المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المراجع(1)الكتب المحال عليها في التعليق - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ١٥

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌ المقالة الأولى: في النظر في أحوال الرواة

- ‌الباب الأول: في الإسلام

- ‌ الباب الثاني: في البلوغ

- ‌الباب الثالث: في العقل

- ‌ الباب الرابع: في العدالة

- ‌ فصل ــ 1الصحابة

- ‌ فصل ــ 2التابعون

- ‌ فصل ــ 9في المبتدع

- ‌ فصل ــ 10في المُعَدِّل والجارح

- ‌ النظر في النصوص

- ‌الطريقة الثانية:

- ‌ الطريقة الثالثة

- ‌فصلالمراد بالمؤمنين في الآية

- ‌فصلالعدالة

- ‌فصلالمجهول

- ‌الإشكال الثاني:

- ‌الإشكال الثالث:

- ‌الإشكال الرابع

- ‌في الحديث نظرٌ من وجوه:

- ‌فائدة(1):قد ترِدُ (عن) ولا يُقصد بها الرواية

- ‌ الثالث: ما حُكي عن أبي داود أنه يحتجّ بالضعيف إذا لم يكن في الباب غيره

- ‌ فصل

- ‌ومنها: أن في العمل بالضعيف احتياطًا

- ‌ومنها: أن المباح يصير قُرْبةً بالنية

- ‌[تَرْك النبي صلى الله عليه وسلم وهل هو حجة]

- ‌حفظ علماء السلف لتراجم الرجال

- ‌طائفة من مشاهير المكثرين من الجرح والتعديل

- ‌تدوينُ العلم وحَظُّ علم الرجال منه

- ‌ التدوين بالترتيب والتأليف:

- ‌ التأليف في أحوال الرجال

- ‌طريقة العلماء في وضع كتب الرِّجال

- ‌وضع التراجم

- ‌إحياء كتب الرجال، ولمن الفضل في ذلك

- ‌أ) من لم يوصف بالتدليس إلا نادرًا

- ‌ب) من احتمل الأئمة تدليسه لإمامته، أو لأنه كان لا يروي إلا عن ثقة

- ‌ج) من أكثر من التدليس فلم يحتجّ إلا بما صرّحوا، وقَبِلهم بعضٌ مطلقًا، وردَّهم بعضٌ مطلقًا

- ‌د) من اتفق على أنه لا يحتج إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل:

- ‌هـ) من ضُعِّف بأمر آخر سوى التدليس؛ فحديثهم مردود ولو صرحوا بالسماع، إلا أن يوثق من كان ضعفه يسيرًا كابن لهيعة

- ‌[الجواب عن مطاعن الكوثري على الإمام الشافعي في اللغة]

- ‌ تفسير الفِهْر

- ‌وصف الماء بالمالح

- ‌ ثوب نسوي

- ‌ العَفْريت

- ‌ أشْلَيت الكلبَ

- ‌ وليست الأذنان من الوجه فيغسلان

- ‌ الواو للترتيب، والباء للتبعيض

- ‌ فصل[زَعْم الكوثري: تتلمذ الشافعي على محمد بن الحسن]

- ‌ المسائل التي يقول الشافعي: "فيها قولان" ولا يرجّح

- ‌خلاصة البحث:

- ‌الأمر الثالث:

- ‌الأمر الرابع:

- ‌الأمر الخامس:

- ‌الأمر السادس:

- ‌الأمر السابع:

- ‌1).[1]باب الدليل على أن الصوفية هم رُفقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[2] باب من صفة الفقراء

- ‌3).* * * *[3]باب استعمال الخُلُق ولو مع الكفار

- ‌[4] باب فيمن تخلّى من جميع ماله ثقةً بالله عز وجل

- ‌[5] باب في جواز الكرامات للأولياء

- ‌[6] باب استعمال مكارم الأخلاق والحث على الإنفاق كراهية الادخار والوقوف عند الشبهات

- ‌[7] باب في صفة المؤمنين وصفة العلماء

- ‌[8] باب في الاكتفاء من الدنيا بأقلّ القليل وكراهية مخالطة الأغنياء

- ‌[9] باب في القناعة

- ‌[10] باب في طلب المدعين بصحة دعواهم

- ‌[12] باب المواظبة على الذكر والشكر والصبر

- ‌[13] باب في سبيل المنقطعين إلى الله تعالى

- ‌1).* * * *[14]باب في تركهم الدنيا وإعراضهم عنها

- ‌[15] باب في حب الفقراء والفقر وسؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه

- ‌1).* * * *[16]باب في ترك ما لا يعنيهم من الأمور

- ‌[17] باب في كتمانهم المصائب

- ‌10(4).* * * *[18]باب في أحوال الاستقامة

- ‌[19] باب في لبس البِذْلة من الثياب

- ‌[20] باب الدليل على أن لله في الأرض أولياء وبُدَلاء

- ‌[21] باب في السخاء بالطعام ووضع المائدة دائمًا

- ‌[22] باب الدليل على أن اليد العليا هي المتعفِّفة عن السؤال

- ‌[23] باب فيمن عبد الله سرًّا فكافأه على ذلك

- ‌[24] باب في القناعة والوَرَع والشفقة على المسلمين وحُسْن المجاورة وقلة الضحك

- ‌[25] باب في اختيار الفقر على الغنى

- ‌[26] باب في الابتداء بتعهُّد الفقراء دون الأهل والعيال

- ‌[27] باب إباحة الكلام على لسان التفريد

- ‌[28] باب في خدمة المشايخ بأنفسهم الوافدَ عليهم والغريبَ

- ‌[29] باب في اتخاذ المُرَقَّعة ولبسها

- ‌[30] باب في أَخْذ الرَّكْوة في الأسفار

- ‌[31] باب السنة في الاجتماع على الطعام وكراهية الأكل فُرادَى

- ‌[32] باب إباحة الكلام في باطن العلم وحقيقته

- ‌[33] باب ترك التكلف للضيف وإحضاره ما حضره

- ‌3.* * * *[34]باب في ترك التنعُّم

- ‌[35] باب في ما جاء في تصحيح الفراسة

- ‌[36] باب استجلاب محبة الله تعالى بالمداومة على خدمته

- ‌[37] باب كراهية جمع المال لئلا يرغب العبد في الدنيا

- ‌[38] باب في صفة العقلاء

- ‌[39] باب في إباحة السماع

- ‌[40] باب في إباحة الرقص

- ‌المراجع(1)الكتب المُحال عليها في التعليق

الفصل: ‌المراجع(1)الكتب المحال عليها في التعليق

‌المراجع

(1)

الكتب المُحال عليها في التعليق

- الإصابة، لابن حجر - طبع مصر سنة 1320 هـ.

- الاعتصام، للشاطبي - طبع مصر سنة 1331 هـ.

- الأغاني - طبع مصر سنة 1323 هـ.

- إكمال ابن ماكولا - نسخة خطية للمكتبة الآصفية بحيدراباد دكن.

- أمالي القالي - طبع مصر سنة 1344 هـ.

- الأنساب، لابن السمعاني- المطبوع بالزنكوغراف بأوربا سنة 1912 م.

- تاريخ البخاري الكبير - طبع دائرة المعارف سنة 1360 هـ.

- تاريخ بغداد، للخطيب - طبع مصر سنة 1349 هـ.

- تفسير ابن جرير - طبع مصر سنة 1321 هـ.

- تهذيب تاريخ ابن عساكر - طبع الشام سنة 1329 هـ.

- تهذيب التهذيب - طبع دائرة المعارف سنة 1325 هـ.

- الجامع الصغير، للسيوطي - مع شرح العزيزي طبع مصر سنة 1324 هـ.

- الحلية، لأبي نعيم - طبع مصر سنة 1351 هـ.

- سنن الترمذي - طبع مصر سنة 1292 هـ.

- سنن أبي داود - طبع الهند سنة 1271 هـ.

- سنن ابن ماجه - مع حواشي السندي طبع مصر سنة 1313 هـ.

- صحيح البخاري - مع فتح الباري طبع مصر سنة 1319 هـ.

(1)

من صُنع المؤلف.

ص: 413

- صحيح مسلم - مع شرح الأبي والسنوسي طبع مصر سنة 1327 هـ.

- صفة الصفوة، لابن الجوزي - طبع دائرة المعارف سنة 1359 هـ.

- طبقات ابن سعد - طبع أوربا سنة 1322 هـ.

- فتح الباري - طبع مصر سنة 1319 هـ.

- كتاب ابن أبي حاتم - نسخة مأخوذة بالتصوير عن النسخة المحفوظة بخزانة كوبريلي في إستانبول.

- كتاب ابن أبي حاتم - المجلد الثالث طبع دائرة المعارف سنة 1360 هـ.

- الكفاية، للخطيب - طبع دائرة المعارف سنة 1357 هـ.

- كنزل العمال - طبع دائرة المعارف سنة 1312 هـ.

