المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لا يموت الحق - مجلة «المعرفة» السورية - جـ ٥

[عادل العوا]

الفصل: ‌لا يموت الحق

‌لا يموت الحق

للشاعر الأستاذ عمر أبو ريشة

القصيدة الرائعة التي ألقاها شاعر العرب

الأستاذ عمر أبو ريشة بمناسبة عيد الجلاء

يا عروسَ المجدِ، تيهي واسحبي

من مغانينا ذيولَ الشُّهُبِ

لم ترَيْ حفنةَ رملٍ فوقها

لمْ تُعَطَّرْ بِدِمَا حُرٍّ أَبِي

درجَ البغيُ عليها حِقبةً

وهوى دونَ بلوغِ الأَرَبِ

وارتمى كبرُ الليالي دونها

ليِّنَ النّابِ كليلَ المِخْلَبِ

لا يموتُ الحقُّ، مهما لَطَمَتْ

عَارِضَيه، قبضَةُ المُغْتَصِبِ!

. . . . . .

من هنا شقَّ الهدى أكمامَهُ

وتهادى موكِباً في موكِبِ

وأتى الدنيا فرقَّت طرباً

وانتَشَتْ من عبقِهِ المُنْسَكِبِ

وتغنَّتْ بالمروءاتِ التي

عرفَتْها في فَتَاهَا العَرَبِيّ

أصيد، ضاقت به صحراؤه

فأعدتهُ لأفقٍ رحبِ

هبَّ للفتح، فأَدمى تحتَه

حافرَ المهرِ جبينُ الكوكبِ

وأمانيهِ انتفاضُ الأرضِ من

غيهب الذُّلِّ، وذلِّ الغيهب

وانطِلاقُ النُّورِ حتّى يرتَوي

كلُّ جفنٍ بالثّرى مختضبِ

حلمٌ ولَّى ولم يجرح به

شرف المسعى ونُبْلُ المَطْلَبِ

. . . . . .

يا عروسَ المجدِ، طابَ المُلتقى

بعدَ ما طال جوى المغتربِ

سَكِرتْ أَجيالُنا في زَهوِها

وغفتْ عنْ كيد دهر قُلَّبِ

وصحونا، فإذا أعناقنا

مثقلاتٌ بقيودِ الأجنبي

فدعوناكِ فلم نسمعْ سوى

زفرةٍ من صدركِ المكتئبِ

قدْ عرفنا مهركِ الغالي فلم

نرخصِ المهرَ ولم نحتسبِ

فحملنا لكِ إكليلَ الوفا

ومشينا فوق هامِ النُّوَبِ

ص: 18

وأرقناها دماءً حُرَّةً

فاغْرُفِي ما شِئتِ مِنها واشرَبي!

وامسحي دمعَ اليتامى وابسمي

والمسي جرحَ الأيامى واطرَبي

نحن من ضعفٍ بنينا قوَّةً

لم تَلِنْ للمارجِ الملتهبِ

كم لنا من ميسلونَ نفضَتْ

عن جناحيها غبارَ التّعبِ

كم نَبَتْ أسيافنا في ملعبٍ

وكَبَتْ أَجيادُنا في ملعبِ

من نضالٍ عاثرٍ مصطخِبٍ

لنضالٍ عاثِرٍ مصطخبِ

شرفُ الوثبةِ أن ترضي العلا

غُلِبَ الواثِبُ أم لم يُغلَبِ!!

فالتَفِتْ من كوَّةِ الفردوسِ يا

فيصلَ العلياءِ واعجبِ

أترى كيف اشتفى الثّأرُ م

ن الفاتح المسترقِ المستلبِ

وطوى ما طالَ من راياتهِ

في ثنايا نجمهِ المحتجبِ

ما نسينا دمعةً عاصيتها

في وداع الأملِ المرتَقَبِ

رجفتْ بالأمسِ سكرى ألمٍ

فأسلّها اليومَ سكرى طَرَبِ

يا لنعمى! خفَّ في أظلالها

ما حملنا في ركابِ الحُقبِ

أينما جالَ بنا الطَّرْفُ انثنى

وطيوف الزّهوِ فوقَ الهُدُبِ

هذه تربتنا لن تزدهي

بِسوانا من حماةٍ نُدُبِ

فلنَصُن من حَرَمِ المُلكِ لها

منبر الحقدِ، وسيف الغضبِ

ولنسلُ حُنجُرَةَ الشَّدوِ بها

بينَ أطلال الضّحايا الغيَبِ

ضلَّت الأمَّةُ إنْ أرختْ على

جرحِ ماضيها كثيرَ الحُجُبِ

ما بلغنا بعدُ، من أحلامنا

ذلك الحلم الكريمَ الذَّهبي

أينَ في القدسِ ضلوعٌ غضَّةٌ

لم تلامسها ذُنابى عقربِ

وقفَ التّاريخُ في محرابها

وقفةَ المرتجفِ المضطربِ

كم روى عنها أناشيد النّهى

في سماع العالم المستغرِبِ

أيُّ أنشودة خزيٍ غصّ في

بثِّها بين الأسى والكربِ

ما لأبناء السبايا ركِبوا

للأماني البيضِ أشهى مركبِ

ومتى هزّوا علينا رايةً

ما انطوتْ بين رخيصِ السُّلُبِ

ص: 19

ومن الطّاغي الذي مدَّ لهم

من سرابِ الحقِّ أو هيَ سببِ

أو ما كنّا له في خطبِهِ

معقِلَ الأمنِ وجسر المهرَبِ

ما لنا نلمحُ في مِشيته

مخلبَ الذّئبِ وجلد الثّعلب

يا لِذلّ العهد إن أغضى أسىً

فوق صدرِ الشّرفِ المنتحبِ

يا روابي القدس يا مجلى السّنا

يا رؤى عيسى على جفن النّبي

لن تبليَ غِلَّة الأيام من

منهل الضَّيم ووِرد العطبِ

دون عليائك في الرّحب المدى

صهلة الخيلِ ووهجُ القُضُبِ

لمّت الأيام منّا شملنا

ونمت ما بيننا من نسبِ

فإذا مصرٌ أغاني جُلَّقٍ

وإذا بغدادُ نجوى يثربِ

ذهبتْ أعلامُها خافقةً

والتقى مشرِقُها بالمَغرِبِ

كلّما انقضّ عليها عاصِفٌ

دفنته في حنايا السُّحُبِ

بوركَ الخطبُ فقد لفَّ على

سهمهِ أشتاتَ شعبٍ مغضَبِ

. . . . . .

يا عروسَ المجدِ، حسبي عِزَّةً

أن أناجيكِ، وأن تشمخي

أنا لولاكِ لما طَوَّفتُ في

كلِّ قفرٍ مترامٍ مجدبِ

لا أبالي بعدَ إرضائكِ إن

عتب العاتب أم لم يعتبِ

رُبَّ لحنٍ سالَ عن قيثارتيْ

هزَّ أعطافَ الجهاد الأشيبِ

لبلادي. . . ولروّاد السّنا

كلُّ ما ألهمتني من أدبِ

ص: 20