المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عمل صدام عدوان أثيم - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٦

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌أسئلة وأجوبة تابعة للمحاضرة

- ‌ بيان صفة الحجاب الشرعي

- ‌ مصافحة النساء

- ‌واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم

- ‌أسئلة مهمة والإجابة عليها بعد المحاضرة

- ‌ تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

- ‌ تشجيع الدعاة وطلبة العلم على إقامة الدروس والمحاضرات في كافة أنحاء البلاد

- ‌القضاء والقدر

- ‌نصيحة لحكام المسلمين وعلمائهم

- ‌نصيحة لقادة الدول العربية

- ‌نصيحة عامة

- ‌نصيحة موجهة إلى الملك فيصل بن عبد العزيزللدعوة إلى الله

- ‌موقف الشريعة الإسلاميةمن الغزو العراقي للكويت

- ‌موقف المؤمن من الفتن

- ‌محاضرة مهمة بسبب اجتياح حاكم العراق للكويت

- ‌أسئلة وأجوبة بعد المحاضرة

- ‌ الاستعانة بغير المسلمين في الدفاع عن بلاد المسلمين

- ‌ هل يعتبر عمل المتطوعين في التعاون مع رجال الأمن من الرباط، أم لا

- ‌ رفع اليدين في الدعاء

- ‌واجب المسلمين تجاهعدوان العراق على دولة الكويت

- ‌وصية لجميع المسلمينبمناسبة غزو العراق للكويت

- ‌الغزو العراقي جريمة عظيمة

- ‌هذه الواقعة عبرة وعظة وذكرى لنا جميعا

- ‌عمل صدام عدوان أثيم

- ‌حوار فيما يتعلق بالأمة الإسلاميةبعد حرب الخليج

- ‌لقاء جريدة المسلمون مع سماحته

- ‌رسائل الشيخ ابن باز إلى هؤلاء

- ‌الشعب الكويتي:

- ‌أهالي الشهداء:

- ‌الشعب العراقي:

- ‌شباب الصحوة:

- ‌العلماء وطلبة العلم:

