المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف الشريعة الإسلاميةمن الغزو العراقي للكويت - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٦

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌أسئلة وأجوبة تابعة للمحاضرة

- ‌ بيان صفة الحجاب الشرعي

- ‌ مصافحة النساء

- ‌واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم

- ‌أسئلة مهمة والإجابة عليها بعد المحاضرة

- ‌ تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

- ‌ تشجيع الدعاة وطلبة العلم على إقامة الدروس والمحاضرات في كافة أنحاء البلاد

- ‌القضاء والقدر

- ‌نصيحة لحكام المسلمين وعلمائهم

- ‌نصيحة لقادة الدول العربية

- ‌نصيحة عامة

- ‌نصيحة موجهة إلى الملك فيصل بن عبد العزيزللدعوة إلى الله

- ‌موقف الشريعة الإسلاميةمن الغزو العراقي للكويت

- ‌موقف المؤمن من الفتن

- ‌محاضرة مهمة بسبب اجتياح حاكم العراق للكويت

- ‌أسئلة وأجوبة بعد المحاضرة

- ‌ الاستعانة بغير المسلمين في الدفاع عن بلاد المسلمين

- ‌ هل يعتبر عمل المتطوعين في التعاون مع رجال الأمن من الرباط، أم لا

- ‌ رفع اليدين في الدعاء

- ‌واجب المسلمين تجاهعدوان العراق على دولة الكويت

- ‌وصية لجميع المسلمينبمناسبة غزو العراق للكويت

- ‌الغزو العراقي جريمة عظيمة

- ‌هذه الواقعة عبرة وعظة وذكرى لنا جميعا

- ‌عمل صدام عدوان أثيم

- ‌حوار فيما يتعلق بالأمة الإسلاميةبعد حرب الخليج

- ‌لقاء جريدة المسلمون مع سماحته

- ‌رسائل الشيخ ابن باز إلى هؤلاء

- ‌الشعب الكويتي:

- ‌أهالي الشهداء:

- ‌الشعب العراقي:

- ‌شباب الصحوة:

- ‌العلماء وطلبة العلم:

