الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شخصيّة المراهق
للدكتور جميل محفوظ
للبحث عنصران:
أ. الحالة الصّحّيّة للمراهق وتكوينه الفيزيولوجي.
ب. تأثير المحيط.
أ. نهتم كثيراً للحالة الصحيّة ومعرفة سلامة الجسم والتوازن العضوي، أو ضعفه وسرعة اضطرابه وقوّة حساسيّته.
1.
تنمو الأزمة غالباً في الأجسام السليمة
2.
يمكن أن تظهر الأزمة بأشكالٍ مرضيّةٍ يصعب تمييزها عن الحالات الطبيعية وتنتهي باضطرابات عقليّة خطيرة.
3.
تبدو الأزمة عند المصابين بالسّل الصّدري لأنّها تصادف لديهم أرضاً خصبةً لشدّة حساسيّتهم واتّقاد ذكائهم.
ب. تأثير المجتمع:
مرّ معنا في مناسباتٍ عدّةٍ عمل المجتمع في ظهور الأزمة، إذ أنّ الناشئ يثور على التقاليد الموجودة في عصره ولا يقبل بها لأنها تبدو له كحملٍ ثقيلٍ مفرضة عليه فرضاً تؤلمه ولا تتماشى مع حبّه الحرّية.
والآن تتساءل إذا كانت هذه الأزمة هي حادث - اجتماعي أم نفسي؟ -.
إنّ الرجوع إلى التاريخ ودراسة نفسيّة المراهقين والبيئات التي عاشوا فيها تُقدّم لنا المعلومات الآتية: الأزمة حادثٌ نفسيٌّ يصاب بها كلّ من يمرُّ بسنِّ المراهقة من أبناء البشرية، بقطع النّظر عن عرقه أو عصره أو بيئته. غير أنّ أشكالها تختلف من زمنٍ إلى آخر ومن مجتمعٍ إلى مجتمع، وتتراوح مدّتها من شعبٍ إلى شعب. إنّ مدّتها عند الفرنسيين في القرن العشرين هي بين الرابعة عشرة إلى العشرين سنة، بينما تقصر مدّتها عند الشّعب الإنكليزيّ. إذ ينقاد الشّباب بسهولةٍ في تيّار الحياة الاجتماعية. وتختلف أشكالها أيضاً. بينما نرى الفرنسي في أزمته محترماً لشخصيّته كفردٍ بعيداً عن كلّ جماعةٍ. نرى الإنكليزيّ أو الألماني يحترمها ضمن مؤسسات الشّباب التي تجمعه مع غيره.
ولنبعد كلّ التباسٍ يجب أن نقول بأنّ الشباب الألماني أقبل منه من أيّ شيءٍ شابٍّ آخر على الاندماج في منظّمات الشّباب وفهم تعاليمها التي تتلائم مع عقليّته. وحبّ الجماعة والرّضى بسيادة الرّاشد عليه وقيادته في الحياة. وهذا شأن الرّوس أيضاً وما ذلك إلا لأنّ البيئة قد تغيّرت فتغيّرت معها أشكال الأزمة.
نستنتج مما مرّ بأنّ هناك أزمنةً تساعد على انبثاق هذا الاضطراب وأخرى تخنقها في المهد. إنّ عهد الثورات والاضطرابات وعهد العقائد الرّوحية والأزمات السّياسية تساعد كثيراً على هزِّ نفسيّة المراهق وجعلها حالة فعّالية شديدة ويقظة غريبة.
وإذا كان صحيحاً أنّ للبيئة تأثيراً كبيراً في نموّ أو اضمحلال الأزمة فمما لا شكّ فيه أنّ للشباب تأثيراً في الحياة العامّة يزيد أو ينقص نظراً لنسبتهم بين مجموع الأمّة ولنضرب لذلك بعض الأمثلة:
كان عدد الشّباب كبيراً في سنة 1789م حينما اندلعت الثورة الفرنسية، إذ كان سكّان فرنسا في سنة 1762م اثنين وعشرين مليون نسمة وأصبح في سنة 1789م ست وعشرين مليون نسمة. لقد فرض هؤلاء الشّباب تفكيرهم على معاصريهم وقادوا أكثر الحركات التحررية، واستلموا قيادة الجيش، حتّى كان منهم ضبّاط، لا تتجاوز أعمارهم العشرين سنة وهو برتبة جنرال، وتمكّنوا من تدمير الأنظمة البالية بتضحياتٍ لا يعرفها إلا الشّباب وشادوا بنياناً جديداً.