- ‌ الاستعانة بالكفار في قتال الكفار

- ‌شرح معنى قوله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول

- ‌معنى قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}

- ‌تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}

- ‌أصحاب الكهف وأصحاب الصخرة

- ‌حول رغبة التقليل في مستويات حفظ القرآن الكريم

- ‌هل الدعوة والصدقة ترد القضاء والقدر

- ‌العناية بالتراث الإسلامي

- ‌أسئلة مهمة والإجابة عليها

- ‌تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام

- ‌اختلاف مدلولات الإيمان والتوحيد والعقيدة

- ‌التعريف بالطريقة الظاهرية

- ‌لا إكراه في قبول الإسلام

- ‌معنى كلمة اسمه تعالى " الظاهر

- ‌معنى المثل الأعلى

- ‌الفرق بين الأسماء والصفات

- ‌هل الإسلام انتشر بالسيف

- ‌الأهداف الأساسية الجديرة بالأولوية في الحياة

- ‌نصيحة بالقيام على الدعوة إلى الله والصبر عليها

- ‌مرئيات حول مستقبل الإسلام

- ‌رسالة إلى بعض أمراء الخليج

- ‌وصية لبعض الأمراء بمناسبة تعيينه أميراعلى بعض المناطق بالمملكة

- ‌كلمة بمناسبة عقد المؤتمر بالجامعة الإسلاميةدار العلوم بديوبند في الهند

- ‌نصيحة بالدعوة إلى نشر الإسلام وفضائله في أمريكا

- ‌نصيحة موجهةإلى الطلبة المسلمين بباكستان

- ‌نصيحة موجهة إلى طلبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

- ‌وصية لطلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

- ‌دعوة إلى القيام بالمحاضراتفي الجامعة لمن يصلح لها

- ‌بعض الانطباعات عن المعاهد العلمية

- ‌نصيحة لحضرات المشائخ مقادمة بيت القرزات

- ‌التخلق بأخلاق الله

- ‌ من استهزأ بالرسولالعظيم عليه الصلاة والسلام

- ‌نصيحة لمن تعرض لسوء الكلام والتحريضعلى المعاصي

- ‌نصيحة للصبر على الاستهزاء والتمسكبالآداب الإسلامية

- ‌عليكن بالأمر بالمعروف ولو غضب من تأمرونه

- ‌كلمة بمناسبة الأعاصير والفيضاناتفي بنجلاديش

- ‌أسئلة مهمة وأجوبتها

- ‌ التعاون بالجهر أفضل أم بالسر

- ‌ التعاون على البر والتقوى في البيت

- ‌من يعصي ويتوب ثم يرجع إلى المعصية

- ‌حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية

- ‌ مصافحة النساء من وراء حائل

- ‌التحذير من مكائد الأعداء

- ‌معاملة المسلم لغير المسلم

- ‌ السلام على المتحدث بالهاتفإذا كان لا يعرف هل هو مسلم أم كافر

- ‌شكر المحسن والدعاء له

- ‌الدواء الشرعي للسحر

- ‌الأنبياء معصومون فيما يبلغونه

- ‌فضل حفظ القرآن

- ‌طريقة حفظ القرآن

- ‌ الاجتماع في دعاء ختم القرآن الكريم

- ‌أسئلة وأجوبتها تتعلق بالتوبة

- ‌وجوب التوبة والتحلل من مظلمة الناس

- ‌امرأة تسببت في قتل نفسهالكنها تابت قبل أن تموت

- ‌طريقة التوبة من المعاصي

- ‌طريقة التوبة عن اقتراف المعاصي

- ‌نصيحة بلزوم التوبةوالتعوذ بالله من الشيطان

- ‌نصيحة لمن ابتلي بالمعاصي ثم ندم

- ‌شاب يتوب ثم يعود إلىالمعاصي فكيف العمل

- ‌فضل التوبة ووجوب تكرارها إذا لزم الأمر

- ‌العاصي لا يخلد في النار

- ‌ربنا في السماء

- ‌ظلم الخدام حرام

- ‌ معاشرة الزوج الذي لا يصليولا يصوم إلخ

- ‌المؤمن والخوف من الموت

- ‌العلاج الشرعي لحالة ضيق النفس والشكوك

- ‌معنى البدعة وإطلاقها في أبواب العبادات

- ‌ الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من الموالد

- ‌زيارة المسجد النبوي سنة

- ‌تعليق على محاولة لإعادة بناء القبة على بئر الخاتم بالمدينة المنورة

- ‌ليس في الدين قشور

- ‌ التعلق بالأولياء

- ‌منع الدعاء عند القبور

- ‌الطريقة السمانية الصوفية وضم الذكر بضرب الدف وغيره

- ‌الطريقة التيجانية

- ‌ أخذ العلاج عند المتصوفة

- ‌الذبح لغير الله

- ‌ ذبح الأبقار أو الأغنام عند انتهاء بناء المسجد

- ‌ نقل حجارة مسجد إلى البيت والتبرك بها

- ‌من ليس له شيخ

- ‌هذا منكر عظيم

- ‌الخوارج ليسوا من أنصار علي

- ‌تعليق على ما أذيع في البرنامج الإذاعي حول وجود الله سبحانه

- ‌عن مخالطة من لا يتمسكون بشعائر الإسلام

- ‌سؤال عائشة رضي الله عنها لدخول الكعبة والجواب عنه

- ‌معنى (وهب المسيئين منا للمحسنين)

- ‌حديث السبعة وهل هو خاص بالرجال

- ‌ استعمال الجرائد سفرة للأكل

- ‌ لبس الذهب المحلق للنساء

- ‌ السلام بالإشارة باليد

- ‌ البول واقفا

- ‌رجل مسلم أسعف رجلا غير مسلم هل يصبح أخا له

- ‌ لبس المعاطف الجلدية

- ‌شرح معنى «مائلات مميلات

- ‌هذا الحديث مكذوب عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌شرح معنى القاسطين والمقسطين في القرآن الكريم