- ‌ الاستعانة بالكفار في قتال الكفار

- ‌شرح معنى قوله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول

- ‌معنى قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}

- ‌تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}

- ‌أصحاب الكهف وأصحاب الصخرة

- ‌حول رغبة التقليل في مستويات حفظ القرآن الكريم

- ‌هل الدعوة والصدقة ترد القضاء والقدر

- ‌العناية بالتراث الإسلامي

- ‌أسئلة مهمة والإجابة عليها

- ‌تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام

- ‌اختلاف مدلولات الإيمان والتوحيد والعقيدة

- ‌التعريف بالطريقة الظاهرية

- ‌لا إكراه في قبول الإسلام

- ‌معنى كلمة اسمه تعالى " الظاهر

- ‌معنى المثل الأعلى

- ‌الفرق بين الأسماء والصفات

- ‌هل الإسلام انتشر بالسيف

- ‌الأهداف الأساسية الجديرة بالأولوية في الحياة

- ‌نصيحة بالقيام على الدعوة إلى الله والصبر عليها

- ‌مرئيات حول مستقبل الإسلام

- ‌رسالة إلى بعض أمراء الخليج

- ‌وصية لبعض الأمراء بمناسبة تعيينه أميراعلى بعض المناطق بالمملكة

- ‌كلمة بمناسبة عقد المؤتمر بالجامعة الإسلاميةدار العلوم بديوبند في الهند

- ‌نصيحة بالدعوة إلى نشر الإسلام وفضائله في أمريكا

- ‌نصيحة موجهةإلى الطلبة المسلمين بباكستان

- ‌نصيحة موجهة إلى طلبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

- ‌وصية لطلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

- ‌دعوة إلى القيام بالمحاضراتفي الجامعة لمن يصلح لها

- ‌بعض الانطباعات عن المعاهد العلمية

- ‌نصيحة لحضرات المشائخ مقادمة بيت القرزات

- ‌التخلق بأخلاق الله

- ‌ من استهزأ بالرسولالعظيم عليه الصلاة والسلام

- ‌نصيحة لمن تعرض لسوء الكلام والتحريضعلى المعاصي

- ‌نصيحة للصبر على الاستهزاء والتمسكبالآداب الإسلامية

- ‌عليكن بالأمر بالمعروف ولو غضب من تأمرونه

- ‌كلمة بمناسبة الأعاصير والفيضاناتفي بنجلاديش

- ‌أسئلة مهمة وأجوبتها

- ‌ التعاون بالجهر أفضل أم بالسر

- ‌ التعاون على البر والتقوى في البيت

- ‌من يعصي ويتوب ثم يرجع إلى المعصية

- ‌حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية

- ‌ مصافحة النساء من وراء حائل

- ‌التحذير من مكائد الأعداء

- ‌معاملة المسلم لغير المسلم

- ‌ السلام على المتحدث بالهاتفإذا كان لا يعرف هل هو مسلم أم كافر

- ‌شكر المحسن والدعاء له

- ‌الدواء الشرعي للسحر

- ‌الأنبياء معصومون فيما يبلغونه

- ‌فضل حفظ القرآن

- ‌طريقة حفظ القرآن

- ‌ الاجتماع في دعاء ختم القرآن الكريم

- ‌أسئلة وأجوبتها تتعلق بالتوبة

- ‌وجوب التوبة والتحلل من مظلمة الناس

- ‌امرأة تسببت في قتل نفسهالكنها تابت قبل أن تموت

- ‌طريقة التوبة من المعاصي

- ‌طريقة التوبة عن اقتراف المعاصي

- ‌نصيحة بلزوم التوبةوالتعوذ بالله من الشيطان

- ‌نصيحة لمن ابتلي بالمعاصي ثم ندم

- ‌شاب يتوب ثم يعود إلىالمعاصي فكيف العمل

- ‌فضل التوبة ووجوب تكرارها إذا لزم الأمر

- ‌العاصي لا يخلد في النار

- ‌ربنا في السماء

- ‌ظلم الخدام حرام

- ‌ معاشرة الزوج الذي لا يصليولا يصوم إلخ

- ‌المؤمن والخوف من الموت

- ‌العلاج الشرعي لحالة ضيق النفس والشكوك

- ‌معنى البدعة وإطلاقها في أبواب العبادات

- ‌ الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من الموالد

- ‌زيارة المسجد النبوي سنة

- ‌تعليق على محاولة لإعادة بناء القبة على بئر الخاتم بالمدينة المنورة

- ‌ليس في الدين قشور

- ‌ التعلق بالأولياء

- ‌منع الدعاء عند القبور

- ‌الطريقة السمانية الصوفية وضم الذكر بضرب الدف وغيره

- ‌الطريقة التيجانية

- ‌ أخذ العلاج عند المتصوفة

- ‌الذبح لغير الله

- ‌ ذبح الأبقار أو الأغنام عند انتهاء بناء المسجد

- ‌ نقل حجارة مسجد إلى البيت والتبرك بها

- ‌من ليس له شيخ

- ‌هذا منكر عظيم

- ‌الخوارج ليسوا من أنصار علي

- ‌تعليق على ما أذيع في البرنامج الإذاعي حول وجود الله سبحانه

- ‌عن مخالطة من لا يتمسكون بشعائر الإسلام

- ‌سؤال عائشة رضي الله عنها لدخول الكعبة والجواب عنه

- ‌معنى (وهب المسيئين منا للمحسنين)

- ‌حديث السبعة وهل هو خاص بالرجال

- ‌ استعمال الجرائد سفرة للأكل

- ‌ لبس الذهب المحلق للنساء

- ‌ السلام بالإشارة باليد

- ‌ البول واقفا

- ‌رجل مسلم أسعف رجلا غير مسلم هل يصبح أخا له

- ‌ لبس المعاطف الجلدية

- ‌شرح معنى «مائلات مميلات

- ‌هذا الحديث مكذوب عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌شرح معنى القاسطين والمقسطين في القرآن الكريم

