الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمل صدام عدوان أثيم
(1)
فلا شك أن عمل الزعيم العراقي من اجتياحه الدولة الكويتية وما ترتب على ذلك من سفك الدماء ونهب الأموال وانتهاك الأعراض، لا شك أن هذا عدوان أثيم وجريمة عظيمة ومنكر شنيع يجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بإخراح جيشه من الدولة الكويتية؛ لأن هذا الإقدام والاجتياح أمر منكر بل مخالف للشرع ولجميع القوانين العرفية، ولما تم عليه التعاهد بينه وبين قادة العرب في جامعتهم العربية.
والواجب عليه حل المشاكل بالطرق السلمية والمفاوضات، وإذا لم تنجح المفاوضات والطرق السلمية وجب رد الأمر إلى محكمة شرعية - لا قانونية- ويجب أن ترد جميع المنازعات بين الدول والأفراد والقبائل إلى الحكم الشرعي، بأن تشكل محكمة شرعية من علماء أهل الحق والسنة حتى يحكموا بما تنازع عليه المسلمون من دولتين أو قبيلتين أو أفراد. وإن هذا العمل الذي قام به صدام ضد الكويت هو عمل إجرامي يجب التوبة منه وعدم التمادي، والرجوع إلى الحق فضيلة وحق، خير من التمادي في الرذيلة والخطأ. وقد صدر بيان من مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية يبين خطأ هذا العمل، وأنه عدوان وجريمة وخيانة. ووضح في بيان العلماء- والذي أنا أحد أعضائه- أنه لا مانع من الاستعانة ببعض الكفار للجيوش الإسلامية والعربية ولا بأس من الاستعانة لصد عدوان المعتدي والدفاع عن البلاد وعن حرمة الإسلام والمسلمين.
أما الإشاعات حول الحرمين الشريفين فإنهما بحمد الله بمنأى عن الزعيم العراقي
(1) نشر في الجزيرة بتاريخ 26\1\1411 هـ الموافق 17\8\1990م (صفحة المحيط الدولي) .
وغيره، وهما آمنان بحمد الله.
وكل ما في الأمر أن الدولة السعودية احتاجت إلى الاستعانة ببعض الجيوش من جنسيات متعددة، ومن جملتهم الولايات المتحدة، وإنما ذلك للدفاع المشترك مع القوات السعودية عن البلاد والإسلام وأهله، ولا حرج في ذلك؛ لأنه استعانة لدفع الظلم وحفظ البلاد وحمايتها من شر الأشرار وظلم الظالمين وعدوان المعتدين، فلا حرج كما قرره أهل العلم وبينوه. وأما ما أشاعته بعض الأقليات الإسلامية التي صدقت أقوال صدام وأكاذيبه حول تدخل الإمبريالية في شئون المسلمين ومقدساتهم وغيرها من الإشاعات الباطلة، فإن هذا خطأ كبير، والذي أشاعه هو حزب صدام وهو حزب قومي وليس حزبا إسلاميا، وحتى لو كانوا مسلمين إذا تعدوا وجب ردعهم ولو بالاستعانة ببعض الكفرة، وعلى طريقة سلمية كما هي يدفع بها الشر وتحمى بها البلاد، والرسول صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية يوم حنين لحرب أهل الطائف. وبذلك فإن الاستعانة بالكفار على من تعدى وظلم يجوز على الكفار أو على أي متعد وظالم، والذي لا يجوز هو أن ينصر كفار على مسلمين، أما هذا الوضع فهو يحمي المسلمين وأراضيهم من المجرمين والمعتدين والكافرين، وفرق بين الاثنين، بين إنسان ينصر الكفار على المسلمين ويعينهم على المسلمين وهذه هي الردة، لا تجوز، وهذا منكر. أما كما هو الحال بالمملكة من الاستعانة بالكفار لردع المعتدي وصده، سواء كان كافرا أو مسلما عن بلاد الإسلام والمقدسات فهذا أمر مطلوب ولازم؛ لأنه لحماية المسلمين ورد الأذى عنهم، سواء كان كافرا أو مسلما. والواجب على الزعيم العراقي أن يتوب إلى الله ويرجع عما هو عليه من الباطل، ويترك حزب الشيطان، وعليه أن يلتزم بالإسلام، وأن يسود الرعية ويحكم فيهم بالإسلام وندعو له بالهداية.
