الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغزو العراقي جريمة عظيمة
(1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فبمناسبة ما جرى من الحوادث هذه الأيام بسبب احتلال الرئيس العراقي دولة الكويت واجتياحه لها بالقوات المسلحة المتنوعة، وما جرى بسبب ذلك من الفساد العظيم وسفك الدماء ونهب الأموال وانتهاك الأعراض، رأيت أن أبين لإخواني المسلمين في هذا الحديث ما يجب حول هذا الحادث فأقول: -
لا شك أن هذا الحادث حادث مؤلم، ويحزن كل مسلم، ولا شك أنه جريمة عظيمة وعدوان شديد من الزعيم العراقي على دولة مجاورة مسلمة، فالواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه من ذلك، وسحب جميع جيوشه من دولة الكويت، وحل المشاكل بالطرق السلمية التي شرعها الله لعباده، كما قال جل وعلا:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (2) وقال في الفئة الباغية: {فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (3)
فالمشاكل التي تقع بين الدولتين أو الدول والقبيلتين أو الأفراد يجب أن تحل بالوسائل الشرعية لا بالقوة والعدوان والظلم، يقول الله سبحانه في كتابه العظيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (4) قال العلماء: الرد إلى الله تعالى: الرد إلى كتابه العظيم القرآن الكريم. والرد إلى
(1) نشرت في مجلة الدعوة في 10\2\1411 هـ بعددها 1255.
(2)
سورة النساء الآية 128
(3)
سورة الحجرات الآية 9
(4)
سورة النساء الآية 59
الرسول صلى الله عليه وسلم: الرد إليه في حياته عليه الصلاة والسلام، وبعد وفاته: الرد إلى سنته.
وقال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) فالواجب على المتنازعين، سواء كانا دولتين أو قبيلتين أو جماعتين أو فردين رد النزاع والمشاكل إلى حكم الله إلا أن يتيسر الصلح فالصلح خير.
والواجب على الرئيس العراقي حل الخلاف بالصلح والمفاوضة السلمية وتوسيط الأخيار، فإن لم يتيسر الصلح وجب الرد إلى الكتاب والسنة عن طريق محكمة شرعية يتولاها علماء الحق، تعرض عليهم المشكلة ويحكمون فيها بشرع الله كما أمر سبحانه، هذا هو الواجب على كل دولة منتسبة إلى الإسلام؛ لأن الله جل وعلا يقول:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) ويقول جل وعلا: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (3) فالذي ننصح به رئيس العراق أن يتقي الله وأن يسحب جيوشه من دولة الكويت وينهي هذه المشكلة، وأن يرضى بحكم الله في ذلك إذا لم يتيسر الصلح.
ولا شك أن الرجوع إلى الحق خير وفضيلة، ويشكر صاحبه عليه، وهو خير له من التمادي في الخطأ والباطل، وننصح الجميع بالاستقامة على دين الله، والحكم بشريعته والتواصي بطاعته وترك معصيته، وعدم تحكيم القوانين الوضعية وآراء الرجال، وهذا هو طريق العزة وطريق العدالة وطريق السعادة والكرامة. ولا شك أن كل بلاء يحصل للمسلمين وكل شر ومصيبة فأسبابها الذنوب والمعاصي، كما قال الله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (4) وقال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (5) وقال سبحانه:
(1) سورة الشورى الآية 10
(2)
سورة النساء الآية 65
(3)
سورة المائدة الآية 50
(4)
سورة الشورى الآية 30
(5)
سورة الروم الآية 41
{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (1) فالواجب على الجميع التوبة إلى الله والرجوع إليه والاستقامة على دينه والندم على ما مضى من السيئات والمخالفات والعدوان.
هذا هو الواجب على جميع الدول الإسلامية والعربية وعلى جميع المسلمين، وعلى الجميع أن يتقوا الله وأن يعظموا شرعه، وأن يتوبوا إليه من تقصيرهم وذنوبهم، وأن يعلموا أن ما أصابهم فهو بسبب ذنوبهم وسيئاتهم، فالتوبة إلى الله فيها الخير العظيم والسعادة في الدنيا والآخرة، والله جل وعلا قد يملي للظالم ولا يأخذه بسرعة، بل يملي ولا يغفل سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم تلا قوله سبحانه: (4) » .
