الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الانطلاقة
أعظم دعوة يقوم بها المسلم هي دعوة نفسه .. فيبدأ بها يلزمها الطاعة ويجنبها المعصية .. ويجاهد نفسه في ذلك حتى تستقيم له .. عندها يخلِّص نفسه من عذاب الله -بعفوه ورحمته-.
ومن تأمل سير العلماء والدعاة وجد فيها من مجاهدة النفس والصبر على الطاعة الشيء الكثير .. فهذا أثر عنه صيام داود، وذاك يقوم من الليل ساعات طوال، وآخر اشتهر بالعبادة والورع والتقى .. وكلهم يجاهد نفسه في العبادة والوقوف بين يدي الله بذل وانكسار .. وكل تلك الطاعات تقوي الإيمان وترقق القلوب وتعين على دعوة الآخرين.
ثم الخطوة التالية أن يبدأ الداعي بأقرب الناس وأحبهم إليه من والد ووالدة وأخ وأخت وزوجة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].
أخي الحبيب:
الدعاء عبادة عظيمة يشعر فيها المخلوق بعظم شأن الخالق وقدرته على تصريف الأمور .. وهو لجوء إلى رب الأرباب ومسبب الأسباب .. الدعاء باب ومدخل من أسباب الهداية، فبسبب الدعاء يحصل سكينة في النفس وانشراح في الصدر وصبر يسهل معه احتمال الأذى، وهو منارة للتفاؤل بقبول الدعوة عند المدعو ورجاء أن يقذف الله في قلبه نور الهداية والتقى.
وهناك أناس كثيرون رزقهم الله الهداية بدعوة من الوالدين أو من أخ مشفق ناصح أو صديق مخلص أو زوجة محب.
ويتحرى الداعي أوقات الإجابة، ويتأدب بآداب الدعاء المعروفة، ويسأل الله من منه وكرمه ويلح في الدعاء ويتذلل بين يدي الله رجاء قبول دعوته. ولقد كان الأنبياء والصالحين يدعون ربهم لأنفسهم ولذرياتهم ولقومهم:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} ، {رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} ، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} وغيرها كثير.
كان صلى الله عليه وسلم يحب التفاؤل في كل شيء .. وهل هناك صحيفة أنصع من صحيفة الدعوة؟ لذا يجب أن تجمل بالتفاؤل وتزين بالبشارات التي وعدها الله للدعاة وقرب استجابة دعوتهم ..
ووالله نرى الفرح هذه الأيام من إقبال الناس على الدين فهذا بالأمس فاسق واليوم تقي ورع، وذاك مجاهر بمعصية واليوم تسبقه دمعة الندم .. وذاك كان متراخيًا متكاسلاً لا يقوم الليل واليوم ها هو يصلي الليل إلا قليلاً .. وذاك بالأمس كافر وهو اليوم مسلم .. فاللهم لك الحمد. والتفاؤل وسيلة دعوية للداعي تعينه على دعوته وللمدعو تفرح قلبه وتسر خاطره.
على الداعي الالتزام في النصيحة بما وافق الكتاب والسنة فلا ينصح بأمر إلا وهو عالم به متأكد من ذلك، ولا ينهى عن أمر إلا مثل ذلك ولكن لا يشترط للداعي حفظ الدليل ومعرفته .. بل ما علم من الدين بالضرورة يكفي للداعية العادي.
ولذلك فإن من أهم وسائل الدعوة تعلم العلم النافع للداعي لكي يتسلح الداعي بسلاح قوة فربما يحتاج إلى مناقشة وطرح أفكار فالعلم بالشيء الذي فوق طاقة الداعية يراجعه وينظر فيه لكي تكون دعوته على بصيرة وعلم.
أخي المسلم:
ينبغي للداعي أن يكون قوله للناس لينًا، ووجهه منبسطًا طلقًا، فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة .. فالداعي أيًا كانت منزلته وأيًا كان عقله وعلمه ليس بأفضل من موسى وهارون، ومن وجهت إليه الدعوة ليس بأخبث من (فرعون) وقد أمرهما الله جل وعلا (باللين) معه في قوله:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .
ذلك أن المقصود من الدعوة إلى الله تبليغ شرائع الله إلى الخلق ولا يتم ذلك إلا إذا مالت القلوب إلى الداعي، وسكنت نفوسهم لديه، وذلك إنما يكون إذا كان الداعي رحيمًا كريمًا، يتجاوز عن ذنب المسيء، ويعفو عن زلاته، ويخصه بوجوه البر، والمكرمة والشفقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه-: وينبغي أن يكون الداعي حليمًا صبورًا على الأذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح.