الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض الانطباعات عن المعاهد العلمية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإن الله سبحانه وتعالى قد بين فضل العلم وحث عليه في كتابه الكريم، قال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (1) وقال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2) وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (3)
والمقصود بالعلم: هو العلم الشرعي الموصل إلى معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، وأنه الإله الحق الذي لا يستحق أحد أن يعبد سواه، وأنه الرب الخالق الرازق والمتصرف بهذا الكون والمنعم على جميع العالمين، والموصل أيضا إلى معرفة رسول الله محمد، وأنه الرسول الخاتم المبلغ عن الله شرعه ووحيه، والموصل إلى معرفة هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن الله وبلغنا به في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بما يشمل جميع نواحي حياتنا في الاعتقاد والسياسة والاجتماع وفي القضاء والتشريع والاقتصاد وجميع ما يحتاجه المسلمون في أمور حياتهم ومعادهم.
فهذا العلم هو العلم الحقيقي الذي أثنى الله على حملته ورفع قدرهم وجعلهم من الشهداء على وحدانيته قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (4) ووصفهم سبحانه بأنهم أخشى الناس لله سبحانه فقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (5) والمعنى: الخشية الكاملة، وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
(1) سورة المجادلة الآية 11
(2)
سورة الزمر الآية 9
(3)
سورة العنكبوت الآية 43
(4)
سورة آل عمران الآية 18
(5)
سورة فاطر الآية 28
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بأن تنفر طائفة منهم للتعلم والتفقه في هذا الدين، ليكونوا على بصيرة ونور من الله، وليعلموا أحكامه وشرائعه ويبلغوا أقوامهم ويوجهوهم إلى الصراط المستقيم بسلوك هذا الدين والالتزام به، قال تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1)
ومن نعم الله العظيمة على المسلمين في هذه المملكة - أعني المملكة العربية السعودية، وفي جميع بلاد المسلمين- أن قيض لهم من يقوم بهذا الدين كلما خبا نوره وتزاحمت عليه قوى الكفر وخيم على المسلمين الجهل، فيبعث الله من القادة الصالحين والعلماء والأفاضل والحكام المخلصين من يقوم بنصر هذا الدين وإحياء ما أماته الجهلاء من رسومه، ونشر العلم وتعليمه، وتحكيم شريعة الله وكبت الباطل وأهله.
ومن فضل الله على هذه الجزيرة أن قام فيها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والإمام محمد بن سعود رحمة الله عليهما، وتعاهدا على نصرة هذا الدين، وصدقا في ذلك، فنصرهما الله ومكن لهم في الأرض وقامت بذلك حلق العلم بالمساجد، وانتشر التدريس فيها، وأخذ العلماء أماكنهم في توعية الناس بدينهم وتعليمهم أحكامه وشرائعه، واستمرت على ذلك حتى انتشر العلم في أرجاء هذه البلاد والبلدان المجاورة وفتحت المدارس والمعاهد العلمية وانتشرت في عدة قرى ومدن في هذه الجزيرة العربية، وكذا الكليات وغيرها من وسائل نشر العلم.
ولقد كان للمعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الأثر العظيم في نشر علوم العقيدة والشريعة، وتربية الأجيال الناشئة على فهم كتاب الله وفقهه ومعرفة علوم اللغة العربية، لغة القرآن والسنة.
(1) سورة التوبة الآية 122
وإن ثمار هذه المعاهد وما حصل بها من الخير العظيم والنفع العميم لتظهر واضحة جلية على ناشئة شباب هذه البلاد وغيرها من البلاد التي فتحت فيها معاهد تابعة لهذه الجامعة. فنسأل الله أن يوفق القائمين عليها للزيادة من كل خير وأن يعينهم وأن يضاعف من جهودهم في الإكثار منها والحرص عليها.
كما أن من فضل الله أن وفق ولاة الأمر للأمر بفتح بعض هذه المعاهد خارج المملكة العربية للسعودية لتقوم بإبلاغ الحق والخير ونشر العقيدة الصحيحة الصافية الخالية من شوائب الشرك والوثنية وتعليم أحكام الشريعة الغراء، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم للإكثار منها في جميع البلدان، وأن يوفق القائمين عليها لاختيار الأشخاص الأتقياء والدعاة المخلصين لإدارة هذه المعاهد والتعليم فيها، كما هو الواقع الآن. وهذا هو سبيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأتباعه بإحسان، كما قال الله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1) وقال: «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (2) » رواه مسلم، وفي الحديث المتفق عليه عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (3) » .
فنحمد الله سبحانه وتعالى أن يسر هذه الأماكن لنشر العلم وهيأ أسبابها، ونسأله أن يوفق القائمين عليها، وأن يكلل جهودهم بالتوفيق والنجاح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(1) سورة يوسف الآية 108
(2)
صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) ، سنن الترمذي القراءات (2945) ، سنن ابن ماجه المقدمة (225) ، مسند أحمد بن حنبل (2/252) ، سنن الدارمي المقدمة (344) .
(3)
صحيح البخاري العلم (71) ، صحيح مسلم الإمارة (1037) ، سنن ابن ماجه المقدمة (221) ، مسند أحمد بن حنبل (4/93) ، موطأ مالك كتاب الجامع (1667) ، سنن الدارمي المقدمة (226) .