المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ٦

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌أسئلة وأجوبة تابعة للمحاضرة

- ‌ بيان صفة الحجاب الشرعي

- ‌ مصافحة النساء

- ‌واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم

- ‌أسئلة مهمة والإجابة عليها بعد المحاضرة

- ‌ تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

- ‌ تشجيع الدعاة وطلبة العلم على إقامة الدروس والمحاضرات في كافة أنحاء البلاد

- ‌القضاء والقدر

- ‌نصيحة لحكام المسلمين وعلمائهم

- ‌نصيحة لقادة الدول العربية

- ‌نصيحة عامة

- ‌نصيحة موجهة إلى الملك فيصل بن عبد العزيزللدعوة إلى الله

- ‌موقف الشريعة الإسلاميةمن الغزو العراقي للكويت

- ‌موقف المؤمن من الفتن

- ‌محاضرة مهمة بسبب اجتياح حاكم العراق للكويت

- ‌أسئلة وأجوبة بعد المحاضرة

- ‌ الاستعانة بغير المسلمين في الدفاع عن بلاد المسلمين

- ‌ هل يعتبر عمل المتطوعين في التعاون مع رجال الأمن من الرباط، أم لا

- ‌ رفع اليدين في الدعاء

- ‌واجب المسلمين تجاهعدوان العراق على دولة الكويت

- ‌وصية لجميع المسلمينبمناسبة غزو العراق للكويت

- ‌الغزو العراقي جريمة عظيمة

- ‌هذه الواقعة عبرة وعظة وذكرى لنا جميعا

- ‌عمل صدام عدوان أثيم

- ‌حوار فيما يتعلق بالأمة الإسلاميةبعد حرب الخليج

- ‌لقاء جريدة المسلمون مع سماحته

- ‌رسائل الشيخ ابن باز إلى هؤلاء

- ‌الشعب الكويتي:

- ‌أهالي الشهداء:

- ‌الشعب العراقي:

- ‌شباب الصحوة:

- ‌العلماء وطلبة العلم:

