المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أهداف التربية للدكتور: كامل عياد إن أهداف التعليم والتربية التي يجب أن - مجلة «المعرفة» السورية - جـ ٢

[عادل العوا]

الفصل: ‌ ‌أهداف التربية للدكتور: كامل عياد إن أهداف التعليم والتربية التي يجب أن

‌أهداف التربية

للدكتور: كامل عياد

إن أهداف التعليم والتربية التي يجب أن يسعى إليها الأمة العربية يمكن تلخيصها فيما يلي:

1 -

إثارة الروح الوطنية ونشر الوعي القومي

فإن البلاد العربية، رغم تحرر بعضها واستقلاله، ما زال قسم كبير منها تحت سيطرة الاستعمار أو خاضعا لنفوذه، والأمة العربية رغم تأسيس جامعة الدول العربية، ما زالت بعيدة عن الوحدة الحقيقية، وليس من الممكن الخلاص من خطر الأجانب كافة والدفاع عن كيان العرب إلا إذا توثقت الصلات بين سكان الأقطار العربية المختلفة وتكونت أمة واحدة، متجانسة، متضامنة، قادرة على الحياة، متوثبة إلى التطور والتقدم، ولا بد لذلك من روح وطنية ووعي قومي.

لا شك في أن الروح الوطنية الجديدة في البلاد العربية لم تضعف منذ مبدأ انبثاقها قبل أكثر من ربع قرن بل إنها آخذة في النمو، تزداد كل يوم قوة وعمقا.

ولكن لا نكران أن أيضا في أنها لا تزال تحتاج إلى عناية كبيرة حتى تعم كافة الأقطار العربية وتشمل جميع أفراد الشعب وتتغلب على النزعات الإقليمية والنعرات الطائفية والعصبات القبلية والإمتيازات الطبقية والتحزبات العائلية والمصالح الشخصية.

حقا إن أول شيء وأهم شيء تحتاج إليه في نهضتنا هو الوعي القومي، وقد أصبحنا في المدة الأخيرة نسمع هذه الكلمة كثيرا، على أن الوعي القومي ليس مجرد كلمة تلوكها الألسن وتتشدق بها الأفواه، بل هو شعور يتغلغل في أعماق النفوس فيسيطر على العقول ويثير العواطف ويحرك الإرادة، إنه إدراك جلي للصلات التي تربطنا بتاريخ أمتنا والروابط التي تجمع بيننا وبين سكان كافة القطار العربية وتجعلنا نعتبر أنفسنا جميعا كتلة طبيعية ووحدة عضوية، إنه معرفة واضحة عميقة للواجبات المفروضة علينا تجاه أمتنا في الحاضر والأعمال التي تنتظرنا في المستقبل.

هذا الوعي القومي وما يتضمنه من شعور عميق وإدراك واضح ومعرفة بينة، قد بدأ يظهر عند العرب منذ سنوات، ولكنه لا يزال في دور التكوين والتكامل، مقتصرا على عدد قليل من الشبيبة، وتدل جميع الظواهر على إننا لا نزال في تلك اللحظة المقدسة من تاريخ كل

ص: 9

أمة وهي التي تستيقظ فيها من غفوتها وتنهض من مهاوي التفسخ والانحلال وتدرك بغبطة وبهجة أنها ما فتئت تجري في عروقها الحياة وأنها خلقت للخلود، وهذه اللحظة هي فجر اليوم الذي سوف تحتفل به أمتنا كعيد بعثها، لا يجوز أن يقتصر الوعي القومي على الشبيبة المتعلمة بل ينبغي أن نعمل على إيقاظه في عامة الشعب وتنميته وتقويته، يجب أن نشعر جميعا بأننا نحن العرب أمة واحدة تجمع بيننا ذكريات تاريخنا المجيد وتربط بيننا مصالحنا المشتركة في الوقت الحاضر وتقرب بيننا أهدافنا وآمالنا في المستقبل، يجب علينا جميعا أن نجعل مصلحة العرب العامة فوق مصلحة الأفراد والجماعات والأقطار المختلفة وأن نضحي بكل شيء قي سبيل هذه المصلحة.

ليست الوطنية والقومية من المفاهيم المجردة والأفكار النظرية التي يكفي البحث فيها والدعوة إليها حتى تضيء نفوسنا وتغمر حياتنا بل لا بد لذلك من انقلاب في تفكيرنا وفي نظرتنا إلى الكون وفي علاقاتنا مع أبناء أمتنان ومن هنا ننتقل إلى الهدف الثاني وهو.

2 -

الإصلاح الأخلاقي - الاجتماعي

فإنه لا سبيل إلى النهضة القومية ما دامت تسود بيننا الفردية والأنانية والنفعية ولا حاجة لسرد الأمثلة التي تبرهن على أننا لم ندرك بعد معنى الواجب والمسؤولية والتضحية والتعاون والنظام والطاعة وغير ذلك من الصفات الضرورية لحياة المجتمع، هذه الصفات أيضا ليست مفاهيم مجردة يمكن تعليمها بصورة نظرية، بل إنها تكتسب بالتجربة من الحياة العملية المشتركة، فمن الضروري لذلك أن نسعى إلى إصلاح هذه الحياة العملية وأن نجعل من أهدافنا.

3 -

الإنعاش الاقتصادي

ولا نقصد بذلك التكالب على المادة ووسائل الترف وإنما تأمين الشروط الضرورية للحياة الإنسانية، فمن الواضح إننا لا نستطيع نشر العلم وتحسين أحوالنا الصحية وإصلاح أوضاعنا الاجتماعية قبل أن نبدأ بإنعاش حياتنا الاقتصادية وزيادة الثروة العامة، وهل يمكننا أن نكافح مثلا جرائم السرقة والاختلاس والاحتيال والسلب أو أن نتخلص من التزلف والتملق والخنوع دون أن نهيئ إمكانيات العمل لجميع أفراد الشعب ونوفر لهم أسباب المعيشة الشريفةـ؟ فالشاب المتعلم الذي يبقى عاطلا عن العمل يتسكع في الطرقات

ص: 10

ويغشى المقاهي والملاهي أو الذي يضطر إلى عمل لا يرضى طموحه ولا يساعد على انكشاف مواهبه ولا يشبعه من جوع ولا يؤمنه من خوف - مثل هذا الشاب لا يمكن أن يصبح عضوا نافعا في المجتمع.

والفلاح أو العامل الذي يعتاد حياة الكسل أو الذي ينهك قواه بالأعمال الشاقة من غير أن يحصل على أجر يكفي لرفاهه ويضمن مستقبل أولاده - إن هذا الفلاح أو العامل لا يمكن أن يشعر بالمسؤولية أو الواجب أو التضامن الاجتماعي ويصعب عليه أن يدرك معنى الوطنية والقومية والتضحية والطاعة والنظام، بل ليس عجيبا إذا شك في أنه إنسان بالمرة.

لا فائدة من التربية والتعليم إذا لم نهيئ الجيل الناشئ لحياة العمل المنتج والمشاريع النافعة المشتركة وإذا لم ننفخ فيهم روح الإقدام والمبادرة ثم إذا لم نجهزهم بالمعلومات والملكات اللازمة للنجاح في عالم الاقتصاد. . .

إن مهمة التوجيه التربوي وسياسة التعليم هي البحث في الأسباب التي تجعلنا نوجه كل اهتمامنا في الوقت الحاضر إلى هذه الهداف الرئيسية الثلاثة ونقدمها على غيرها ونعتبرها حلقات في سلسلة واحدة مرتبطة بعضها ببعض ثم بيان الوسائل لتحقيقها من برامج تعليمية وأساليب تربوية ومؤسسات مدرسية وأنظمة وأعمال.

لا تقتصر التربية العامة، كما هو معروف، على هذه الهداف الثلاثة. فهي ترمي إلى غرس الفكرة الإنسانية مثلما تعنى بإثارة الروح الوطنية القومية، وهي تهتم بالأخلاق الاجتماعية دون أن تهمل الأخلاق الشخصية، ونريد أن ترعى صحة الحسم ونشاطه كما تغذي العاطفة وتقوي الإرادة، وليست عنايتها بتثقيف العقل وتهذيب الذوق وتنمية المواهب الفكرية البديعية بأقل من اهتمامها بالمهارة العملية.

إن الهدف الأسمى للتربية هو تكوين الشخصية الإنسانية وتهيئتها إلى الحياة الكاملة.

والتربية في البلاد العربية أيضا لا بد لها من السعي إلى تحقيق هذا المثل الأعلى، ولكن ينبغي لها في المرحلة الحالية من تطورنا التاريخي أن تمركز جهودها العملية حول النواحي التي نحن في حاجة إليها أكثر من غيرها.