- ‌ مس الحائض للقرآن الكريم

- ‌ التحجب عن الخادمة المسيحية

- ‌ شرب الدخان وبيعه والاتجار به

- ‌إنكار على وضع لائحات تدعو إلى الدخان والتشجيع عليه

- ‌أسئلة وأجوبتها

- ‌ من يدعي أنه قد رأى رب العزة في المنام

- ‌نصيحة لمن يدعو لحلق الذقن

- ‌الإجابة الصريحة على المناقشة حول إعفاء اللحى وحلقها

- ‌العدل بين الأولاد

- ‌تحريم آنية الذهب والفضة

- ‌ استعمال أشرطة الأفلام الخليعة وآلات التصوير بعد التوبة

- ‌الجمع بين حديثين متعلقينبالرقى والتمائم والتولة

- ‌أسئلة متفرقة والأجوبة عليها

- ‌ إطالة الثوب

- ‌ من يقصر ثوبه ويطول سرواله

- ‌دفع الرشوة للموظفين

- ‌الرجل الأخضر

- ‌من يذبح لأبيه وجده كل سنة

- ‌دعوة الوالد على الولد

- ‌ من سب الدين أو الرب

- ‌نلعب الورق (البلوت)والفائز منا يحصل على مائتيريال فهل هذا حرام

- ‌ الاستماع إلى الراديو ونحوه

- ‌ استماع بعض البرامج المفيدة التي تتخللها الموسيقى

- ‌مشاهدة برامج التلفزيون

- ‌الفرق بين خمر الدنيا والآخرة

- ‌ النكت في الإسلام

- ‌الجيران والتفضيل بينهم

- ‌الكافر ليس أخا للمسلم

- ‌هذا العمل منكر

- ‌ الأوراق التي فيها ذكر الله

- ‌الترحم على الفاسق جائز

- ‌من علامات الساعة أن تلد الأمة ربتها

- ‌ وضع المساحيق على الوجه

- ‌استعمال الروائح العطرية المسماة بالكولونيا

- ‌حكم ذهاب المرأة للسوق بدون محرم

- ‌ الغش في الامتحانات

- ‌ لبس خاتم الذهب للرجال

- ‌ لبس الكعب العالي

- ‌ لقطة الحرم

- ‌رؤية ليلة القدر

- ‌إطلاق كلمة عليه السلام لغير الرسول

- ‌الإجابة على أسئلة مختلفة

- ‌ الصلاة خلف العاصي

- ‌ بيع ريالات الفضة بريالات الورق

- ‌ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌إزالة الشعر النابت في وجه المرأة

- ‌ضرب الطالبات لغرض التعليم

- ‌الخوف من الرياء في النصح

- ‌مسألة الشلوخ في الوجه تمييزا لكل قبيلة

- ‌مشاركة النصارى في أعيادهم

- ‌كتابة البسملة على البطاقات مشروعة

- ‌ظهور المرأة أمام الرجال

- ‌كتاب درة الناصحين

- ‌قراء الكف

- ‌كرامات زائفة

- ‌الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع

- ‌نداء عام لمساعدة المسلمين في البوسنة والهرسك

الفصل: ‌موقف الشريعة الإسلاميةمن الغزو العراقي للكويت

‌موقف الشريعة الإسلامية

من الغزو العراقي للكويت

(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه.

أما بعد: أيها الإخوان المسلمون في كل مكان؛ نظرا لما جرى من حوادث في اليوم الحادي عشر من هذا الشهر من شهر الله المحرم عام 1411 هـ من العدوان الأثيم والظلم العظيم من رئيس دولة العراق على دولة الكويت، وذلك باجتياحه بلاد الكويت بجيوشه مزودة بأنواع الأسلحة المدمرة، وما حصل بسبب ذلك من الفساد العظيم، وسفك الدماء ونهب الأموال، وهتك الأعراض وتشريد الآمنين.

بسبب هذا كله كثر السؤال عن هذا الحادث، وعما ينبغي نحوه، ورأيت أنه من الواجب إخبار المسلمين فيما يتعلق بهذا الحادث، وما يجب على المسلم نحوه فأقول:

لا شك أن هذا الحادث من رئيس دولة العراق حادث أليم وعدوان كبير على دولة مجاورة آمنة، يجب على جميع الدول الإسلامية وغيرها، وعلى جميع المسلمين إنكار ذلك وشجبه، وبيان أنه عدوان أثيم وظلم كبير.

يجب على رئيس دولة العراق أن يبادر بسحب جيشه من دولة الكويت، وأن يحذر مغبة ذلك في الدنيا والآخرة والظلم عاقبته وخيمة، والله عز وجل يقول في كتابه المبين:{وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (2) ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} (3) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة (4) »

(1) نشرت في جريدة البلاد بتاريخ 29\1\1411 هـ وغيرها من الصحف المحلية.

