الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
فصل في السمعيات
"
السمعيات كل ما ثبت بالسمع أي بطريق الشرع ولم يكن للعقل فيه مدخل، وكل ما ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، من أخبار فهو حق يجب تصديقه سواء شاهدناه بحواسنا، أو غاب عنا، وسواء أدركناه بعقولنا أم لم ندركه لقوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} . وقد ذكر المؤلف من ذلك أمورا:
الأمر الأول: الإسراء والمعراج:
الإسراء لغة: السير بالشخص ليلا وقيل: بمعنى سرى.
وشرعا: سير جبريل بالنبي، صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى بيت المقدس لقوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} .
والمعراج لغة: الآلة التي يعرج بها وهي المصعد.
وشرعا: السلم الذي عرج به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الأرض إلى السماء لقوله تعالى:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} . إلى قوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} . وكانا في ليلة واحدة عند الجمهور، وللعلماء خلاف متى كانت؟ فيروى بسند منقطع عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهم أنها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول
ولم يعينا السنة رواه ابن أبي شبية.
ويروى عن الزهري وعروة أنها قبل الهجرة بسنة رواه البيهقي فتكون في ربيع الأول، ولم يعينا الليلة، وقاله ابن سعد وغيره وجزم به النووي. ويروى عن السدي أنها قبل الهجرة بستة عشر شهرا. رواه الحاكم. فتكون في ذي القعدة.
وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين. وقيل: بخمس. وقيل: بست.
وكان يقظة لا مناما؛ لأن قريشا أكبرته وأنكرته، ولو كان مناما لم تنكره لأنها لا تنكر المنامات.
وقصته: أن جبريل أمره الله أن يسري بالنبي، صلى الله عليه وسلم، إلى بيت المقدس على البراق، ثم يعرج به إلى السماوات العلا سماء، سماء، حتى بلغ مكانا سمع فيه صريف الأقلام، وفرض الله عليه الصلوات الخمس، وأطلع على الجنة والنار، واتصل بالأنبياء الكرام، وصلى بهم إماما، ثم رجع إلى مكة فحدث الناس بما رأى فكذبه الكافرون، وصدق به المؤمنون وتردد فيه آخرون.
الأمر الثاني: مجيء ملك الموت إلى موسى صلى الله عليه وسلم:
«جاء ملك الموت بصورة إنسان إلى نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ليقبض روحه، فلطمه موسى ففقأ عينه، فرجع الملك إلى الله وقال: " أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت " فرد الله عليه عينه وقال: " ارجع إليه، وقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطى يده بكل شعرة سنة " فقال موسى: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: " فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر» . وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وإنما أثبته المؤلف في العقيدة لأن بعض المبتدعة أنكره معللا
ذلك بأنه يمتنع أن موسى يلطم الملك. ونرد عليهم: بأن الملك أتى موسى بصورة إنسان لا يعرف موسى من هو؟ يطلب منه نفسه، فمقتضى الطبيعة البشرية أن يدافع المطلوب عن نفسه، ولو علم موسى أنه ملك لم يلطمه، ولذلك استسلم له في المرة الثانية حين جاء بما يدل أنه من عند الله، وهو إعطاؤه مهلة من السنين بقدر ما تحت يده من شعر ثور.
الأمر الثالث: أشراط الساعة:
الأشراط جمع شرط وهو لغة العلامة. والساعة لغة الوقت أو الحاضر منه. والمراد بها هنا: القيامة، فأشراط الساعة شرعا العلامات الدالة على قرب يوم القيامة قال الله تعالى:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} . وذكر المؤلف من أشراط الساعة ما يأتي:
1 -
(خروج الدجال) وهو لغة صيغة مبالغة من الدجل، وهو الكذب والتمويه.
وشرعا: رجل مموه يخرج في آخر الزمان يدعي الربوبية. وخروجه ثابت بالسنة، والإجماع قال النبي، صلى الله عليه وسلم:«قولوا: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» . رواه مسلم. وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتعوذ منه في الصلاة متفق عليه.
وأجمع المسلمون على خروجه.