- ‌ مس الحائض للقرآن الكريم

- ‌ التحجب عن الخادمة المسيحية

- ‌ شرب الدخان وبيعه والاتجار به

- ‌إنكار على وضع لائحات تدعو إلى الدخان والتشجيع عليه

- ‌أسئلة وأجوبتها

- ‌ من يدعي أنه قد رأى رب العزة في المنام

- ‌نصيحة لمن يدعو لحلق الذقن

- ‌الإجابة الصريحة على المناقشة حول إعفاء اللحى وحلقها

- ‌العدل بين الأولاد

- ‌تحريم آنية الذهب والفضة

- ‌ استعمال أشرطة الأفلام الخليعة وآلات التصوير بعد التوبة

- ‌الجمع بين حديثين متعلقينبالرقى والتمائم والتولة

- ‌أسئلة متفرقة والأجوبة عليها

- ‌ إطالة الثوب

- ‌ من يقصر ثوبه ويطول سرواله

- ‌دفع الرشوة للموظفين

- ‌الرجل الأخضر

- ‌من يذبح لأبيه وجده كل سنة

- ‌دعوة الوالد على الولد

- ‌ من سب الدين أو الرب

- ‌نلعب الورق (البلوت)والفائز منا يحصل على مائتيريال فهل هذا حرام

- ‌ الاستماع إلى الراديو ونحوه

- ‌ استماع بعض البرامج المفيدة التي تتخللها الموسيقى

- ‌مشاهدة برامج التلفزيون

- ‌الفرق بين خمر الدنيا والآخرة

- ‌ النكت في الإسلام

- ‌الجيران والتفضيل بينهم

- ‌الكافر ليس أخا للمسلم

- ‌هذا العمل منكر

- ‌ الأوراق التي فيها ذكر الله

- ‌الترحم على الفاسق جائز

- ‌من علامات الساعة أن تلد الأمة ربتها

- ‌ وضع المساحيق على الوجه

- ‌استعمال الروائح العطرية المسماة بالكولونيا

- ‌حكم ذهاب المرأة للسوق بدون محرم

- ‌ الغش في الامتحانات

- ‌ لبس خاتم الذهب للرجال

- ‌ لبس الكعب العالي

- ‌ لقطة الحرم

- ‌رؤية ليلة القدر

- ‌إطلاق كلمة عليه السلام لغير الرسول

- ‌الإجابة على أسئلة مختلفة

- ‌ الصلاة خلف العاصي

- ‌ بيع ريالات الفضة بريالات الورق

- ‌ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌إزالة الشعر النابت في وجه المرأة

- ‌ضرب الطالبات لغرض التعليم

- ‌الخوف من الرياء في النصح

- ‌مسألة الشلوخ في الوجه تمييزا لكل قبيلة

- ‌مشاركة النصارى في أعيادهم

- ‌كتابة البسملة على البطاقات مشروعة

- ‌ظهور المرأة أمام الرجال

- ‌كتاب درة الناصحين

- ‌قراء الكف

- ‌كرامات زائفة

- ‌الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع

- ‌نداء عام لمساعدة المسلمين في البوسنة والهرسك

الفصل: ‌عمل صدام عدوان أثيم

‌عمل صدام عدوان أثيم

(1)

فلا شك أن عمل الزعيم العراقي من اجتياحه الدولة الكويتية وما ترتب على ذلك من سفك الدماء ونهب الأموال وانتهاك الأعراض، لا شك أن هذا عدوان أثيم وجريمة عظيمة ومنكر شنيع يجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بإخراح جيشه من الدولة الكويتية؛ لأن هذا الإقدام والاجتياح أمر منكر بل مخالف للشرع ولجميع القوانين العرفية، ولما تم عليه التعاهد بينه وبين قادة العرب في جامعتهم العربية.

