الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حوار فيما يتعلق بالأمة الإسلامية
بعد حرب الخليج
(1)
(في ظل الأحداث الجسام التي تمر بها أمتنا الإسلامية في الوقت الراهن، والتي تكاد تعصف بمقدراتها ومصالح شعوبها وتهدد دينها وعقيدتها في الصميم، وفي ظل التجارب المريرة التي خاضتها الأمة خلال القرن الحالي والتي أدت إلى تصدع البنيان وانهيار العديد من أركانه، ورغم ذلك فقد كان الأمل يحدونا مع تصاعد الصحوة الإسلامية في كافة أرجاء العالم الإسلامي، أن نفيق من سباتنا العميق، وأن ننفض عن كواهلنا غبار الزمن بكل ما يحمله من مخلفات تذكي عوامل الفرقة والشقاق، حتى جاء طاغية العراق ليقتل هذا الأمل في النفوس بعدوانه الغاشم على دولة الكويت ومحاولاته المستمرة لتوسيع وتذكية عوامل الشقة والخلاف بين أبناء الأمة ليعيدها بذلك سنوات عديدة للوراء. في ظل ذلك كله، وفي ظل التحديات العديدة التي تواجهها الأمة يكتسب الحديث مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإشاد أهمية بالغة لأنه يأتي معبرا عن رؤية واحد من أبرز علماء الأمة خلال القرن الحالي لواقعها، راصدا إياه ومحددا لأسباب وعوامل الضعف والانهيار الذي تعانيه، وواصفا العلاج الناجع للخلاص من تلك الأثقال والهموم التي تكبل مسيرة الأمة وتعيق انطلاقها وتقدمها، ولتسليط الضوء على كل هذه النقاط وغيرها مما يهم الأمة الإسلامية ويشغل أذهان المسلمين في الوقت الراهن، كان لعكاظ هذا الحوار الشامل مع سماحته:)
س 1: من خلال اهتمام سماحتكم بالعمل الإسلامي والدعوة إلى الله. ما هي
(1) حوار أجراه مع سماحته فهد البكران نشر في جريدة عكاظ بعددها 909 الصادر في 3\9\1411 هـ.
رؤيتكم ل واقع الأمة الإسلامية؟ وما هو السبيل لانتشالها مما هي فيه من تشتت وانقسام؟
ج: لا ريب أنه لا سبيل إلى صلاح الأمة ونجاتها وجمع كلمتها إلا باتحادها على كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، والتعاون في ذلك، كما قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1) وقال سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2)
وفي أحداث الخليج عظة وذكرى لكل مسلم، فالواجب على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن يعتصموا بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام في جميع الأمور، فهذا هو طريق النجاة وطريق السعادة وطريق العزة والكرامة والنصر على الأعداء. ففى هذا الطريق وهذا السبيل كل خير في الدنيا والآخرة.
نسأل الله أن يوفق المسلمين لما فيه رضاه وأن يجمع كلمتهم على الهدى.
س 2: البعض يلقي اللوم على المنظمات الإسلامية والعربية بعدم قيامها بما هو مطلوب منها، فكيف يمكن لها أن تقوم بدورها في خدمة الإسلام والمسلمين؟
لا ريب أن المنظمات الإسلامية مسئولة عن واجبها نحو الدعوة إلى الله سبحانه ونحو جمع كلمة المسلمين.
فالواجب على كل منظمة أن تبذل وسعها بالدعوة إلى الله وتوجيه الناس إلى الخير، وإرسال الدعاة إلى المناطق التي تستطيع إرسالهم إليها للدعوة إلى الله حسب طاقتها، فكل منظمة عليها واجبها بقدر طاقتها؛ لأن الله يقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3)، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (4) فعليها أن تدعو إلى الله عن طريق الكتاب والسنة؟ كما قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (5) ويقول سبحانه:
(1) سورة آل عمران الآية 103
(2)
سورة المائدة الآية 2
(3)
سورة التغابن الآية 16
(4)
سورة البقرة الآية 286
(5)
سورة يوسف الآية 108
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1) فعلى كل طالب علم وكل عالم أن يدعو إلى الله حسب طاقته على الطريقة التي رسمها الله لعباده بقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2)
والحكمة معناها: العلم بما قال الله وقال رسوله، والموعظة الحسنة المقصود بها الترغيب والترهيب والتوجيه إلى الخير وذكر ما للمتقي من الخير والعاقبة الحميدة، وما للكافر والعاصي من العاقبة الوخيمة، أما الجدال فهو الجدال بالأدلة الشرعية بالأسلوب الحسن دون عنف ولا شدة، بل بالأدلة الشرعية والبيان الواضح اللين حتى تزول الشبهة إن كان عند المجادلة شبهة، وإذا قامت المنظمة بهذا الواجب فهي على خير عظيم، ومن هداه الله على يد منظمة أو على يد أي إنسان كان له مثل أجره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من دل على خير فله مثل أجر فاعله (3) » . .