فنصيحتي لنفسي ولجميع المسلمين في كل مكان، أن يتقوا الله ويتوبوا إليه، ويستقيموا على دينه، وأن يخلصوا له العبادة، وأن يحذروا ما حرم عليهم سبحانه، ولا شك أن الرجوع إلى الحق والحرص على تحكيم الشرع والحذر مما يخالفه هو طريق أهل الإيمان وسبيلهم، وهو طريق العزة والكرامة، وهو طريق الإنصاف والحكمة، وهو الواجب على كل المسلمين دولا وشعوبا وأفرادا وجماعات، وأما ما وقع من الحكومة السعودية من طلب الاستعانة من دول شتى للدفاع وحماية أقطار المسلمين لأن عدوهم لا يؤمن هجومه عليهم، كما هجم على دولة الكويت - فهذا لا بأس به، وقد صدر من هيئة كبار العلماء- وأنا واحد منهم- بيان بذلك أذيع في الإذاعة ونشر في الصحف، وهذا لا شك في جوازه، إذ لا بأس أن يستعين المسلمون بغيرهم للدفاع عن بلاد المسلمين وحمايتهم وصد العدوان عنهم،
(1) سورة النساء الآية 79
(2)
سورة إبراهيم الآية 42
(3)
صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن (4686) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2583) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (3110) ، سنن ابن ماجه الفتن (4018) .
(4)
سورة هود الآية 102 (3){وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
وليس هذا من نصر الكفار على المسلمين الذي ذكره العلماء في باب حكم المرتد، فذاك أن ينصر المسلم الكافر على إخوانه المسلمين، فهذا هو الذي لا يجوز، أما أن يستعين المسلم بكافر ليدفع شر كافر آخر أو مسلم معتد، أو يخشى عدوانه فهذا لا بأس به وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استعان بدروع أخذها من صفوان بن أمية استعارها منه - وكان صفوان كافرا - في قتال له لثقيف يوم حنين، وكانت خزاعة مسلمها وكافرها مع النبي صلى الله عليه وسلم في قتاله لكفار قريش يوم الفتح، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إنكم تصالحون الروم صلحا آمنا ثم تقاتلون أنتم وهم عدوا من ورائكم (1) » فهذا معناه الاستعانة بهم على قتال العدو الذي من ورائنا.
والمقصود أن الدفاع عن المسلمين وعن بلادهم يجوز أن يكون ذلك بقوة مسلمة، وبمساعدة من نصارى أو غيرهم عن طريق السلاح، وعن طريق الجيش الذي يعين المسلمين على صد العدوان عنهم، وعلى حماية بلادهم من شر أعدائهم ومكائدهم.
والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (2) فأمرنا بأخذ الحذر من أعدائنا وقال عز وجل: {مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (3) وهكذا من يعتدي علينا ولو كان مسلما أو ينتسب إلى الإسلام، فإذا خشي المسلمون عدوانه جاز لهم أيضا أن يستعينوا بمن يستطيعون الاستعانة به لصد عدوان الكافر ولصد عدوان المعتدي وظلمه عن بلاد المسلمين وعن حرماتهم، والواجب على المسلمين التكاتف والتعاون على البر والتقوى ضد أعدائهم، وإذا احتاجوا فيما بينهم لمن يساعدهم على عدوهم أو على من يريد الكيد لهم والعدوان عليهم ممن ينتسب للإسلام، فإن لهم أن يستعينوا بمن يعينهم على صد العدوان وحماية أوطان المسلمين وبلادهم كما تقدم.
(1) سنن أبو داود الملاحم (4292) ، سنن ابن ماجه الفتن (4089) ، مسند أحمد بن حنبل (4/91) .
(2)
سورة النساء الآية 71
(3)
سورة الأنفال الآية 60
وأكرر نصيحتي لجميع زعماء المسلمين ولجميع الدول العربية والإسلامية أن يتقوا الله ويحكموا شريعته في كل شيء، وأن يحذروا ما يخالف شرعه، وأن يبتعدوا عن الظلم مهما كان نوعه، هذا هو طريق النجاة وهذا هو طريق السعادة والسلامة.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، ووفق جميع المسلمين للاستقامة على دينه، والتوبة إليه من جميع الذنوب، وأصلح أحوالنا جميعا، ووفق قادة المسلمين جميعا وعامة المسلمين لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه صلاح الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان.