الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن ينبغي أن تلاحظ أنك إذا طلبت من شخص أن يدعو لك وهو ممن ترجى إجابته أن يكون غرضك بذلك مصلحته هو لا مصلحتك أنت.
فإذا سألت إنسانا مرجو الإجابة بالدعاء أن تقصد بطلبك منه أن يدعو لك لمصلحته هو لا مصلحتك أنت فكيف يكون مصلحته؟ لأن الإنسان إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال له الملك: آمين ولك مثله، فإذا دعا لك أخوك الذي طلبت منه أن يدعو لك بظهر الغيب قال الملك: آمين ولك بمثله.
أما إذا طلبت منه أن يدعو لك وأنت لا تريد إلا مصلحتك فقط، فإن هذا يخشى أن يكون من المسألة المذمومة، لأن من جملة ما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه أن لا يسألوا الناس شيئا.
وهذه مسألة ينبغي أن يتنبه لها حتى لا نقع في ذل المسألة.
القسم السادس: التوسل إلى الله بالعمل الصالح
. وهو أن يذكر الإنسان بين يدي دعائه عملا صالحا يكون سببا في حصول المطلوب، ومثاله قصة الثلاثة الذين حدث عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، «ثلاثة من بني إسرائيل آواهم المبيت إلى غار، فدخلوا الغار فأراد الله عز وجل بحكمته أن تنطبق عليهم صخرة ابتلاء وامتحانا وعبرة لعباده انطبقت عليهم الصخرة فأرادوا أن يدفعوها فعجزوا فقال بعضهم لبعض: إنه لا يخرجكم من ذلك إلا أن تتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالكم، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فأتي بي طلب الشجر يوما فرحت عليهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق أحدا قبلهما، فبقي الإناء على يدي حتى برق الفجر، ثم استيقظا فسقيتهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فاصرف عنا ما نحن فيه، أو فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت»
«الصخرة قليلا لكنهم لا يستطيعون الخروج.
أما الثاني: "فذكر أن له ابنة عم وكان يحبها حبا شديدا فأرادها على نفسها فأبت، ثم إنه في سنة من السنوات ألمت بها الحاجة فجاءت إليه تطلب دفع حاجتها فأعادها إلا أن تمكنه من نفسها -هي للضرورة مكنته من نفسها- فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له: يا هذا اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه -فهذه كلمة عظيمة مؤثرة- قال: فقمت عنها وهي أحب الناس إلي -يعني ما تركتها رغبة لأني لا أريدها لكنه تركها خوفا من الله عز وجل حين ذكر به- وأعطاها حاجتها" فجمع هذا الرجل بين كمال العفة والصلة، قال:"اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة إلا أنهم لا يستطيعون الخروج".
أما الثالث: فذكر أن له أجراء -يعني أناسا استأجرهم- وأعطى كل واحد منهم أجره، إلا واحدا لم يعطه أجره، فنماه له، وصار فيه إبل وغنم وبقر ورقيق حتى جاء العامل يطلب أجره فقال له: كل ما ترى من الإبل والغنم والرقيق كله لك، فقال له الأجير: اتق الله، لا تستهزئ بي، فقال: لا أستهزئ بك هذه أجرتك، فأخذها الأجير وذهب بها كلها فهذه المعاملة والوفاء التام من هذا الرجل؛ لأنه من الممكن أنه إذا جاء يطلب أجره أن يعطيه أجره وينتهي، لكن لأمانته ووفائه أعطاه كل ما نماه أجره، قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون» .
فلو قال قائل: اللهم إني أسألك ببر والدي أن توفقني لبر أولادي بي، فهذا توسل صحيح، وهو توسل بالعمل الصالح.
أما القسم الذي لا يجوز أن تتوسل إلى الله تعالى به فهو ما ليس بوسيلة في الواقع مثل أن تتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بذاته، أو أن تتوسل بجاه
النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك لا ينفعك أنت، فجاه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنزلته عند الله ينتفع بها الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، أما أنت فليس لك فيها منفعة وكذلك ذاته من باب أولى.
ويدل على أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الآن ليس بصحيح «أن الصحابة قحطوا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخرج يستسقي بهم فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا -والصحابة يتوسلون بنبيهم بدعائه- وإنا نستشفع إليك بعم نبينا فاسقنا. فيقوم العباس بن عبد المطلب ويدعو الله تعالى بالسقيا فيسقون» . وهذا دليل على معنى التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الوارد عن الصحابة أن معناه أنهم يتوسلون بدعائه لا بذاته.
