الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة
(1)
:
قد ترِدُ (عن) ولا يُقصد بها الرواية
، بل يكون المراد سياق قصَّة، سواء أدركها [أو لم يُدركها]
(2)
، ويكون هناك شيء محذوف تقديره "عن قصة فلان" وله أمثلة كثيرة، مِن أَبْيَنِها: ما رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه": ثنا أبي ثنا أبو بكر بن عياش ثنا أبو إسحاق ــ هو السبيعي ــ عن أبي الأحوص ــ يعني عوف بن مالك ــ أنَّه خرج عليه خوارج فقتلوه.
قال شيخنا: فهذا لم يردْ أبو إسحاق بقوله "عن أبي الأحوص" أنه أخبره به [ص 15] وإن كان قد لقيه وسمع منه، لأنه يستحيل أن يكون حدثه به بعد قتله، وإنما المراد على حذف مضاف تقديره "عن قصة أبي الأحوص". وقد روى ذلك النسائي في "الكنى"
(3)
: من طريق يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش سمعت أبا إسحاق يقول: خرج أبو الأحوص إلى الخوارج فقاتلهم فقتلوه.
ولذا قال موسى بن هارون ــ فيما نقله ابن عبد البر في "التمهيد"
(4)
عنه ــ: كان المشيخة الأولى جائزًا عندهم أن يقولوا: "عن فلان" ولا يريدون بذلك الرواية، وإنما معناه "عن قصة فلان" اهـ.
(1)
من "فتح المغيث": (1/ 194).
(2)
الاستدراك من "فتح المغيث": (1/ 194).
(3)
عزاه أيضًا إلى "الكنى" الحافظ في "التهذيب": (8/ 169). وهو في "السنن الكبرى": (8517).
(4)
(23/ 343).
ابن الصلاح
(1)
: إنَّ (التدليس) رواية الراوي عمّن لقيه ما لم يسمعه منه موهمًا أنّه سمعه منه، أو عمّن عاصره ولم يلقه موهمًا أنّه قد لقيه وسمعه اهـ.
(وفرَّق الجمهور فسمَّوا الثاني: الإرسال الخفي).
قال الحافظ أبو الحسن بن القطان في "بيان الوهم والإيهام"
(2)
له قال: "والفرق بينه وبين الإرسال: هو أن الإرسال روايته عمَّن لم يسمع منه
…
" وارتضاه شيخنا لتضمنه الفرق بين النوعين، وخالف شيخه في ارتضائه هذا من شرحه
(3)
حَدَّ ابن الصلاح، وفي قوله في "التقييد"
(4)
: إنه المشهور بين أهل الحديث. وقال: إن كلام الخطيب في "كفايته" يؤيِّد ما قاله ابن القطان.
قلت: وعبارته فيها: هو تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلَّسه عنه بروايته إياه على وجهٍ أنه سمعه منه، ويعدل عن البيان لذلك
(5)
.
قال: "ولو بيَّن أنَّه لم يسمعه من الشيخ الذي دلَّسه عنه وكشف ذلك لصار بيانه مرسلًا للحديث غير مدلس فيه؛ لأنّ الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعًا ممن لم يسمع منه، و (لا)
(6)
مُلاقيًا لمن لَمْ
(1)
(ص 73). والنقل من "فتح المغيث": (1/ 208 - 209).
(2)
(5/ 493).
(3)
انظر (ص 73 - 75).
(4)
(1/ 452).
(5)
(ص 358) وفيه: "بذلك".
(6)
في الأصل: "ما"، ووضع المؤلف بجوارها ما هو مثبت؛ تصحيحًا منه لهذا الحرف. وفي "فتح المغيث":(1/ 209) بدونها، والنص مستقيم بلا إضافة.
يلْقه؛ إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن للإرسال لا محالة، لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة.
وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه فقط، وهو المُوهِنُ لأمره، فوجب كون التدليس متضمِّنًا للإرسال، [ص 18] والإرسال لا يتضَمَّن التدليس، لأنّه لا يقتضي إيهام السَّماع ممن لم يسمع منه، ولهذا لم يذمّ العلماء من أرسل، يعني: لظهور السقط وذمُّوا من دلّس".
