الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«فأشار إلى القمر فانشق نصفين متباعدين يراهما الناس بأعينهم، حتى ادعت قريش جحودا وعنادا أن النبي صلى الله عليه وسلم سحرهم، وسألوا القادمين إلى مكة عن ذلك فأخبروهم أنهم رأوا انشقاق القمر في تلك الليلة» . أفلا يدل هذا على أن هذا الكون العلوي منه والسفلي خاضع للرب الخالق العليم؟ وقد سبق آنفا ما ذكرناه من آيات موسى، وعيسى عليهما الصلاة والسلام من كون العصا حية وضرب البحر بها حتى انفلق والحجر حتى انفجر، وإحياء الموتى، وإخراجهم من قبورهم آية لعيسى، صلى الله عليه وسلم.
آيات النبي محمد، صلى الله عليه وسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) قال: والآيات والبراهين الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة، وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويسميها من يسميها من النظار (معجزات) ، وتسمى دلائل النبوة وأعلام النبوة ونحو ذلك، وهذه الألفاظ التي سميت بها آيات الأنبياء كانت أدل على المقصد من لفظ المعجزات، ولهذا لم يكن لفظ المعجزات موجودا في الكتاب والسنة، وإنما فيه لفظ الآية والبينة والبرهان. قال رحمه الله: والآيات نوعان: منها ما مضى وصار معلوما بالخبر، ومنها ما هو باق إلى اليوم كالقرآن، والإيمان والعلم اللذين في اتباعه، وكشريعته التي جاء بها وذكر أمثلة أخرى لذلك سنعرض إن شاء الله لشيء منها تفصيلا. فمن هذه الآيات:
1 -
القرآن الكريم، وهو أعظم آيات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الآية السابقة الباقية، فمنذ أوحى الله إليه به حتى اليوم وهو آية شاهدة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
فالقرآن كلام الله تعالى لفظا ومعنى، تكلم الله نفسه كلاما حقيقيا فأوحاه إلى جبريل، ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم فوعاه، وحفظه وتكفل الله له بحفظه حيث قال:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} وإذا كان الله قد تكفل ببيانه فمعناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيحفظه ويعيه حتى يبلغه الناس ويبينه لهم وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} والقرآن آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على صدقه من عدة أوجه:
الأول: عجز الخلق كلهم أن يأتوا مجتمعين أو منفردين بمثل هذا القرآن قال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} يعني لا يمكن أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم معينا لبعض، وذلك لأن القرآن كلام الله ولا يمكن أن يشبهه شيء من كلام المخلوقين، لا من حيث اللفظ، ولا من حيث المعنى، ولا من حيث التأثير، ولا من حيث الثمرة والآثار الحميدة.
الثاني: من حيث اللفظ في قوته، ورصانته، وتركيبه، وأسلوبه، ونظمه، وبيانه، ووضوحه، وشموله للمعاني العديدة الواسعة التي لا تزال تظهر عند التأمل والتفكير، حتى كأنك لتسمع الآية التي ما تزال تقرؤها فينقدح لك منها معنى جديد، كأنك لم تسمع الآية من قبل وكأن الآية نزلت لتوها من أجله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: نفس نظم القرآن وأسلوبه عجيب بديع، ليس من جنس أساليب الكلام المعروفة، ولم يأت أحد بنظير هذا الأسلوب، فإنه ليس من جنس الشعر، ولا الرجز، ولا
الرسائل، ولا الخطابة، ولا نظمه نظم شيء من كلام الناس عربهم وعجمهم، ونفس فصاحة القرآن وبلاغته، هذا عجيب خارق للعادة ليس له نظير في كلام جميع الخلق. وقال الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه (الوحي المحمدي) تحت عنوان: الفصل الرابع: إن القرآن لو أنزل بأساليب الكتب المألوفة المعهودة وترتيبها لفقد أعظم مزايا هدايته المقصودة بالقصد الأول. وأقول أيضا: إنه لو أنزل هكذا لفقد بهذا الترتيب أخص مراتب إعجازه المقصود بالدرجة الثانية. وقال: لو كان القرآن مرتبا مبوبا كما ذكر لكان خاليا من أعظم مزاياه شكلا وموضوعا، يعلم هذا وذاك مما نبينه من فوائد نظمه وأسلوبه الذي أنزله به رب العالمين، العليم، الحكيم، الرحيم، وهو مزج تلك المقاصد كلها بعضها ببعض، وتفريقها في سوره الكثيرة الطويلة منها، والقصيرة بالمناسبات المختلفة وتكرارها بالعبارات البليغة المؤثرة في القلوب المحركة للشعور المنافية للسآمة والملل إلى أن قال: والقابلة لأنواع أخرى من الإلقاء الخطابي في الترغيب والترهيب، والتعجيب، والتعيب، والتكريه، والتحبيب، والزجر، والتأنيب، واستفهام الإنكار، والتقرير، والتهكم، والتوبيخ، بما لا نظير له في كلام البشر من خطابة ولا شعر ولا رجز ولا سجع، فبهذا الأسلوب الرفيع في النظم البديع وبلاغة التعبير الرفيع كان القرآن كما ورد في معنى وصفه لا تبلى جدته ولا تخلقه كثرة الترديد. اهـ كلامه.
