذا في "أ" وفي "ظ": أشركوا.
(2)
في المخطوطتين: واعتقادهم أنهم كانوا. . . وما أثبتنا من الحموية (ص 88).
هذا كله وهذا قول باطل وجهل بارد إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة بل في غاية الضلالة، فكيف يكون هؤلاء المتأخرون ولاسيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة اللَّه حجابهم، وقد لجوا في بيداء الضلالة تائهين، وزعموا أنهم خاضوا بحور العلم دعوى وإنما سلكوا طريق المشائين فأثمر لهم ذلك الجد والإجتهاد الحيرة والتخبيط وكثرة الإنتقال والتخليط، فترى أحدهم زيف أحد الأقوال في بعض مؤلفاته واعتمده في بعض واعتمد بعضها في بعض وزيفه في آخر، وهذا دأب من سلك غير سبيل المعصوم وارتضع من غير لبان ما أنزل عليه من الحي القيوم، حتى يقول بعض (1) هؤلاء في أواخر عمره:"لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي (2) نهوني عنه والآن إن لم يتداركني اللَّه برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي".
ويقول الآخر: أكثر الناس شكًا عند الموت أصحاب الكلام (3).
ويقول أحد فضلائهم (4):
(1) القائل هو: عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني أبو المعالي إمام الحرمين المتوفى سنة 478 هـ، وهذا القول عنه ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (18/ 468)؛ والسبكي في ترجمته في كتاب طبقات الشافعية (5/ 185) بعبارات متقاربة؛ وانظر شرح العقيدة الطحاوية (ص 228).
(2)
في النسختين: في الذين والمثبت من الحموية (ص 91).
(3)
انظر: هذه النصوص في الفتوى الحموية الكبرى (ص 91)؛ وفي الصواعق المرسلة لابن القيم (1/ 168).
(4)
هو أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، المتوفى سنة 548 ذكرهما في أول كتابه نهاية الأقدام في علم الكلام (ص 3) ونسبهما إليه ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية (ص 228)؛ وانظر لوامع الأنوار (1/ 110).
لعمري لقد طفت المعاهد كلها
…
وسيرت طرفي بين تلك العالم
فلم أر إلا واضعًا كف حائر
…
على (1) ذقن أو قارعًا سن نادم
ويقول أحد رؤسائهم (2):
نهاية إقدام العقول عقال
…
وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
…
وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وكل هؤلاء المتهوكون (3) والزاعمون أنهم هم المحققون إذا حقق عليهم الأمر لم يوجد عندهم من حقيقة العلم باللَّه وخالص المعرفة به خبر ولم يقعوا من ذلك على عين ولا أثر، كيف يكون هؤلاء المحجوبون المنقوصون المسبوقون المتخلفون الحيارى المرتبكون أعلم باللَّه وأسمائه وصفات وأحكم في باب ذات وصفاته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم (4) نطق الكتاب وبه نطقوا، الذين وهبهم اللَّه من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر
(1) كذا في "أ" وفي "ظ"
فلم أر إلا وضعا كف حائر
…
أو قارع على ذقن سن نادم
(2)
هو: فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت 606) ذكرها في كتابه أقسام اللذات. انظر: درء تعارض العقل ونقل (1/ 159 - 160)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 227)؛ ومقدمة كتابه: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين؛ وطبقات الشافعية للسبكي (8/ 96)؛ ولوامع الأنوار (1/ 110).
(3)
المتهوكون: التهوك: التحير - مختار الصحاح (هوك).
(4)
في "أ" وبه نطق الكتاب وما أثبتنا من "ظ" ولعله الصحيح.
أتباع الأنبياء، وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق ما (1) لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحى من يطلب المقابلة.
ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة ولاسيما العلم باللَّه، وأحكام أسمائه وآياته من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم.
أم كيف يكون أفراخ المتفلسقة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس وعبدة الأوثان، وضلال اليهود والنصارى والصابئين وأشباههم أعلم من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟ وإنما استولى الضلال والتهوك على مثل هؤلاء لنبذهم الكتاب المبين وراء ظهورهم وإعراضهم عن سنة خاتم النبيين والمرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين. وتركهم البحث عن طريق السابقين والتابعين والتماسهم علم معرفة اللَّه ممن لم يعرف اللَّه باقراره على نفسه وشهادة الأمة على ذلك (2).
وما أملح ما أنشده بعض الفضلاء (3) في الكدح فيما لا يجدي:
تجاوزت حد الأكثرين إلى العلا
…
وسافرت واستبقتهم (4) في المفاوز
وخضت بحارًا ليس يدرك قعرها
…
وسيرت نفسي في قسيم (5) المفاوز
ولججت في الأفكار ثم تراجع
…
اختياري إلى استحسان دين العجائز
(1) في "ظ" بما.
(2)
انتهى كلام شيخ الاسلام: انظر الحموية (ص 92) ضمن مجموع النفائس.
(3)
هو أبو الفتح القشيري: محمد بن علي بن وهب ابن دقيق العيد المتوفى سنة 702 هـ.
انظر: مختصر العلو (ص 275)؛ ولوامع الأنوار البهية للسفاريني (1/ 109 - 110)؛ والوافي بالوفيات (4/ 208).
(4)
في المخطوطتين استفتيتهم، وفي مختصر العلو استبقيتهم وفي اللوامع للمؤلف استبقتهم في المفاوز قال محققه وفي نسخة استبقتهم في المراكز، ولعل استبقتهم أصوب كما أثبتنا واللَّه أعلم.
(5)
كذا في المخطوطتين: قسيم وفي مختصر العلو (ص 276)؛ وفي اللوامع (1/ 110) فسيح المفاوز.
وحاصل ما اتفق عليه سلف الأمة وأعيان الأئمة في باب معرفة اللَّه وأسمائه وصفاته تعالى وتقدس:
"أنه تبارك وتعالى يوصف بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. فإنه قد علم بالسمع مع العقل أن اللَّه تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله كما قال تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشوري: 11].
وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65].
وقال: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22].
وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 3].
وقد علم بالعقل أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ويجب له ما يجب له، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، فلو كان المخلوق مثلًا للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع، والخالق جل ثناؤه يجب وجوده وقدمه والمخلوق يستحيل وجوب وجوده وقدمه بل يجب حدوثه وإمكانه، والمخلوق قد ثبت عدمه وما ثبت عدمه يستحيل قدمه (1).
وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى تقرير كلام أئمة السلف في شرح المنظومة عند كل مسألة منها ما يليق بالمقام واللَّه ولي الإنعام.
المقصد الثالث (2): في وجوب الإعتصام بالرسالة وبيان
(1) من قوله وحاصل ما اتفق عليه سلف الأمة إلى هنا نقله الشارح من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العقيدة الأصفهانية (ص 9 - 10) مع بعض التصرف.
