الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعكس هذا أن يوصَفَ الرجلُ بأنّه كان جنديًّا أو شرطيًّا أو نحو ذلك من الحِرَف التي يكثر في أهلها عدم العدالة.
[ص 62]
الطريقة الثالثة
ــ وهي أعمّ الطرق ــ: اختبار صدقه وكذبه بالنظر في أسانيد رواياته ومتونها، مع النظر في الأمور التي قد يستفاد منها تصديق تلك الروايات أو ضعفها.
فأمّا النظر في الأسانيد، فمنه: أن ينظر تاريخ ولادته، وتاريخ وفاة شيخه الذي صرّح بالسماع منه. فإن ظهر أنَّ ذلك الشيخ مات قبل مولد الراوي، أو بعد ولادته بقليل بحيث لا يمكن عادةً أن يكون سمع منه ووعى= كذَّبوه.
ومنه: أن يسأل عن تاريخ سماعه من الشيخ، فإذا بيّنه وتبين أنّ الشيخ قد كان مات قبل ذلك= كذَّبوه.
ومنه: أن يسأل عن موضع سماعه من الشيخ، فإن ذكر مكانًا يعرف أن الشيخ لم يأته قط= كذَّبوه. وقريب من ذلك: أن يكون الراوي مكيًّا لم يخرج من مكة، وصرَّح بالسماع من شيخ قد ثبت عنه أنّه لم يأت مكة بعد بلوغ الراوي سنَّ التمييز، وإن كان قد أتاها قبل ذلك.
ومنه: أن يحدِّث عن شيخٍ حيّ، فيُسأل الشيخ عن ذلك فيكذبه.
فإذا لم يوجد في النظر في حاله وحال شيوخه ما يدلّ على كذبه، نُظِر في حال شيوخه المعروفين بالصدق، مع الشيوخ الذين زعم أنّهم سمعوا منهم على ما تقدّم. فإذا كان قد قال: حدّثني فلان أنّه سمع فلانًا، فتبيَّن بالنظر أن فلانًا الأوّل لم يلق شيخه= كذَّبوا هذا الراوي.
وهكذا في بقية السند.
لكن إذا وقع شيء من هذا، ممّن عُرِفَت عدالته وصدقه، وكان هناك مظنة للخطأ حملوه على الخطأ، وقد يختلفون، فيكذِّبه بعضهم، ويقول غيره: إنما أخطأ هو، أو شيخه، أو سقط من الإسناد رجل، أو نحو ذلك
(1)
.
(1)
هذا آخر ما وُجد من الكتاب، ولا أدري هل أكمله المؤلف أو لا؟
الرسالة الثانية
رسالة في أحكام الجرح والتعديل
[ص 29]
(1)
وقد عنَّ لي أن أجمع رسالة في أحكام الجرح والتعديل، ومذاهب أئمة الفن في ذلك تفصيلًا بقدر الإمكان، وأرجو إذا يسّر الله عز وجل ذلك أن تنحلّ به كثير من مشكلات الفن، بل أن يتيسَّر للعالم في هذا العصر السبيلُ إلى أن يعرف بالحجة والدليل درجات التابعين وأتباعهم فمن بعدهم، حتى يمكنه أن يوثّق من لم يعلم أحدًا وثقه، ويجرح من لم يعلم أحدًا جرحه.
هذا، ولست بجاهلٍ قصور باعي، وقلة اطلاعي، ولكن عسى أن يكون الله تبارك وتعالى قد أراد إظهار شيء من هذا العلم على يدي، والله على كل شيء قدير.
فإذا أتمَّ الله عز وجل ذلك شرعتُ إن شاء الله تعالى في رسالة في أحكام الاتصال والانقطاع، ثم أخرى في أحكام الشذود والعلل. والله المستعان، وعليه التكلان.
قال الله تبارك وتعالى في صفات المنافقين: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [التوبة: 61].
قولهم: {هُوَ أُذُنٌ} معناه كما في كتب اللغة والتفسير: أنه يُكثر الاستماعَ والتصديقَ لما يقال
(2)
. يريدون أنه يصدّق ما يُخْبَر به صدقًا كان أو كذبًا.
(1)
لم يتحرر ترتيب الرسالة، فابتدأناها بهذا الموضع؛ لأنه أشبه شيء ببدايتها، وأخرنا [ص 25 ب -28 ب] إلى آخرها.
(2)
الكلمة غير واضحة ولعلها ما أثبت.
واختلف المفسرون
(1)
؛ فقال قوم: المعنى أن هؤلاء كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيبلغه أذاهم، فيصدّق من بَلّغه، فيلومهم بعض المؤمنين فيما قالوه، فيجحدون، ويقولون
(2)
: محمد أذن.
وقال قوم: بل المعنى أنهم كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويقولون: لا علينا أن نقول ما شئنا، فإذا بلغ محمدًا، فلامنا، أتيناه فجحدنا ذلك، وحلفنا له فصدَّقَنا، فإنه أذن.
والمعنى الأول هو الصواب إن شاء الله تعالى.
وقوله تعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} الظاهر أن الخطاب هنا عام، كأنه قيل: خير لكم أيها الناس، ويشهد له قوله فيما بعد:{وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} .
وخصَّ جماعةٌ الخطاب بالمؤذِين القائلين: هو أذن.
وعليه، فوَجْه كون إيمان الرسول بالله وإيمانه للمؤمنين خيرًا لهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا عرف أذاهم يَعِظُهم ويذكِّرهم، وفي ذلك أعظم الخير لهم إن انتفعوا به، فإن لم ينتفعوا فخير رفضوه.
وقوله تعالى: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} فيه معنى التصديق بما يوحى إليه، وذلك تنبيه على أن من أخبارهم التي يحاولون جَحْدها ما جاء به الوحي من عند الله عز وجل.
(1)
انظر تفسير ابن جرير: (11/ 354 - 356)، وابن عطية:(3/ 52).
(2)
غير محررة في الأصل، ولعلها ما أثبت.
وقوله: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} اتفقوا على أن المعنى: أي ويصدِّق المؤمنين، كما قالوا في قوله تعالى حكاية عن أخوة يوسف في خطابهم أباهم:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 17] أن المعنى: وما أنت بمصدِّق لنا.
قالوا: وأصله من الأمن الذي هو طمأنينة النفس، وانتفاء الخوف عنها. فقوله: آمنت لفلان، معناه: جعلته آمنًا من تكذيبي له.
ثم قالوا: والأصل: "آمنت فلانًا"، ثم قال بعضهم: إنما يزاد اللام للتقوية. وقال غيره: بل على تضمين "آمن" معنى أذعن وسلَّم.
وقد يقال: مما حسَّن ذلك هنا: إن قولك "آمنت فلانًا"، المتبادر منه عند الإطلاق: جعلته آمنًا فقط، فإذا قيل: آمنت لفلان، عُرِف أن المراد الأمن من التكذيب.
ويلوح لي أن أصل التقدير: آمنت نفسي لفلان، أي جعلتُها آمنةً له لا تخاف كذبه، فهذا أقرب إلى إفادة التصديق من التقدير الأول، ويمكن غير ذلك.
والمقصود هنا إنما هو أن {يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} في الآية بمعنى يصدِّقهم. وهذا لا خلاف فيه.
[ص 30 ب]
(1)
فقد نصّت الآية على أن تصديق المؤمنين فيما يخبرون به من صفات الحقّ التي أثنى الله عز وجل بها على رسوله، وقد أمر أُمته باتباعه
(1)
ضرب المؤلف على [ص 30 أ] كاملة.