وأصرح منه قول (ابن) عبد البر في "التمهيد"
(1)
: "التدليس عند جماعتهم اتفاقًا هو: أن يروي عمَّن لقيه وسمع منه وحدّث عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه من غيره عنه ممن تُرضى حاله أو لا تُرضى. على أنَّ الأغلب في ذلك أنه لو كانت حاله مرضية لذكره، وقد يكون لأنه استصغره".
قال: وأما حديث الرجل عمّن لم يلقه كمالك عن سعيد بن المسيب، والثوري عن إبراهيم النخعي، فاختلفوا فيه:
فقالت فرقة: إنَّه تدليس
…
وقالت: طائفة من أهل الحديث: إنما هو إرسال
…
قال: وإن كان هذا تدليسًا؛ فما أعلم أحدًا من العلماء قديمًا ولا حديثًا سلِمَ مِنه، إلا شعبة والقطان
…
انتهى.
وكلامه بالنظر لما اعتمده يُشير أيضًا إلى الفرق بين التدليس والإرسال
(1)
(1/ 15).
الخفي والجليّ، لإدراك مالك لسعيد في الجملة، وعدم إدراك الثوري للنخعي أصلًا
…
صرَّح في مكان آخر فيه
(1)
بذمّه في غير الثقة فقال: ولا يكون ذلك عندهم إلا عن ثقة، فإن دلس عن غير ثقة فهو تدليس مذموم عند جماعة أهل الحديث، وكذلك إن حدَّث عمَّن لم يسمع منه، فقد جاوز حدَّ التدليس الذي رخَّص فيه مَنْ رخَّص من العلماء إلى ما ينكرونه ويذمُّونه ولا يحمدونه.
وسبقه لذلك يعقوب بن شيبة كما حكاه الخطيب عنه
(2)
، وهو مع قوله في موضع آخر: إنّه إذا وقع فيمن لم يلقه أقبح (وأشنع)
(3)
. يقتضي أن الإرسال أشد، بخلاف الأول فهو مشعر بأنه أخف فكأنّه (هنا)
(4)
عيَّن
(5)
الخفيّ لما فيه من إيهام اللقي والسماع معًا، وهناك عين الجليّ لعدم الالتباس فيه
…
(6)
.
(1)
(1/ 28).
(2)
في "الكفاية"(ص 362).
(3)
في الأصل: "واسمع"، ووضع المؤلف بجوارها ما هو مثبت؛ تصحيحًا لهذه الكلمة. والذي في "فتح المغيث":"وأسْمَج".
(4)
في الأصل: "هذا"، ووضع المؤلف بجوارها ما هو مثبت؛ تصحيحًا لهذا الحرف. وفي "فتح المغيث" على الصواب.
(5)
في "الفتح": "عنى" في الموضعين.
(6)
"فتح المغيث": (1/ 211).
"مسند أحمد"
(1)
: يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم قال: قلت لمِقْسَم: أُوتر بثلاثٍ ثم أخرج إلى الصلاة مخافة أن تفوتني؟ قال: لا وَتْر إلا بخمس أو سبع. قال: فذكرت ذلك ليحيى بن الجزَّار ومجاهد فقالا لي: سلْه عمَّن؟ فقلت له. فقال: عن الثقة، عن عائشة وميمونة [عن النبي صلى الله عليه وسلم].
(1)
(25616).
الرسالة السابعة
فوائد في كتاب «العلل» لابن أبي حاتم
فوائد في كتاب العلل
- العمل بالضعيف في الدعاء. [13]
(1)
.
- إذا روى الرجلُ الحديثَ على وجهين: تارةً كذا، وتارةً كذا، ثم رواه فجمعهما معًا دلَّ ذلك على صحتهما معًا. [25، 469].
- منكر. [48، 53، 55، 73، 105، 108، 117، 130، 158، 166، 196، 197، 267، 416، 417، 437، 459، 467، 470، 472، 478، 480، 496].
- تدليس ابن عيينة يَقْدَح؟ [60].
- «لو كان صحيحًا لكان في مصنفات ابن أبي عَروبة» . قاله في حديث استنكره، رواه ابن عيينة، عن ابن أبي عَروبة. [60].
- أصحُّ حديثٍ في المسح على الخفّين. [65].
