المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الموسيقا في مدارسنا - مجلة «المعرفة» السورية - جـ ٢

[عادل العوا]

الفصل: ‌الموسيقا في مدارسنا

‌الموسيقا في مدارسنا

للأستاذ نعيم الحمصي

قلت في العدد السابق أن تذوق الأدب لا يتم لمتأدب إلا إذا كان ذوقه العام سليماً نامياً، وان ضعف ذوق الطلاب الأدبي راجع إلى ضعفهم في تذوق وممارسة الفنون الجميلة الأخرى، وفي قدر كبير منه، إلى جانب عدم تعلمهم العربية بطريقة صحيحة طبيعية. وقلت أيضاً أن البيئة المحيطة بأكثر الطلاب لا تساعد على نمو الروح الفنية وبالتالي لا تساعد على رقي الفنون الجميلة وإرهاف الحس، وأن واجب المدرسة والحالة ما ترى أن تقوم مقام الأسرة أيضاً في تنمية الذوق الفني فيكون واجب المدرسة نحو الطفل مضاعفاً.

ولكن المدرسة نفسها لم تقم بواجبها في هذا السبيل، فيا اعتقدت أنا ويعتقد غيري أيضاً، ولم تسلك السبيل القويم إلى تربية ملكات الطفل والملكات الفنية منها خاصة وسأكتفي في مقالي الحاضر بالحديث عن الموسيقا مرجئاً الكلام على الفنون الجميلة الأخرى إلى الأعداد القادمة فأقول:

إن كثيراً من الطلاب فقراء فليس في بيوتهم مذياع يسمعون منه قطعاً موسيقية وغنائية بل الحقيقة الواقعة إن كثيراً من الأدباء يرون في سماع الموسيقا والغناء ضرباً من اللهو المكروه لم يكن يسمح لهم به لما كانوا بدورهم صغارا وقد ينكر بعض الناس وجود مثل هؤلاء الآباء ولكني أؤكد له أنهم موجودون وكثير عددهم أيضاً. وسواء أكان الباعث على هذا فقرهم الذي يدفعهم إلى الترويج عن النفس بالعصبية الدينية أم حب الحافظة على التقاليد والإيمان بمخالفة الفنون الجميلة للدين إيماناً صادقاً حقاً فالذي يعنيني هو أثرهم في خنق الروح الفنية في أطفالهم إن لم تتلاف المدرسة ذلك وتستأصل بروز الضعف من أساسها. والأسر التي يتوفر في أفرادها الموهبة الفنية والعزف على إحدى الآلات الموسيقية قليلة لا يعني وجودها أن الذوق الموسيقي منتشر في أوساط الناس إلى حد يرضى عنه.

ومن المفيد أن ننتبه إلى أنه ليست كل قطعة موسيقية أو غنائية تعزف على أي آلة من آلات الطرب تساعد على رقي الذوق الفني بل إن لحسن الاختيار أثره والنقد الفني الموسيقي لم ينضج بعد في بيئتنا النضوج الكافي فالموسيقا الراقية الملائمة لبيئتنا هي

ص: 51

وحدها القادرة على بعث الفن وتنمية المواهب فينا. ويجب أن نراعي الطور الدقيق من أطوار حياتنا الذي نجتازه اليوم فليس هو بالشرقي الصرف ولا هو بالغربي فلا أرى أن القطع الشرقية اللدنة ترضي نفوسنا بل هي تملها وتنميها كما لا أرى أن الموسيقا الحديثة الأمريكية التي تمثل الح0ياة الصاخبة في تلك البيئة بما فيها من معامل ودوي آلات مما يلائم نفوسنا التي تحيا في بيئة مشرقة هادئة، وأعتقد أن خير ما يلائمها في هذا الطور هو القطع الكلاسيكية الغربية وبعض القطع الشرقية الموفقة.

ولأرجع الآن إلى نفس النقطة التي بدأت منها فأتساءل ماذا عملت المدرسة في هذا السبيل؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بد من معرفة ما يلي:

1 -

ما هو هدف الوزارة المعارف من تدريس الموسيقا في المدارس؟ وما هي المناهج والمواد التي وضعتها لبلوغه - فغاية كل مدرس موسيقا أن يستطيع بلوغ هذا الهدف بإتباع ما توصيه الوزارة به وما تخطه له - وهل هذا الهدف كاف في تربية الذوق الفني لدى التلاميذ؟.