أمّا في ألمانيا فإنّ عدد المراهقين الزّائد، بعد الحرب العالمية الأولى ساعد على وجود منظّمات للشباب قويّة تدعى وساعد أيضاً على إقامة نظامٍ اجتماعي جديدٍ وهو (الوطنية الاشتراكية). ويمكننا أن نرى نفس العوامل في انبعاث الفاشيستية في إيطاليا والشيوعية في روسيا. فهي اتّجاهات فلسفية وضعها الرّاشد فاهماً روح المراهق، معتمداً على نفسه المتّقدة، ولذا فقد نجحت هذه المبادئ نجاحاً كبيراً.
ولنا من جهاد شبابنا مثلٌ ناصعٌ عن حيويّته وتأثيره الكبير في توجيه الأمّة في نضالها منذ الاحتلال الفرنسي حتّى الجلاء. لقد قاد المظاهرات الشّعبية متمرّداً على الظّلم والاضطهاد، ونفّذ خطط الزّعماء، وسار في مقدّمة الصفوف يخترق النيران معرّضاً نفسه إلى أشدّ الأخطار، إلى أن حقّق الله لنا الاستقلال والسّيادة.
بروز الشّخصيّة
الشّخصية هي كلّ ما له علاقة بالمرء الشّاعر، المفكّر، المتحرّك، فهي الأنا وهي الإنسان بكامله. وأوّل مرحلةٍ لدى المراهق هي ميلٌ نحو الإنفراد، إذ يعتبر شخصه محور الكون، وحقيقةٌ نفسيّةٌ تنبعث منه القوى الخالدة وتتجه نحوه أنظار البشرية. غير أنّه يتأثّر بالمحيط شاء أم أبى وينطبع بطابعه.
أمّا المرحلة الثّانية فهي: انبثاق الشخصية الحقّة، التي تنتهي بالمراهق إلى الهدوء والسّكينة وانحلال الأزمة.
والخلاصة فإنّ الشخصية تتكوّن بعد أن يشدّ الفى بالأنا، وبعد أن يحتكّ مع المحيط. ويتعرّف إلى الأفكار العامّة عن الحياة، وعن الإنسان وعن مصيره. ليست شخصيّة المراهق إذاً مجرّد مفهومٍ، إنّما هي حقيقةٌ راهنةٌ لها وحدتها ولها خصائصها، رغم بعض العناصر التي تقرّبها من شخصيّة الرّاشد. ويجب ألا ننظر إليها إلا بالنّسبة إلى تركيبها النفسي وكونها خاصة بالشّباب. ولننظر إليها أيضاً كمرحلة نموٍّ تظهر فيها الأنا العاقلة، ثمّ تنتظم الهيجانات والمفاهيم والحركات العاديّة، وتشكّل وحدةً تكاد تكون تامّةً.
علاقة نشوء شخصية المراهق بتكوّن الشّخصية عند الطّفل: إذا كانت الأزمة عاصفةً هوجاء ومصدر كلّ اضطراب، وفترة تتكوّن في نهايتها شخصية المراهق، يجب أن لا نظنّ بأنّها أوّل وآخر مرحلة في نمو هذه الشخصية، ولابدّ لنا من القول: إنّ الشعور بالشّخصية عند الطّفل يكون أول مرحلةٍ، وتعقبها المرحلة الثّانية وهي بروز شخصية المراهق. تجتاح الطفل في الثالثة من عمره أزمة يشعر معها بانفصاله عن الأشياء التي تحيط به. وهي الحركة الأولى في فرض نفسه، وتكون مقدّماً للشعور بالشخصية.