- دخل حديثٌ في حديثٍ. [63، 86، 207، 226، 237، 245، 265، 319، 503].
- «لو أنَّ عروة سمع من عائشة لم يُدخل بينهم أحدًا، وهذا يدلُّ على وَهَنِ الحديث» [74].
- «يخرج فيبول فيمسحُ فيُقال له: الماءُ قريبٌ. فيقول: ما أدري لعلِّي لا أبلغُ» لا يصح في هذا الباب حديث. [94].
(1)
الرقم هنا وما سيأتي هو رقم الحديث الذي منه الفائدة، وهو من وضع المؤلف رحمه الله.
- زيد العَمِّي يقال له: زيد بن أسلم؟ [100].
- اختصار شعبةَ لحديثٍ [107].
- قول أبي حاتم: الذي أرى أن يُذكر الله على كلِّ حالٍ على الكنيفِ وغيره [124].
- حميدة بنت عبيد بن رفاعة تُكنى أم يحيى. [126].
- ليس في «إسباغُ الوضوءِ يزيد في العمر» حديثٌ صحيحٌ. [128].
- إبراهيم بن طهمان قد يَصِلُ الحديثَ في كلامه لا يُمَيّزِه المُسْتَمعُ. [170].
- سببُ الخطأ في حديثٍ. [207، 226، 237، 245، 265].
- بعضُ أصحابِ قتادةَ وتفاضلهم. [228].
- سببُ الخطأ في حديث. [236].
- سببُ الخطأ في حديث. [237].
- لم يَضبِط هذا الحديث، وكان ثِقَةً. [239].
- من وجوه الإنكار. [239].
-[ص 2] يتعلق برواية الليث، عن سعيد بن أبي هلال. [240].
- هذا زادَ رجلًا، وذاك نقص رجلًا، وكلاهما صحيحين
(1)
؟ [241].
- حديثُ قتيبة في الجمع. [245].
(1)
كذا، والوجه:«صحيحان» .
- حكمٌ من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يُشاركه فيه أحدٌ؟ [248].
- عبد الملك بن أبي سليمان لم يرو عن نافع. [253].
- الحسن بن عياش. [256].
- الثوري. [258].
- لولا أنهم سمعوه من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كانوا يقولونه. [270].
- الحِمَّاني، عن علي بن سويد، عن نُفَيْع. علي بن سويد هنا هو مُعَلَّى بن هلال بن سويد. [286].
- محمد بن مسلم بن أبي الوَضَّاح، عن زكريا، عن الشعبي. زكريا هو ابن حكيم الحَبَطي ليس هو ابن أبي زائدة. [295].
- أبان العطار، عن قتادة، عن أبي سعيد ــ من أَزْدِ شَنُوءَةَ ــ، عن أبي هريرة: أوصاني خليلي بثلاثٍ.
ورواه سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة.
قال أبو زرعة وأبو حاتم: سعيد أحفظهم. [297].
[نعم، ولكن لعل قتادة: «ثنا أبو سعيد» فحَسِبَه ابن أبي عروبة «الحسن البصري»؛ لأنَّ كنيته «أبو سعيد»]
(1)
.
(1)
كتب الشيخ هذا التعقيب بين معكوفين. وقد وضعنا تعليقات الشيخ بعده بين معكوفات.
- «فكيف سمع عطاءٌ من ابن عمر، وهو قد سمِعَ من سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن قيس بن عمرو
…
». [309].
[كأنه يعني أن رواية عطاءٍ للحديث نازلًا تدل أنه ليس عنده عن ابن عمر، وإلَّا لاجتزأ به].
- المتصلُ أشبه؛ لأنه اتفق اثنان. [330].
- موقوفٌ أصَحُّ، لا يجيءُ مثل هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. [334].
- شريكُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال
(1)
: «كان لا يُداري ولا يُماري» مَن هو؟ [350].
- اضطرابُ يونسَ في حديث، وتصحيح رواية ابن المبارك عنه. [357، 358].
- «هذا حديث كذب، لا أصل له، ومحمد بن الصلت لا بأس به، كَتَبْتُ عنه» . [374].
-[ص 3]«لو كان عند قيس، عن المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتج أن يفتقر إلى أن يُحَدِّث عن عمر، موقوف» . [376].
- قول ابن معين: «أنا نظرت في كتاب إسحاق، فليس فيه هذا» .
ورَدَّ أبي حاتم بقوله: «كيف نظر في كتبه كله، إنما نظر في بعضٍ، وربما كان في موضعٍ آخر» . [378].
(1)
في الأصل «كان» سبق قلم. والمقصود قول الشريك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- النكارةُ للتفرد. [391].
- حديث استحبَّ إسحاق بن راهويَه العمل به، وقال أبو حاتم: إنه «باطل موضوع» . [410].
- مدرج. [419].
- وقع في سند (أبو إسحاق الفَزَاري) قال أبو حاتم: «هذا خطأ، إنما هو أبو إسحاق الحجازي، وهو عندي إبراهيم بن أبي يحيى» . [420].
- إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم الخَثْعَمِي، عن نافع سألتُ عائشة.
نافع هو مولى ابن عمر. [423].
- جعل إسنادين في إسنادٍ. [424].
- زيادة «وإذا قرأ فأنصتوا» غير محفوظة. [465].
- باطل بهذا الإسناد. [473].
- منكر بهذا الإسناد. [478].
- «كان الوليدُ صنَّف كتابَ الصلاةِ، وليس فيه هذا الحديث» . [487].
-
(1)
حديث عِراك بن مالك عن عائشة: «حوّلوا مقعدي إلى القبلة» موقوف. [50].
- مكان القلم من أُذُن الكاتب. [141].
- «أحلوا حلاله وحرِّموا حرامه» . [1410].
- كيفية الغلط. [1667].
- قول أبي حاتم: «حسن» . [1676].
- «يُشَرِّفون المترَفين» . [1856].
- وحسَّن صورته. [1858].
- معاوية بن يحيى الأطرَابُلُسي أيدلّس؟ [1892].
- محمد بن مصعب وَهِمَ في معنى الحديث. [1897].
- هشام بن عمار وصورة التلقين. [1899، 1482، 1576، 2615].
- محمد بن يزيد الأسلمي. [1902].
- محمد بن أبي يحيى الأسلمي= محمد بن فُلَيح. [2311].
- خطأ شديد من شريك. [2319].
- تدليس بقيَّة للموضوعات، ومنها: حديث «النظر إلى الفرج» ، و «من أصيب بمصيبة» ، و «لا تأكلوا بهاتين، ولكن كلوا بثلاث» . ثلاثة أحاديث موضوعة من تدليس بقية. [2394].
(1)
هذه الفوائد قيَّدها الشيخ على غلاف نسخته من العلل.
- «من خضب بالسواد» . [2411].
- زيادة الحافظ على الحافظ تُقبل. [2416].
- «إذا بلغكم عني حديث» . [2445].
- حديث غلط، خفي على أحمد. [2451].
- «أنا سابق العرب» . [2577].
- سلوك الجادة. [2582].
- دَوْس. [2592].
- معاوية. [2594، 2601، 2634].
- زهير بن العلاء. [2616].
- من أعاجيب الغلط. [2622].
- إسماعيل بن عياش وابنه. [2637].
- العرب. [2641].
- مِنْ تدليس ابن عيينة. [2648].
- عبد الرحمن بن مَغْراء. [2657].
- «ادعي لي» . [2660].
- «أقدمكم سِلْمًا» . [2664].
- «وأَخبِرْه أنه يلي الأمةَ من بعدي» . [2671].
- «لا تخبرهما يا عليّ» . [2677].
- آخى بين نفسه وبين عليّ. [2678].
- «سُدُّوا هذه الأبواب» . [2672، 2657، 2661].
- محمد بن كثير. [2681].
- حكاية للفَلَّاس مردودة. [2731].
- يَتثبَّت دُحيم دون سليمان بن عبد الرحمن، وهشام بن عمار، وهشام بن خالد. [2462].
الرسالة الثامنة
أحكام الحديث الضعيف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد، فهذه رسالة في أحكام الحديث الضعيف، جمعتُها لما رأيت ما وقع للمتأخرين من الاضطراب فيه؛ فنَسَب بعضُهم إلى كبار الأئمة الاحتجاجَ به، ونَسَب غيرُه إلى الإجماع استحبابَ العمل به في فضائل الأعمال ونحوها، وتوسّع كثيرٌ من الناس في العمل به، حتى بنوا عليه كثيرًا من المحدَثات، وأكَّدوا العمل بها، وحافظوا عليها أبلغ جدًّا من محافظتهم على السنن الثابتات، بل والفرائض القطعيات.