(2)
نقل الشارح هذا المبحث من كلام شيخ الاسلام ابن تيمية ببعض التصرف والإختصار.
انظر: مجموع الفتاوي (19/ 93 - 103). وقد قابلت بعض الكلمات هنا بنص الفتاوى.
أن (1) السعادة والهدى في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الضلال والشقاء في مخالفته، وأن كل خير في الوجود (من عام وخاص)(2) فمنشأه من جهة الرسول وأن كل شر بالعالم وكل شر يختص بالعبد فسببه مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والجهل بما جاء به. وأن سعادة العباد في المعاش والمعاد باتباع الرسالة، وهي ضرورية للعباد ولا بد لهم منها وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء وهي روح العالم ونوره وحياته فلا صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور، والدنيا مظلمة ملعونة كلها إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة (3)، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ويناله من
(1) ساقطه في "ظ".
(2)
كذا في النسختين وفي الفتاوى إما عام وإما خاص.
(3)
جاء في الحديث: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر اللَّه وما والاه أو عالما أو متعلمًا.
رواه ابن ماجة في سننه رقم (4112)(ج 2/ 1377)؛ والترمذي في جامعه رقم (2322)(ج 4/ 561) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال الترمذي: حديث حسن غريب. وحسنه الشيخ ناصر الألباني في صحيح الجامع رقم (3408).
وجاء في القرآن والسنة ما يدل على ذم الدنيا وحقارتها وقد ظن بعض الناس أن المذموم هو الموجودات التي خلقت للمنافع فتركوا ما يصلح أحوالهم من طعام وشراب وملبس وبناء وهذا فهم خاطئ فإن المذموم هو جعل الدنيا غاية حياة الإنسان والتعلق بها حتى لا يكون له هم إلا مطعمه ومشربه وملبسه ومنصبه وأمواله.
أما الآخرة والسعي لها فلا مكان لها في حياته هذا هو المذموم من الدنيا.
وأما السعي المشكور فهو سعي من أراد الآخرة وسعي لها سعيها ولم ينس نصيبه من الدنيا فهو بهذا قد وازن بين مطالب الروح والجسد وأعطى لجسمه حقه ولربه حقه.
فمفهوم ذم الدنيا يعني ألا يتعلق قلب العبد بشيء من شهواتها وألا تسيطر عليه فتنها وملذاتها وألا يتحرك فيها إلا من خلال منهج اللَّه تبارك وتعالى وأن يكون هدفه أن يتزود من دنياه لآخرته فيتمتع بما أحل اللَّه وينعم بالطيبات من الرزق من غير إسراف ولا تقتير كما قال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168]. وقال تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] =
حياتها وروحها فهو في ظلمة وهو من الأموات قال اللَّه تعالى:
فهذا وصف المؤمن كان ميتا في ظلمة الجهل فأحياه اللَّه بروح الرسالة وبنور الإيمان وجعل له نورًا يمشي به في الناس.
وأما الكافر فميت القلب في الظلمات، وقد سمى اللَّه على رسالته روحا، والروح إذا عدم تقدت الحياة قال (1) تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ (2) رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ (3) جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} (4)[الشورى: 52].
فذكر في هذه الآية الكريمة الأصلين وهما الروح والنور.
فالروح الحياة والنور المزيل للظلمات، فالكافر في ظلمات الكفر والشرك والشك ميت غير حي وإن كان فيه حياة بهيمية فهو عادم الحياة الروحانية العلوية التي سببها الإيمان وبه يحصل للعبد السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
فإن اللَّه تعالى جعل الرسل وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم ما
= وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا. . .} [المؤمنون: 51].
وقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31].
راجع مقدمة الزهد لعبد اللَّه بن المبارك بقلم حبيب الرحمن الأعظمي ومقدمة الزهد لوكيع بقلم عبد الرحمن الفريوائي، ومقدمة ذم الدنيا لابن أبي الدنيا بقلم مجدي السيد إبراهيم.
(1)
في "ظ" قال اللَّه تعالي
(2)
سقط أول الآية من "أ" وكتب على الحاشية.
(3)
سقط من "ظ" واستدرك في الحاشية وكتب عليها صح.
(4)
في "ظ" بلغ مقابلة.
ينفعهم وما يضرهم وتكميل ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم، وبعثوا جميعهم بالدعوة إلى اللَّه تعالى وتعريف الطريق الموصل إليه، وبيان حالهم بعد الوصول إليه.
فالأصل الأول تضمن اثبات الصفات والتوحيد والقدر وذكر أيام اللَّه في أوليائه وأعدائه، وهي القصص التي قصها على عباده والأمثال التي ضربها اللَّه لهم.
والأصل الثاني يتضمن تفصيل الشرائع والأمر والنهي والإباحة وبيان ما يحبه اللَّه ويكرهه.
والأصل الثالث يتضمن الإيمان باليوم الآخر والجنة والنار والثواب والعقاب على هذه الأصول الثلاثة، مدار الخلق والأمر والسعادة والفلاح موقوفة عليها ولا سبيل إلى معرفتها إلا من جهة الرسل فإن العقل لا يهتدي إلى تفاصيلها ومعرفة حقائقها، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة، كالمريض الذي يدرك وجه الحاجة إلى الطب ومن يداويه ولا يهتدي إلى تفاصيل المرض وتنزيل الدواء عليه.
وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطبيب فإن آخر ما يعذب بعدم الطبيب موت الأبدان. وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها مات قلبه موتًا لا ترجى الحياة معه أبدًا وشقي شقاوة لا سعادة معها أبدًا، فلا فلاح إلا باتباع الرسول فإن اللَّه تعالى خص بالفلاح أتباعه المؤمنين به وأنصاره كما قال تعالى:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].