الوجه الثالث: من إعجاز القرآن من حيث أهدافه العالية وآدابه الكاملة وتشريعاته المصلحة، فقد جاء بإصلاح العقيدة من الإيمان بالله، وبما له من الأسماء والصفات والأفعال، والإيمان بجميع ملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وما يتعلق بذلك، وجاء بإخلاص العبادة لله، وتحرير الفكر، والعقل، والشعور من عبادة غير الله
والتعلق به خوفا، ورجاءً، ومحبة، وتعظيما، وجاء بالآداب الكاملة التي يشهد بكمالها وصلاحها وإصلاحها كل عقل سليم أمر بالبر والصلة، والصدق، والعدل، والرحمة، والإحسان، ونهى عن كل ما يخالف ويناقض من الظلم، والبغي، والعدوان.
أما تشريعاته فناهيك بها من نظم مصلحة للعباد والبلاد في المعاش، والمعاد، وإصلاحا في العبادة، وإصلاحا في المعاملة في الأحوال الشخصية، والاجتماعية، والاقتصادية، والفردية، والكمالية فيما لو اجتمع الخلق كلهم على سن نظم تماثلها أو تقاربها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
الوجه الرابع: من إعجاز القرآن قوة تأثيره على النفوس والقلوب، فإنه ينفذ إلى القلب نفوذ السهم في الرمية، ويسيطر على العقول سيطرة الشمس على أفق الظلام كما شهد بذلك الموالي والمعادي، حتى إن الرجل العادي -فضلا عن المتعلم- ليسمع القرآن فيجد من نفسه جاذبية عظيمة تجذبه إليه قسرا، يعرف أن هذا ليس من كلام البشر، فقد سمع الوليد بن المغيرة -عم أبي جهل - القرآن مرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لقومه من بني مخزوم: لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى. «واجتمع مرة كبراء قريش فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ما يرد عليه. فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه كل ما يمكن إغراؤه من المال والجاه والنساء، فلما أتم كلامه تلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أول سورة فصلت، فلما بلغ قوله تعالى:»
« {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} قام عتبة فأمسك بفم النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف عنه، فلما رجع عتبة بن ربيعة إلى قومه وجدوه متغيرا، وقص عليهم خبره وما وقع من الرعب في قلب بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم: لقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب، ولقد كلمني بكلام ما سمعت أذناي بمثله قط، فما دريت ما أقول» . اهـ. ولقد كان بعض الكبراء من قريش يأتون ليلا خفية يستمعون تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن كما جرى ذلك لأبي جهل وأبي سفيان وغيرهما.
وهذه القصص وأمثالها تدل دلالة ظاهرة على تأثير القرآن في النفوس وأخذه بمجامع القلوب، ولكن هذا التأثير قد لا يظهر لكل أحد إنما يظهر لمن كان له ذوق ومعرفة بأساليب الكلام، وبلاغة اللسان.