والواجب عليه حل المشاكل بالطرق السلمية والمفاوضات، وإذا لم تنجح المفاوضات والطرق السلمية وجب رد الأمر إلى محكمة شرعية - لا قانونية- ويجب أن ترد جميع المنازعات بين الدول والأفراد والقبائل إلى الحكم الشرعي، بأن تشكل محكمة شرعية من علماء أهل الحق والسنة حتى يحكموا بما تنازع عليه المسلمون من دولتين أو قبيلتين أو أفراد. وإن هذا العمل الذي قام به صدام ضد الكويت هو عمل إجرامي يجب التوبة منه وعدم التمادي، والرجوع إلى الحق فضيلة وحق، خير من التمادي في الرذيلة والخطأ. وقد صدر بيان من مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية يبين خطأ هذا العمل، وأنه عدوان وجريمة وخيانة. ووضح في بيان العلماء- والذي أنا أحد أعضائه- أنه لا مانع من الاستعانة ببعض الكفار للجيوش الإسلامية والعربية ولا بأس من الاستعانة لصد عدوان المعتدي والدفاع عن البلاد وعن حرمة الإسلام والمسلمين.

أما الإشاعات حول الحرمين الشريفين فإنهما بحمد الله بمنأى عن الزعيم العراقي

(1) نشر في الجزيرة بتاريخ 26\1\1411 هـ الموافق 17\8\1990م (صفحة المحيط الدولي) .

ص: 150

وغيره، وهما آمنان بحمد الله.

وكل ما في الأمر أن الدولة السعودية احتاجت إلى الاستعانة ببعض الجيوش من جنسيات متعددة، ومن جملتهم الولايات المتحدة، وإنما ذلك للدفاع المشترك مع القوات السعودية عن البلاد والإسلام وأهله، ولا حرج في ذلك؛ لأنه استعانة لدفع الظلم وحفظ البلاد وحمايتها من شر الأشرار وظلم الظالمين وعدوان المعتدين، فلا حرج كما قرره أهل العلم وبينوه. وأما ما أشاعته بعض الأقليات الإسلامية التي صدقت أقوال صدام وأكاذيبه حول تدخل الإمبريالية في شئون المسلمين ومقدساتهم وغيرها من الإشاعات الباطلة، فإن هذا خطأ كبير، والذي أشاعه هو حزب صدام وهو حزب قومي وليس حزبا إسلاميا، وحتى لو كانوا مسلمين إذا تعدوا وجب ردعهم ولو بالاستعانة ببعض الكفرة، وعلى طريقة سلمية كما هي يدفع بها الشر وتحمى بها البلاد، والرسول صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية يوم حنين لحرب أهل الطائف. وبذلك فإن الاستعانة بالكفار على من تعدى وظلم يجوز على الكفار أو على أي متعد وظالم، والذي لا يجوز هو أن ينصر كفار على مسلمين، أما هذا الوضع فهو يحمي المسلمين وأراضيهم من المجرمين والمعتدين والكافرين، وفرق بين الاثنين، بين إنسان ينصر الكفار على المسلمين ويعينهم على المسلمين وهذه هي الردة، لا تجوز، وهذا منكر. أما كما هو الحال بالمملكة من الاستعانة بالكفار لردع المعتدي وصده، سواء كان كافرا أو مسلما عن بلاد الإسلام والمقدسات فهذا أمر مطلوب ولازم؛ لأنه لحماية المسلمين ورد الأذى عنهم، سواء كان كافرا أو مسلما. والواجب على الزعيم العراقي أن يتوب إلى الله ويرجع عما هو عليه من الباطل، ويترك حزب الشيطان، وعليه أن يلتزم بالإسلام، وأن يسود الرعية ويحكم فيهم بالإسلام وندعو له بالهداية.