أي لا مفلح إلا هم، كما قال:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
ونحو ذلك من الآيات، فعلم بذلك أن الهدى والفلاح دائر حول ربع (1) الرسالة وجودًا وعدمًا، وهذا مما اتفقت عليه الكتب المنزلة من السماء، بعثت به جميع الرسل، فالرسالة ضرورية في صلاح العبد في معاشه ومعاده فكما أنه لا صلاح له في آخرته إلا باتباع الرسالة، فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباعها فالإنسان مضطر إلى الشرع فإنه بين حركتين حركة يجلب بها ما ينفعه وأخرى يدفع بها ما يضره، والشرع هو النور الذي يبين ما ينفعه وما يضره، فهو نور اللَّه في أرضه، وعدله بين عباده وحصنه الحصين وحبله المتين، وليس المراد بالشرع التمييز بين النافع والضار بالحس (2) فإن ذلك يحصل للحيوانات العجم فإن الحمار والجمل يميز بين الشعير والتراب، بل المراد التمييز بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده والأفعال التي تنفعه في معاشه ومعاده، كنفع الإيمان والتوحيد والعدل والبر والصدق، والإحسان والأمانة والعفة والشجاعة والحلم والصبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلة الأرحام وبر الوالدين والإحسان إلى المماليك والجيران، وأداء الحقوق، وإخلاص العمل للَّه والتوكل عليه والإستعانة به، والرضا بمواقع (3) أقداره والتسليم لحكمه، والإنقياد لأمره، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، وخشيته في الغيب والشهادة، والتقرب إليه بأداء فرائضه واجتناب محارمه، واحتساب الثواب عنده، وتصديقه وتصديق رسله (في كل
(1) الربع: المنزل ودار الإقامة رباع القوم محلتهم والرباع جمعه والمعنى أن الفلاح دائر حول الرسالة وما جاءت به أمرًا ونهيًا.
(النهاية 2/ 189).
(2)
كذا في المخطوطتين: بالحس، وفي اللوامع (2/ 261) بالحسن.
(3)
حصل هنا في نسخة "ظ" تكرار وخلط بعد قوله والإستعانة به فقد جاء فيها: (والإستعانة به والرضا بمواقع العمل للَّه والتوكل عليه والإستعانة به والرضا بمواقع أقداره. . .).
ما أخبروا به) (1) ولاسيما في التوحيد، والإيمان به تعالى وبصفاته ونعوته، وعدم الإلحاد في أسمائه وصفاته بل الإيمان بكل ما أخبر (2) به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل فمن أعظم نعم اللَّه على عباده وأشرف مننه عليهم أن أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وبين لهم الصراط المستقيم، والدين القويم، ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم أو شر حالًا منها، فمن قبل الرسالة وما جاءت به الرسل واستقام عليها فهو من خير البرية ومن ردها وخرج عنها وطعن وألحد ولاسيما في الأسماء والصفات فهو شر البرية، وأسوأ حالًا من الكلب والخنزير، والحيوان والبهيم، والدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أشرقت عليه شمس الرسالة (3) وأسس بنيانه عليها، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسالة موجودة (4) فيهم، فإذا درست آثار الرسل من الأرض وانمحت بالكلية أخرب اللَّه العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة، فالرسل صلوات اللَّه وسلامه عليهم وسائط بين اللَّه وبين خلقه في أمره ونهيه وهم السفراء بينه وبين عباده، وكان خاتمهم وسيدهم وأكرمهم على ربهم محمد صلى الله عليه وسلم يقول:"يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة"(5).
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
(1) في "أ" في كل ما أخبر به وما أثبتنا من "ظ" حيث صححت في "ظ" إلى: ما أخبروا به وكتب عليها صح.
(2)
في "ظ" أخبروا به.
(3)
انظر: تخريج الحديث والتعليق عليه (1/ 129).
(4)
في "أ" موجود والمثبت من "ظ".
(5)
الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 35)؛ والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 158) عن أبي هريرة وقال الحاكم صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي في التلخيص، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 159) رقم 490.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب"(1).
وهذا المقت كان لعدم هدايتهم بالرسل فرفع اللَّه منهم هذا المقت برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبعثه اللَّه رحمة للعالمين ومحجة للسالكين وحجة على الخلق أجمعين، وافترض على العباد طاعته، ومحبته وتعزيره وتوقيره والقيام بأداء حقوقه.
وسد تعالى إليه جميع الطرق فلم يفتح لأحد إلا من طريقه، وأخذ العهود والمواثيق بالإيمان به وعلى تصديقه وحتَّم إتباعه على جميع الأنبياء والمرسلين (2) وأمرهم أن يأخذوا العهود والمواثيق على من اتبعهم من المؤمنين (3) أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرا وداعيًا إلى اللَّه يإذنه وسراجًا منيرًا، فختم به الرسالة وهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة، وفتح برسالته أعينًا عميًا وآذنًا صمًا، وقلوبًا غلفًا فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب بعد شتاتها فأقام به الملة العوجاء، وأوضح به المحجة البيضاء، وشرح له صدره ووضع
(1) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2865) في الجنة: باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار: عن عياض بن حمار المجاشعي.
(2)
في "ظ" بذلك.
(3)
قال علي بن أبي طالب وابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما: "ما بعث اللَّه نبيًا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث اللَّه محمدًا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمدًا وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه.
انظر: تفسير ابن كثير والبغوي (2/ 177 - 178)؛ وتفسير القرطبي (4/ 124 - 125)؛ ومجموع الفتاوي (3/ 92).
عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، وجعل الهدى والفلاح في اتباعه وموافقته، والشقاء والضلال في معصيته ومخالفته، وامتحن به الخلائق في قبورهم، فهم حتى في القبور عنه (مسئولون)(1) وبه ممتحنون (2) فإذا كان هذا شأن هذا النبي الكريم والرسول الرؤوف الرحيم فكيف يلتمس الهدي والفلاح والفوز والنجاح من غير هديه القويم، وسبيله المستقيم، ولاسيما في معرفة اللَّه وصفاته التي هي الغاية القصوى والسعادة العظمى.
فإن قلت ما منشأ هذا الخلاف والنزاع والتباين والإبتداع الذي طبق الأرض بأسرها، وعم الفرق في نهيها وأمرها؟
فالجواب: إن منشأ ذلك كله عدم اتباع آثار الرسول وعدم التمسك بصحيح المنقول، والإستقلال بالعقول مع ميلها للأوضاع الفلسفية والإصطلاحات المنطقية، والمقدمات الكلامية، فمشوا على قانون أسلافهم وتركوا سنة نبيهم زعمًا أنهم المحققون وهم في الحقيقة تائهون ومتحذلقون وأين الثريا عن يد المتطاول؟
فمنشأ التفرق (3) والإختلاف والإبتداع والإنحراف علم الكلام الذي ذمه السلف وعابوه وحذروا منه وأبنوه (4) وهو الكلام المشتبه المشتمل على حق وباطل فيه ما يوافق العقل والسمع وفيه ما يخالفهما فيأخذ هؤلاء جانب النفي المشتمل على نفي الحق والباطل وهؤلاء جانب الإثبات المشتمل على إثبات حق وباطل، وجماعه:
(1) في "أ" مسلون وما أثبتنا من "ظ" ومن الفتاوى.
(2)
نهاية كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد نقله المصنف ببعض التصرف والإختصار. مجموع الفتاوى (19/ 93 - 103).
(3)
من هنا نقل من كلام شيخ الاسلام. انظر الفتاوى (12/ 140).