ومن يك ذا فم مر مريض
…
يجد مرّا به الماء الزلالا
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر أنواعا من إعجاز القرآن: وهذه الأمور من ظهرت له من أهل العلم والمعرفة ظهر له إعجازه من هذا الوجه، ومن لم يظهر له ذلك اكتفى بالأمر الظاهر الذي يظهر له ولأمثاله، كعجز جميع الخلق عن الإتيان بمثله مع تحدي النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره بعجزهم، فإن هذا أمر ظاهر لكل أحد.
الوجه الخامس: من إعجاز القرآن تلك الآثار الجليلة التي حصلت لأمة القرآن باتباعه والعمل بأهدافه السامية، وتعاليمه الرشيدة، فقد ارتقى بأمة القرآن التي اعتنت به لفظا وفهما وتطبيقا ارتقى بها إلى أوج العلا في العبادة والآداب والكرامة والعزة، لقد عرف سلف هذه الأمة قيمة هذا القرآن الكريم فكانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها،
وما فيها من العلم والعمل، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعا، فسادوا جميع العالم وصارت لهم العزة والغلبة والظهور والتمكين في الأرض، والعلوم النافعة مع أنهم كانوا قبل ذلك متفرقين ضالين أميين مغلوبين بين الأمم، ولن يعود لأمة القرآن ذلك العز والظهور والغلبة حتى يرجعوا إلى المعين الذي روي به أسلافهم، فيأخذوا منه صافيا من غير كدر، لن يعود لهم ذلك حتى يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتفهموهما ويطبقوهما اعتقادا وقولا وعلما وعملا وكيفا، مؤمنين بذلك معتقدين أن هذا هو طريق الصلاح والإصلاح والسلامة، وإن من المؤسف حقا أن ترى الكثير من المسلمين اليوم لا يلتفتون إلى الكتاب والسنة، ولا يتفهمونهما، ولا يطبقونهما بل أكثرهم لا يقرأ من القرآن في عامه كله إلا ما يقرؤه في صلاته، هذا مع قلة تفهم في اللغة العربية، وآدابها، وأساليبها، فلم يكن عندهم ذوق لغوي، ولا شرعي لكتاب الله، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، ولذلك ابتعدوا عن مقومات الدين، وآثاره ونتائجه بقدر ما ابتعدوا عن كتاب الله وسنة رسول الله، وإنا لنرجو من الله تعالى أن يهيئ لأمة القرآن من أمرها رشدا، وأن يبعث لها قادة فكر وسياسة لما فيه الخير والصلاح، والرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. 2- ومن آيات النبي صلى الله عليه وسلم ما أظهره الله شاهدا على صدقه من الآيات الأفقية كما قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ولذلك أمثلة:
المثال الأول: انشقاق القمر، فقد انشق القمر وصار فرقتين وشاهد
الناس ذلك وقد أشار الله إلى ذلك في القرآن قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} وقد أجمع العلماء على وقوع ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، وقد رآه الناس بمكة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه:«اشهدوا اشهدوا» وقدم المسافرون من كل وجه فأخبروا أنهم رأوه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وجعل الآية في انشقاق القمر دون الشمس وسائر الكواكب لأنه أقرب إلى الأرض من الشمس والنجوم، وكان الانشقاق فيه دون سائر أجزاء الفلك إذ هو الجسم المستنير الذي يظهر الانشقاق فيه لكل من يراه ظهورا لا يتمارى فيه، وأنه إذا قبل الانشقاق فقبول محله أولى بذلك وقد عاينه الناس وشاهدوه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في المجامع الكبار مثل صلاة العيدين، وكل الناس يقر بذلك، ولا ينكره ولو لم يكن قد انشق لأسرع الناس إلى تكذيب ذلك. ا. هـ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقد استبعد أناس وقوع انشقاق القمر وحاولوا تحريف معنى القرآن في ذلك، وقد أخطؤوا خطأ كبيرا في هذا الإنكار فالقرآن لا يتحمل المعنى الذي حرفوه إليه، والنصوص الثابتة الكثيرة من الأحاديث صريحة في انشقاقه انشقاقا حسيا مشهودا، ولا يقدح في ذلك ما زعمه بعضهم من كونه لم ينقل في تاريخ غير التاريخ الإسلامي فإن نقله في التاريخ الإسلامي كاف في ذلك، وقد جاء به القرآن الكريم ولعل الناس الذين لم ينقلوه لم يشاهدوه، لعله وقع وهم نيام أو كانوا في النهار ولم يشعروا به، أو كان في تلك الساعة مانع من سحاب أو غيره، وقد أخبر المسافرون الذين قدموا مكة بمشاهدته، وهو لم يستمر فيما يظهر وإنما كان آية شاهدها الناس ثم عاد إلى حاله الأولى.