(2)

سورة الشورى الآية 8

(3)

سورة الفرقان الآية 19

(4)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2578) ، مسند أحمد بن حنبل (3/323) .

ص: 75

ويقول الله عز وجل فيما رواه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا (1) » .

لا شك أن هذا العدوان من أقبح الظلم ولا شك أيضا أنه مخالف للتعاليم الإسلامية والمواثيق الدولية حري صاحبه بالعقوبة العادلة العاجلة. والمشاكل بين الجيران وبين القبائل وبين الدول لا تحل بالظلم والعدوان، ولكن تحل بالطرق السلمية والصلح أو بالحكم الشرعي، أما حلها بالظلم والعدوان والسلاح وقتل الأبرياء ونهب الأموال وغير هذا من أنواع الفساد، فهذا لا تقره شريعة إسلامية، ولا يقره ميثاق دولي، ولا عرف بين الناس، بل مخالف للأعراف ومخالف للمواثيق الدولية، كما أنه مخالف لشرع الله المطهر.

والواجب على الدول الإسلامية وغيرها، والعربية وغيرها، إنكاره، وقد وقع ذلك وأجمع العالم على إنكاره، ولا شك أنه جدير بالإنكار، فالواجب على دولة العراق أن تسحب جيوشها من دولة الكويت، وأن تبادر بذلك، وأن تلغي هذه المشكلة الخطيرة، وأن تحل المشكلة بينها وبين الكويت بالطرق السلمية التي أوضحها الإسلام، ودرج عليها المسلمون، ودرج عليها كل من له أدنى بصيرة وأدنى رغبة في الحق والعدل والإنصاف.

وهذه المسألة كغيرها من المسائل التي تقع بين الناس، سواء كان ذلك بين دول وقبائل أو غير ذلك، يجب أن تحل بالطرق الشرعية، ويحرم حلها بالظلم والعدوان، والصلح جائز بين المسلمين كما قال جل وعلا:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (2) وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما (3) » فإذا تيسر الصلح الذي لا يخالف شرع الله بل يتحرى فيه العدل والإنصاف والقسط فذلك جائز، فإن لم يتيسر وجب الرجوع إلى حكم الله، كما قال عز وجل في كتابه المبين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (4)

(1) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2577) .

(2)

سورة النساء الآية 128

(3)

سنن الترمذي الأحكام (1352) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2353) .

(4)

سورة النساء الآية 59

ص: 76

فقد أجمع العلماء على أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه العظيم القرآن، وأن الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حياته عليه الصلاة والسلام والرد إلى سنته الثابتة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وهذا هو خير للمسلمين، وفيه العاقبة الحميدة، وهو الواجب على كل من آمن بالله واليوم الآخر، وقال الله عز وجل:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) وهذا عام في جميع المسائل بين الدول والشعوب وغير ذلك، وقال سبحانه وتعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (2) يعني النبي صلى الله عليه وسلم ويقول سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (3) فالواجب على جميع الدول وجميع الجماعات وجميع القبائل وجميع المسلمين في كل مكان أن يرجعوا إلى حكم الله فيما يتنازعون فيه ويختلفون فيه، وأن يحذروا العدوان والظلم، وأن تحل المشاكل بينهم بالطرق السلمية والوسائط العاقلة الطيبة، فإن لم يتيسر ذلك وجب الحل بالحكم الشرعي لا بالعدوان والظلم. وهذه المسألة التي بين الكويت والعراق يجب أن تحل بمحكمة شرعية من العلماء المعروفين بالعلم والفضل والاستقامة ليحلوها على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا لم يتيسر الصلح. وهكذا جميع المشاكل التي تعم وتعرض بالدول الإسلامية أو العربية في كل مكان تحل بهذه الطريقة. بالصلح إن تيسر لا بالعدوان والظلم. ولا شك أن كل ما يجري بين الناس من الفساد والشرور والظلم، كل ذلك بأسباب الذنوب والمعاصي، كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (4)

(1) سورة الشورى الآية 10

(2)

سورة النساء الآية 65

(3)

سورة المائدة الآية 50

(4)

سورة الشورى الآية 30

ص: 77

وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (1) وقال جل وعلا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (2)

فالواجب على جميع المسلمين التوبة إلى الله من جميع الذنوب وذلك بالندم على الماضي منها والإقلاع عنها والعزم الصادق على عدم العودة فيها، وهذه هي التوبة النصوح، وإذا كان الذنب يتعلق بحق المخلوق فلا بد من التحلل من المخلوق وسماحه إذا كان مرشدا أو رد مظلمته إليه وإعطائه حقه، ولا تتم التوبة إلا بذلك، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3) ففي التوبة الفلاح والظفر بكل خير والسلامة من كل شر في الدنيا والآخرة وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (4) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (5) » .

فعلى جميع المسلمين في كل مكان أن يراقبوا الله، وأن يستقيموا على دينه، وأن يسارعوا إلى ما أوجب عليهم وإلى ترك ما حرم الله عليهم، وأن يتناصحوا فيما بينهم، ويتعاونوا على البر والتقوى، ويتواصوا بالحق والصبر عليه؛ عملا بقول الله عز وجل:{وَالْعَصْرِ} (6){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (7){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (8) وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (9) » . وقوله صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه (10) »

(1) سورة النساء الآية 79

(2)

سورة الروم الآية 41

(3)

سورة النور الآية 31

(4)

سورة التحريم الآية 8

(5)

سنن ابن ماجه الزهد (4250) .

(6)

سورة العصر الآية 1

(7)

سورة العصر الآية 2

(8)

سورة العصر الآية 3

(9)

صحيح البخاري الأدب (6011) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2586) ، مسند أحمد بن حنبل (4/270) .

(10)

صحيح البخاري المظالم والغصب (2446) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585) ، سنن الترمذي البر والصلة (1928) ، سنن النسائي الزكاة (2560) .

ص: 78

فالتناصح في الله والتواصي بالحق من أهم المهمات وأعظم الواجبات في حق الأفراد والجماعات والشعوب.

ويجب على رئيس دولة العراق أن يتوب إلى الله وأن يبادر بالرجوع إليه والتوبة بما وقع منه من ظلم والمسارعة إلى إخراج جيشه من الكويت حتى تهدأ الفتنة، وحتى تعود الأمور إلى نصابها، ويحصل التقارب في حل المشكلة بالطريقة التي ذكرتها. وهذا قول جميع أهل العلم ليس في هذا نزاع، وهو أن جميع المشاكل بين الدول والجماعات والقبائل والأفراد يجب أن تحل بالطريق الشرعي إذا لم يحسن حلها بالطرق السلمية والصلح الشرعي الذي لا يخالف شرع الله.

وأما ما حصل من الحكومة السعودية لأسباب هذه الحوادث المرتبة على الظلم الصادر من رئيس دولة العراق لدولة الكويت من استعانتها بجملة من الجيوش التي حصلت من جنسيات متعددة من المسلمين وغيرهم لصد العدوان وللدفاع عن البلاد - فذلك أمر جائز بل تحتمه وتوجبه الضرورة وأن على المملكة أن تقوم بهذا الواجب؛ لأن الدفاع عن الإسلام والمسلمين وعن حرمة البلاد وأهلها أمر لازم بل متحتم فهي معذورة في ذلك ومشكورة على مبادرتها لهذا الاحتياط والحرص على حماية البلاد من الشر وأهله والدفاع عنها من عدوان متوقع قد يقوم به رئيس دولة العراق؛ لأنه لا يؤمن بسبب ما حدث منه مع دولة الكويت فخيانته متوقعة.

فلذلك دعت الضرورة إلى الأخذ بالاحتياط والاستعانة بالجيوش المتعددة الأجناس حماية للبلاد وأهلها وحفظا للأمن وحرصا على سلامة البلاد وأهلها من كل شر.

ونسأل الله أن يثيبها على ذلك ويوفقها لكل خير وأن ينفع بالأسباب ويحسن العاقبة وأن يكبت كل ذي شر ويشغله في نفسه وأن يجعل كيد أعداء الله في نحورهم ويكفي المسلمين شرهم إنه جل وعلا خير مسئول. وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين وأن يهديهم الصراط المستقيم وأن يكبت كل عدو للإسلام والمسلمين وأن يشغله في نفسه وأن يعيذ المسلمين

ص: 79

من شره وأن يجعل فيما أجرته الحكومة السعودية الخير للمسلمين والعاقبة الحميدة وأن يبارك في جهودها ويسدد خطاها وأن يحسن العاقبة لها ولجميع المسلمين، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

ص: 80