الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العنصر الخامس: أن
بعض أهل التحريف والتعطيل قالوا: إن أهل السنة مشبهة ومجسمة وممثلة
من الغرائب أن يدعى على الإنسان ما ينكره، فأهل السنة والجماعة ينكرون التشبيه، وينكرون التمثيل، ويقولون: من شبه الله بخلقه فقد كفر، فكيف يمكن أن يلزموا بما هم معترفون بإنكاره؟ هذا عدوان محض.
أهل السنة والجماعة يقولون: نحن لا نشبه، ولا نمثل، وإنما نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله بدون تمثيل وبدون تكييف، فما بالكم تشوهون طريقنا وتقولون: أنتم ممثلة ومشبهة؟ ! ولكن لا غرو أن يرمى أهل السنة والجماعة بمثل هذه الألقاب السيئة؛ لأن رمي أهل الحق بالألقاب السيئة أمر موروث عن أعداء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالأنبياء قيل: إنهم سحرة، وقيل: إنهم مجانين: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} ، ولكن هل الحق يغيض بمثل هذه الألقاب؟ لا بل يفيض ويزداد قوة، ويزداد وضوحا وبيانا، ولله الحمد أهل السنة والجماعة متبرئون من هذه العيوب التي يصمهم بها من يحرفون الكلم عن مواضعه.
كذلك يقولون: أنتم مجسمة، كيف مجسمة؟ وما معنى مجسمة؟ ! هذه الكلمة كلمة "التجسيم" لو قرأت القرآن من أوله إلى آخره، ومررت على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من السنة من أولها إلى آخرها، لم تجد لفظ "الجسم" مثبتا لله ولا منفيا عنه في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالنا نتعب أذهاننا وأفكارنا، ونظهر ذلك بمظهر سوء بالنسبة لمن أثبت لله
صفات الكمال على الوجه الذي أراد الله.
إذا كانت كلمة " الجسم " غير واردة في الكتاب، ولا في السنة، فإن أهل السنة والجماعة يمشون فيها على طريقتهم، يقفون فيها موقف الساكت فيقولون: لا نثبت الجسم ولا ننكره من حيث اللفظ، ولكننا قد نستفصل في المعنى فنقول للقائل: ماذا تريد بالجسم؟ إن أردت الذات الحقيقية المتصفة بالصفات الكاملة اللائقة بها، فإن الله سبحانه وتعالى لم يزل ولا يزال حيا عليما قادرا متصفا بصفات الكمال اللائقة به، وإن أردت شيئا آخر كجسمية الإنسان التي يفتقر كل جزء من البدن إلى الجزء الآخر منه، ويحتاج إلى ما يمده حتى يبقى فهذا معنى لا يليق بالله عز وجل، وبهذا نكون أعطينا المعنى حقه.
أما اللفظ: فلا يجوز لنا أبدا أن نثبته أو ننفيه، ولكننا نتوقف فيه؛ لأننا إن أثبتنا قيل لنا: ما الدليل؟ وإن نفينا قيل لنا: ما الدليل؟ وعلى هذا فيجب السكوت من حيث اللفظ، أما من حيث المعنى فعلى التفصيل الذي بيناه.