بل كثيرًا ما بنوا عليه عقائد مخالفة للبراهين القطعية من الكتاب والسنة والمعقول. ولم يقتصروا على الضعاف بل تناولوا الموضوعات.
وأنكر جماعةٌ جواز العمل بالضعيف مطلقًا، حتى قال بعضهم كما نقله ابن حجر الهيتمي في "شرح الأربعين النووية"
(1)
: "إن الفضائل إنما تُتلقى من الشارع، فإثباتها بما ذُكِر اختراعُ عبادة وشَرْعٌ لما لم يأذن به الله".
ومَن تأمل هذه العبارة وجدها تُنبئ أن إثبات الفضائل بالضعيف شرك؛ لأن شَرْع ما لم يأذن به الله كذلك، قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]. وسيأتي تقرير هذا المعنى إن شاء الله تعالى
(2)
.
(1)
(ص 6).
(2)
(ص 174 - 175).
ومن المانعين القاضي أبو بكر ابن العربي، والمحقق الشاطبي صاحب [ص 2] كتاب "الموافقات" في أصول الفقه وغيره.
ثم نصّ بعضُ الفقهاء الشافعية كالزركشي في مقدمة "الذهب الإبريز"
(1)
والخطيب الشربيني في "شرح المنهاج"
(2)
أن العمل بالحديث الضعيف جائز فقط لا مستحبّ، وردّه بعضهم كابن قاسم في "حواشيه على التحفة"
(3)
وأثبت الاستحباب. هذا، وقد نصّ النوويّ نفسُه في كتاب "الأذكار"
(4)
على الاستحباب.
واستشكل جماعةٌ القولَ بالجواز أو الاستحباب مع الإجماع على أن الضعيف لا يثبت به حكم، والجواز والاستحباب من الأحكام الخمسة.
وأُجيب من طرف القائلين بالجواز والاستحباب بأجوبةٍ عامّتها من قبيل ما عُرِف في الجدليّات من المطاولة وتشتيت ذهن الناظر، ليقْنَع بالتقليد الصِّرْف. وتلك المطاولة هي التي ألجأتني إلى تأليف رسالة مستقلة.
وذلك أنني ألَّفت كتابًا
(5)
نبَّهتُ في مقدمته على الأمور التي يسلكُها كثير من المتأخرين في الاحتجاج وهي غير صالحةٍ لذلك، وذكرتُ من جملتها العمل بالضعيف، وحاولت أن أحقِّق الكلامَ فيه، فطال الكلام جدًّا قبل أن أستوفي البحث كما أحبّ، فآثرت إفراده برسالة مستقلة.
(1)
في تخريج أحاديث فتح العزيز، لم يطبع بعد.
(2)
(1/ 62).
(3)
(1/ 240).
(4)
(ص 8).
(5)
هو كتاب "العبادة" ذكر المؤلف فيه (ص 669) هذا البحث وأنه أفرده في رسالة.
هذا، وبعد أن توسطت هذه الرسالة، ووجدتُ الكلام في هذه المسألة مرتبطًا بالكلام على البدع والمحْدَثات عزمتُ على إفراد رسالةٍ أخرى في تحقيق ما هي البدعة؟
(1)
ومِن الله أستمدُّ التوفيق والعون بفضله وكرمه.
(1)
طُبعت ضمن هذا المشروع المبارك ضمن الرسائل العقدية.
[ص 3] فصل
تعريف الضعيف مذكور في كتب المصطلح وغيرها فلا نطيل بذكره، وإنما ننبّه هنا على مهمّات:
الأولى: يُعْلَم من إمعان النظر في فصل "الحسن" من كتب الاصطلاح المطوّلة كـ "فتح المغيث"
(1)
أنه إنما استقرّ الاصطلاح على جَعْل الحسن قسمًا برأسه من الترمذي فمَنْ بعدَه.