2 -

كيف تدرس الموسيقا فعلاً في المدارس؟ وهل يؤدي وجود ساعات لدراسة الموسيقا في جدول الميقات الأسبوعي إلى تحقيق غاية المعارف أولاً وإلى تحقيق التربية الفنية التي نريدها ثانياً.

وبعد الكلام عن هاتين النقطتين أقدم من الاقتراحات ما أراه صالحاً لبعث الروح الفنية وتقويتها.

هدف الوزارة المعارف ومناهجها

لم يتناول المربي الكبير الأستاذ ساطع الحصري في تقاريره نقد الحالة التي تدرس فيها الفنون الجميلة في المدارس الرسمية. ولم تنل قسطها من الإصلاح في البرنامج الجديد، فبقيت كما هي في البرنامج القديم وهذا البرنامج لم يذكر في المقدمة الغاية التي من أجلها تدرس الموسيقا في المدرسة بل قال: الموسيقا بما فيها من نواح مختلفة يجب أن ترافق الطفل من صفوف الحضانة وحدائق الأطفال حتى نهاية حياته المدرسية وهي كلغة من اللغات يجب أن يبدأ بها كما يبدأ بالتهجي بطرق جذابة تتضمن قسطا وافراً من التربية الحديثة يلقنها معلم اختصاصي بهذا الفن ولكن عدم وجود نص على الهدف في البرنامج لا

ص: 52

يعني أن هذا الدرس لا هدف له. ويمكننا من قراءة البرنامج أن ندرك أنه يهدف إلى تربية الذوق الفني الموسيقي عند التلاميذ وإن لم ينص على ذلك صراحة وهو يبغي تحقيق هدفه بوسيلتين:

آ) أولاهما تهذيب أذن الطالب وصوته وحنجرته وهذا يتضح في برنامج صف الحضانة إذ نص على أن الطلاب يتلقون أناشيد بسيطة التلحين مصحوبة بإشارات تقليدية تلقن بالسماع، وفي برنامج الصف الأول: سماع الأغاني والأناشيد والقطع الموسيقية بالأسطوانات، وفي برنامج الصف الثاني ففيه: تهذيب الصوت والأذن وتدريب الحنجرة على لفظ الأصوات السبعة في ارتفاعها وهبوطها تدريجيا ويقتصر على العلامات المستديرة فقط.

ب) وثانيتهما تعليم الطالب نظريات الموسيقا تعليما نظريا بحيث ينتهي الطالب من دراسته الابتدائية وهو يعرف القراءة الموسيقية الموزونة بالمقاييس وقراءة الأناشيد والألحان. . . وإيضاح بعض المصطلحات ونبذة من تاريخ الموسيقا وفكرة بسيطة عن النغمتين البالغة والقاصرة الخ. . . وبالاختصار ينتهي الطالب من دراسته الابتدائية وعنده ثقافة موسيقية كافية، ولكن الناحية النظرية مع الأسف هي الغالبة فيها. والمفروض أن الأستاذ سيعلمه كل هذه الدروس مستعيناً بالآلات الموسيقية وحمل التلاميذ على محاكاتها بأصواتهم وبحفظها في صورتها الجافة العلمية عن ظهر قلب، ولكن يظهر بوضوح من تلاوة البرنامج كله أن دور الطالب حين تعلمه نظريات الموسيقا هو دور سلبي ينفر التلميذ من الموسيقا أكثر مما يحببه بها وهو لن يجبها إلا إذا مارسها بصورة عملية واستطاعت يده أن تعرف ما يتلقاه نظريا ويتم له الانسجام والتجاوب النفسي والحسي بين أنامله وأذنه وحنجرته ومعلوماته الموسيقية النظرية. فالناحية العلمية الإيجابية التي لها القيمة العظمى في تطوين الذوق الفني لدى الطفل هي مفقودة ولكني أقول حتى لا أغمط البرنامج حقه أنه طلب من المعلم في الصف الخامس أن يعلم طلابه أناشيد مع مرافقة الآلات الهوائية (كالفيفرة) وهي جملة غامضة قد يفهم منها أن الطلاب أنفسهم يجب أن يرافقوا بهذه الآلات الأناشيد فبعضهم ينشد وبعضهم ينفخ، ويكون البرنامج في هذه الحالة قد أوصى بالناحية العملية أيضاً ويكون حقاً كاملاً أو قريباً من الكامل، وقد يفهم منا أن الأستاذ هو الذي يرافق بآلته التلاميذ وهم

ص: 53

ينشدون وأرجح أن واضع البرنامج يريد هذا المعنى الأخير.