علاقة شخصية المراهق بشخصية الراشد
إنّ المراهق يعتمد في سلوكه وتفكيره على تجربته النّاقصة وعلى عاطفته أكثر مما يعتمد على الحقائق الموضوعيّة البعيدة عن كلّ تعليلٍ شخصيٍّ. على عكس الراشد الذي ينظر للأمور برصانةٍ وحيادٍ، ويعمل فيها الفكر والذّكاء مبتعداً عن كلّ عاطفةٍ وهوىً.
تساعد الأزمة إذاً في تكوين الشخصية التي تختلف بصورةٍ جوهريّةٍ عن الشعور بالذّات الذي نصادفه عد الطفل، وعن شخصيّة الراشد. يتوصّل المراهق في سنّ الثامنة عشرة
سنةً إلى التاسعة عشرة إلى أول تعبيرٍ عن نفسه، ويتحدّد سلوكه ويأخذ تفكيره شكلاً شخصيّاً، ولا يظهر كأنّه مجهولٌ من محيطه، إذ ينبثق بواسطة الأزمة كلّ ما هو خاصٌّ به وفرديّ، وتتكوّن طباعه، وتهدأ نفسه، ويرجع إليه التّوازن والطمأنينة، ويشعر الفتيان والفتيات في هذه السّنّ بهناءةٍ نفسيّةٍ، ويتذوّقون لأوّل مرّةٍ جمال الحياة الهادئة، فهو تفاهمٌ بين الفرد - والمحيط.
يحتفظ الفتى بعد أن يجتاز مرحلة الأزمة بحيويّته التي تقود إلى مجابهة المحيط بشجاعةٍ وإقدام، ويمكننا بعد ملاحظة الحالات المختلفة للأزمة أن نقبل بالنتائج الآتية:
إنّ المراهقين الذين مرّت بهم اضطراباتٌ عنيفةٌ من جرّاء الأزمة بعيدون عن أن يصبحوا، وهم راشدون، أصحاب إرادةٍ قوية، بل يكون منهم الشّاعر، والفنّان، والمفكّر والعامّي. إنّ الأزمة التي درسناها تدلّ على حساسية حادّة وذكاء متّقد، غير أنّها لا تكوّن الطّبائع القوية، والعكس فإنّ المراهقين الذين يكبتون اندفاعاتهم يظهرون ميلاً إلى العمل والنّجاح فيه، وهذه علامات رجال العمل الذين لا يعرفون هذه الأزمة، والذين ينظرون إليها كحاجزٍ يمنعهم من النجاح يجب أن لا تحتلّ محلّها من نفسيّاتهم. وإنّ للكاتب والفيلسوف بصورةٍ خاصّة مراهقة ثورويّة، إذ تتكوّن الهبة وتقوى مع اضطرابات الشعور المتكررة.
يقول سيترين عن عالمٍ آخر: بأنّه قرر مصيره في الرابعة عشرة من عمره يريد أن يكون لغويّاً وكان له ذلك. ويقول عن نفسه أنّه في التاسعة عشرة من عمره اختار الفلسفة التي ستكون له راحةً أو على العكس خراباً ودماراً.
ولاشكّ بأنّ المهنة والعائلة والعلاقات الاجتماعية تكسب الإنسان في سنّ الرّشد عناصر جديدة، غير أنّها في الحقيقة ظاهريّة والتأثير الكلي والدائم لا يكون إلا بالعناصر الناشئة عن الأزمة في المراهقة.
. . . . . .
ويمكننا الآن بع دراسة الأزمة وملاحظة العلائق بينها وبين تكوّن الشخصية أن نحدد النتيجة التي وصلنا إليها: إنّ جوهر الأزمة هو اضطرابٌ وقتيٌّ، غير أنّه قوي وعنيف، ينشأ مع ظهور الوظائف الجنسية التي توجّه انتباه المراهق إلى جسمه ويزيد هذا الإضراب عوامل اجتماعية تجعله كثير الانتباه أيضاً إلى المجتمع.
إنّ هذين الاتجاهين يتطلّبان جهداً عقليّاً كبيراً هو العنصر الأساسي لتكوين الأزمة التي تؤدّي به إلى فرض نفسه وتكوين شخصيته. فمهمّة الأزمة إذاً هي تسهيل اكتشاف الشخصية من قبل لفرد ذاته والتّكيّف مع البيئة.