الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نحن والواقع
للأستاذ صلاح مزهر
إننا بحالة وعيٍ شاملٍ، لكنّه وعيٌ نائمٌ أيقظه خطرٌ داهمٌ، فهبّ للدفاع عن نفسه، وقد ثارت فبه قوى الانتقام وحبّ الذّات الكامنة، مستعملاً جميع الوسائل للتّخلّص من عدوٍّ مخيفٍ وخصمٍ عنيدٍ. فوعينا وليد ضغط الاحتلال وقسوته لا يرتكز على تعقّلٍ ورويّةٍ واتّزانٍ ومرونةٍ، إنّما هو وليد الحاجة الملحّة لنيل حقٍّ مغصوبٍ، تحكّمت فيه عاطفة الثورة على الاضطهاد والرّغبة في حفظ كيانٍ مهدّد بالهدم فأصبحنا حيال واقعٍ يطلب منّا حبّ الموت في سبيل الحياة شأن كلّ شعبٍ لا يطيق ذلاًّ ولا يرضى بهوانٍ، فقطعنا، على أشلاء ضحايانا، مرحلةً من أفظع المراحل وأقساها!. .
إنّ كلّ أمّةٍ لا تسير مع واقعها لا تفوز، والفئة الواعية فيها بكلّ ما للوعي الصحيح من معانٍ هي التي تسهر على مصالحها وتدير شؤونها حسب مشيئة الظروف والأحوال، بل حسب إرادة الواقع، مراعية إمكانيّات الأفراد ودرجات استعدادهم لمجابهة الطوارئ النّاشئة، وكان واقعنا بالأمس يطلب منّا توجيه الشّعب توجيهاً سياسيّاً فنشأ عن ذلك التّوجيه العاطفي فوز الأماني باستقلالٍ طليقٍ من كلّ قيدٍ، لكن فوجئنا بواقعٍ آخر مملوءٍ بالمسؤوليّات الجسام والمشاكل الاجتماعية المعقّدة يقتضي أن نعالجها على ضوء الحقائق الراهنة وأن نعدّ لها العدّة لنتّقي شرّ السقوط. وأنّ المدرسة التي كانت مسرحاً لبثّ الدعاوات الوطنيّة ضدّ الاستعمار ومصدراً لقوى الشّعب المتوثّبة نحو التحرر والانطلاق والثائرة على الظلم والإرهاق يجب أن تكون مبعث الإصلاح المنشود وموئل التّوجيه القوميّ الكامل بجميع نواحيه ومراميه.
إنّ المدرسة هي الأساس في نهضات الشّعوب، وعليها تتوقّف مصائر الأمم، ورغم اهتمام الحكومة الوطنيّة بها بقيت مناهج التّربية على حالها م ما فيها من حشوٍ والتواء لا نفرّق بين حاجة القرية وطلب المدينة، ولا تراعي قابليّات أطفال هذه ولا ميول أبناء تلك. ومن هو فارس المعركة الاصطلاحيّة، والمطلوب منه البعث والإنشاء في دورة المسؤوليّة؟ - المعلّم: إنّه مخلوق مثل غيره لكنّه مبعوثٌ لتأدية رسالة عظيمة تختلف عمّا دعي سواء للقيام به من مهام وواجبات. وإن تكن لكلّ مهنة أو حرفةٍ خاصّة لا تستغني خاصّة لا
تستغني عنها الشّعوب في تدعيم نهضاتها وتقويم حيويّاتها، فلمهنة التّعليم قدسيّة وجلالٌ وفاعليّةٌ تجعلها تستطيع رفع مستوى الأّمة، لذا يجب أن يكون المعلّم مثقّفاً من النّاحيتين الخلقيّة والعلميّة، مطلعاً على أسرار مهنته وأساليبها، محبّاً لها حبّاً شبيهاً بالعبادة لكي يتمكّن من تربية النّشء الحديث تربيةً صحيحةً، فلا يكون من الشّباب الذين يتّخذون من هذه المهنة وظيفة مؤقّتة ينصرفون، خلال إقامتهم فيها ولبثهم تحت لوائها، إلى إعداد نفوسهم لخوض ميدانٍ غير ميدانها لأنّها، في نظرهم، مبتذلةٌ لا تفي بحاجة نفوسهم الطّامحة إلى السّؤدد، لأنّهم لم يتعوّدوا على التّضحية والتّفاني في سبيل أمّتهم ووطنهم أو لأنّ الحكومة لم تنصف أبناء هذا السّلك، فاضطر هؤلاء الشّبّان إلى التّهرّب من أشرف المهن؟
أتيت في بحثي على ذكر القرية، وهنا أقول أنّ الحالة فيها تبعث الحزن في النّفس لأنّها بحاجة شديدةٍ إلى الإصلاح في جميع نواحي العمران. وهي، والفقر والجهل يخيّمان عليها، منبع الرّجولة الحقّة والذّكاء الوقّاد، لا يتطلّب إنهاضها من كبوتها كثير عناءٍ. وأرى أن يُجعل التّعليم فيها إلزاميّاً بقوم بتأدية رسالته شبّانٌ عمادهم الأخلاق الفاضلة وغايتهم تهيئةُ جيل جديد يترفّع عن النّعنات الحزبيّة الضّيقة ويتسامى عن النّعرات الطّائفيّة البغيضة، جيل مؤمنٌ بقوميّته متفانٍ بحبّ وطنه، لا يتنصّل من التّبعات، فتفيد البلاد من عبقريّات فذّةٍ مدفونة، وعقليّات عظيمةٍ مطمورةٍ. وأرى أن يكون إعداد النّشء للحياة العمليّة أكثر منه للحياة العلميّة وتعويده على الأعمال الزّراعيّة حسب الطّرق الفنّية الحديثة، لأن معظم القروييّن لا يتمكّنون من وضع أبنائه في المعاهد العالية لما لها من تكاليف باهظة، وإن القرويّ الذي أنهى دروسه الابتدائية وتطلّعت عيناه إلى نور الحياة ولم تتهيّأ له الأسباب لمتابعة الدّراسة، تأنف نفسه من العودة إلى العمل في الحقل، فتقوى الأزمة في القرى وتكثر البطالة، وتصاب زراعتنا بشللٍ يؤدّي إلى تأخير اقتصاديات الوطن. ولقد أهملت المدرسة اليوم النّاحية الحيويّة التي يتطلّبها محيط القرويّ وتقتضيه بيئته.
فإكثار عدد المدارس الزّراعيّة في القرى وتخصيص قسمٍ كبير من برنامج التّعليم فيها للعمل أمرٌ حيويّ مفيدٌ يجب أن يراعا ويحقّق.
وإننّا بإصلاحنا شؤون القرية نجعل منها مصدراً نستمدّ منه قوىً جبّارةً في جميع مرافق حياتنا ولن نتخلّص من كثير من أمراضنا الاجتماعية التي يتألّم منها المفكّرون إلاّ إذا رفعنا
مستوى القرية المادّي والمعنوي.
وتصبح نهضتنا كاملةً، ووعينا صحيحاً مجرّداً وجسمنا الاجتماعي سالماً من كلّ مرضٍ، إذا دخل العلم إلى الكوخ مثله إلى القصر، لأنّ العظماء الذين بنوا العالم الحاضر بما فيه من اكتشافاتٍ واختراعات، وعلمٍ ورقيّ، ومدنيّةٍ وغنى، وسعادة وكمالٍ، كانوا غالباً من هناك. . . من الأكواخ!!. .
مدرسة عرنة الرّسميّة
صلاح مزهر