الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبوجه رابع: أن ملك الله وسلطانه في السماء وفي الأرض أيضا. وبوجه خامس: وهو دلالة العقل عليه لأنه صفة كمال. وبوجه سادس: وهو دلالة الفطرة عليه لأن الخلق مفطورون على أن الله في السماء.
معنى كون الله في السماء
المعنى الصحيح لكون الله في السماء أن الله تعالى على السماء، ففي بمعنى على وليست للظرفية لأن السماء لا تحيط بالله، أو أنه في العلو، فالسماء بمعنى العلو وليس المراد بها السماء المبنية.
تنبيه: ذكر المؤلف رحمه الله أنه نقل عن بعض الكتب المتقدمة أن من علامات النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه أنهم يسجدون بالأرض ويزعمون أن إلههم في السماء، وهذا النقل غير صحيح لأنه لا سند له، ولأن الإيمان بعلو الله والسجود له لا يختصان بهذه الأمة وما لا يختص لا يصح أن يكون علامة، ولأن التعبير بالزعم في هذا الأمر ليس بمدح لأن أكثر ما يأتي الزعم فيما يشك فيه.
جواب الإمام مالك بن أنس بن مالك وليس أبوه أنس بن مالك الصحابي بل غيره وكان جد مالك من كبار التابعين وأبو جده من الصحابة. ولد مالك سنة 93هـ بالمدينة ومات فيها سنة 179هـ وهو في عصر تابعي التابعين.
سئل مالك فقيل: يا أبا عبد الرحمن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . كيف استوى؟ فقال رحمه الله: (الاستواء غير مجهول) أي معلوم المعنى وهو العلو والاستقرار (والكيف غير معقول) أي كيفية الاستواء غير مدركة بالعقل لأن الله تعالى أعظم وأجل من أن تدرك العقول كيفية صفاته (والإيمان به) أي الاستواء (واجب) لوروده في الكتاب والسنة (والسؤال عنه) أي عن الكيف (بدعة) لأن السؤال عنه لم يكن في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم،
وأصحابه. ثم أمر بالسائل فأخرج من المسجد خوفا من أن يفتن الناس في عقيدتهم وتعزيرا له بمنعه من مجالس العلم.
الصفة الخامسة عشرة: "الكلام".
الكلام صفة من صفات الله الثابتة له بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف.
قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} . {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} .
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:«إذا أراد الله أن يوحي بأمره تكلم بالوحي» . أخرجه ابن خزيمة وابن جرير وابن أبي حاتم.
وأجمع السلف على ثبوت الكلام لله فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وهو كلام حقيقي يليق بالله، يتعلق بمشيئته بحروف وأصوات مسموعة.
والدليل على أنه بمشيئته قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} . فالتكليم حصل بعد مجيء موسى فدل على أنه متعلق بمشيئته تعالى.
والدليل على أنه حروف قوله تعالى: {يَامُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} . فإن هذه الكلمات حروف وهي كلام الله.
والدليل على أنه بصوت قوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}
والنداء والمناجاة لا تكون بصوت. وروي عن عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«يحشر الله الخلائق فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان» . علقه البخاري بصيغة التمريض، قال في الفتح: وأخرجه المصنف في الأدب المفرد وأحمد، وأبو يعلى في مسنديهما وذكر له طريقين آخرين.
وكلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد، ومعنى قديم النوع أن الله لم يزل، ولا يزال متكلما ليس الكلام حادثا منه بعد أن لم يكن. ومعنى حادث الآحاد: أن آحاد كلامه أي الكلام المعين المخصوص حادث لأنه متعلق بمشيئته متى شاء تكلم بما شاء كيف شاء.
المخالفون لأهل السنة في كلام الله تعالى:
خالف أهل السنة في كلام الله طوائف نذكر منهم طائفتين:
الطائفة الأولى: الجهمية، قالوا: ليس الكلام من صفات الله وإنما هو خلق من مخلوقات الله يخلقه الله في الهواء، أو في المحل الذي يسمع منه وإضافته إلى الله إضافة خلق، أو تشريف مثل ناقة الله، وبيت الله.
ونرد عليهم بما يلي:
أنه خلاف إجماع السلف.
2 -
أنه خلاف المعقول؛ لأن الكلام صفة للمتكلم وليس شيئا قائما بنفسه منفصلا عن المتكلم.
3 -
أن موسى سمع الله يقول: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} . ومحال أن يقول ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
الطائفة الثانية: الأشعرية، قالوا: كلام الله معنى قائم بنفسه لا يتعلق بمشيئته، وهذه الحروف والأصوات المسموعة مخلوقة للتعبير عن المعنى القائم بنفس الله.
ونرد عليهم بما يلي:
1 -
أنه خلاف إجماع السلف.
2 -
أنه خلاف الأدلة لأنها تدل على أن كلام الله يسمع، ولا يسمع إلا الصوت ولا يسمع المعنى القائم بالنفس.
3 -
أنه خلاف المعهود لأن الكلام المعهود هو ما ينطق به المتكلم لا ما يضمره في نفسه.
تعليق على كلام المؤلف في فصل الكلام:
قوله: (متكلم بكلام قديم) يعني قديم النوع حادث الآحاد لا يصلح إلا هذا المعنى على مذهب أهل السنة والجماعة، وإن كان ظاهر كلامه أنه قديم النوع والآحاد.
قوله: (سمعه موسى من غير واسطة) لقوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} .
قوله: (وسمعه جبريل) لقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} .
قوله: (ومن إذن له من ملائكته ورسله) أما الملائكة فلقوله، صلى الله عليه وسلم:«ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم يسبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} فيخبرونهم» .الحديث رواه