أما توسل المشركين بأصنامهم وأوثانهم وتوسل الجاهلين بأوليائهم فهو توسل شركي، لا نقول: توسل بدعي بل هو توسل شركي، ولا يصح أن نسميه توسلا بل هو شرك محض.
لأن هؤلاء المتوسلين يدعون من يزعمون أنهم وسيلة، يأتي الرجل إلى من يزعمه وليا ويقول: يا ولي الله أنقذني -بهذا اللفظ- يا آل البيت أنقذوني، يا نبي الله أنقذني، فهذا لا يصح أن نسميه وسيلة ولكن نسميه شركا؛ لأن دعاء غير الله شرك في الدين وسفه في العقل، شرك في الدين لأنهم اتخذوا شريكا مع الله، وسفه في العقل لأن الله يقول:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}
ويوم القيامة لا ينفعونهم {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} فوصف الله هذه المدعوات بأنها عاجزة لا يستجيبون
أبدا لو دعوهم إلى يوم القيامة، وبأنها غافلة لا تدري من يدعوها ولا تحس بشيء من ذلك، وبأنه إذا كان يوم القيامة وهو وقت الحاجة الحقيقية إذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين، كدعاء الأولياء والأصنام وما أشبهها.
فلا يصح أن نقول: إنها وسيلة بل هو شرك أكبر مخرج عن الدين: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} فسمى الله هذا الداعي كافرا.
فإن قال قائل: إن هؤلاء ربما يدعون هذه الأصنام أو هؤلاء الأولياء ويحصل مطلوبهم، ثم يأتون ويقولون: دعونا الولي الفلاني فأجاب، دعونا هذا الصنم فأجاب، فما موقفنا من ذلك؟
فالجواب: موقفنا من ذلك أن الله تعالى قد يحدث هذا الشيء عند الدعاء لا بالدعاء امتحانا للداعي، فقد يأتي الإنسان ويدعو هذا الولي صاحب القبر بدعاء ثم يحدث له ما دعا به امتحانا من الله عز وجل، لا لأن هذا الولي هو الذي أعطاه إياه، لأننا نعلم علم اليقين أن هذا الولي لن ينفعه ولن يستجيب له، لكن قد يبتلى والابتلاء بتسهيل المعصية وارد في الأمم السابقة، وفي هذه الأمة، ففي الأمم السابقة قال الله تعالى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} فحرم الله عليهم أن يصطادوا السمك يوم السبت، فبقوا على ذلك مدة من الزمن، فابتلاهم الله فصارت الحيتان يوم السبت تأتي شرعا على وجه الماء من كثرتها وغير يوم السبت لا يشاهدونها، واليهود أهل مكر وكيد وخيانة، وأهل طمع وشح، قالوا: كيف لا تأتينا كل يوم عدا
يوم السبت ونحن ممنوعون من اصطيادها فماذا نصنع، أنحرم منها؟ بل ندبر حيلة نعمل شبكة وننصبها يوم الجمعة، فإذا جاء السمك يوم السبت دخلت في الشبكة وإذا دخل لا يستطيع الخروج، فإذا كان يوم الأحد نأتي إلى الشبكة ونأخذ السمك الذي فيها.
فهذه حيلة فيقولون: نحن ما نصطاد يوم السبت، فالشبك نصبناه يوم الجمعة والحيتان جاءت يوم السبت، ونحن أخذنا الحيتان يوم الأحد، ولقد عاقبهم الله على ذلك فقال:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} فأمرهم الله أن يكونوا قردة، وهذا أمر كوني، فكانوا قردة وإنما أراد الله عز وجل أن يكونوا قردة؛ لأن القردة أشبه ما يكون بالإنسان فلما كان القرد أشبه ما يكون بالإنسان، وكان فعل هؤلاء شبيها بالمباح، لأن ظاهره الإباحة وباطنه التحريم، قال الله تعالى:{كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} ولكن القردة الموجودة الآن غير القردة التي قلبت إليها هؤلاء الطائفة من اليهود؛ لأن القردة الذين مسخ بنو إسرائيل إليهم، ذهبوا وفنوا بالكلية، فهذه القردة جنس من الحيوان. وهذا ابتلاء من الله عز وجل أن الحيتان تأتي يوم السبت كثيرة وتنقطع في غير يوم السبت، ولكن لم يصبر بنو إسرائيل على ذلك فاحتالوا على محارم الله.
وفي هذه الأمة ابتلى الله عز وجل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ببلوى، إذا أحرم الإنسان بحج أو عمرة حرم عليه الصيد:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فأراد الله عز وجل أن يبتلي أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله إليهم صيدا تناله أيديهم ورماحهم، فالصيد الذي يجري على رجله صاروا يمسكونه بأيديهم، مثل الأرانب والظباء، وصيد الطائر
الذي لا ينال إلا بالسهام ينالونه برماحهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} والحكمة: {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} فهل الصحابة وهم محرمون صاروا يمسكون هذا الصيد بأيديهم أو ينالونه برماحهم؟ أبدا ولا أحد من الصحابة صاد صيدا ولا حتى تحيل عليه.
وبهذا نعرف الفرق بين صلاحية هذه الأمة وبين بني إسرائيل على أنه وجد من خلف هذه الأمة من شابه اليهود في التحيل على محارم الله، فهناك من يتحيلون على الربا، وهناك من يتحيلون على النكاح، وهناك من يتحيلون على ظلم إخوانهم بأنواع الحيل، وكل من تحيل من هذه الأمة إلى الشيء المحرم بحيله فهو مشابه لأسخف عباد الله، وهم اليهود.
وهناك أناس الآن يقولون: إذا أعطيت الإنسان عشرة آلاف ريال نقدا بأحد عشر ألف ريال إلى أجل فهذا حرام، قال: إذا نحلل هذا الحرام، فأبيع عليه أكياسا من الهيل بأحد عشر ألفا وهي لا تساوي الآن إلا عشرة إلى سنة، ثم يشتريها هذا المدين ويبيعها على صاحب الدكان، برغم أن صاحب الدكان لا يشتريها منك بمثل ما اشتريتها أنت، فيبيعها لصاحب الدكان بتسعة آلاف وخمسمائة فقط، فيكوى هذا المدين من الجانبين، فيكوى من جهة الذي باع عليه، ومن جهة صاحب الدكان، ثم يأخذ المدين الدراهم ويخرج بها وهذا لا يعد بيعا؛ لأن الذي اشتراه هو الدائن، ما يقلبه ولا ينظر ما فيه.
وأظن أن صاحب الدكان لو أتى بأكياس من القش ولفها وقال: هذا الذي فيها هيل، أو أتى بأكياس من الرمل، وقال: إن الذي فيها سكر وباعها على الدائن، وباعها الدائن على المدين، لأنه ما نظر فيها الدائن ولا يقلبها، والمدين كذلك لا يقلبها ولا ينظر فيها فترجع إلى صاحب
الدكان، فهذا لا يعد بيعا صحيحا.
ولكن هذا العمل جامع بين مفسدتين: مفسدة الربا ومفسدة الخداع لله عز وجل وللمؤمنين {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}
فهذه الحيلة والعياذ بالله يسميها بعض العلماء الحيلة الربوية الثلاثية، وفيها مفاسد عظيمة.
وأما بيع السيارات ممن كانت عنده لشخص يريد السيارة نفسها بثمن مؤجل، لكنه أكثر من الثمن الحاضر فهذا لا بأس به وهو جائز بالإجماع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، مثال ذلك: أنا أحتاج إلى سيارة وأتيت إلى شخص صاحب معرض يبيع السيارات على عشرين ألفا، فقلت له: أنا ليس عندي دراهم الآن، بع علي سيارة بخمسة وعشرين ألفا كل شهر خمسمائة ريال، وقال صاحب الدكان: لا بأس. فهذا جائز، حتى لو خيره صاحب المعرض وقال: هذه السيارة إما بعشرين نقدا، وإما بخمسة وعشرين مؤجلة، فقال: آخذها بخمسة وعشرين مؤجلة، فإن هذا ليس به بأس، وليس هذا بيع دراهم بدراهم؛ لأن الذي اشترى السيارة لم تثبت عليه الدراهم مرتين، فالأصل وقع على سلعة بدراهم، وليس دراهم بدراهم.
بهذا انتهى ما أردنا الكلام عليه حول التوسل والحمد لله رب العالمين.