- اللآلي المصنوعة، للسيوطي - طبع مصر سنة 1317 هـ.

- لسان الميزان - طبع دائرة المعارف سنة 1329 هـ.

- المستدرك - طبع دائرة المعارف سنة 1334 هـ.

- مسند الإمام أحمد - طبع مصر سنة 1313 هـ.

- مصنف ابن أبي شيبة - نسخة قلمية ملك دائرة المعارف.

- المعجم الصغير، للطبراني - طبع الهند سنة 1311 هـ.

- منتخب كنز العمال - بهامش مسند أحمد طبع مصر سنة 1313 هـ.

- الميزان، للذهبي - طبع مصر سنة 1325 هـ.

ص: 414

الرسالة الرابعة عشرة

صفة الارتباط بين العلماء في القديم

ص: 415

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرانا بأعيننا ما كنا نتمنّى أن نراه من مظاهر الارتباط والتعاون العلمي بين العلماء، فأصبح علماء الهند يستقبلون وفدًا كريمًا من خيرة إخوانهم علماء مصر، تكلّفوا المشاقَّ والمتاعب حُبًّا في تعرّف أحوال إخوانهم في الهند، وتوثيق عُرى التواصل معهم، تمهيدًا للتعاون معهم فيما يرفع شأن الإسلام والعلم.

كان العلماء في العصور الأولى متواصلين على بُعْد الأقطار وصعوبة الأسفار، فلا تكاد تطّلع على ترجمة رجل منهم إلا وجدت فيها ذِكْرَ ارتحاله في أوان الطلب إلى الأقطار النائية للقاء العلماء والأخذ عنهم، وسياحته بعد التحصيل، وكلما دخل بلدةً سأل عمن بها من العلماء، واجتمع بهم، واستفاد منهم وأفادهم، وبقي يواصلهم طول عمره بالمكاتبة والمراسلة، وكانت المكاتبات لا تنقطع بين علماء الأقطار لتبادل الأفكار في المسائل العلمية.

وفي الجزء الأول من "إعلام الموقعين"(ص 28 وما بعدها) ذَكَر رسالةً من الليث بن سعد إلى مالك تشتمل على عدة مسائل، وفيها ما يدل أنّ المكاتبة بينهما في المسائل العلمية كانت متواصلة.

وهكذا كانت المكاتبة بين الشافعي وأحمد بن حنبل.

في "توالي التأسيس"

(1)

لابن حجر العسقلاني: "قال أبو ثور: كتب عبدالرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابًا، فوضع له

(1)

(ص 78). وسبق أن اسمه الصحيح "توالي التأنيس".

ص: 417

كتاب الرسالة".

وفيه

(1)

: "عن عبدوس العطار: سمعت علي ابن المديني يقول للشافعي: اكتب كتاب خبر الواحد إلى عبدالرحمن بن مهدي، فإنه يُسَرّ بذلك".

وأمثلة هذا كثيرة.

وكثير من المؤلفات العلمية كان سببها المكاتبة بين العلماء، وكثير من الفتاوى المطولة صادر عن ذلك كما يعلم بمراجعتها كـ "فتاوى السبكي الكبير" وغيره.

كما أنّ كثيرًا من التواريخ استفاد مؤلفوها كثيرًا مما فيها أو أكثره بمكاتبة العلماء، كـ "تاريخ ابن خلكان" و"إنباء الغمر" و"الدرر الكامنة" لابن حجر العسقلاني، و"الضوء اللامع" للسخاوي، وغير ذلك مما تقدم أو تأخر.

وقد كان هذا العمل ــ أعني المكاتبة بين العلماء في المسائل العلمية ــ جاريًا في اليمن إلى مدّة غير بعيدة، وقد رأيتُ في المخطوطات اليمنية كثيرًا من ذلك.

فأصبح العلماء في هذا العصر متقاطعين، لا صِلَة بين علماء هذا القُطْر وعلماء القطر الآخر، بل ولا بين علماء القطر الواحد! بل ولا علماء البلد الواحد!!

فقد كان علماء البلد الواحد في العصور السابقة لا يكاد يمرّ عليهم يوم إلا وهم يجتمعون فيه ويتذاكرون.

(1)

الموضع نفسه.

ص: 418

أمّا الآن فقد تمر على العالم شهور، بل سنون، لا يجتمع بعالم آخر قد يكون معدودًا من جيرانه! وإذا جمعتهما الجماعة أو الجمعة أو العيد فقد يرجعان عن المصلى ولم يلتقيا! وإذا التقيا تجنَّب كلٌّ منهما فتح باب المذاكرة، إمّا رغبة عن العلم، وإمّا استحقارًا لصاحبه، وإمّا أَنَفَة أن يظن الناس أنّ صاحبه أعلم منه، وإمّا خوفًا من أن تجرّ المذاكرةُ إلى المنازعة أو غير ذلك! !

وهكذا يحج كل سنة جماعةٌ من العلماء، ويرجع كل منهم ولم يجتمع بأحد من علماء الحرمين، أو العلماء الذين حجوا في ذلك العام.

وقد كان العلماء في العصور السابقة على خلاف هذه الحال، فكان من أعظم ما يهتمّ به العالم إذا حجّ: الاجتماع بالعلماء والاستفادة منهم وإفادتهم.

ولقد كان بعض العلماء يحجّ وأعظم البواعث له على الحج الاجتماع بالعلماء، مع أنّ هذه العبادات أعني الجماعة والجمعة والعيد والحج مِن أعظم الحِكَم في شَرْعِها: الاجتماع والتعارف، وتبادل الفوائد العلمية وغيرها.

وهكذا قد يتفق لأحد علماء هذا العصر سفر إلى بلد من البلدان فيَرِدُه، ويمكث فيه مدّةً لا يسأل عمن به من العلماء، ولا يجتمع بهم، وإذا اجتمع بهم تجنَّب المذاكرة العلمية، فلا يكاد يفيد ولا يستفيد، وإذا كان يصنع هذا مع جيرانه من العلماء، فكيف يُرْجَى منه خلافُه مع علماء البلدان البعيدة عنه؟ !

وكم من عالم تُشْكِل عليه مسألة، أو يخشى أن يكون مخطئًا فيها، فلا

ص: 419

يدعوه التوفيق إلى الاجتماع بغيره من العلماء والبحث معهم فيها، أو إلى مكاتبتهم في ذلك.

هذا مع تيسر طرق المواصلات في هذه الأعصار، فأصبحت المسافة التي كانت لا تُقْطَع إلا في أشهر أو سنين، مع المشاق والمخاوف والعوائق والقواطع تُقْطَع الآن في أيام، مع الأمن والراحة، وكذلك حال المكاتبات.

ولقد كان العالم يبيع ضنائنه لكي يتزوَّد لسفر بعيد ليجتمع بعالم آخر، وكثيرًا ما كانت تعرض لهم المشاق الشديدة في البر والبحر، ويُعرّضون أنفسهم للمهالك، كلُّ ذلك رغبةً في العلم.

حتى لقد كان بعض الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ يسافر من المدينة إلى مصر ليجتمع بصحابي آخر هنالك ليستثبته في حديث واحد سمعاه معًا من النبي صلى الله عليه وسلم!!

ففي "مسند الإمام أحمد"(ج 4، ص 62) و (ج 5، ص 375)

(1)

من طريق عبدالملك بن عُمير عن مُنيب

(2)

عن عمه قال: بلغ رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحدث

فرحل إليه وهو بمصر، فسأله عن الحديث، فقال: نعم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة". قال: وأنا سمعته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(1)

(16596 و 23185).

(2)

وقع في النسخة المطبوعة في الموضع الأول: "مسيب"، وفي الثاني:"هييب"، وفي "تعجيل المنفعة" المطبوع بمطبعتنا ــ دائرة المعارف ــ:"منيب" ذكره بعد منصور. [المؤلف].

ص: 420

وفي "المسند" أيضًا (جلد 4، ص 153)

(1)

عن ابن جريج قال: سمعت أبا سعيد

(2)

يحدث عن عطاء قال: رحل أبو أيوب إلى عقبة بن عامر

فأتى عقبة، قال: حدِّثْنا ما سمعتَ من النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق أحدٌ سمعه. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ سَتَر على مؤمن في الدنيا ستره الله يوم القيامة". فأتى راحلته فركب ورجع. وعقبةُ بن عامر كان بمصر.

لمّا بلغتُ إلى هنا انتبهت لاتفاق عجيب، وهو أنّ الآثار التي استشهدت بها تدور على مصر، فالليث بن سعد مصري، والشافعي استوطن مصر، والأثران اللذان نقلتهما عن "المسند" كانت الرحلة فيهما إلى مصر، و"المسند" طبع مصر، وكتابا "تهذيب التهذيب" و"تعجيل المنفعة" كلاهما من تأليف الحافظ ابن حجر المصري! !

وفي "سنن أبي داود"

(3)

وغيرها عن كثير بن قيس قال: كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجل فقال: يا أبا الدرداء، إنّي جئتك من مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لحديث بلغني أنّك تحدّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جئت لحاجة ــ يعني غير ذلك ــ.

هكذا كان القوم، فأصبح أحدنا يتثاقل عن بضع خطوات يمشيها إلى عالم، أو يضنّ ببضعة أَفْلُس يبتاع بها طوابع للبريد ليكتب بها إلى عالم.

(1)

(17391).

(2)

كذا في "المسند" المطبوع، وفي "تهذيب التهذيب" المطبوع بمطبعتنا ــ دائرة المعارف ــ:(أبو سعد الأعمى)، وفي "تعجيل المنفعة":(أبو سعد، ويقال: أبو سعيد). [المؤلف].

(3)

(3641).

ص: 421

وكم من عالم أخطأ في مسألة فلم يهتم إخوانه من العلماء بأن يزوروه ويذاكروه فيها، أو يكاتبوه في شأنها، بل غاية ما يصنع أحدهم أن ينشر اعتراضه في مجلة أو رسالة يُشنِّع على ذلك العالم ويُجَهّله، أو يبدّعه ويكفّره، فتكون النتيجة عكس المطلوب.

وكم من مسائل يُفْتَى فيها بمصر بشيء، وبالشام بخلافه، وفي الهند بخلاف ذلك، ولو كانت المواصلات جارية بين العلماء لما وقع هذا الخبط الشديد الذي يوسع خَرْقَ الافتراق ويؤول إلى النزاع والشقاق.

وعلماء الدين أحوج الناس إلى التواصل والتعاون خصوصًا في العصر الذي تفشّى فيه وباء الإلحاد، وقلَّت الرغبة في العلوم الدينية، بل كادت تعم النُّفْرة عنها، واستغنى كلّ أحد برأيه.

فعلماء الدين مفتقرون إلى التعاون لإيجاد طرقٍ تقرِّب المسافة بينهم وبين المتعلّمين العلومَ الحديثة، وتُجْلى فيها المسائل الدينية في معارض تتفق وطريقَ التفكير العصري، فيُسْتطاع بذلك إيقاف الوباء عن زيادة الانتشار ومعالجة المرضى، بل والدعاية المثمرة إن شاء الله.

فأمّا الدواء المعروف الآن، وهو التكفير والتضليل، فإنه لا يزيد الداء إلا إعضالًا، ومثله مثل رجل ظهر ببعض أصابعه برص فقطعه! فظهر البرص بأخرى فقطعها!! فقيل له: حنانيك قبل أن تقطع جميع أعضائك!

وهذا موضوع واسع، أكتفي بالإلماع إليه. وأهم من ذلك حال الجوامع والمدارس والدوائر العلمية، فإن احتياجها إلى التواصل والتعاون أشد؛ لأنّ النقص في بعضها يضر الأمة جمعاء، خصوصًا في هذا العصر الذي

ص: 422

اضطربت فيه نُظُم التعليم، واحتاج الناس إلى التغيير فيها والتبديل بحسب ما تقتضيه المصلحة.

فمن الواجب أن تكون المدارس الإسلامية والمعاهد العلمية في العالم كله على صلة بالأزهر المعمور وتَوَاصلٍ بينها لتوحيد نظام التعليم على حسب ما تقتضيه الدواعي العصرية، فمن المؤسف أن نرى بعض المدارس لا تزال تشغل طلبتها بعلم الكلام والطبيعة على ما كان مألوفًا منذ ألف سنة، وتشغلهم في النحو والصرف بالكتب التي ألفت قبل مئات من السنين، فربما مكث الطالب سنين في المدرسة ثم خرج منها كيوم ولدته أمه!

ولو وُثِّقت الروابط بين الجوامع والمدارس لاستفاد بعضها من بعض، وانتفع جميعها بما يهتدي إليه بعضها، فتكون يدًا واحدة على ترقية العلم ونشره، واختيار الطرق الصحيحة القريبة الفائدة.

وحال المطابع وخزائن الكتب على هذا القياس، فكم من مطبعة تظفر بنسخة ناقصة من كتاب تريد طبعه، وقد يكون ذلك الكتاب في بعض المكاتب في قُطر آخر، أو في ملك أحد العلماء، ولكن عدم التواصل يحول بين المطبعة وبين العلم بذلك، فإما أن تطبعه ناقصًا، فيكون في ذلك مضرّة عظيمة؛ لأنّ المطابع الأخرى تُعرض عن طبعه مرة أخرى، مخافة الخسارة المالية، وإمّا أن تهمل طبعه، وقد يؤدي ذلك إلى تلفه، وعلى الأقلّ إلى تأخير الفائدة المرجوّة من نشره.

إنّنا بهذه المناسبة نعلن شكرنا للحكومة المصرية الجليلة والخزانة الخديوية، فإنّنا بالمواصلة معها استطعنا أن نستفيد ونفيد العلم وأهله فوائد عظيمة، فمن ذلك:

ص: 423

ــ أنّها أفضلت علينا بإرسال نسخة من "السنن الكبرى" للبيهقي أخذَتْها من النسخة المحفوظة فيها بالتصوير الشمسي.

ــ وكذلك بنسخة من "التاريخ الكبير" للبخاري.

ــ ونسخة من "الأربعين في أصول الدين" للفخر الرازي.

ــ وتكفلت لنا بطبع "علوم الحديث" للحاكم، و"إعراب ثلاثين سورة" لابن خالويه، وغير ذلك.

ولا نزال نستفيد منها، وسوف تبقى مواصلتنا معها مستمرة إن شاء الله.

وكذلك حاولنا أن نستفيد من الأزهر المعمور، وبعض أكابر العلماء بمصر، فكاتبناهم لاقتباس رأيهم في الكتب التي ينبغي طبعها، فتفضلوا علينا بآرائهم في ذلك كما أثبتناه في "برنامج الجمعية".

بل وكاتبنا في ذلك أكثر مشاهير علماء العالم، ووردت الأجوبة من بعضهم كما أثبت في البرنامج.

وبالجملة فجمعيتنا هذه مَدِينة للحكومة المصرية وعلماء مصر أعظم الدَّين، ولن يزال اتصالنا بهم مستمرًّا ــ إن شاء الله تعالى ــ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيهم عنّا وعن العلم وأهله أفضل الجزاء.

هذا مثالٌ مِن أمثلة التواصل العلمي بين الدوائر العلمية وما ينطوي عليه من الفوائد العظيمة. والحاجة داعية إلى توسيع نطاق التواصل، ولاسيما بتبادل بعض الوفود من قُطْر إلى قُطْر، ومن بلد إلى بلد، ومن مدرسة إلى مدرسة.

ص: 424

وقد أخذت مصر بفضيلة السبق إلى هذا الأمر ببَعْثها هذا الوفد المحترم، وعسى أن تكون قدوة صالحة لغيرها من الأقطار، وسوف يكون لهذا التزاور ثمرةٌ عظيمة إن شاء الله تعالى.

وإنّي وإخواني الأفاضل رفقاء الدائرة نشكر لأعضاء الوفد الأجلة تفضلهم علينا، وعنايتهم بنا، وستبقى أشخاصُهم الكريمة ماثلةً في قلوبنا وكلماتهم التشجيعية رنانة على أسماعنا، ولن تزال الروح التي نفخوها فينا بلطفهم وحنانهم باعثةً لنا على دوام الجد في العمل بنفوس لا تعرف الكسل ولا الملل ــ إن شاء الله تعالى ــ.

وحبذا لو كان من الممكن طول إقامة الوفد هاهنا مدة طويلة، ليتكرر اجتماع العلماء بهم، وشفاء الصدور بالاستفادة والمذاكرة، فإنّ قلوب علماء هذه العاصمة وفضلائها حرّى متعطشة إلى الارتشاف من علم علماء الوفد، والتشفي بمذاكرتهم.

ولكن إذا كان طول إقامة الوفد متعذرًا، فإنّنا نعلل أنفسنا بعودة أخرى ــ والعود أحمد ــ وبالمواصلة بالمكاتبة التي ستبقى ــ إن شاء الله تعالى ــ مستمرة.

ونرجو من حضرات الأساتذة الأجلة أعضاء الوفد أن يفسحوا لنا جانبًا من صدورهم، ويربطونا بصلة من عنايتهم، فإنّه لا غنى بنا عن ألطافهم بالإرشاد والإمداد العلمي والدعوات المقبولة إن شاء الله.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعًا لدوام الاجتهاد في خدمة العلم والدين، وأن ينجح مقاصد الوفد، ويثمر أعماله.

ص: 425

وفي الختام نُحمِّل الوفد تحيتنا إلى رجال الأزهر المعمور، وسائر إخواننا المصريين، فليحيى الأزهر! ولتحيى مصر!

ص: 426