الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثقافة المرأة
للآنسة نبيهة الزبيدي
لاشكّ في أنّ المرأة عنصرٌ أساسيٌّ من أركان نهضة الأمم والشعوب، ركنٌ يجب تعزيزه وتقويته وأنجع وسيلةٍ للنهوض بالمرأة تكوين شخصيّتها وذلك بتثقيفها ثقافةً حقيقيّةً وتوجيهها توجيهاً يلائم البيئة والعصر والأهداف الوطنيّة والقوميّة. وقد يكون المجتمع قاسياً والعادات مستحكمة ووطأة التقاليد محكمة الزّرد على تقدّم الفتاة ولكنّنا نودّ من الأعماق لو عرفت كيف تستعمل السلاح لطعن تلك الأسباب مجتمعةً طعنةً نجلاء. . . هذا السلاح هو الثقافة الحقّة. . . إنّ عدداً كبيراً من فتياتنا اليوم متعلّماتٌ ولكن نم النادر أن نجد فتاةً واصلت بعد ذلك العمل والجدّ كيما تصل إلى كمال حياتها العقلية والروحية والجسدية بأن تطّلع على ما تنتج قرائح عصرها من علومٍ ومعارفٍ. . فهل كوّنت علوم المدرسة شخصيّتها وهل عرفت إذا ما أصبحت زوجةً كيف تكون زوجةً فاضلةً مدبّرةً ملمّةً بمبادئ الصّحة والاقتصاد والتربية، وهل حاولت تفهّم نفسيّة زوجها وتكييف نفسها ما استطاعت لتمزج روحها بروحه وليتكوّن منهما إنسانٌ كاملٌ يهِبُ نفسه للحياة وإذا ما أصبحت أمّاً هل عرفت كيف تنشئُ طفلها وتجعل منه عضواً فعّالاً في المجتمع بأن تجعل منه شخصيّةً لها كيانها ووجودها. . وإذا ما كانت عضواً في إحدى الجمعيّات هل عرفت كيف تسير بخطى ثابتةٍ قدماً إلى الأمام حتى إذا ما اعترضتها الصعاب تغلّبت عليها وحالت دون تسرّب الملل والخمول إلى نفسها. وإذا كانت في اجتماعٍ أو حفلٍ هل فكّرت بأن تتحدّث بما هو أسمى وأجدر من التعرّض لذكر الزّينة والثياب وحوادث الزواج والطلاق وأحياناً التعرّض للسياسة والأخبار. وأخيراً إذا كانت معلّمةً وعهد إليها بتربية الجيل الجديد فهل فكّرت بكبت أنانيّتها وحقدها وهل عرفت كيف تكون مثالاً صالحاً يحتذى، وهل سمت بعواطفها فوجّهتها بحيث احترمت من تربّي ليحترمها، وهل قدّرت المسؤولية الملقاة على عاتقها والرسالة المقدّسة التي يجب عليها أن تؤدّيها لأبناء وطنها فعرفت كيف تغذّي النفوس والأرواح بكلّ ما يلهب الحماس والنّشاط ويبعث على الابتكار والتّجديد والتضحية والمساهمة بصدقٍ وإخلاصٍ أم أنّها نسيت أنّ التعليم معادلةٌ ذات طرفين فراحت تفرض احترامها وتثبت وجودها على أنقاض نفوس النّشء المحطّمة وراحت تستعمل كل ما
أوتيت من قوةٍ لتؤيّد أنّ لها حقوقاً ولكن ليس عليها واجبات؟
أعتقد أنّ الجواب سلبيّ عند أكثر سيّداتنا وفتياتنا المتعلّمات إن لم يكن عند جميعهنّ وعلى كلٍّ فالقليل لا يُتّخذ مقياساً. وما ذلك إلا لفقدان الثقة الحقّة فما أكثر المتعلّمات ولكن أين المثقّفات اللائي يجدن خوض معركة الحياة بحزمٍ وثباتٍ ويقضين على مشاكلها بحكمةٍ ورويّةٍ وصبرٍ وأناة. فالمعرفة القليلة المتّصلة بالروح المندمجة بالشّخصيّة هي أعظم فائدةً من معلوماتٍ متعدّدةٍ وفيرةٍ ولكن ليس لها صلةٌ بالقلب والروح. فنحن لا نريد منكِ أيتها الفتاة أن تكوني متعلّمةً فقط بل مثقّفةٌ والثقافة هي جهادٌ يسقى بدم القلب وصراعٌ يستمرّ مدى الحياة.
فالفتاة المثقّفة الواعية هي التي لا تنظر إلى مظاهر الحياة الخدّاعة. وقد تفشّى لسوء الحظّ بين الكبير والصغير التقليد الذي سخر منه الله لدى انصراف الجاهليين عن الاستجابة للدّعوة الإسلاميّة فقال: إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون. فهذا التقليد الأعمى المقيت هو من أعظم أسباب الجمود والتأخّر بيننا ولكن ليس كلّ تقليدٍ هو تقليدٌ يضائل الشخصية ويقضي عليها فليت شعري لما لا نقلّد الشخصيات العظيمة ونتحلّى بصفاتها الحسنة؟ لمَ لا نقلّد السيّدات النبيلات المحترمات؟ لمَ لا نأخذ من زوجة الرئيس روزفلت مثلاً تلك المرأة التي تقوم بمهام منزلها بنفسها - وهي زوجة أكبر رئيس جمهوريّة في العالم - دون أن تخجل أو تفكّر بأن تفاخر بأنّها لا تحسن شيئاً من الأمور المنزلية كبعض سيّداتنا وفتياتنا المحترمات اللواتي بلغ منهنّ الهذر أن رحن يفاخرن بأنّهنّ لا يرضعن الأطفال وإنّما يعهدن بهم إلى إحدى المرضعات. وأمّا عن تقليد ممثلات هوليود فحدّث ولا حرج، وبديهيٌّ أنّ من كان هذا شأنه لهو أبعد الناس عن اكتساب شخصيّةٍ قويةٍ يفرض بواستطها الحبّ والإعجاب على من يحيطون بها. فلتعلم الفتاة أنّ دواعي الجمال كثيرةٌ وأنّ البهجة هي من أعظم أسباب الجمال. فاكسبي جمال الجسم بالنشاط والرياضة واكسبي جمال الروح بالثقافة والتهذيب. فالفتاة المثقفة هي التي لا تحصر اهتمامها بالمظاهر والملابس والأزياء وما إليها لعلمها أنّ هذه الأشياء ليست وحدها هي التي ترفع من قيمتها بين الناس وإنما تساهم في ذلك إلى حدٍّ ما وإنّ هناك ما هو أعظم وأجلُّ من كلّ ذلك، هناك الأخلاق الفاضلة والنفس الطاهرة الوثّابة إلى كلّ عملٍ مجيدٍ.
ثقي يا فتاتي أنّك إذا تمسّكت بالقشور ولم تجعلي هدفك التّحلّي بالصفات التي تجعل منك إنساناً كاملاً له قيمته بين الناس فإنّك حتماً ستبوئين بالفشل وستعيشين على هامش الحياة منبوذةً شريدةً. هيا يا فتاتي فقد فتحت لكِ البلاد أبواب العلم واسعةً فادخليها دون وجلٍ أو خجلٍ فاستنيري بشمس العلم الساطعة ثمّ تقدّمي إلى الأمام إلى الحياة العمليّة وسترين حلاوة النّضال.
إنّ العلم والمطالعة ومتابعة نتاج الفكر العالمي هو الذي يخلق منك أديبةً لها آراؤها وأسلوبها المتجدّد. أديبةً تنهض لنصرة أخواتها المهضومات الحقوق المهيضات الجناح اللواتي ينتظرن فورة المتحمّسات أمثالك أمامك قيودٌ مستحكمةٌ وأنانيّةٌ حمقاء وأثرةٌ عرف بها الرجل منذ الأزل فذلّلي ما يعترضك وروّضي الصعاب واقتحمي اللُّجة بعزمٍ وثباتٍ ولا تفكّري ولو لحظةً واحدة بأنّك فردٌ واحدٌ لا يضرّ ولا ينفع بل بالعكس فكّري بأنّك حجرٌ أساسيٌّ في بناء المجتمع مت تحطّم انهار البناء بكامله وأنّك الجسر الذي تعبره مواكب الأجيال حاملةً نبراس الحرّية والحياة.
نبيهة زبيدي
دار المعلّمات