وأكد سماحته في إجابته على سؤال للجزيرة حول إمكانية إيجاد محكمة دولية شرعية لحل المنازعات بين الدول فقال:

ص: 151

يجب على جميع الدول الإسلامية والعربية حل منازعاتهم بالطرق الشرعية بمحكمات شرعية في كل بلد محكمة أخرى تكون دولية تحكم بين الدول. وفي البلدان الإسلامية يجب أن يكون هناك محكمة شرعية لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) ويقول جل وعلا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2) ويقول سبحانه وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3) فإذا تنازعت دولتان أو أكثر وجب أن يحكم بينهما علماء الإسلام بحكم الشريعة فيما تنازعوا به على ضوء الكتاب والسنة، لا بقوانين في البلدان أو بآراء الرجال بل بشرع الله.

ووجه سماحته النصح للجيش العراقي وعدم التمادي في الأعمال المنكرة، والواجب على الجنود العراقيين وعلى كل مسلم أن يحترم مال المسلم ودمه وعرضه وأهله، ولا يجوز التعدي على أي مسلم لا في الكويت ولا في غيره، لا في ماله ولا في عرضه، ولا في دمه. قال عليه الصلاة والسلام:«كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه (4) » .

وهذا العدوان من العراق لا يبرر للجنود وأفراد الجيش أن يتعدوا على الكويتيين أو غيرهم، ويأخذوا أموالهم، أو يضربوا أجسادهم، أو يقتلوهم أو يقتلوا صبيانهم، أو يتعدوا على نسائهم، كل ذلك منكر وحرام لا يجوز، والواجب أن يتقوا الله وأن يحذروا ما حرم الله وأن لا يقدموا على أمر يغضب الله عليهم ويسبب دخولهم النار والبعد عن رحمته ورضوانه.

وأوصى سماحته الأشقاء الكويتيين في تصريحه لـ (الجزيرة) بالاستعانة بالصبر وتقوى الله فقال:

أوصي شعب الكويت المظلوم بتقوى الله، وأن يستقيموا على دينه، وأن يتوبوا

(1) سورة الشورى الآية 10

(2)

سورة النساء الآية 59

(3)

سورة النساء الآية 65

(4)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564) ، مسند أحمد بن حنبل (2/277) .

ص: 152

إليه عن سالف ذنوبهم، وأن يسألوا الله النصر على العدو، وأن يعيدهم إلى بلادهم سالمين، وسوف يعوضهم الله خيرا مما أخذ منهم بالتوبة النصوح، يعطيهم الله ما فاتهم ويعوضهم خيرا منه سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (2)

ونسأل الله أن يمن علينا وعليهم بالتوبة، وكل منا على خطر، وكل مسلم في أي مكان في السعودية أو الكويت أو الشام أو اليمن، وفي كل مكان، عليه محاسبة النفس ومجاهدتها في الله، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

لذلك فإن على جميع إخواننا بالكويت وعلى جميع المسلمين بالمملكة العربية السعودية وكل مكان عليهم تقوى الله، وأن يجاهدوا أنفسهم في طاعة الله وأن يصبروا على ما أصابهم من مصائب، كما أن عليهم الاستقامة على الحق والتواصي به، والتناصح في الله، أصلح الله لهم ما كان فاسدا، ورد عليهم ما كان شاردا، وعوضهم خيرا مما أصابهم، وجعل لهم العاقبة الحميدة سبحانه وتعالى، قال عز وجل:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (3) وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (4) ومن يتق الله يوفقه الله ويعوضه خيرا مما أخذ منه، ويسأله الرحمة العامة والشاملة التي تعم أمر دينه ودنياه وآخرته.

وفي ختام تصريح سماحته قال:

كلمتي نصيحة عامة للمسلمين جميعا: أن يتقوا الله وأن يلتزموا بشرع الله، وأن يتدبروا القرآن العظيم ويعتنوا بالسنة المطهرة، وأن ينظموا أعمالهم على ضوء الكتاب والسنة، وأن تكون أعمالهم وأقوالهم وخلافاتهم كلها ترجع إلى الكتاب والسنة لا إلى القوانين الوضعية، بل يجب أن تكون كلها محكومة بكتاب الله وسنة رسوله، وأن

(1) سورة النور الآية 31

(2)