وأكد سماحته في إجابته على سؤال للجزيرة حول إمكانية إيجاد محكمة دولية شرعية لحل المنازعات بين الدول فقال:
يجب على جميع الدول الإسلامية والعربية حل منازعاتهم بالطرق الشرعية بمحكمات شرعية في كل بلد محكمة أخرى تكون دولية تحكم بين الدول. وفي البلدان الإسلامية يجب أن يكون هناك محكمة شرعية لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) ويقول جل وعلا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2) ويقول سبحانه وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3) فإذا تنازعت دولتان أو أكثر وجب أن يحكم بينهما علماء الإسلام بحكم الشريعة فيما تنازعوا به على ضوء الكتاب والسنة، لا بقوانين في البلدان أو بآراء الرجال بل بشرع الله.
ووجه سماحته النصح للجيش العراقي وعدم التمادي في الأعمال المنكرة، والواجب على الجنود العراقيين وعلى كل مسلم أن يحترم مال المسلم ودمه وعرضه وأهله، ولا يجوز التعدي على أي مسلم لا في الكويت ولا في غيره، لا في ماله ولا في عرضه، ولا في دمه. قال عليه الصلاة والسلام:«كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه (4) » .
وهذا العدوان من العراق لا يبرر للجنود وأفراد الجيش أن يتعدوا على الكويتيين أو غيرهم، ويأخذوا أموالهم، أو يضربوا أجسادهم، أو يقتلوهم أو يقتلوا صبيانهم، أو يتعدوا على نسائهم، كل ذلك منكر وحرام لا يجوز، والواجب أن يتقوا الله وأن يحذروا ما حرم الله وأن لا يقدموا على أمر يغضب الله عليهم ويسبب دخولهم النار والبعد عن رحمته ورضوانه.
وأوصى سماحته الأشقاء الكويتيين في تصريحه لـ (الجزيرة) بالاستعانة بالصبر وتقوى الله فقال:
أوصي شعب الكويت المظلوم بتقوى الله، وأن يستقيموا على دينه، وأن يتوبوا
(1) سورة الشورى الآية 10
(2)
سورة النساء الآية 59
(3)
سورة النساء الآية 65
(4)
صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564) ، مسند أحمد بن حنبل (2/277) .
إليه عن سالف ذنوبهم، وأن يسألوا الله النصر على العدو، وأن يعيدهم إلى بلادهم سالمين، وسوف يعوضهم الله خيرا مما أخذ منهم بالتوبة النصوح، يعطيهم الله ما فاتهم ويعوضهم خيرا منه سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (2)
ونسأل الله أن يمن علينا وعليهم بالتوبة، وكل منا على خطر، وكل مسلم في أي مكان في السعودية أو الكويت أو الشام أو اليمن، وفي كل مكان، عليه محاسبة النفس ومجاهدتها في الله، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
لذلك فإن على جميع إخواننا بالكويت وعلى جميع المسلمين بالمملكة العربية السعودية وكل مكان عليهم تقوى الله، وأن يجاهدوا أنفسهم في طاعة الله وأن يصبروا على ما أصابهم من مصائب، كما أن عليهم الاستقامة على الحق والتواصي به، والتناصح في الله، أصلح الله لهم ما كان فاسدا، ورد عليهم ما كان شاردا، وعوضهم خيرا مما أصابهم، وجعل لهم العاقبة الحميدة سبحانه وتعالى، قال عز وجل:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (3) وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (4) ومن يتق الله يوفقه الله ويعوضه خيرا مما أخذ منه، ويسأله الرحمة العامة والشاملة التي تعم أمر دينه ودنياه وآخرته.
وفي ختام تصريح سماحته قال:
كلمتي نصيحة عامة للمسلمين جميعا: أن يتقوا الله وأن يلتزموا بشرع الله، وأن يتدبروا القرآن العظيم ويعتنوا بالسنة المطهرة، وأن ينظموا أعمالهم على ضوء الكتاب والسنة، وأن تكون أعمالهم وأقوالهم وخلافاتهم كلها ترجع إلى الكتاب والسنة لا إلى القوانين الوضعية، بل يجب أن تكون كلها محكومة بكتاب الله وسنة رسوله، وأن
(1) سورة النور الآية 31
(2)
سورة التحريم الآية 8
(3)
سورة العنكبوت الآية 69
(4)
سورة آل عمران الآية 120
يلتزموا بهذا أفرادا وجماعات ودولا، وهذا هو الواجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى شرع الله، وأن يستقيموا على دين الله، وأن يعملوا بما أمر دين الله، ويدعوا ما حرم الله؛ لأن الله يقول:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} (1) ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (2) ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (3)
فمأمورون بتقوى الله جميعا والحفاظ على دينه، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (4){يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (5) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (6){وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (7){لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} (8)
وهذا هو الواجب على الناس جميعا أن يتقوا الله ويعبدوه وحده ويحكموا شريعته وينقادوا لأمره ويحذروا نهيه سبحانه، وأن يقفوا عند حدوده، وأن يتواصوا بهذا ويتناصحوا كما قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (9) ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ} (10){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (11){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (12) ويقول- صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحه الدين النصيحة الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (13) » ، ويقول جرير بن عبد الله البجلي:«بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وعلى إيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم (14) » .
(1) سورة النساء الآية 1
(2)
سورة النساء الآية 1
(3)
سورة الحج الآية 1
(4)
سورة الأحزاب الآية 70
(5)
سورة الأحزاب الآية 71
(6)
سورة الحشر الآية 18
(7)
سورة الحشر الآية 19
(8)
سورة الحشر الآية 20
(9)
سورة المائدة الآية 2
(10)
سورة العصر الآية 1
(11)
سورة العصر الآية 2
(12)
سورة العصر الآية 3
(13)
صحيح مسلم الإيمان (55) ، سنن النسائي البيعة (4198) ، سنن أبو داود الأدب (4944) ، مسند أحمد بن حنبل (4/102) .
(14)
صحيح البخاري الزكاة (1401) ، صحيح مسلم الإيمان (56) ، سنن الترمذي البر والصلة (1925) ، سنن النسائي البيعة (4174) ، مسند أحمد بن حنبل (4/364) ، سنن الدارمي البيوع (2540) .
وهذا هو الواجب على مستوى الشعوب ورؤساء الدول الإسلامية، أن يتناصحوا وأن يتواصوا بالحق، وأن يحكموا بشرع الله لا بالقوانين التي يضعونها بأنفسهم.
ودعا سماحته في ختام تصريحه الله عز وجل بالهداية للجميع والتوفيق للمسلمين، وأن يصلح قادتهم ويولي عليهم خيارهم وأن يعيذهم من شر الأشرار.
ونسأل الله أن يكفينا شر كل ذي شر، وأن يرد كيد كل عدو في نحره، وأن يكشف شره أينما كان. والله ولي التوفيق.
تحرير دولة الكويت من أيدي المعتدين الظالمين نعمة من الله عظيمة ونصر عزيز
ضد الظلم والعدوان والإلحاد (1)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أما بعد: -
فإن ما من الله به على المسلمين المجاهدين في سبيله من تحرير الكويت من أيدي الغاصبين الظالمين والمعتدين الملحدين من أعظم نعم الله سبحانه على أهل الكويت وغيرهم من المسلمين وغيرهم من محبي الحق والعدل، فجدير بجميع المسلمين في المملكة العربية السعودية والكويت وسائر دول الخليج وغيرهم أن يشكروا الله على ذلك، وأن يستقيموا على دينه، وأن يحذروا أسباب غضبه لما من الله به سبحانه عليهم من هزيمة المعتدين، ونصر المظلومين، وإجابة دعاء المسلمين، وقد وعد الله سبحانه عباده بالنصر والعاقبة الحميدة إذا نصروا دينه واستقاموا عليه واستنصروا به سبحانه وأعدوا العدة لعدوهم وأخذوا حذرهم من مكائده، كما قال عز وجل في كتابه المبين:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (2){وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (3) وقال سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (4){الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (5) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (6) وقال سبحانه:
(1) نشرت في صحيفة الرياض في 12\9\1411 هـ.