فالذي يلاحظ على البرنامج هو إهماله الناحية العملية وإسرافه في الناحية النظرية إسرافاً يجعل من الصعب جداً على التلميذ حفظ مواده من دون أن يشعر بلذة مداعبة الأوتار في تطبيقها وأنه لم يراع أن الطالب لابد أن تتبخر هذه المعلومات النظرية من ذاكرته فينساها سريعاً، وإذا فرضنا المستحيل وزعمنا أنه استطاع حفظها وفهمها فلا يكون لنا من تحقيق هدفنا إلا الأسف على وقته وجهده الضائعين. وكل ما يستفيد الطالب هو تربية إذنه بسماع الأغاني والأناشيد والقطع الموسيقية، وتربية صوته بحفظ بعض الأناشيد.

2 -

كيف تدرس الموسيقا في المدارس الرسمية؟

أرى أن أجعل الكلام على هذه النقطة وفق مراحل التعليم الموسيقا في المدارس الرسمية فأذكر حالة الموسيقا في الحضانة وفي المدارس الابتدائية وفي المدارس الثانوية، فليس الأمر واحد في ثلاثتهن ففي الحضانة يطبق البرنامج فيما اعتقد تطبيقاً صحيحاً فالطفل فيها يتعلم كما يقول البرنامج أناشيد بسيطة التلحين مصحوبة بإشارات تقليدية تلقن بالسماع وأظن أن الوسائل كافية لتعليم الطفل هذا البرنامج ولكن النقص هنا يأتي من قلة مدارس الحضانة نفسها فهي ليست موجودة في كل حي وليست معممة في كل سورية وعدد هذه المدارس الذي لا يتجاوز في سورية عدد أصابع اليد لا يعني أنه عندنا مدارس حضانة تهدف، فيما تهدف إليه، إلى تربية الذوق الفني لدى الطفل فأغلب أطفالنا متروكون حتى نهاية السنة السادسة من أعمارهم إلى أمهاتهم الجاهلات وهم غي هذا العهد أحوج ما يكونون إلى مدارس الحضانة التي تتعهد ملكاتهم وقواهم وأذواقهم بالتربية الصحيحة وتجنبهم اكتساب عادات سيئة. وواجب معلمات الحضانة أن يتصلن بأمهات الأطفال الجاهلات في دورهن وإلقاء محاضرات عليهن تعلمهن الخطة المثلى التي يجب عليهن إتباعها مع أطفالهن كيلا يحصل تضارب بين البيت والمدرسة فيضيع ذاك ما تكسبه هذه ومنها هذه الناحية الموسيقية الفنية.

أما في المدارس الابتدائية فيلاحظ مايلي:

1 -

لا وجود لمعلم الموسيقا المختص الذي يطلبه البرنامج لتلقين الطلاب دروسها، ونظام التعليم الابتدائي يجعل للصف الواحد معلماً واحداً ويطلب من المعلم تعليم الموسيقا في جملة

ص: 54

ما يتعلم وأكثر المعلمين يجهلون الموسيقا جهلاً تاماً أو يلمون فيها من الناحية النظرية إلماماً بسيطاً. أما الذين يتقنونها نظرياً ويحسنون العزف على إحدى الآلات فقليل ما هم فلا ينتظر من المعلم والحالة ما ترى أن يؤدي واجبه على وجه مرضي وهو مضطر في الغالب أما إلى أن يضرب صفحاً عن درس الموسيقا وأن يشغل ساعته بدروس أخرى وإما أن يستعين بأحد معلمي المدرسة الأخرى، وكثيراً ما يلجأ المعلم إلى أن يترك طلابه يتعلمون بعض الأناشيد بسماع من إخوانهم في الصباح حين الاصطفاف والدخول إلى الدرس الأول بل كثيراً ما يكون المعلم نفسه عاجزاً عن أن يغني أنشودة ما بأمانة ودقة لعجزه الفني بينما هو يطالب تلاميذه بإجادة حفظها.