وفي الحقيقة لا نستطيع مثلا خدمة الفكرة الإنسانية إذا لم نصبح أمة قوية لها مكانتها الدولية، ولا يمكننا أن نفكر في الانصراف إلى المباحث العلمية المحضة والعناية بالثقافة

ص: 11

العالية والآداب الراقية والفنون الرفيعة إلا بعد أن يتاح لنا التصرف بمقدراتنا واستثمار خيرات بلادنا وتنظيم شؤوننا، كذلك لا يجوز لنا إطلاق العنان للحرية الفردية والسعي إلى تنمية الشخصية المستقلة قبل أن يسود التضامن والانسجام في حياتنا الاجتماعية.

وبكلمة واحدة: إنه من واجبنا تقديم الأهم على المهم، واعتقد أن الأهداف الثلاثة التي ذكرتها تحتل المكانة الأولى من الخطورة ويجب أن تسخر كافة الجهود لخدمتها.

هكذا إذا اشتغلنا بالبحث العلمي فلا يجوز أن نعتبر ذلك غاية مقصودة بالذات وإنما كما عد لنشر الوعي القومي أو لتحقيق الإنعاش الاقتصادي، ومثل ذلك الرياضة البدنية، فأن الغاية منها في مدارسنا وفي نوادي الشباب يجب أن لا نقتصر على التسلية أو المهارة أو الرشاقة بل ينبغي أن تستخدم في الوقت نفسه كوسيلة لإثارة الروح الوطنية ولتنمية العناية بها لذاتها ولكن في سبيل الفكرة القومية والإصلاح الاجتماعي.

كيف السبيل إلى تحقيق الأهداف الثلاثة للتربية والتعليم التي يجب أن تتمركز جهودنا حولها في الوقت الحاضر؟

ليس من الممكن إنعاش الحياة الاقتصادية وتأمين الوسائل المادية الضرورية لمشاريع الإصلاح جميعها إلا بزيادة الإنتاج، وهذا يقتضي أن يوجه الشباب والشعب كله إلى العمال الإنشائية، المنتجة أي إلى الزراعة والصناعة، فمن الضروري الإكثار من المدارس الزراعية والصناعية وقلب المدارس الابتدائية في القرى أو أكثرها إلى مدارس ريفية والعناية بالعلوم العلمية في كافة المدارس الابتدائية والمتوسطة، ثن لا بد من تأسيس المعاهد والمخابر والمشاتل وإقامة المعارض الزراعية والصناعية، أليس من المؤلم، بل المفجع أن لا تكون في سورية كلها سوى مدرسة زراعية واحدة، أسستها وزارة الاقتصاد الوطني هذه السنة في السلمية، لا تتسع لأكثر من ثلاثين طالبا؟ أليس من المؤسف أن لا يكون في سورية كلها سوى ثلاث مدارس صناعية أحداها للإناث ومدرستين تجاريتين لم يزد عدد المتخرجين منها جميعا في السنة الماضية على (70) طالبا وطالبة لم يجد أكثرهم سبيلا إلى المعيشة إلا بترك مهنتهم والانتساب إلى سلك التعليم؟.

أما المعاهد والمخابر للبحث والمشاتل للتجربة والمعارض للدعاية والتشجيع فلا أثر لها بالمرة. إن نظام التعليم عندنا كان وما زال يقتصر على تهيئة الناشئين لامتحانات البكالوريا

ص: 12

العامة ولدراسة الحقوق - أي على تهيئة موظفين يتقاضون الرواتب ولا ينتجون شيئا.

لقد أصبح من الضروري تبديل هذا الوضع الخطر، ويحتاج الأمر إلى كثير من الجهود المخلصة والشجاعة والإقدام.

ثم يتطلب التوجيه القومي والإصلاح الأخلاقي - الاجتماعي تغييرات جوهرية في برامج التعليم من جهة وفي تنظيم الحياة المدرسية من جهة ثانية.

لا شك في إن المواد المدرسية التي تساعد على تنمية الروح الوطنية والوعي القومي والشعور الأخلاقي - الاجتماعي، مثل اللغة العربية والتاريخ والجغرافية والمعلومات المدنية قد زادت الساعات المخصصة لها في المناهج الجديدة ولكن ليس بالمقدار المطلوب، ولا تزال الدروس الأخرى وعلى الأخص الرياضيات تشغل جزءا كبيرا جدا من الوقت والجهد، أما الموضوعات المتعلقة ببلاد العرب وتاريخهم وحضارتهم ومشاكلهم الاجتماعية فقد أدمجت في البرامج بالاسم فقط، ولكن في الواقع ما زال التاريخ الأوروبي والحضارة الأوروبية والمسائل المجردة طاغية على هذه الموضوعات بسبب فقدان الكتب الصالحة والمراجع اللازمة وبسبب تمسك المعلمين والأساتذة بعاداتهم المكتسبة.

