المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌لمسات حانية المدرسة مكان دعوي مهم وأرض خصبة منبتة .. يساعد - ليس عليك وحشة

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌لمسات حانية المدرسة مكان دعوي مهم وأرض خصبة منبتة .. يساعد

‌لمسات حانية

المدرسة مكان دعوي مهم وأرض خصبة منبتة .. يساعد على ذلك عوامل كثيرة منها طول مدة اليوم الدراسي والسنة الدراسية وكذلك قيمة الدرس وأهميته .. وتتفاوت الدعوة باختلاف الأعمار من مرحلة إلى أخرى.

ومن خلال خمس وأربعين دقيقة يستطيع المعلم والمعلمة إيصال ما يرغبون فيه إلى الطلبة بشكل عام وإلى الطالب المعني بشكل خاص. وهناك التفاتات من المعلم إلى الطلبة النابغين والنابهين ومن لهم وجاهة في المجتمع من علم أو منصب أو جاه فإنهم القدوة في وسط ذاك المجتمع .. وكذلك الالتفات إلى من يحتاج من الطلاب إلى عناية ودعوة، وللمعلم حرية وطول وقت تساعده على اختيار وسائل وطرق الدعوة بل وتنوعها وتعددها.

وسأضرب لذلك مثلين أو أكثر تبين أهمية المدرس في المدرسة وأثره على الطالب وأسرته:

فالأول ذكره لي أحد أئمة المساجد، وكان قادمًا من منطقة بعيدة إلى الرياض للدراسة الجامعية وكان متفوقًا وقد سأل أحد المشايخ طلاب السنة الأولى الجامعية .. من الأوائل في هذا الصف؟ ! ثم بدأ يسأل الأوائل كم تحفظ من كتاب الله عز وجل؟ !

قال الإمام -وكان من المتفوقين-: سألني كم تحفظ من كتاب الله؟ ! فأجبته: أربعة أجزاء ..

ص: 73

فقال: هذا لا يليق بك ولا بطالب علم مثلك.

وطلب منه أن يحضر إلى مكتبه بعد المحاضرة.

قال الإمام: فذهبت إليه وأنا كلي رهبة وحياء من الشيخ خاصة أنني قادم من مدينة بعيدة .. ولا أعرف نظام الجامعة ..

وعندما سلمت عليه حثني على حفظ كتاب الله وحفظ المتون الأخرى وطلب أن أوافيه كل أسبوع ليسمع ما حفظت .. ورتب لي جدولاً بذلك. فكان أن بدأت أحفظ وهو على تسميعه لي .. واستمررت بعد ذلك الفصل حتى حفظت القرآن وبدأت أحضر دروس العلماء ودروسه هو بالذات.

فهذا الاهتمام الشخصي له أثر واضح ورعاية طالب بعينه لها وقع في نفسه وشحذ لهمته.

وموقف آخر لمدرسة في مدرسة ثانوية للبنات بدأت تتلطف مع طالباتها حتى أحببنها ثم بدأن يتنافسن لحفظ القرآن في المنزل بمشورة منها .. بل وأصبح الكثير منهن داعيات في وسط أسرهن.

وهناك أمثلة كثيرة تحفل بها كتب التاريخ والتراجم والسير عن بروز ونبوغ أحد العلماء على يد شيخه بل ربما بكلمة منه تغير مجرى حياة الطالب.

وبعض المدرسين يأتي به من جانب آخر كما ذكر لي أحد المدرسين فقال: عندما عينت في إحدى المدارس كان هناك طالب مشاغب ومهمل في دراسته إلى درجة أن يثير الاشمئزاز من تصرفاته فأخذته بمفرده وقلت له: أنت لم تخلق لمثل هذا، ومثلك تنتظره

ص: 74

الأمة، وجعلته عريفًا على الفصل وبدأت أتابع دروسه وقلت له: نريدك قائدًا عسكريًا، فكان أن تغير حاله وصلحت أموره وترك التدخين وأتاني والده وسلم علي ودعا لي.

إنها لمسات حانية وجهد بسيط يغير أمورًا كثيرة ومشاكل متواصلة.

كما أن لشهادات الشكر أثرًا ملموسًا في تهيئة الطالب واهتمامه بمستقبله. والاهتمام بالطالب ربما يؤثر في أسرته بشكل مباشر من حسن تعامل المدرس وحديث الطالب عنه بين والديه وأهله كما أن لوصول الكتب والأشرطة التي تهديها المدرسة إلى منزل الطالب وحسن الاختيار فيها أثرًا واضحًا ملموسًا.

ربما يكون الداعي مدرسًا فيهتدي على يديه أمة.

والمدرس ينفع الله بهدايته فصولاً دراسية كاملة .. بل ربما طالب واحد يكون عالم الأمة غدًا .. كم من الأجر سيكون لهذا الداعي الأول؟ ! لا ينقص من أجرهم شيئًا؟ ! وأذكر أن رجلاً كبيرًا في السن لا يقرأ ولا يكتب قصد شابًا حتى اهتدى على يديه وهذا الرجل الكبير الآن يحضر محاضرات الشاب الذي أصبح داعية معروفًا .. فكم من الأجر لهذا الداعي؟ وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ولكنه كان سببًا في هداية هذا الشاب الذي أصبح داعية الآن ونفع الله به!

وهناك أمور يستفيد منها المدرس أو المدرسة وهي اختيار بحث أو دراسة كتاب للمدعو ويركز على الأمور الإسلامية

ص: 75

وخاصة ذات الطابع الإعلامي حتى لا يكون أمر الدعوة مباشرًا؛ فمثلاً كتابة بحث عن المسلمين في روسيا أو البوسنة أو الصين أو الصومال فإن في ذلك ربطًا لواقع المدعو بالمسلمين وهمومهم وما يصيبهم من نكبات وويلات، وكذلك إدراج بحوث عن التنصير وجهود النصارى.

وهناك نقاط تربوية كثيرة يعرفها المربون ويبذلون في ذلك أوقاتهم وأموالهم ويرهقون أعصابهم محتسبين في ذلك كله الأجر والثواب .. وكم من معلم خرج أجيالاً متعاقبة أثرت في مسير الأمة كلها، وكما أن المعلم يحرص على الطالب النابغ والنبيه فهو يحرص أيضًا على الطالب الذي ظهرت عليه أمارات الانحراف فإن المربي (أو المربية) يضع عينه على بعض الطلاب فيعمد إلى عزل بعض من يرى فيه خيرًا أو توجهًا وقبولاً عن بقية التلاميذ حتى لا ينجرف مع التيار ويكتسب صفات سيئة.

والحديث عن التعليم لا ينقطع وهو سبيل الأمة إلى النهوض والرفعة والسؤدد.

أخي المسلم:

الكثير يلقي كلمة دعوية عابرة ولا يلقي لها بالاً وكثير من المدعوين اهتدوا بكلمة واحدة .. فكثير بدأ يجاهد نفسه على فعل الطاعات بسبب كلمة سمعها .. وكثير استقامت أمورهم لكلمة أثرت في نفسه ووجدت لها في قلبه مدخلاً.

ص: 76

وحدثت أن مدرسة مادة الكيمياء في المختبر بدأت تذيب الحديد وتصهره .. ثم قالت: هذه نار الدنيا فكيف بنار الآخرة؟ فكان أن هبت طالبة من سباتها واستيقظت من غفلتها وبدأت لحفظ ذلك الحديد المذاب وتلك النار تحته. فاعتبرت وفكرت واستقام أمرها وتابت إلى الله من غيها وعبثها .. فالكلمة وسيلة دعوية لها تأثير في نفس المدعو فينتقي من الكلام أطايبه، فربما يقع من الحديث كلمة تكون سببًا في هداية المدعو.

ص: 77