(4)
أبنوه: أي ذكروه بسؤ وقبح. لسان العرب، وصحاح الجوهري (ابن).
هو الكلام المخالف لكتاب للَّه وسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكل كلام كان كذلك فهو باطل، وذلك إنه لما تناظروا في مسألة حدوث العالم وإثبات الصانع، فأستدلت الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من طوائف الكلام على ذلك:
بأن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، وأن المستدلين بذلك على حدوث الأجسام قالوا: إن الأجسام لا تخلوا عن الحوادث وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث (1) ثم تنوعت طرقهم في المقدمة الأولى فتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلوا (عن الحركة والسكون وهما حادثان، وتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلو عن الإجتماع والإفتراق وهما حادثان، وتارة يثبتونها بأن الأجسام)(2) لا تخلوا عن الأكوان الأربعة: الإجتماع والإفتراق والحركة والسكون وهي حادثة وهذه طريقة المعتزلة ومن وافقهم، وتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلوا من كل جنس من الأعراض عن عرض منها ويقولون: القابل (3) للشيء لا يخلو عنه وعن ضده،
(1) وهذا الدليل هو الذي يسببه قامت الفتن وكثر الإضطراب والإختلاف وقال الجهمية والمعتزلة بإنكار الصفات قالوا: لأن إثبات الصفات يستلزم التشبيه والتجسيم واللَّه سبحانه وتعالى منزه عن ذلك لأن الصفات التي هي العلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك أعراض ومعان تقوم بغيرها والعرض لا يقوم إلا بجسم واللَّه تعالى ليس بجسم لأن الأجسام لا تخلوا من الأعراض الحادثة وما لا يخلو من الحوادث فهو محدث.
انظر: جواب شيخ الإسلام عن هذا الدليل في نقض تأسيس الجهمية (2/ 219)؛ وانظر: اعتراضات الناس علي هذه الطريقة في (12/ 214، 13/ 147، 16/ 267) من مجموع فتاوى شيخ الإسلام.
(2)
الكلام الذي بين القوسين حصل فيه سقط استدرك في الهامش في "أ" وسقطت عبارة: إن الأجسام لا تخلو عن الإجتماع والإفتراق وهما حادثان من "ظ" وقد استعنا في تصويب النص من كلام شيخ الإسلام في الفتاوي (12/ 140 - 141).
(3)
في "أ" القايل. وما أثبتنا من "ظ" ومن الفتاوي (12/ 141) وهو الصواب.
ويقولون: إن العرض يمتنع بقاؤه زمانين، وهذه الطريقة هي التي اختارها أبو حسن الآمدي (1) وزيف ما سواها ووافقه عليها طائفة من الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة كالقاضي أبي يعلى (2)، وأبي المعالي (3) الجويني من الشافعية وأبي الوليد (4) الباجي من المالكية وغيرهم.
(1) هو أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي الحنبلي ثم الشافعي سيف الدين فقيه أصولي متكلم منطقي ولد آمد سنة 551 هـ وأقام ببغداد ثم انتقل إلى الشام ثم الي الديار المصرية وتوفي بدمشق في 3 صفر من سنة 631 هـ ودفن بجبل قاسيون من تصانيفه: غاية المرام في علم الكلام؛ دقائق الحقائق في الحكمة؛ إحكام الأحكام في الأصول، وغاية الأمل في الجدل.
انظر ترجمته في: وفيات الأعيان (3/ 293)؛ والبداية والنهاية (13/ 140)، وسير أعلام النبلاء (22/ 364) ومعجم المؤلفين (7/ 155).
(2)
القاضي أبو يعلى: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء أبو يعلى شيخ الحنابلة عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون، حدث وأفتى ودرس وتخرج به جماعة، توفى في بغداد سنة 458 هـ. من تصانيفه الكثيرة: الإيمان؛ والأحكام السلطانية؛ والكفاية في أصول الفقه؛ وأحكام القرآن؛ وعيون المسائل، والعدة في أصول الفقه وغيرها.
انظر ترجمته في: طبقات الحنابلة لإبنه أبي الحسين محمد (2/ 193)؛ وفي سير أعلام النبلاء (18/ 89)؛ وانظر الأعلام للزركلي (6/ 99 - 100)؛ ومعجم المؤلفين (9/ 254 - 255).
(3)
أبو المعالي الجويني: هو عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني أبو المعالي إمام الحرمين، فقيه أصولي متكلم مفسر أديب من تصانيفه الكثيرة: نهاية المطلب في دراية المذهب؛ الشامل في أصول الدين؛ البرهان في أصول الفقه؛ تفسير القرآن؛ الإرشاد إلى قواطع الأدلة وغيرها.
انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (18/ 471)؛ وفي طبقات الشافعية (5/ 185)؛ ومعجم المؤلفين (6/ 184).
(4)
أبو الوليد الباجي: سليمان بن خلف بن سعد القرطبي أبو الوليد الباجي فقيه مالكي كبير =
وأما الهشامية (1) والكرامية (2) وغيرهم من الطوائف الذين لا يقولون بحدوث كل جسم، ويقولون إن القديم تقوم به الحوادث ويقولون: الجسم القديم يخلو عن الحوادث بخلاف الأجسام المحدثة فإنها لا تخلو عن الحوادث فلا يوافقون الآمدي ومن وافقه من كل وجه وهذا نزاع طويل عريض وبسببه افترقت الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سنذكره فيما بعد (3).
قال أهل التاريخ إن المأمون (4) بن هارون الرشيد لما هادن بعض ملوك النصارى
= أصولي محدث متكلم شاعر ومفسر، من تصانيفه الكثيرة: إحكام الفصول في أحكام الأصول، والتسديد إلى معرفة التوحيد، واختلاف الموطآت؛ والمنتقى في شرح الموطأ وغيرها، توفي سنة 474 هـ.
انظر ترجمته في: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (3/ 94) القسم الثاني المجلد الأول؛ وفي الصلة لابن بشكوال (1/ 200 - 201) رقم (454)؛ وفي بغيسة التلماس رقم (777)، وفي المغرب (1/ 404)؛ وفي نفح الطيب (2/ 67) وما بعدها رقم (45)؛ وفي الديباج المذهب (1/ 377) وما بعدها؛ وفي ترتيب المدارك (8/ 177).
(1)
الهشامية: هم أتباع هشام بن الحكم الرافضي من الإمامية وإليه تنسب المشبهة يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية واحد.
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 106)، والفرق بين الفرق (ص 65)؛ والملل والنحل (1/ 184)، والفصل (5/ 140) والتبصير في الدين ص 23 - 24.
(2)
الكرامية: أتباع محمد بن كرام السجستاني يقولون إن الإيمان القول باللسان دون القلب، ويقولون بالتشبيه.
انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 223)، والفرق بين الفرق (ص 216 - 217)؛ والملل والنحل (1/ 108)، والتبصير (ص 65).
(3)
انظر (1/ 139).
(4)
المأمون: عبد اللَّه بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور العباسي أبو العباس، ولد سنة سبعين ومائة وقرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل =
قال الصلاح الصفدي (1) أظنه صاحب جزيرة قبرص طلب (2) منه خزانة كتب اليونان وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليها أحد فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك فكلهم أشار بعدم تجهيزها إليه إلا مطران واحد فإنه قال جهزها إليهم فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت بين علمائها (3).
وكان شيخ الإسلام الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد (4) بن تيمية قدس اللَّه روحه يقول: ما أظن أن اللَّه يغفل عن المأمون ولا بد أن يقابله على ما اعتمده مع
= وأمر بتعريب كتبهم وبالغ ودعا إلى القول بخلق القرآن وبالغ. وكان من أكثر رجال بني العباس حزمًا وعزمًا ورأيًا وعقلًا وهيبةً وحلمًا، مات سنة ثمان وعشرة ومائتين.
سير أعلام النبلاء (10/ 272).
(1)
خليل بن آيبك بن عبد اللَّه الصفدي صلاح الدين أديب مؤرخ كثير التصانيف، ولد في صفاد بفلسطين وإليها نسبته وتعلم في دمشق وفيها توفي سنه 764 هـ. من تصانيفه: الوافي بالوفيات طبع بعضه؛ ونكت الهميان ط؛ والغيث المنسجم في شرح لامية العجم؛ وتمام المتون شرح رسالة بن زيدون وغيرها.
الأعلام (2/ 315).
(2)
في "ظ": المأمون.
(3)
ممن ذكر ذلك ابن النديم في الفهرست (ص 304)؛ وابن خلدون في المقدمة (ص 893)؛ والقريزي في الخطط (2/ 357)؛ وابن نباته المصري في سرح العيون (ص 242)؛ وابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء (2/ 143)، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (ص 242) نقلا عن الذهبي؛ وانظر لوامع الأنوار للمؤلف (1/ 9).
(4)
ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد اللَّه الحراني الدمشقي الحنبلي أبو العباس تقي الدين ابن تيمية شيخ الإسلام وأحد الأعلام، كان من بحور العلم وممن سارت بتصانيفه الركبان وأثنى عليه الموافق والمخالف، توفى سنة 728 هـ.
انظر: العقود الدرية لابن عبد الهادي؛ وتذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 1496)؛ وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (2/ 387).
هذه الأمة من إدخال هذه العلوم الفلسفية بين أهلها (1) انتهى.
هذا وإن كان أصل الخلاف كان موجودًا إلا أنه زاد البلاء واشرأبت الفتن وكثر الإختلاف وانتشرت الإحن بدخول كتب الفلاسفة في هذه الملة (2) وبين علمائها.
وقد روى من حدث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن بني إسرإئيل اخرقوا على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة"(3).
وأخرج الإمام أحمد (4) في المسند من حديث معاوية رضي الله عنه قال: قام فينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا اثنتين وسبعين (5) وإن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة"(6) رواه أبو داود وزاد فيه "وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى
(1) ذكر ذلك الصفدي في كتابه: الغياث المنسجم على لامية العجم (1/ 79)، ونقله عنه السيوطي في صون المنطق ص (8 - 9)؛ والمؤلف في كتابه اللوامع (1/ 9).
(2)
في "ظ": المسألة.
(3)
الحديث أخرجه أحمد (3/ 145)؛ وابن ماجة (2/ 1322) رقم (3993)، قال البوصيري في الزوائد ص (179 - 180) إسناده صحيح رجاله ثقات. وله طرق وشواهد كثيرة انظرها في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (203، 204، 1492).
(4)
تقدم (1/ 111).
(5)
في "ظ": فرقة.
(6)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/ 102)؛ وأبو داود (5/ 5 - 6) رقم 4597؛ والدارمي (2/ 158)؛ والحاكم (1/ 128)؛ والآجري في الشريعة (ص 18)؛ واللآلكائي في شرح السنة (1/ 101، 102) وابن أبي عاصم في السنة (ج 65)؛ والمروزي في السنة ص (14، 15)؛ قال الألباني في تخريج السنة صحيح بما قبله وما بعده. وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (204).
بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله".
قوله في الحديث: الكلب -هو بفتح اللام قال الخطابي هو داء يعرض للإنسان من عضة الكلبِ الكلبَ وعلامة ذلك في الكلب أن تحمر عيناه ولا يزال يدخل ذنبه بين رجله فإذا رأى إنسانًا ساوره (1).
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة قيل له من هم يا رسول اللَّه؟ -يعني الفرقة الناجية- فقال: هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"(2).
وفي رواية ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة وهي ما كان (مثل) ما أنا عليه وأصحابي.
وقال بعض الأئمة هم -يعني الفرقة الناجية- أهل الحديث (3) يعني الأثرية (4)
(1) بقية كلام الخطابي -كما في معالم السنن (4/ 7) فإذا عقر هذا الكلب إنسانًا عرض له من ذلك أعراض رديئة منها أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشًا حتى إذا سقي الماء لم يشربه فالكلب داء عظيم إذا تجارى بالإنسان تمادى وهلك.
(2)
هذه الرواية أخرجها الترمذي (2641)؛ والحاكم (1/ 128 - 129) والمروزي في السنة (ص 18)، وابن وضاح في البدع والنهي عنها ص 85؛ والآجري في الشريعة (ص 15)؛ واللآلكائي في شرح السنة (1/ 99) رقم (147)؛ وقال الترمذي: حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه.
(3)
قال شيخ الإسلام: الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم وهم أهل الحديث والسنة.
الفتاوى (3/ 345، 347).
(4)
الأثرية: نسبة إلى اتباع أثر الرسول صلى الله عليه وسلم.
والأشعرية (1) والماتريدية (2).
قلت: وجوهر الحديث ولفظه وهو قوله فرقة واحدة ينافي التعداد (3).
(1) الأشعرية: نسبة إلى أبي الحسن الأشعري: علي بن إسماعيل، المتوفى 324 هـ.
يقولون باثبات سبع صفات فقط لأن العقل دل على إثباتها وهي: السمع والبصر والعلم والكلام والقدرة والإرادة والحياة ويؤلون بقية الصفات وقالوا بأن كلام اللَّه هو المعنى القائم وهو قائم بالذات، هو الأمر والنهي والخبر والإستخبار فإن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة وإن عبر عنه بالسريانية كان انجيلًا، وعندهم أنّ الإيمان هو التصديق بالقلب، والعمل والإقرار من فروع الإيمان لا من أصله، وقد رجع أبو الحسن الأشعري عن قوله في الأسماء والصفات ووافق أهل السنة في إثباتها كما هو واضح في مؤلفاته منها: الإبانة؛ ومقالات الإسلاميين. لكن بقي أتباعه على خلافه إلى اليوم.
انظر: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 95)، والفتاوي (12/ 165)، وشرح العقيدة الطحاوية ص 180؛ والإبانة ومقالات الإسلاميين (1/ 345).
(2)
الماتريدية: نسبة إلى أبي منصور -محمد بن محمد بن محمود- الماتريدي السمرقندي الحنفي- كان يقول: الإيمان تصديق القلب وأن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي، وليست الأعمال داخلة في الإيمان ولم يذكره أصحاب المقالات في كتبهم وإنما ذكره بعض المتأخرين، وله شرح على الفقه الأكبر المنسوب إلى أبي حنيفة مطبوع، توفى سنة 333 هـ.
انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص 373)؛ والعين والأثر (ص 53)؛ والجواهر المضيئة (3/ 360 - 361)؛ ومفتاح السعادة (2/ 151 - 152).
(3)
لكن الشارح رحمه الله خالف كلامه هذا فيما سيأتي. انظر (1/ 260، 2/ 15، 138 - 139) من كتابه هذا فجعل أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية والأشعرية والماتريدية.
قال بعض العلماء في تعليقه على كتاب الشارح لوامع الأنوار (1/ 73) عند قول الشارح أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية والأشعرية والماتريدية:
هذه مصانعة من المصنف في إدخاله الأشعرية والماتريدية من أهل السنة والجماعة، كيف يكون من أهل السنة والجماعة من لا يثبت علو الرب سبحانه فوق سماواته واستواءه على عرشه ويقول حروف القرآن مخلوقه وأن اللَّه لا يتكلم بحرف ولا صوت ولا يثبت رؤية =
وقد روى هذا الحديث الحاكم (1) في صحيحه وصححه وأبو داود والترمذي (2) وغيرهم.
وقد روى حديث افتراق أمته صلى الله عليه وسلم إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار.
روي من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر
= المؤمنين ربهم في الجنة بأبصارهم فهم يقرون بالرؤية ويفسرونها بزيادة علم يخلقه اللَّه في قلب الرائي، ويقول الإيمان مجرد التصديق وغير ذلك من أقوالهم المعروفة المخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.
وفي تعليق للشيخ عبد اللَّه أبا بطين ما لفظه:
تقسيم أهل السنة إلى ثلاث فرق فيه نظر فالحق الذي لا ريب فيه أن أهل السنة فرقة واحدة وهي الفرقة التاجية التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عنها بقوله: هي الجماعة وفي رواية من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي، ومن كان على ما أنا عليه وأصحابي.
وبهذا عرف أنهم هم المجتمعون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا يكونون سوى فرقة واحدة.
ثم قال: وبهذا عرف أن أهل السنة والجماعة فرقة واحدة: الأثرية قلت: وهذا هو الصحيح.
وانظر فتاوي وتنبيهات للشيخ عبدالعزيز بن باز ص (193 - 194).
(1)
الحاكم: محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن حمدويه أبو عبد اللَّه الحاكم ابن البيع الضبي النيسابوري الشافعي من أكابر حفاظ الحديث والمصنفين فيه ومن أعلمهم بعلومه وصحيحه وسقيمه له مصنفات كثيرة منها: المستدرك على الصحيحين طبع في أربعة مجلدات؛ وعلوم الحديث؛ ومناقب الشافعي وغيرها، توفى سنة خمس وأربعمائة.
سير أعلام النبلاء (17/ 162)؛ والأعلام (6/ 327).
(2)
الترمذي محمد بن عيسي بن سورة بن موسي السلمي الترمذي أبو عيسي صاحب "الجامع الصحيح" أحد الأئمة، ثقة حافظ، مات سنة تسع وسبعين ومائتين.
تقريب (ص 314).
وأبي الدرداء ومعاوية وابن عباس وجابر وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وعوف بن مالك وعمرو بن عوف المزني وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
فكل هؤلاء قالوا: واحدة في الجنة وهي الجماعة.
وأما ما نقله أبو حامد الغزالي في كتابه "الفرقة بين الإيمان (1) والزندقة" من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ستفترق أمتي نيفًا وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا الزنادقة (2) " وهي فرقة قال وهذا لفظ الحديث في بعض الروايات، قال وظاهر الحديث يدل على أنه أراد الزنادقة من أمته إذ قال ستفترق أمتي ومن لم يعترف بنبوته فليس من أمته. والذين ينكرون أصل المعاد والصانع فليسوا معترفين بنبوته. إذ يزعمون أن الموت عدم محض وأن العالم لم يزل كذلك موجودًا بنفسه من غير صانع ولا يؤمنون باللَّه واليوم الآخر وينسبون الأنبياء إلى التلبيس فلا يمكن نسبتهم إلى الأمة انتهى.
قلت وهذا الحديث الذي ذكره الإمام الغزالي (3) كذب موضوع.
(1) طبع هذا الكتاب مع عدة رسائل للغزالي باسم القصور العوالي من رسائل الإمام الغزالي، مكتبة الجندي بمصر والنص فيه (ص 143) وستأتي ترجمة الغزالي بعد قليل.
(2)
في هامش "ظ" كتب ما يلي: قف على حديث نقله الغزالي: ستفترق أمتي نيفًا وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا الزنادقة. وأنه كذب مفترى لا أصل له باتفاق أهل العلم كما أفاده المصنف رحمه اللَّه تعالى.
(3)
الغزالي: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي المعروف بالغزالي زين الدين أبو حامد حكيم متكلم فقيه أصولي صوفي مشارك في أنواع من العلوم صاحب تصانيف كثيرة، مات سنة 505.
انظر سير أعلام النبلاء (19/ 322)؛ وطبقات الشافعية (6/ 191)؛ ومعجم المؤلفين (11/ 266).
قال الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية (1) قدس اللَّه روحه: "أما هذا الحديث -يعني الحديث الذي ذكره الغزالي فلا أصل له بل هو موضوع كذب باتفاق أهل العلم بالحديث ولم يروه أحد من أهل الحديث المعروفين بهذا اللفظ، بل الحديث الذي في السنن والمسانيد عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار".
وروي عنه أنه قال: هي الجماعة.
وفي لفظ آخر: "هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" قال وضعفه ابن حزم (2).
لكن رواه الحاكم في صحيحه ورواه أبو داود والترمذي (3) وغيرهم قال وأيضًا لفظ الزندقة لا يوجد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يوجد في القرآن.
وأما الزنديق الذي تكلم الفقهاء في توبته قبولًا وردًا فالمراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر (4). انتهي.
(1) ابن تيمية تقدم (1/ 139).
(2)
ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري أبو محمد عالم الأندلس في عصره واحد أئمة الإسلام، ولد بقرطبة وكانت له ولأبيه رئاسة الوزراء وتدبير المملكة فزهد بها وانصرف إلى العلم والتأليف فكان من صدور الباحثين فقيهًا حافظًا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، له مصنفات كثيرة، توفى سنة 456 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 184)؛ وفيات الأعيان (3/ 325)؛ الأعلام (4/ 254).
(3)
انظر: تخريج الحديث (1/ 140).
وانظر كلام ابن حزم علي الحديث في الفصل (3/ 292).
(4)
انظر: كلام شيخ الإسلام هذا في كتابه: بغية المرتاد (ص 336 - 337)؛ وعزاه المؤلف في كتابه اللوامع (1/ 92) إلى: الإسكندرية لشيخ الإسلام.
قلت: وقد ذكر الحديث الذي ذكره الغزالي الإمام الحافظ ابن الجوزي (1) في كتابه في الموضوعات (2) وذكر أنه روي من حديث أنس ولفظه "تفترق أمتي على سبعين أو إحدى وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة قالوا يا رسول اللَّه من هم؟ قال: الزنادقة وهم القدرية".
أخرجه العقيلي (3) وابن عدي (4) ورواه الطبراني (5) أيضًا.
قال أنس: "كنا نراهم القدرية"(6).
قال ابن الجوزي: وضعه الأبرد بن الأشرس وكان وضاعًا كذابًا وأخذه منه ياسين الزيات فقلب اسناده وخلطه وسرقه عثمان بن عفان القرشي.
(1) ابن الجوزي: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي أبو الفرج محدث مفسر مؤرخ وأعظ فقيه، مولده ووفاته ببغداد له نحو ثلاثمائة مصنف، مات سنة 597 هـ.
سير أعلام النبلاء (21/ 365)؛ وذيل طبقات الحنابلة (1/ 399)؛ والأعلام (3/ 317).
(2)
انظر: الموضوعات (1/ 267).
(3)
العقيلي: محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي الحجازي، محدث حافظ ناقد مصنف كتاب الضعفاء طبع في أربعة مجلدات، توفي سنة 322 هـ.
سير أعلام النبلاء (15/ 236)، الوافي بالوفيات (4/ 291).
(4)
تقدم (1/ 110).
(5)
الطبراني: سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمى الشامي أبو القاسم من كبار المحدثين الحفاظ له ثلاثة معاجم في الحديث الكبير والأوسط والصغير، وله كتاب السنة وغيرها، توفى سنة 360 هـ.
سير أعلام النبلاء (16/ 119)؛ والأعلام (3/ 121).
(6)
الحديث أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 201)؛ وابن عدي في الكامل (3/ 934)؛ وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 267)؛ والسيوطي في اللآلي (1/ 248).
وهؤلاء كذابون متروكون فلا يعول على ما نقلوه ولا يلتفت إلى ما رووه (1) وباللَّه التوفيق.
الخاتمة
في ذكر بعض أشياء لا ينبغي لمن يريد الخوض في هذا العلم أن يجهلها منها:
مما ينبغي أن يعلم أن الأحكام الشرعية منها ما يتعلق بكيفية العمل وتسمى فرعية وعملية. ومنها ما يتعلق بالإعتقاد وتسمى أصلية واعتقادية والعلم المتعلق بالأولى علم الشرائع والأحكام لأنها لا تستفاد إلا من جهة الشرع. ولا يسبق إلى الفهم عند إطلاق الأحكام إلا إليها.
والمتعلق بالثانية علم التوحيد والصفات سمي بذلك لأنه أشهر مباحثه وأشرف مقاصده، وكان الصدر الأول رضوان اللَّه عليهم لصفاء عقائدهم ببركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وقرب العهد بزمانة وقلة الإختلافات والوقائع وتمكنهم من المراجعة إلى الثقات مستغنين عن تدوين العلمين وترتيبهما أبوابًا وفصولًا وتقرير مقاصدهما فروعًا وأصولًا إلى أن حدثت الفتن بين المسلمين والخروج والبغي على أئمة الدين وظهر اختلاف الآراء والميل إلى البدع والأهواء وكثرت الفتاوى والواقعات والرجوع إلى العلماء في المهمات فاشتغلوا بالنظر والإستدلال والإجتهاد والإستنباط وتمهيد القواعد والأصول وترتيب الأبواب والفصول وتكثير المسائل بأدلتها وإيراد الشبه بأجوبتها وتعيين الأوضاع والإصطلاحات وتبيين المذاهب والإختلافات. وسموا ما يفيد معرفة الأحكام العملية عن أدلتها التفصيلية بالفقه.
ومعرفة أحوال الأدلة إجمالًا في إفادتها الأحكام بأصول الفقه ومعرفة العقائد
(1) انظر: الموضوعات لابن الجوزي (1/ 268).
عن أدلتها بالكلام، وبأصول الدين وبالتوحيد وإنما سموه بالكلام لأن عنوان مباحثه: كان قولهم الكلام في كذا وكذا أو لأن مسألة الكلام الذي هو القرآن كانت أشهر مباحثه، وأكثرها نزاعًا وجدلًا، حتى قتل بعض المتغلبة خلقًا كثيرًا من أهل العلم والسنة لعدم قولهم بخلق القرآن كالمأمون وأخيه المعتصم (1) والواثق (2) ابن المعتصم ونال سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه من ذلك أذى كثيرًا ولأنه يورث قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات وإلزام الخصوم كالمنطق والفلسفة فيما يزعم ذووه. ولأنه أول ما يجب من العلوم التي إنما يعلم ويتعلم بالكلام فأطلق عليه هذا الإسم لذلك ثم خص به ولم يطلق على غيره تمييزًا له عن غيره. ولأنه إنما يتحقق بالمباحثة وإدارة الكلام من الجانبين وغيره قد يتحقق بالتأمل ومطالعة الكتب، ولأنه أكثر العلوم خلافًا ونزاعًا فيشتد افتقاره إلى الكلام مع المخالفين والرد عليهم، ولأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه من العلوم.
كما يقال لأقوى الكلامين هذا هو الكلام، ولأنه لإبتنائه على الأدلة القطعية المؤيد أكثرها بالأدلة السمعية أشد العلوم تأثيرًا في القلب وتغلغلًا فيه فسمي بالكلام المشتق من الكلم وهو الجرح وهذا هو كلام القدماء ومعظم خلافياته مع الفرق
(1) المعتصم: محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن المنصور العباسي أبو إسحاق من أكابر خلفاء بني العباس وكانت له مع الروم وقائع مشهورة وكان ذا قوة وبطش وشجاعة وهيبة لكنه قليل العلم، وفي ولايته امتحن الناس بخلق القرآن، مات سنة سبع وعشرين ومائتين.