سورة التحريم الآية 8

(3)

سورة العنكبوت الآية 69

(4)

سورة آل عمران الآية 120

ص: 153

يلتزموا بهذا أفرادا وجماعات ودولا، وهذا هو الواجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى شرع الله، وأن يستقيموا على دين الله، وأن يعملوا بما أمر دين الله، ويدعوا ما حرم الله؛ لأن الله يقول:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} (1) ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (2) ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (3)

فمأمورون بتقوى الله جميعا والحفاظ على دينه، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (4){يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (5) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (6){وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (7){لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} (8)

وهذا هو الواجب على الناس جميعا أن يتقوا الله ويعبدوه وحده ويحكموا شريعته وينقادوا لأمره ويحذروا نهيه سبحانه، وأن يقفوا عند حدوده، وأن يتواصوا بهذا ويتناصحوا كما قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (9) ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ} (10){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (11){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (12) ويقول- صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحه الدين النصيحة الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (13) » ، ويقول جرير بن عبد الله البجلي:«بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وعلى إيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم (14) » .

(1) سورة النساء الآية 1

(2)

سورة النساء الآية 1

(3)

سورة الحج الآية 1

(4)

سورة الأحزاب الآية 70

(5)

سورة الأحزاب الآية 71

(6)

سورة الحشر الآية 18

(7)

سورة الحشر الآية 19

(8)

سورة الحشر الآية 20

(9)

سورة المائدة الآية 2

(10)

سورة العصر الآية 1

(11)

سورة العصر الآية 2

(12)

سورة العصر الآية 3

(13)

صحيح مسلم الإيمان (55) ، سنن النسائي البيعة (4198) ، سنن أبو داود الأدب (4944) ، مسند أحمد بن حنبل (4/102) .

(14)

صحيح البخاري الزكاة (1401) ، صحيح مسلم الإيمان (56) ، سنن الترمذي البر والصلة (1925) ، سنن النسائي البيعة (4174) ، مسند أحمد بن حنبل (4/364) ، سنن الدارمي البيوع (2540) .

ص: 154

وهذا هو الواجب على مستوى الشعوب ورؤساء الدول الإسلامية، أن يتناصحوا وأن يتواصوا بالحق، وأن يحكموا بشرع الله لا بالقوانين التي يضعونها بأنفسهم.

ودعا سماحته في ختام تصريحه الله عز وجل بالهداية للجميع والتوفيق للمسلمين، وأن يصلح قادتهم ويولي عليهم خيارهم وأن يعيذهم من شر الأشرار.

ونسأل الله أن يكفينا شر كل ذي شر، وأن يرد كيد كل عدو في نحره، وأن يكشف شره أينما كان. والله ولي التوفيق.

ص: 155

تحرير دولة الكويت من أيدي المعتدين الظالمين نعمة من الله عظيمة ونصر عزيز

ضد الظلم والعدوان والإلحاد (1)

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أما بعد: -

فإن ما من الله به على المسلمين المجاهدين في سبيله من تحرير الكويت من أيدي الغاصبين الظالمين والمعتدين الملحدين من أعظم نعم الله سبحانه على أهل الكويت وغيرهم من المسلمين وغيرهم من محبي الحق والعدل، فجدير بجميع المسلمين في المملكة العربية السعودية والكويت وسائر دول الخليج وغيرهم أن يشكروا الله على ذلك، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحذروا أسباب غضبه لما من الله به سبحانه عليهم من هزيمة المعتدين، ونصر المظلومين، وإجابة دعاء المسلمين، وقد وعد الله سبحانه عباده بالنصر والعاقبة الحميدة إذا نصروا دينه واستقاموا عليه واستنصروا به سبحانه وأعدوا العدة لعدوهم وأخذوا حذرهم من مكائده، كما قال عز وجل في كتابه المبين:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (2){وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (3) وقال سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (4){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (5) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (6) وقال سبحانه:

(1) نشرت في صحيفة الرياض في 12\9\1411 هـ.

(2)

سورة الأنفال الآية 9

(3)

سورة الأنفال الآية 10

(4)

سورة الحج الآية 40

(5)

سورة الحج الآية 41

(6)

سورة محمد الآية 7

ص: 156

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1)

والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على وجوب الالتجاء إلى الله سبحانه في جميع الأمور والاستعانة به وحده والاستنصار به والاستقامة على دينه والحذر من أسباب غضبه سبحانه، كما تدل على أنه عز وجل هو الذي بيده النصر لا بيد غيره، كما قال سبحانه:{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (2) وقال عز وجل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (3) وقال سبحانه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (4) ولكنه سبحانه مع ما وعد به عباده من النصر أمرهم بالإعداد لعدوهم، وأخذ الحذر منه فقال عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (5) وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (6) وعلق نصرهم سبحانه على أسباب عظيمة وهي نصر دينه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستقامة على الإيمان والعمل الصالح.

فالواجب على جميع المسلمين في الكويت وغيرها أن يأخذوا بهذه الأسباب وأن يستقيموا عليها، وأن يتواصوا بها أينما كانوا؛ لأن الأخذ بها والاستقامة عليها من أعظم الأسباب للنصر في الدنيا، والأمن ورغد العيش والسعادة في الدنيا والآخرة والفوز بالجنة، والكرامة وحسن العاقبة في جميع الأمور كما أوضح ذلك سبحانه في الآية الكريمة السابقة من سورة النور وهي قوله عز وجل:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (7) الآية، وكما أوضح ذلك أيضا سبحانه في قوله عز وجل في سورة

(1) سورة النور الآية 55

(2)

سورة آل عمران الآية 126

(3)

سورة آل عمران الآية 160

(4)

سورة البقرة الآية 249

(5)

سورة الأنفال الآية 60

(6)

سورة النساء الآية 71

(7)

سورة النور الآية 55

ص: 157

الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1){تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2){يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3){وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (4) في هذه الآيات الكريمات، أوضح سبحانه أن الإيمان بالله ورسوله وهو يشمل أداء ما أوجب الله من الطاعات، وترك ما حرم الله من المعاصي مع الجهاد في سبيله، وهو شعبة من الإيمان- هما سبب المغفرة لجميع الذنوب، والفوز بالجنة والمساكن الطيبة فيها، كما أنهما هما السبب في حصول النظر والفتح القريب.

فجدير بأهل الإسلام أينما كانوا أن يأخذوا بهذه الأسباب ويتواصوا بها ويستقيموا عليها أينما كانوا؛ لأنها هي سبب عزهم ونصرهم وأمنهم في الدنيا، وهي سبب فوزهم ونجاتهم في الآخرة، وهي أيضا سبب الربح والفوز بأنواع الكرامة وأنواع السعادة في هذه الدنيا وفي الآخرة، كما قال الله عز وجل:{وَالْعَصْرِ} (5){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (6){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (7) وأصل الإيمان وأساسه توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، كما قال عز وجل في كتابه العظيم:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (8) والمعنى أمر وأوصى، وقال تعالى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (9){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (10) وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (11)

ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى أهل اليمن أمره أن يدعوهم أولا إلى توحيد الله والإخلاص له والإيمان برسوله محمد- صلى الله عليه وسلم ثم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. وما ذاك إلا لأن هذه الأصول الثلالة هي أصول الدين العظمى، من استقام عليها وأدى حقها استقام على بقية أمور الدين من الصيام والحج وسائر ما أمر الله به ورسوله، وعلى ترك كل ما نهى الله عنه ورسوله،

(1) سورة الصف الآية 10

(2)

سورة الصف الآية 11

(3)

سورة الصف الآية 12

(4)

سورة الصف الآية 13

(5)

سورة العصر الآية 1

(6)

سورة العصر الآية 2

(7)

سورة العصر الآية 3

(8)

سورة الإسراء الآية 23

(9)

سورة الزمر الآية 2

(10)

سورة الزمر الآية 3

(11)

سورة البينة الآية 5

ص: 158

ومن أعظم شعب الإيمان ومن تحقيق شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، تحكيم شرع الله بين عباده في كل شئونهم، كما قال الله عز وجل لنبيه " صلى الله عليه وسلم في سورة المائدة:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (1) الآية، ثم قال بعد ذلك سبحانه:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (2) إلى أن قال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (3) وقال عز وجل في سورة المائدة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (4){وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (5){وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (6) وقال سبحانه في سورة النساء: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (7)

فأوضح سبحانه في هذه الآيات الكريمات أن الواجب على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأمة في كل زمان ومكان أن يحكموا شرع الله في جميع ما شجر بينهم وفي جميع شئونهم الدينية والدنيوية، وحذر سبحانه من اتباع الهوى وطاعة أعداء الله في عدم تحكيم شريعته، وأخبر سبحانه أن حكمه هو أحسن الأحكام، وأن جميع الأحكام المخالفة لحكمه كلها من أحكام الجاهلية، وأخبر سبحانه أن الحكم بغير ما أنزل كفر وظلم وفسق، وبين سبحانه أنه لا إيمان لمن لم يحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور وينشرح صدره لذلك ويسلم له تسليما، فالواجب على جميع حكام المسلمين أن يلتزموا بحكمه سبحانه، وأن يحكموا شرعه بين عباده وألا يكون في أنفسهم حرج من ذلك، وأن يحذروا اتباع الهوى المخالف لشرعه، وألا يطيعوا من دعاهم إلى تحكيم أي قانون أو نظام يخالف ما دل عليه كتاب الله أو سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم وبين سبحانه أنه لا إيمان لأهل الإسلام إلا بذلك، فكل من زعم أن تحكيم القوانين

(1) سورة المائدة الآية 48

(2)

سورة المائدة الآية 49

(3)

سورة المائدة الآية 50

(4)

سورة المائدة الآية 44

(5)

سورة المائدة الآية 45

(6)

سورة المائدة الآية 47

(7)

سورة النساء الآية 65

ص: 159

الوضعية المخالفة لشرع الله أمر جائز أو أنه أنسب للناس من تحكيم شرع الله، أو أنه لا فرق بين تحكيم شرع الله وتحكيم القوانن التي وضعها البشر المخالفة لشرع الله عز وجل، فهو مرتد عن الإسلام كافر بعد الإيمان إن كان مسلما قبل أن يقول هذا القول أو يعتقد هذا الاعتقاد، وكما صرح بذلك أهل العلم والإيمان من علماء التفسير وفقهاء المسلمين في باب حكم المرتد، ومن أشكل عليه شيء مما ذكرنا فليراجع ما ذكره العلماء في تفسير الآيات السابقات كالإمام ابن جرير، والإمام البغوي والحافظ ابن كثير، وغيرهم من علماء التفسير، وليراجع ما ذكره العلماء في باب حكم المرتد وهو المسلم يكفر بعد إسلامه حتى يتضح له الحق وتزول عنه الشبهة، أما من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم ذلك لرشوة دفعت إليه من المحكوم له أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه، أو لأسباب أخرى فإنه قد أتى منكرا عظيما وكبيرة من الكبائر، كما أنه قد أتى نوعا من الكفر والظلم والفسق لكنه لا يخرجه عمل ذلك من ملة الإسلام، ولكنه يكون بذلك قد أتى معصية عظيمة وتعرض لعذاب الله وعقابه وهو على خطر عظيم من انتكاس القلب والردة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك، وقد يطلق بعض العلماء أنه أتى بذلك كفرا أصغر وظلما أصغر وفسقا أصغر كما روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء وجماعة من السلف رحمهم الله. والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه، ويوزعهم شكر نعمه، وأن يصلح قادتهم ويولي عليهم خيارهم، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويخذل أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن يعيذنا والمسلمين جميعا من مضلات الفتن وأسباب النقم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ص: 160