المثال الثاني: المعراج فإنه من أكبر الآيات فلقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة إلى بيت المقدس، واجتمع هناك بالأنبياء، وصلى بهم، ثم عرج به جبريل حتى بلغ سدرة المنتهى فوق سبع السماوات، وأوحى الله تعالى إليه ما أوحى، وشاهد، صلى الله عليه وسلم، من آيات الله الكبرى ما شاهد، ومر بالأنبياء في كل سماء، ورجع إلى مكة، كل ذلك في ليلة واحدة مع بعد المسافة الأرضية بين مكة وبين بيت المقدس، ثم البعد العظيم بين السماء والأرض وبين السماء الدنيا وما فوقها إلى سدرة المنتهى، وقد أخبر الله تعالى في القرآن عن الإسراء في سورة الإسراء وعن المعراج في سورة النجم إذا هوى.
المثال الثالث: نزول المطر باستسقائه مباشرة، وإقلاع المطر باستصحائه مباشرة ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:«أصابت سنة أي جدب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا. فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة (أي قطعة سحاب) فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد حتى الجمعة الأخرى وقام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا. فرفع يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا" فما يشير إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت فأقلع المطر وخرجنا نمشي في الشمس» .
ومن آيات النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع مطابقا لما أخبر به، صلى الله عليه وسلم، من أمور الغيب التي وقعت في عهده، وبعده ولذلك أمثلة أيضا:
المثال الأول: ما رواه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرينا مصارع أهل بدر قبل ابتداء القتال يقول: "هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، هذا مصرع فلان" فوالذي بعثه بالحق ما أخطؤوا الحدود التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
المثال الثاني: إخباره، صلى الله عليه وسلم، عن ظهور نار في أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال:«لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى» . فقد خرجت هذه النار في جمادى الآخرة سنة 654هـ شرقي المدينة فأقامت نحوا من شهر وملأت تلك الأودية وشاهد الناس أعناق الإبل ببصرى وهي بلدة بالشام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذه النار كانت تحرق الحجر.
ومن أمثلة ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما سيكون من الفتن، وتغير أحوال الناس وغير ذلك.
ومن آيات النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: «عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم، بين يديه ركوة (إناء للماء) فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه فقالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به ونشرب إلا ما في الركوة التي عندك، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال: فشربنا وتوضأنا،. قيل لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مئة ألف لكفانا، كنا ألفا وخمسمائة» .
ومن آيات النبي صلى الله عليه وسلم تكثير الطعام كما جرى ذلك يوم الخندق وجرى ذلك لأبي هريرة مع أهل الصفة وآياته، صلى الله عليه وسلم، كثيرة جدا، وقد ذكر أهل العلم من ذلك الشيء الكثير، ومن أوسع ما رأيت في ذلك تاريخ ابن كثير رحمه الله حيث كتب في آيات النبي صلى الله عليه وسلم مجلدا كبيرا وذلك أن جميع
آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد جرى مثلها للنبي، صلى الله عليه وسلم، وأمته أو ما هو أعظم منها. وهذه الآيات التي يجريها الله على أيدي أنبيائه وأوليائه كلها شاهدة بما له تعالى من كمال العلم، والقدرة، والرحمة، وأن الأمور كلها بيده يجريها كما يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون فلله الحمد والمنة سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.