سير أعلام النبلاء (10/ 272).
(2)
الواثق: هارون بن المعتصم باللَّه محمد بن هارون الرشيد أبو جعفر الخليفة العباسي ولي الأمر بعهد من أبيه في سنة سبع وعشرين ومائتين، وكان أديبًا مليح الشعر لكنه تشدد في المحنة والدعاء إلى القول بخلق القرآن، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
سير أعلام النبلاء (10/ 306).
الإسلامية خصوصًا المعتزلة ومن نحا منحاهم.
وأما تسميته بأصول الدين فالأصول جمع أصل ويطلق على أمور منها: ما ينبني عليه غيره، فسمي بذلك لابتناء الدين عليه بحسب أصله والمراد بالدين دين الإسلام. ويأتي تعريفه.
وأما تسميته بالتوحيد فلأنه يبحث به عن الذات الواجب الوجود، والصفات.
وكذلك يسمى بالعقائد مشتق من الإعتقاد الذي هو حكم الذهن الجازم.
ومنها ينبغي لكل طالب علم أن يتصور ذلك العلم بحده أو رسمه ليكون على بصيرة في طلبه وأن يعرف موضوعه ليمتاز عنده عما سواه مزيد امتياز فإنما تمايز العلوم بتمايز موضوعاتها، وأن يصدق بغاية مآله وإلا كان الطلب عبثًا، ولا بد أن يكون معتدًا بها بالنظر لمشقة التحصيل. وإلا ربما فتر جده، ولابد أن تكون مترتبة (1) على ذلك الشيء المطلوب، وإلا ربما زال اعتقادها بعد الشروع فيه فيصير سعيه في تحصيله عبثا في نظره.
إذا عرفت هذا فالفن المسمى بأصول الدين وبعلم العقائد وبعلم التوحيد والصفات وبعلم الكلام.
أما تعريفه: (2) العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية أي العلم بالقواعد الشرعية الإعتقادية المكتسب من أدلتها اليقينية والمراد بالدينية المنسوبة إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم من السمعيات وغيرها سواء كانت من الدين في الواقع ككلام أهل الحق أو لا ككلام أهل البدع.
(1) في "ظ" مرتبة.
(2)
في "ظ" فهو.
واعتبروا في أدلتها القين لعدم الإعتداد بالظن في الإعتقاديات (1) فدخل في التعريف علم علماء الصحابة فإنه كلام وأصول وعقائد وإن لم يكن يسمى في ذلك الزمان بهذا الإسم.
كما أن علمهم بالعمليات فقه وإن لم يكن ثَمّ هذا التدوين والترتيب. وذلك إذا كان متعلقًا بجميع العقائد بقدر الطاقة البشرية مكتسبًا من النظر في الأدلة اليقينية، أو كان ملكة تتعلق بها بأن يكون عندهم من المآخذ والشرائط ما يكفيهم في استحضار العقائد، وقال غير واحد حده: علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية ودفع الشبه -أي المنسوبة إلى دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإن لم تكن مطابقة للواقع لعدم إخراجنا الخصم عن أن يكون من علماء الكلام وإن خطأناه أو كفرناه (2).
فيه بقوله ودفع الشبه على لطيفة وهي أن ليست القواعد الكلامية لأجل أن يؤخذ منها الإعتقادات الإسلامية، بل المقصود منها ليس إلا دفع شبه الخصوم فإنهم
(1) هذا هو مذهب أهل الكلام الذين يقولون إن أحاديث الآحاد لا تثبت به عقيدة. وبذلك ردوا كثيرًا من أحاديث الصفات وغيرها، بدعوى أنها أخبار آحاد تفيد الظن، فلا يعمل بها. وهو مذهب باطل لا يعول عليه. ويكفي في ظهور بطلانه أنه يستلزم رد الروايات الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد تحكيم العقل والمذهب الحق أن أخبار الآحاد الصحيحة كما تقبل في الفروع تقبل في الأصول، فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة من صفات اللَّه يجب إثباته وإعتقاده على الوجه اللائق بكمال اللَّه وجلاله على نحو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
انظر: مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (2/ 332) وما بعدها؛ وشرح الكوكب المنير (2/ 352)، ومذكرة أصول الفقه الامين الشنقيطي (ص 104 - 105)؛ ومقدمة في مصطلح الحديث والحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام للألباني؛ ووجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين للألباني أيضًا.
(2)
نظر: الواقف في علم الكلام (ص 7)، وشرح المقاصد (1/ 180)، مفتاح السعادة (2/ 150)؛ أبجد العلوم (2/ 67).
طعنوا في بعض منها بأنه غير معقول فبينوا بالقواعد الكلامية معقولية ذلك البعض وإنما تؤخذ الإعتقادات الإسلامية من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.
وأما موضوعه: فهو المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية تعلقًا قريبًا -أي بلا واسطة- وبعيدًا أي بواسطة لا ذات اللَّه للبحث عن صفاته وأفعاله العارضين له كما ظن بعضهم لأنا نبحث عن أمور أخرى في الكلام من غير ملاحظة استنادها الى ذات اللَّه تعالى وعروضها له (1) كالجواهر والأعراض فيبحث في هذا العلم عن أحوال الصانع من القدم والوحدة والقدرة والإرادة وغيرها ليعتقد ثبوتها له تعالى.
وأحوال الجسم والعرض من الحدوث والإفتقار والتركيب من الأجزاء وقبول الفناء ونحو ذلك ليعتقد تنزيهه تعالى عنها، فيثبت للصانع ما ذكر مما هو عقيدة إسلامية أو وسيلة إليها.
وكل هذا بحث عن أحوال المعلوم كإثبات العقائد الدينية وهو كالموجود إلا أنه أوثر على الموجود ليصح على رأي من لا يقول بالوجود الذهني ولا يعرف العلم بحصول الصورة في العقل وورى مباحث المعدوم والحال من مسائل الكلام.
وأما غايته: فهي أن يصير الإيمان والتصديق بالأحكام الشرعية متقنًا محكمًا لا تزلزله شبه المبطلين فيرقى من حضيض التقليل إلى ذروة الإيقان بسبب التمكن من الإستدلال.
ومن فوائده أيضًا: إرشاد الطالبين وإلزام المعاندين بإقامة الحجج والبراهين ونقض غبار شبه الخصوم عن قواعد الدين وصحة النية والإعتقادات الإسلامية التي يقع بها العمل في حيز القبول.
(1) ليست في: "ظ".