المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أمراضنا الاجتماعية - مجلة «المعرفة» السورية - جـ ٢

[عادل العوا]

الفصل: ‌من أمراضنا الاجتماعية

‌من أمراضنا الاجتماعية

للأستاذ أنور هدى البرازي

الصحف في بلادنا فقيرة. . . فقيرة. . . بمادتها وفقيرة بجوهرها. . . فقيرة بمادتها لأن المثقفين في بلادنا هم غالباً طبقة لم تتهيأ لهم وسائل التعارف والتكتل والانسجام فهذا يكتب في مصر، وذاك يتشاءم ويسس الصحافة، والأخر يفضل السكوت. . . وبينهم من يعمل في دوائر صغيرة أضيق من الأفق الموضوعي، فيكتب إما لحزبه أو لجماعته أو في سبيل دعاوة معينة أو وسيلة مغرضة. . . كل هذا كان سبباً في تفكك الفعالية الاجتماعية وفي هدر الفعاليات القومية وفي تضحية كثير من الوقت، ونتيجة لمثل هذا الانشقاق في اتجاه فعالياتنا الفكرية تولد عندنا مرض اجتماعي خطير وجسيم، هو مرض انهيار الإرادة الاجتماعية والعمل المشترك المفيد والاختصاص المبدع. . . فكل واحد منا يظهر أنه يريد أن يكون كل شيء أو لا شيء سواه. . .

كل شاب من شبابنا يريد أن يكتب في كل شيء أو لا يكتب شيئاً، وكل هيئة أو بعثة أو جماعة من جماعاتنا تريد أن تكون هي كل شيء أو لا شيء. . .

ولما كان الاتجاه الأول في هذه الفرضية، فرضية الكون كل شيء، هو اتجاه مستحيل التطبيق والتحقيق لذلك كان من المؤكد انتهاء من يريدون أن يكونوا كل شيء إلى صف الذين ليسوا شيئاً، وتكون النتيجة النهائية والجوهر الأخير لخليطة فعالياتنا القومية هدراً واضحاً وتضحية طائشة وظاهرة انهزامية مرضية خطيرة. . .

أقول هذا ولست متشائماً لأنني أعرف أسباب العلة وأثق بما أعرف وأعمل جهدي دوماً لتلافي وقوعي ووقوع إخواني في مثل هذا الداء. . . ولأنني واثق تمام الثقة بأن هناك في سورية كثيرين من الشباب الذين لا يجهلون هذا البلاء الفكري عندنا. الحقيقة التي لا شك بصحتها أننا يجب علينا جميعاً أن نفحص ثقافاتنا قبل التوجه إلى ميدان الفكر. . . علينا أن نكشف النقاب عن أنانياتنا الفردية ونتساءل بتجرد هل نحن مثقفون؟!. . . هل نؤمن بالموضوعية ونكتب لأجلها!؟. . . هل نعيش لنفكر تفكيرا سليماً أو نفكر لنعيش عيشاً طيباً؟!. . .

إن الذين يفكرون ليعيشوا، هؤلاء لا يستطيعون مطلقاً أن يبرروا لأنفسهم الدخول إلى

ص: 70

ميدان القلم الحر وساحات العلم الموضوعي. . . أما الذين يعيشون ليفكروا التفكير السليم فإن فكرهم السليم ذاك هو وحده قائدهم لا شك أن العلم والموضوعية والحقائق. . . فيجب أن لا يخافوا ولا يتراجعوا وليؤمنوا بثقة تامة أنهم ماداموا في أفق الفكر المجرد والمنطق السليم فإنهم دوماً وأبداً فوق الهيئات وفوق الأحزاب وفوق الجزئيات في سموات الكليات. . . وعلى هذا فكل فكر كلي سيلتقي لاشك مع كل فكر كلي آخر في سماء واحدة مهما كانت الصفات الجزئية والاختلافات السطحية والمظاهر البالية. . .

ونحن في سورية أشد ما نكون احتياجا إلى معرفة أنفسنا وتربيتها تربية صحيحة وتوجيهها نحو الاجتماع بمثيلاتها في سماء واحدة لتوحد الجهود وتتضح الاتجاهات ولينتصب العمل المبدع المثمر في وطننا. . . إن المتعلمين في بلادنا تنقصهم مواهب نفسية تربوية لتدعم علمهم ولتدمجه في أعمالهم. . . فلا يكفينا أن نعرف لنكون في صف من يعرفون بل لابد لنا من أن نعرف ونعمل بحسب ما نعرف، ونفصل من يعرف عمن لا يعرف حتى نسمح لأنفسنا أن نقول بتواضع نحن مثقفون. . .

ومتى صار عندنا الوعي الثقافي الكافي بضرورة تضافر الفكر مع الفكر والعلم مع العلم والعمل مع العمل والمنطق مع المنطق في سبيل إنشاء قومية محترمة. ولاشك أننا سنتعاضد عندئذ ونتساند ونتشارك ونبدع وسنختلف في الأساليب التطبيقية ولكننا لن نحيد عن توجيه أساليبنا نحو هدف واحد يلتقي في الموضوعية العلمية والعمل المبدع والفكر الصحيح. . . في المعرفة الحقة. . .

وعندما يتم لنا مثل هذا الوعي سوف ننبذ التحاسد والتكالب والتنافس في الإيذاء وفي تعطيل الأعمال لنوجه هممنا نحو البناء. . نحو الإنشاء والتكوين والإيجاد والإيجابية والتفاؤل لا نحو الإضرار والتعطيل والتخريب والتوقيف وجر العربة إلى الخلف. . . عندئذ سنحكم على المجلات من وراء دراستنا لما فيها وعلى الأشخاص من وراء أعمالهم النافعة وعلى الكتاب من وراء علمهم وفنهم، وسوف لا تمتعنا الحجب والأنانية العمياء عن رؤية حسنات الخصم بقدر ما نرى عيوب أنفسنا. . . وعندئذ فقط سنعيش عندنا المجلات والصحف والشركات والمؤسسات والدواوين والدول أيضاً. . .

النبك:

ص: 71

أنور هدى البرازي

ص: 72