ولست مبالغاً فيا أقول فأنا نفسي أكذب على نفسي وعلى الناس إذا ادعيت الآن أنني كنت أعلم الموسيقا لتلاميذي في صورة مرضية حينما كنت معلماً في المدرسة الابتدائية رغم أنني درست الموسيقا بصورة نظرية في المدارس الابتدائية وفي التجهيز وفي دار المعلمين الابتدائية ولكني لم أكسب من هذه الدراسة إلا الفشل والنسيان وهذا ما أكسبه كل زملائي أيضاً إلا إذا حاول بعضهم أن لا يقول الحق وكنت ألحظ أن جل المعلمين كانوا مثلي عاجزين عن تعليم الموسيقا. وأما المعلمون القادرون على تعليمها والذين أوتو نعمة العزف على آلة موسيقية فهم يحببون الموسيقا إلى طلابهم ولا شك ولكن هذا التحبيب لا يتعدى أن يقبل الطالب البلب=با على حفظ دروسهم النظرية ثم ينسوها سريعاً بعد أن يتركوا المدرسة وإنما يحبون الفائدة الكبرى من تهذيب أذانهم وأصواتهم. فإذا كان هؤلاء المعلمون قلة استطعنا أن نقول أن تعليم الموسيقا لا يؤدى في المدارس التربوية ولن يؤدها إلا إذا تعلم التلميذ الموسيقا في صورة فن لا في صورة علم وكانت تحت تصرفه في المدرسة آلة موسيقية.

2 -

إن المدرسة الناجحة في العزف ولدى المراجع الرسمية هي المدرسة التي ينجح طلابها في فحص الشهادة الابتدائية بأكثر نسبة لا المدرسة التي تحسن تطبيق قواعد التربية الحديثة وتعني بتنمية ملكات الطلاب ولهذا ترى معلمي المدرسة عامة ومعلم الصف الخامس الابتدائي خاصة يعنون بالدروس التي تدخل في فحص الشهادة الابتدائية فقط ويلغون في الغالب غيرها ومنها الموسيقا فيعطون ساعاتها لتلك الدروس العلمية ولا يمكن

ص: 55

أن تنمو الروح الفنية في مثل هذه النزعة فلا يستغرب أن نرى الموسيقا يهمل تدريسها حتى من قبل المعلمين القادرين عليه.

3 -

لا أعتقد أن وزارة المعارف قد جهزت مدرسة من مدارسها الابتدائية باسطوانات وآلة حاكٍ أو آلة موسيقية مهما حقرت ليعزف عليها المعلم نفسه قبل أن يعزف التلميذ وكيف يستطيع معلم الصف الأول أن يطبق البرنامج الذي يوصيه بإسماع الأطفال الأغاني والأناشيد والقطع الموسيقية بالاسطوانات في مثل هذه الحالة؟

أما تعليم الموسيقا في الثانوي فلا يؤدي إلى نتيجة أيضاً وليس ذلك ضعف الأساتذة أو عجزهم أو عدم رغبتهم في إفادة الطلاب فهم أساتذة مختصون قديرون ولكن الطلاب يأتونهم وقد ضمر فيهم الذوق الفني وضعفت فيهم الثقة بأنفسهم في تعلم الموسيقا فهم ضعاف فاقدو الميل للتعلم ولكنهم شديدو الرغبة في السماع حباً في إضاعة الوقت أمثر منه حباً في إشباع ميلهم البديعي. ثم إن مواد البرنامج وطريقة تدريه تدعو الطلاب إلى أن ينظروا إلى الموسيقا نظرتهم إلى علم جاف نظري مجرد تجريد الرياضيات ولكن ليس له فائدتها وقيمتها في الحياة فهم لا ينظرون أبداً إلى الموسيقا في تعلمها نظرتهم إلى فن جميل لأنهم يتعلمونها كعلم لا يتعلمونها كفن وكل ما يعجبهم من درس الموسيقا هو أن الأستاذ يعزف لهم في آخر الدرس قطعة لبتهوفن أو ستراوس أو غيرهما بناء على طلبهم أو تبرعاً من الأستاذ الذي يجد راحة في هذا من الجهد العقيم في تنمية الميل مات من الطلاب ومضى عهد تنميته حين كانوا صغاراً فهو يحار أين وكيف يبدأ؟ وأين وكيف ينتهي؟

أستطيع أن أنتهي من كل ما قدمت إلى أن المدرسة لم تؤد للأمة رسالتها الفنية التي يجب أن تؤديها في الناحية الموسيقية وأن الفنون إذا كانت تسير إلى الأمام الآن بخطوة وئيدة متثاقلة فالفضل في ذلك لا يرجع إلى المدرسة بل إلى السينما والمذياع واسطوانات الحاكي وإلى تقدم الحياة العامة الطبيعي المطرد الذي لا يعد تقدماً إلا إذا قسناه بحياتنا الفنية الماضية منذ عشرات السنين خلت ولكنه يعد تأخراً إذا قسناه بتقدم الأمم الناهضة التي تسير إلى الأمام بخطوات جبارة.

نعيم الحمصي

ص: 56