الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحبة
أصدق وصف وأوضحه في أمر الصحبة حديث نافخ الكير قال صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا منتنة» متفق عليه.
بل رفع الله ذكر الكلب برفقته للصالحين قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} .
والصحبة في مجال الدعوة تكون في خطوتين؛ الأولى منهما الدعوة إلى الالتزام، والثانية الإعانة والتثبيت على الالتزام.
وإن كانت المرحلة الأولى تختلف مدتها إلا أن الثانية مستمرة حتى مراحل متقدمة من ثبات الالتزام ووضوحه .. بل إنها مستمرة حتى الموت.
والصحبة تكون غالبًا من خارج وسط المدعو، وحتى يكون لها قبول عند المدعو. يجب أن يودها ويحترمها ويقدرها وعندها يبدأ أمر الدعوة أما إذا كان هناك تنافر وعدم انسجام فربما يكون العائد من الدعوة قليلاً جدًا. ولذا يفضل أن تعرف حال المدعو وما هي هواياته ورغباته وماذا يحب وكيف هي شخصيته.
وأذكر أن امرأة صالحة أرادات لزوجها الالتزام وسلوك جادة الحق فهاتفت بعض أقاربها وبعض العلماء وبعد مشاورات قالت
لإحدى صديقاتها: زوجي يحب الرحلات البرية والصيد فابحثوا له عن رفقه طيبة لها تلك الرغبات وتحب تلك الرحلات.
فكان أن تم التعارف بينه وبين تلك الصحبة والرفقة وبدأ يذهب معهم في رحلاتهم البرية فأنس بهم والتزم على أيديهم.
وهذا يعطي مثلاً لمن أراد الدعوة أن يلتمس جانبًا يتفق فيه المدعو مع الصحبة حتى يكون منطلقًا لتلك الصحبة. وهذه الوسيلة تطرقها الأمهات والزوجات لأبنائهن وأزواجهن إذا لم يرين تأثر المدعو بطريقتهن وكذلك تشيع بين أوساط الطلبة والطالبات وفي مجتمعات الأحياء. وهي وسيلة فيها من الدعوة والصبر الشيء الكثير.
وعند البحث عن الصحبة الطيبة يجب الحرص على اختيار أفضل تلك الصحبة وأنفعها علمًا وأكثرها قربًا إلى الله فإن هناك من هم على خير وصلاح في أنفسهم ولكنهم مضيعون للأوقات في أحاديث عن الدنيا وربما بعضها في الغيبة .. فهذا وإن كان له في الدعوة نصيب فإن ضرره حاصل على نفسه وعلى المدعو.
وهناك أمور تعين على الصحبة ييسرها الله مثل صحبة مدرسة أو رحلة جماعية أو لقاء في مكان عام وهكذا.
وللداعي أن يتلطف مع المدعو ويتصرف بلباقة وحسن أدب وبشاشة وسرعة خدمة حتى يكسب قلب المدعو ويجعله يتقبل ما يطلب منه من ترك معصية أو فعل خير .. وعليه بذلك الجهد
والنفس وربما المال والوقت في سبيل ذلك ولا يتكبر ولا يتعالى .. بل يتواضع ويتلاين حتى تبلغ محبته قلب المدعو.
الخلق الحسن إلهام من الله ومنحة لمن وفقه الله، ومن يتحلى بذلك قلائل ولكن يجب أن نوطن أنفسنا على حسن الخلق فما الحلم إلا بالتحلم والكرم إلا بالبذل. ويعجب المرء من أصحاب الدعوات الباطلة والعقائد المنحرفة كيف وطنوا أنفسهم على حسن الخلق والصبر على أذى الناس إن الكثير يلمز ويغمز بحسن خلقهم مقارنة بالآخرين وما علموا أن الله قال فيهم:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} .