وقصته أنه يخرج من طريق بين الشام والعراق، فيدعو الناس إلى عبادته فأكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب. ويتبعه سبعون ألفا من يهود أصفهان، فيسير في الأرض كلها كالغيث استدبرته الريح، إلا مكة والمدينة فيمنع منهما، ومدته أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم
كجمعة، وباقي أيامه كالعادة، وهو أعور العين مكتوب بين عينه ك ف ر يقرؤه المؤمن فقط، وله فتنة عظيمة منها أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، معه جنة ونار، فجنته نار، وناره جنة. حذر منه النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال:" من سمع به فلينأ عنه، ومن أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، أو بفواتح سورة الكهف ".
2 -
(نزول عيسى ابن مريم) : نزول عيسى ابن مريم ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} أي: موت عيسى وهذا حين نزوله كما فسره أبو هريرة بذلك.
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:«والله لينزلن عيسى بن مريم حكما وعدلا» . الحديث متفق عليه.
وقد أجمع المسلمون على نزوله، فينزل عند المنارة البيضاء في شرقي دمشق واضعا كفيه على أجنحة ملكين، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلب الدجال حتى يدركه بباب لد فيقتله، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ويحج ويعتمر، كل هذا ثابت في صحيح مسلم وبعضه في الصحيحين كليهما. وروى الإمام أحمد وأبو داود أن عيسى يبقى بعد قتل الدجال أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون. وذكر البخاري في تاريخه أنه يدفن مع النبي، صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم.
3 -
(يأجوج ومأجوج) اسمان أعجميان أو عربيان مشتقان من المأج وهو الاضطراب، أو من أجيج النار وتلهبها.
وهما أمتان من بني آدم موجودتان بدليل الكتاب، والسنة.
قال الله تعالى في قصة ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} الآيات.
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:«يقول الله يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار من ذريتك» ، إلى أن قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:«أبشروا فإن منكم واحدا ومن يأجوج ومأجوج ألفا» . أخرجاه في الصحيحين.
وخروجهم الذي يكون من أشراط الساعة لم يأت بعد، ولكن بوادره وجدت في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:«فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها» .
وقد ثبت خروجهم في الكتاب، والسنة.
قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} . وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:«إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات ". فذكر: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» . رواه مسلم وقصتهم في حديث النواس بن سمعان أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال في عيسى بن مريم بعد قتله الدجال:«فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر»
4 -
(خروج دابة) . الدابة لغة: كل ما دب على الأرض. والمراد بها هنا: الدابة التي يخرجها الله قرب قيام الساعة. . وخروجها ثابت بالقرآن والسنة.
قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} .
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:«إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات " وذكر منها الدابة» . رواه مسلم.
وليس في القرآن والسنة الصحيحة ما يدل على مكان خروج هذه الدابة وصفتها، وإنما وردت في ذلك أحاديث في صحتها نظر. وظاهر القرآن أنها دابة تنذر الناس بقرب العذاب والهلاك والله أعلم.
5 -
(طلوع الشمس من مغربها) طلوع الشمس من مغربها ثابت بالكتاب والسنة.
قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} . والمراد بذلك طلوع الشمس من مغربها.
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:«لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» . متفق عليه.
فتنة القبر:
الفتنة لغة: الاختبار، وفتنة القبر: سؤال الميت عن ربه، ودينه، ونبيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة.
قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . وقال النبي، صلى الله عليه وسلم:«المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} » متفق عليه.
والسائل ملكان لقول النبي، صلى الله عليه وسلم:«إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال: يأتيه ملكان فيقعدانه» . رواه مسلم. واسمهما منكر ونكير كما رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا وقال: حسن غريب. قال الألباني: وسنده حسن وهو على شرط مسلم، والسؤال عام للمكلفين من المؤمنين والكافرين، ومن هذه الأمة وغيرهم على القول الصحيح وفي غير المكلفين خلاف، وظاهر كلام ابن القيم في كتاب (الروح) ترجيح السؤال. ويستثنى من ذلك الشهيد لحديث رواه النسائي، ومن مات مرابطا في سبيل الله لحديث رواه مسلم.