ولا ننسى أن المهم في كل البرامج ليس مفردات المواد المنصوص عليها بل كيفية فهمها وعرضها والاستفادة منها، وهذا يتوقف على إدراك المعلمين والأساتذة لروح البرنامج وقدرتهم على إحياء هذه الروح ونفخها في نفوس الناشئين.

هنا نصطدم بأهم مشكلة من مشاكل التربية والتعليم في سورية ونعني بها نقص المعلمين والأساتذة الصالحين، ومن الصعب جدا القيام بالإصلاحات اللازمة ما دام عدد المعلمين والأساتذة في مدارسنا أقل بكثير مما نحتاج إليه بالنسبة إلى عدد التلاميذ من جهة وما دام هؤلاء المعلمون والأساتذة ليست متوفرة فيهم الشروط الضرورية للقيام بمهمتهم من جهة ثانية، ويكفي أن نذكر أن أقل من ثلث المعلمين فقط في المدارس الابتدائية يحملون شهادة أهلية التعليم وأن نسبة أصحاب الشهادات العالية - الاختصاصية بين أساتذة التعليم الثانوي دون ذلك بكثير - حتى نعرف السبب الأساسي في فساد التعليم وتأخر حالة المدارس.

وقد حان الوقت لندرك أن كل محاولة لإصلاح التربية والتعليم في بلادنا ستظل محموما عليها بالفشل إذا لم نبدأ عملنا بتهيئة المعلمين والأساتذة الصالحين سواء بالإكثار من دور

ص: 13

المعلمين الريفية والابتدائية والعالية أو من البعثات العلمية.

وأخيرا فإن تحقيق أهدافنا في التربية والتعليم يتطلب تنظيم الحياة المدرسية على أسس جديدة تجعل من المدرسة مجتمعا حقيقيا يعتاد فيه التلاميذ على الحياة المشتركة ويكتسبون الفضائل الأخلاقية - الاجتماعية عن طريق القدوة والتمرين. ويجب الاعتراف بأن ما نسميه النشاط المدرسي والأعمال الحرة ليس له في الحقيقة أي أثر ملموس في مدارسنا لآن الوقت المخصص لهذه الغاية في البرامج قليل جدا ولأن معظم الأساتذة ليس لديهم من أوقات الفراغ والكفاءة التربوية من يساعدهم على الاشتراك في ذلك. وما زال هم المعلمين والأساتذة أن ياقوا دروسهم ويتمموا مواد البرنامج وينهكوا أذهان التلاميذ بالمعلومات الفارغة، الغامضة دون أن يؤدوا المهمة الأولى الملقاة على عواتقهم وهي تربية الناشئين وتكوين شخصياتهم ودون أن يفكروا في خلق جو مدرسي يحبب إلى التلاميذ المطالعة والبحث وتتهيأ لهم فيه الفرصة للعمل المشترك والتفاهم والتعاون والتضامن والتنظيم، وكيف يستطيع الأساتذة القيام بهذا الواجب وأكثرهم مضطرون إلى إعطاء دروس إضافية في المدارس الرسمية أو الخاصة تبلغ أحيانا ضعف نصابهم القانوني؟ ذلك لأن رواتبهم لا تكفي لتأمين الحد الأدنى من ضرورات المعيشة.

إنه ليس من السبيل إلى إصلاح حالة المعارف وتحقيق الهداف القومية للتربية والتعليم إلا إذا بدأنا بتهيئة المئات بل الآلاف من المعلمين والأساتذة القديرين واتخذنا العدة لفتح أكبر عدد ممكن من المدارس الزراعية والصناعية في أبنية صالحة، مجهزة بالآلات والوسائل اللازمة وقمنا بتأليف الكتب الحديثة وجعلنا شعارنا الإخلاص والإتقان وتقديم الأهم على المهم ثم ابتعدنا عن الارتجال والترقيع والتضليل والدعاية الفارغة. . .

كامل عياد

ص: 14