(2)
سورة الأنفال الآية 9
(3)
سورة الأنفال الآية 10
(4)
سورة الحج الآية 40
(5)
سورة الحج الآية 41
(6)
سورة محمد الآية 7
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على وجوب الالتجاء إلى الله سبحانه في جميع الأمور والاستعانة به وحده والاستنصار به والاستقامة على دينه والحذر من أسباب غضبه سبحانه، كما تدل على أنه عز وجل هو الذي بيده النصر لا بيد غيره، كما قال سبحانه:{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (2) وقال عز وجل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (3) وقال سبحانه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (4) ولكنه سبحانه مع ما وعد به عباده من النصر أمرهم بالإعداد لعدوهم، وأخذ الحذر منه فقال عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (5) وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (6) وعلق نصرهم سبحانه على أسباب عظيمة وهي نصر دينه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستقامة على الإيمان والعمل الصالح.
فالواجب على جميع المسلمين في الكويت وغيرها أن يأخذوا بهذه الأسباب وأن يستقيموا عليها، وأن يتواصوا بها أينما كانوا؛ لأن الأخذ بها والاستقامة عليها من أعظم الأسباب للنصر في الدنيا، والأمن ورغد العيش والسعادة في الدنيا والآخرة والفوز بالجنة، والكرامة وحسن العاقبة في جميع الأمور كما أوضح ذلك سبحانه في الآية الكريمة السابقة من سورة النور وهي قوله عز وجل:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (7) الآية، وكما أوضح ذلك أيضا سبحانه في قوله عز وجل في سورة
(1) سورة النور الآية 55
(2)
سورة آل عمران الآية 126
(3)
سورة آل عمران الآية 160
(4)
سورة البقرة الآية 249
(5)
سورة الأنفال الآية 60
(6)
سورة النساء الآية 71
(7)
سورة النور الآية 55
الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1){تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2){يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (3){وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (4) في هذه الآيات الكريمات، أوضح سبحانه أن الإيمان بالله ورسوله وهو يشمل أداء ما أوجب الله من الطاعات، وترك ما حرم الله من المعاصي مع الجهاد في سبيله، وهو شعبة من الإيمان- هما سبب المغفرة لجميع الذنوب، والفوز بالجنة والمساكن الطيبة فيها، كما أنهما هما السبب في حصول النظر والفتح القريب.
فجدير بأهل الإسلام أينما كانوا أن يأخذوا بهذه الأسباب ويتواصوا بها ويستقيموا عليها أينما كانوا؛ لأنها هي سبب عزهم ونصرهم وأمنهم في الدنيا، وهي سبب فوزهم ونجاتهم في الآخرة، وهي أيضا سبب الربح والفوز بأنواع الكرامة وأنواع السعادة في هذه الدنيا وفي الآخرة، كما قال الله عز وجل:{وَالْعَصْرِ} (5){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (6){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (7) وأصل الإيمان وأساسه توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، كما قال عز وجل في كتابه العظيم:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (8) والمعنى أمر وأوصى، وقال تعالى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (9){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (10) وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (11)
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى أهل اليمن أمره أن يدعوهم أولا إلى توحيد الله والإخلاص له والإيمان برسوله محمد- صلى الله عليه وسلم ثم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. وما ذاك إلا لأن هذه الأصول الثلالة هي أصول الدين العظمى، من استقام عليها وأدى حقها استقام على بقية أمور الدين من الصيام والحج وسائر ما أمر الله به ورسوله، وعلى ترك كل ما نهى الله عنه ورسوله،
(1) سورة الصف الآية 10
(2)
سورة الصف الآية 11
(3)
سورة الصف الآية 12
(4)
سورة الصف الآية 13
(5)
سورة العصر الآية 1
(6)
سورة العصر الآية 2
(7)
سورة العصر الآية 3