س3: ما هي الدروس المستفادة من حرب الخليج لصالح الأمة الإسلامية؟
ج: حرب الخليج فيها عظات وذكرى لمن تعقلها: فإنها قسمت العرب وغير العرب ما بين ناصر للحق وداع للحق، وما بين ناصر للظلم وداع لمناصرة الظلم، وقد أبان الله جل وعلا الطريق السوي لعباده، وأن الطريق السوي هو سلوك الصراط المستقيم الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم حيث قال جل وعلا:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} (4) وهي الطرق المخالفة للشرع {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (5) أي تحيد بكم عن سبيله إلى سبيل أخرى، وهي سبيل الشيطان.
وقد ظهر من هذه الحوادث ما يبين للعاقل وجوب نصر المظلوم وردع الظالم والاستقامة على الحق، وهذا هو الواجب على كل مسلم وعلى كل عاقل، حتى ولو
(1) سورة فصلت الآية 33
(2)
سورة النحل الآية 125
(3)
صحيح مسلم الإمارة (1893) ، سنن الترمذي العلم (2671) ، سنن أبو داود الأدب (5129) ، مسند أحمد بن حنبل (4/120) .
(4)
سورة الأنعام الآية 153
(5)
سورة الأنعام الآية 153
كان غير مسلم، فعلى كل عاقل وعلى كل ذي إنصاف أن ينصر الحق وأن يرد الظلم وأن ينصر المظلوم، هذا هو الواجب على كل إنسان، سواء كان مسلما أو غير مسلم، ولكن الواجب على المسلم أكبر وأعظم.
لأن الله أوجب عليه ذلك بأن ينصر المظلوم وأن يردع الظالم حسب طاقته، وأن يكون في صف الحق لا في صف الباطل، هذا هو الواجب على بني الإسلام وعلى كل ذي عقل سليم، وفي هذا الصدد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل: يا رسول الله نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه (1) » فالظالم منعه من الظلم وتوبيخه على الظلم، هذا نصره، والمظلوم يعان على رد الظالم وعلى تسليم حقه ورده إليه، وإذا كان الظالم كافرا كان ردعه أوجب كأمثال صدام وأشباهه. .
س4: لا شك أن حرب الخليج أحدثت تصدعا في صفوف المسلمين كيف ترون سماحتكم الحل المناسب للتوفيق بينهم؟
ج: التصدع له دواء، فكل داء له دواء، ودواء التصدع هو الرجوع إلى الله والتوبة إليه والالتزام بالحق من جميع الدول ومن جميع المسئولين، فعلى كل واحد أن يتوب إلى الله من خطئه ومن غلطه، ويرجع إلى الصواب ويطلب من أخيه المسامحة عما جرى منه على أخيه من الخطأ، والله جل وعلا يتوب على التائبين، يقول سبحانه:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (3) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (4) » .
فعلى الدول الإسلامية والعربية جميعا التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، والرجوع عن الباطل والتوبة إلى الله منه واستسماح أخيه الذي ظلمه وتعدى عليه يستسمحه فيقول: يا أخي سامحني،
(1) صحيح البخاري الإكراه (6952) ، سنن الترمذي الفتن (2255) ، مسند أحمد بن حنبل (3/99) .
(2)
سورة النور الآية 31
(3)
سورة التحريم الآية 8
(4)
سنن ابن ماجه الزهد (4250) .
جرى مني كذا وأخطأت في كذا، وأنا أطلب المسامحة والعذر.
والتواصي بالحق مطلوب، والتسامح مطلوب، فالتواصي بالحق يتطلب أن يوصي كل واحد أخاه بالحق، والتسامح يعني أن يطلب كل واحد من أخيه أن يسمح عما جرى من التقصير بحقه، وإذا تسامحوا وتصالحوا وتبرأ الظالم من خطئه وزلته وتاب إلى الله من ذلك حصل المطلوب وزال المحظور.
س5: لا شك أن أعداء الأمة الإسلامية يتحينون الفرصة المناسبة للقضاء عليها فما هي السبل لمنع وقوع ذلك؟
ج: الواجب على الدول الإسلامية أن تستعد لأعداء الله وتحذر مكائدهم، وأن تستقيم على دين الله، وأن تلزم الحق وأن تعد العدة دائما، لا تغفل ولا تأمن مكر العدو، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} (1) ويقول جل وعلا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (2)
فالواجب على كل دولة إسلامية عربية أو غير عربية أن تعد العدة وأن تستقيم على دين الله وعلى شريعته، وأعظم العدة الاستقامة على الحق والثبات عليه وطاعة الله ورسوله في كل شيء وتحكيم شريعته، هذه هي العدة، ثم العدة الحسية من الجيش الطيب والسلاح المناسب في الوقت الحاضر حسب طاقتهم، فالله أمرهم بما يستطيعون، حيث يقول تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (3) فكل دولة تجتهد في اقتناء السلاح المناسب في الوقت الحاضر، والحرص على صنعته إذا أمكن أو شرائه، والحرص على إيجاد الجندي الطيب المسلم في وقت الرخاء، حتى إذا جاءت الشدائد تكون عندها القوة الكافية، وهذا واجب الجميع،
(1) سورة النساء الآية 71
(2)
سورة الأنفال الآية 60
(3)
سورة الأنفال الآية 60
وأعظم شيء وأهمه إصلاح النفوس بتقوى الله، والاستقامة على دينه، وترك معصيته سبحانه وتعالى، والإخلاص لله بالعبادة، والنهي عن الشرك بالله، ومن ذلك التعلق بالأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم ونحو ذلك، فهذا من الشرك بالله، فالتعلق بالأموات وسؤالهم النصر على الأعداء أو شفاء المرضى يعتبر من الشرك الأكبر.
فالواجب على كل دولة أن تعتني بهذا الأمر، وأن توجه رعيتها إلى توحيد الله والإخلاص له وترك الشرك به جل وعلا، وأن يستقيم الجميع على دين الله، وأن يحذروا معصيته سبحانه وتعالى، وأن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في كل شيء، كما قال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1) أوجب سبحانه على المؤمنين عند التنارع رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله أي إلى الكتاب العزيز وهو القرآن وإلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فما دل عليه الكتاب والسنة الصحيحة وجب الأخذ به.
وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) وأوجب عليهم طاعة ولي الأمر يعني في المعروف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف (3) » فيجب على الدول فيما صلى الله عليه وسلم إذا تنازعت أن ترد نزاعها إلى الله ورسوله وحكم الشرع، وعليها في نفسها أن تستقيم على دين الله وأن توجه جيشها وشعبها إلى الاستقامة على دين الله، وهذا هو طريق النصر وطريق السعادة وطريق العزة والكرامة وطريق الحماية من الأعداء أينما كانوا، وكيفما كانوا.
نسأل الله لجميع المسلمين التوفيق والهداية، ونسأل الله لولاة الأمور أن يصلحهم، وأن يعينهم على كل خير، وأن يمنحهم الفقه في الدين والثبات عليه.
س 6: هناك من يسعى لاستغلال الدين لتحقيق مآربه الخاصة خلال أحداث الخليج. فما هي كلمة سماحتكم في ذلك؟
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
سورة الشورى الآية 10
(3)
صحيح البخاري الأحكام (7145) ، صحيح مسلم الإمارة (1840) ، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داود الجهاد (2625) ، مسند أحمد بن حنبل (1/82) .
ج: الواجب على كل مسلم أن يتقي الله وأن يخلص لله، وأن لا يعمل عمل المنافق، فيستغل الدين لأهوائه، فالمنافق هكذا عمله، يرجع إلى الدين عند حاجته إليه نفاقا، فهذا منكر لا يجوز، والمنافقون شر من الكفار، ولذا قال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (1) فالواجب الالتزام بالدين من أجل الدين ومن أجل طاعة الله ورسوله لا من أجل أعراض دنيوية، فالمنافق من شأنه الالتزام بالدين وإظهاره لمصلحته الدنيوية وحاجته، وإذا خلا رجع إلى الكفر بالله والضلال وإلى مناصرة الكفار، وإذا انتهت حاجته رفض الدين، فهذا ليس من الدين في شيء؛ لأنه منافق، والمنافق شر من الكافر والعياذ بالله، كما قال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (2)
ومن صفاتهم ما ذكر الله في كتابه العظيم في قوله سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (3){مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (4) فالمذبذب هو الحائر، مرة مع المسلمين ومرة مع الكفار، فهذا المذبذب يكون مع الكفار إذا نصروا ورأى عندهم الفائدة، وتارة مع المسلمين إذا نصروا وصار عندهم الفائدة.
إذا هو مذبذب، ليس عنده ثبات وليس عنده بصيرة، بل هو مع من نصر ومع من رأى فيه المصلحة، فإن رأى المصلحة مع الكفار صار معهم، وإن رأى المصلحة مع المسلمين صار مع المسلمين، ليس عنده هدف صالح وليس عنده عقيدة ثابتة، هذه حال المنافقين نسأل الله العافية. .
س 7: هل من كلمة توجيهية لأبناء الشعب الكويتي بعد تحرير بلادهم من يد طاغية العراقي؟
ج: وصيتي للشعب الكويتي ولكل مسلم تقوى الله سبحانه وتعالى، هذه وصيتي للكويتي وللسعودي ولكل مسلم في الخليج والمسلمين جميعا، فأوصي
(1) سورة النساء الآية 145
(2)
سورة النساء الآية 145
(3)
سورة النساء الآية 142
(4)
سورة النساء الآية 143
الجميع بتقوى الله جل وعلا، وأن يستقيموا على دينه، وأن يشكروا الله على نعمة النصر ونعمة العافية ونعمة ردع الظالم.
والشكر لله يكون بالطاعة لله ولرسوله والاستقامة على دين الله والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها وفي أداء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن لم يحج مرة واحدة في العمر، وكذلك طاعة الله ورسوله في كل شيء من بر الوالدين وصلة الرحم والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير هذا من وجوه الخير، مع ترك المعاصي كلها، هذا كله من شكر الله، فوصيتي للجميع أن يشكروا الله بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه والصبر عليه، كما قال سبحانه:{وَالْعَصْرِ} (1){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (2){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3)
ويقول سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (4) وهذا واجب الجميع أن يتعاونوا على البر والتقوى والتناصح في الله وترك معصيته وألا يتعاونوا على الإثم والعدوان من الشرك وشرب الخمر والزنا والمقامرة وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله، وعليهم بأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن يتناهوا عن الإثم والعدوان بأن ينهى كل واحد أخاه عن المنكر ويأمره بالخير، هذا كله من شكر الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (5) هذه أوصاف المؤمنين وهذه أخلاقهم، وعدهم الله عليها الرحمة بالنصر في الدنيا والسعادة والنجاة في الآخرة.
نسأل الله للجميع التوفيق والاستقامة والهداية.
س 8: ختاما ما هي كلمتكم لأسر الشهداء؟
ج: أسأل الله أن يجبر مصيبتهم، وأن يحسن عزاءهم، وأن يعوضهم خيرا مما فاتهم في الدنيا والآخرة، وأن يغفر للشهداء، وأن يتجاوز عن سيئاتهم ويدخلهم الجنة
(1) سورة العصر الآية 1
(2)
سورة العصر الآية 2
(3)
سورة العصر الآية 3
(4)
سورة المائدة الآية 2
(5)
سورة التوبة الآية 71
وينجيهم من النار، والشهداء يرجى لهم الخير العظيم، فنوصي أسرهم بالدعاء لهم والرحمة وعلو المنزلة في الجنة، ونوصي أسرهم أيضا بالصبر والاحتساب؛ لأن الشهادة في سبيل الله نعمة عظيمة، فعلى الأسر أن يصبروا ويحتسبوا والله يعوضهم خيرا ويجبر مصيبتهم سبحانه وتعالى متى صبروا واحتسبوا. رزق الله الجميع التوفيق لما يرضيه.