ويتحقق بذلك ما قاله بعض الأجلّة
(2)
: أن ما استقر الاصطلاح على تسميته بالحسن كان المتقدّمون يطلقون عليه تارةً "صحيح" وتارة "ضعيف". فإذا نظروا إليه من حيث هو صالح للحجة قالوا: صحيح، وإذا نظروا إليه من حيث هو قريب مما لا يصلح للحجة قالوا: ضعيف.
ويقرُب من هذا ما قاله السخاوي: "ينبغي أن تتأمل أقوال المزكّين ومخارجها، فقد يقولون: فلان ثقة أو ضعيف، ولا يريدون به أنه ممن يُحتج بحديثه ولا ممن يُردّ، وإنما ذلك بالنسبة لمن قُرِن معه
…
وعلى هذا يُحمل أكثر ما ورد من اختلاف كلام أئمة الجرح والتعديل". "فتح المغيث" ص 142 - 143
(3)
.
الثانية: إذا وجدنا مسألةً ذهب إليها إمام، وشاع أنه إنما استند إلى حديث ضعيف، لم يَجُز أن نَنْسب إليه أنه يرى الاحتجاج بالضعيف، بل
(1)
(1/ 71 وما بعدها).
(2)
لعله أراد الشيخ محمد تقي العثماني في مقدمة كتابه "فتح الملهم شرح مسلم".
(3)
(2/ 127).
نقول: لعله ظن الحديث صحيحًا، إما لعدم علمه [ص 4] بجرح الراوي، وإما لأنه اعتضد عنده بدليلٍ قويّ عنده، إما بفهمه من القرآن، أو الأحاديث الثابتة، أو قياس، أو قول صحابيّ، أو إجماع ظنّه، أو عَمَل أهل بَلَدِه، أو غير ذلك.
الثالثة: إذا عَرَضتْ للمجتهد مسألة لم يجد لها دليلًا وإنما بلَغَه فيها حديثٌ ضعيف، فيجوز أن يؤدّيه اجتهاده إلى تصحيحه؛ لأن أمامه ثلاثة احتمالات:
أحدها: أن تكون الشريعةُ أهملت هذه المسألة.
الثاني: أن الأمة أضاعت الدليلَ الخاصَّ بتلك المسألة.
الثالث: أن يكون هناك دليل محفوظ، ولكن خفي على المجتهد.
والأوّلان باطلان فيتعيّن الثالث، وفيه احتمالان:
أحدهما: أن يكون ذلك الدليل غير هذا الضعيف ومخالفًا له.
الثاني: أن يكون هو ذلك الضعيف يُروى من طريق ثابتة، أو دليلًا آخر موافقًا له، والنظر يُساعد على ترجيح هذا الثاني.
فعلى هذا لم يَبْقَ هذا الضعيف ضعيفًا عند المجتهد، بل ترقّى عنده إلى رتبة الحسن بهذا النظر. فتدبّر.
الرابعة: قد يكون نوع أو فرد من الحديث صحيحًا في نظر مجتهد وهو ضعيف عند غيره، فإذا احتجّ ذلك المجتهد بما هذا حاله من الحديث أو عَمِل به فإنما عمل بالصحيح [ص 5] في رأيه، فمِنَ الغفلة والمغالطة أن
يُنسَب إليه أنه يعمل بالضعيف أو يُحتج بفعله على جواز العمل بالضعيف مطلقًا.
الخامسة: قد يكون نوع أو فرد من الحديث ضعيفًا عند مجتهد ضعفًا يسيرًا، فينصّ أنه إذا اعتضد بكذا (ويذكر عاضدًا ضعيفًا) صار حجةً، مع أنّ ذلك العاضد لا يُصَيّر كلَّ حديث ضعيف حجة عند ذلك المجتهد، وعلى هذا فلا يصح أن يُنسَب إلى ذلك المجتهد العمل بالضعيف.
[ص 6] فصل
نقل بعضُهم حكايةَ الإجماع على أن الأحكام لا تثبت بالضعيف، كما سيوافيك في كلام الدواني، وقد يخدش في ذلك أمور:
الأول: ما نُسِب إلى أبي حنيفة رحمه الله أنه يحتج بالضعيف ويقدّمه على القياس
(1)
.
ولم يُنقل عن أبي حنيفة نصّ بهذا على أنه أصل وقاعدة، وإنما حُكيت عنه مسائل ذهب إليها ولم يوجد لها دليل إلا حديث ضعيف مع مخالفتها للقياس. ولما كان المشهور عن أبي حنيفة أنه يقدّم القياس على الأحاديث الصحيحة، ولهذا سمّوه وأصحابَه "أهل الرأي" حاول بعض أتباعه أن يدفع هذا ويبالغ في نفيه فقال: بل مذهب أبي حنيفة تقديم الحديث الضعيف على القياس، وحكى تلك المسائل، وأضاف إلى ذلك:
(1)
انظر "أصول البزدوي"(ص 5)، و"الإحكام"(7/ 54) لابن حزم، و"إعلام الموقعين":(2/ 145).
وانظر للمؤلف: "التنكيل": (1/ 37 - 40)، و"تنزيه الإمام الشافعي":(ص 329 - 330 ضمن هذا المجموع).
أن أصحاب أبي حنيفة مجمعون على أن مذهبه تقديم الضعيف على القياس، كأنه أراد أن جميع أصحابه ينقلون عنه تلك المسائل ويذكرون في الاستدلال لها تلك الأحاديث الضعيفة.
وهذا كلّه مناورة، وقد عُلم جوابه من المهمّة الثانية
(1)
. ومن راجع أصول الحنفية تبيَّن له الصواب.
الأمر الثاني: ما نُقل عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه يحتج بالضعيف إذا لم يكن في الباب غيره
(2)
، وقد عُلِم جوابه من المهمّة الأولى
(3)
، وبذلك أجاب بعض المحققين من أتباعه. ويؤيّده أن الناقلين مثّلوا الضعيفَ الذي يأخذ به إذا لم يجد غيره [ص 7] بحديث عَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو من قبيل الحسن عند أحمد، كما يظهر من كلامه فيه؛ قال مرة في عَمْرو: له أشياء مناكير وإنما يُكتب حديثُه يُعتبر به، فأما أن يكون حجةً فلا. وقال مرةً: أنا أكتبُ حديثَه، وربما احتججنا به، وربما وَجَس في القلب منه شيء. وقال مرة: أصحاب الحديث إذا شاؤوا احتجوا بحديث عَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإذا شاؤوا تركوه
(4)
. وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي ابن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عُبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحدٌ
(1)
(ص 156).
(2)
انظر "إعلام الموقعين": (2/ 55 و 145 - 146).
(3)
(ص 156).
(4)
انظر نصوص أحمد في "موسوعة أقوال أحمد في الرجال": (3/ 99 - 100).
من المسلمين
(1)
. "تهذيب التهذيب"
(2)
ترجمة عَمرو.
ويتلخّص من كلام أحمد: أن حديث عَمرو ليس عنده بحجة مطلقًا وإنما يُحتج بأحاديثه التي لم يجس في النفس منها شيء، فإذا وَجَس في النفس من حديثه شيء لم يحتج به، وذلك بأن يكون الحديث منكرًا أي مخالفًا لدليل أقوى منه.
وهذا شأن الثقات كلهم ولكن كأنّ هذا الضرب من المناكير وقع في حديث عَمرو أكثر مما وقع في حديث وكيع وأضرابه، ولم يبلغ في الكثرة إلى حدّ يوقع الشكَّ في جميع حديثه. على أنّ يعقوب بن شيبة قال:"والأحاديث التي أنكروا من حديثه إنما هي لقومٍ ضعفاء رووها عنه، وما روى عنه الثقات فصحيح". وقال أبو زُرعة: "عامة المناكير تُروى عنه إنما هي عن المثنّى بن الصبّاح وابن لهيعة والضعفاء، وهو ثقة في نفسه
…
". وقال إسحاق بن راهويه: "إذا كان الراوي [ص 8] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر". "تهذيب التهذيب"
(3)
أيضًا.
فإن ثبت عن أحمد الاحتجاج بالضعيف المصطَلَح عليه إذ
(4)
لم يجد في الباب غيره، فقد مرَّ توجيه ذلك في المهمة الثالثة
(5)
.
(1)
انظر نحوه في "التاريخ الكبير": (6/ 343).
(2)
(8/ 48 - 55).
(3)
نفسه.
(4)
كذا في الأصل.
(5)
(ص 157).