(8)
سورة الإسراء الآية 23
(9)
سورة الزمر الآية 2
(10)
سورة الزمر الآية 3
(11)
سورة البينة الآية 5
ومن أعظم شعب الإيمان ومن تحقيق شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، تحكيم شرع الله بين عباده في كل شئونهم، كما قال الله عز وجل لنبيه " صلى الله عليه وسلم في سورة المائدة:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (1) الآية، ثم قال بعد ذلك سبحانه:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (2) إلى أن قال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (3) وقال عز وجل في سورة المائدة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (4){وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (5){وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (6) وقال سبحانه في سورة النساء: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (7)
فأوضح سبحانه في هذه الآيات الكريمات أن الواجب على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأمة في كل زمان ومكان أن يحكموا شرع الله في جميع ما شجر بينهم وفي جميع شئونهم الدينية والدنيوية، وحذر سبحانه من اتباع الهوى وطاعة أعداء الله في عدم تحكيم شريعته، وأخبر سبحانه أن حكمه هو أحسن الأحكام، وأن جميع الأحكام المخالفة لحكمه كلها من أحكام الجاهلية، وأخبر سبحانه أن الحكم بغير ما أنزل كفر وظلم وفسق، وبين سبحانه أنه لا إيمان لمن لم يحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور وينشرح صدره لذلك ويسلم له تسليما، فالواجب على جميع حكام المسلمين أن يلتزموا بحكمه سبحانه، وأن يحكموا شرعه بين عباده وألا يكون في أنفسهم حرج من ذلك، وأن يحذروا اتباع الهوى المخالف لشرعه، وألا يطيعوا من دعاهم إلى تحكيم أي قانون أو نظام يخالف ما دل عليه كتاب الله أو سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم وبين سبحانه أنه لا إيمان لأهل الإسلام إلا بذلك، فكل من زعم أن تحكيم القوانين
(1) سورة المائدة الآية 48
(2)
سورة المائدة الآية 49
(3)
سورة المائدة الآية 50
(4)
سورة المائدة الآية 44
(5)
سورة المائدة الآية 45
(6)
سورة المائدة الآية 47
(7)
سورة النساء الآية 65
الوضعية المخالفة لشرع الله أمر جائز أو أنه أنسب للناس من تحكيم شرع الله، أو أنه لا فرق بين تحكيم شرع الله وتحكيم القوانن التي وضعها البشر المخالفة لشرع الله عز وجل، فهو مرتد عن الإسلام كافر بعد الإيمان إن كان مسلما قبل أن يقول هذا القول أو يعتقد هذا الاعتقاد، وكما صرح بذلك أهل العلم والإيمان من علماء التفسير وفقهاء المسلمين في باب حكم المرتد، ومن أشكل عليه شيء مما ذكرنا فليراجع ما ذكره العلماء في تفسير الآيات السابقات كالإمام ابن جرير، والإمام البغوي والحافظ ابن كثير، وغيرهم من علماء التفسير، وليراجع ما ذكره العلماء في باب حكم المرتد وهو المسلم يكفر بعد إسلامه حتى يتضح له الحق وتزول عنه الشبهة، أما من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم ذلك لرشوة دفعت إليه من المحكوم له أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه، أو لأسباب أخرى فإنه قد أتى منكرا عظيما وكبيرة من الكبائر، كما أنه قد أتى نوعا من الكفر والظلم والفسق لكنه لا يخرجه عمل ذلك من ملة الإسلام، ولكنه يكون بذلك قد أتى معصية عظيمة وتعرض لعذاب الله وعقابه وهو على خطر عظيم من انتكاس القلب والردة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك، وقد يطلق بعض العلماء أنه أتى بذلك كفرا أصغر وظلما أصغر وفسقا أصغر كما روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء وجماعة من السلف رحمهم الله. والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه، ويوزعهم شكر نعمه، وأن يصلح قادتهم ويولي عليهم خيارهم، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويخذل أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن يعيذنا والمسلمين جميعا من مضلات الفتن وأسباب النقم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.