- ‌ الاستعانة بالكفار في قتال الكفار

- ‌شرح معنى قوله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول

- ‌معنى قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}

- ‌تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}

- ‌أصحاب الكهف وأصحاب الصخرة

- ‌حول رغبة التقليل في مستويات حفظ القرآن الكريم

- ‌هل الدعوة والصدقة ترد القضاء والقدر

- ‌العناية بالتراث الإسلامي

- ‌أسئلة مهمة والإجابة عليها

- ‌تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام

- ‌اختلاف مدلولات الإيمان والتوحيد والعقيدة

- ‌التعريف بالطريقة الظاهرية

- ‌لا إكراه في قبول الإسلام

- ‌معنى كلمة اسمه تعالى " الظاهر

- ‌معنى المثل الأعلى

- ‌الفرق بين الأسماء والصفات

- ‌هل الإسلام انتشر بالسيف

- ‌الأهداف الأساسية الجديرة بالأولوية في الحياة

- ‌نصيحة بالقيام على الدعوة إلى الله والصبر عليها

- ‌مرئيات حول مستقبل الإسلام

- ‌رسالة إلى بعض أمراء الخليج

- ‌وصية لبعض الأمراء بمناسبة تعيينه أميراعلى بعض المناطق بالمملكة

- ‌كلمة بمناسبة عقد المؤتمر بالجامعة الإسلاميةدار العلوم بديوبند في الهند

- ‌نصيحة بالدعوة إلى نشر الإسلام وفضائله في أمريكا

- ‌نصيحة موجهةإلى الطلبة المسلمين بباكستان

- ‌نصيحة موجهة إلى طلبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

- ‌وصية لطلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

- ‌دعوة إلى القيام بالمحاضراتفي الجامعة لمن يصلح لها

- ‌بعض الانطباعات عن المعاهد العلمية

- ‌نصيحة لحضرات المشائخ مقادمة بيت القرزات

- ‌التخلق بأخلاق الله

- ‌ من استهزأ بالرسولالعظيم عليه الصلاة والسلام

- ‌نصيحة لمن تعرض لسوء الكلام والتحريضعلى المعاصي

- ‌نصيحة للصبر على الاستهزاء والتمسكبالآداب الإسلامية

- ‌عليكن بالأمر بالمعروف ولو غضب من تأمرونه

- ‌كلمة بمناسبة الأعاصير والفيضاناتفي بنجلاديش

- ‌أسئلة مهمة وأجوبتها

- ‌ التعاون بالجهر أفضل أم بالسر

- ‌ التعاون على البر والتقوى في البيت

- ‌من يعصي ويتوب ثم يرجع إلى المعصية

- ‌حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية

- ‌ مصافحة النساء من وراء حائل

- ‌التحذير من مكائد الأعداء

- ‌معاملة المسلم لغير المسلم

- ‌ السلام على المتحدث بالهاتفإذا كان لا يعرف هل هو مسلم أم كافر

- ‌شكر المحسن والدعاء له

- ‌الدواء الشرعي للسحر

- ‌الأنبياء معصومون فيما يبلغونه

- ‌فضل حفظ القرآن

- ‌طريقة حفظ القرآن

- ‌ الاجتماع في دعاء ختم القرآن الكريم

- ‌أسئلة وأجوبتها تتعلق بالتوبة

- ‌وجوب التوبة والتحلل من مظلمة الناس

- ‌امرأة تسببت في قتل نفسهالكنها تابت قبل أن تموت

- ‌طريقة التوبة من المعاصي

- ‌طريقة التوبة عن اقتراف المعاصي

- ‌نصيحة بلزوم التوبةوالتعوذ بالله من الشيطان

- ‌نصيحة لمن ابتلي بالمعاصي ثم ندم

- ‌شاب يتوب ثم يعود إلىالمعاصي فكيف العمل

- ‌فضل التوبة ووجوب تكرارها إذا لزم الأمر

- ‌العاصي لا يخلد في النار

- ‌ربنا في السماء

- ‌ظلم الخدام حرام

- ‌ معاشرة الزوج الذي لا يصليولا يصوم إلخ

- ‌المؤمن والخوف من الموت

- ‌العلاج الشرعي لحالة ضيق النفس والشكوك

- ‌معنى البدعة وإطلاقها في أبواب العبادات

- ‌ الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من الموالد

- ‌زيارة المسجد النبوي سنة

- ‌تعليق على محاولة لإعادة بناء القبة على بئر الخاتم بالمدينة المنورة

- ‌ليس في الدين قشور

- ‌ التعلق بالأولياء

- ‌منع الدعاء عند القبور

- ‌الطريقة السمانية الصوفية وضم الذكر بضرب الدف وغيره

- ‌الطريقة التيجانية

- ‌ أخذ العلاج عند المتصوفة

- ‌الذبح لغير الله

- ‌ ذبح الأبقار أو الأغنام عند انتهاء بناء المسجد

- ‌ نقل حجارة مسجد إلى البيت والتبرك بها

- ‌من ليس له شيخ

- ‌هذا منكر عظيم

- ‌الخوارج ليسوا من أنصار علي

- ‌تعليق على ما أذيع في البرنامج الإذاعي حول وجود الله سبحانه

- ‌عن مخالطة من لا يتمسكون بشعائر الإسلام

- ‌سؤال عائشة رضي الله عنها لدخول الكعبة والجواب عنه

- ‌معنى (وهب المسيئين منا للمحسنين)

- ‌حديث السبعة وهل هو خاص بالرجال

- ‌ استعمال الجرائد سفرة للأكل

- ‌ لبس الذهب المحلق للنساء

- ‌ السلام بالإشارة باليد

- ‌ البول واقفا

- ‌رجل مسلم أسعف رجلا غير مسلم هل يصبح أخا له

- ‌ لبس المعاطف الجلدية

- ‌شرح معنى «مائلات مميلات

- ‌هذا الحديث مكذوب عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌شرح معنى القاسطين والمقسطين في القرآن الكريم

- ‌ مس الحائض للقرآن الكريم

- ‌ التحجب عن الخادمة المسيحية

- ‌ شرب الدخان وبيعه والاتجار به

- ‌إنكار على وضع لائحات تدعو إلى الدخان والتشجيع عليه

- ‌أسئلة وأجوبتها

- ‌ من يدعي أنه قد رأى رب العزة في المنام

- ‌نصيحة لمن يدعو لحلق الذقن

- ‌الإجابة الصريحة على المناقشة حول إعفاء اللحى وحلقها

- ‌العدل بين الأولاد

- ‌تحريم آنية الذهب والفضة

- ‌ استعمال أشرطة الأفلام الخليعة وآلات التصوير بعد التوبة

- ‌الجمع بين حديثين متعلقينبالرقى والتمائم والتولة

- ‌أسئلة متفرقة والأجوبة عليها

- ‌ إطالة الثوب

- ‌ من يقصر ثوبه ويطول سرواله

- ‌دفع الرشوة للموظفين

- ‌الرجل الأخضر

- ‌من يذبح لأبيه وجده كل سنة

- ‌دعوة الوالد على الولد

- ‌ من سب الدين أو الرب

- ‌نلعب الورق (البلوت)والفائز منا يحصل على مائتيريال فهل هذا حرام

- ‌ الاستماع إلى الراديو ونحوه

- ‌ استماع بعض البرامج المفيدة التي تتخللها الموسيقى

- ‌مشاهدة برامج التلفزيون

- ‌الفرق بين خمر الدنيا والآخرة

- ‌ النكت في الإسلام

- ‌الجيران والتفضيل بينهم

- ‌الكافر ليس أخا للمسلم

- ‌هذا العمل منكر

- ‌ الأوراق التي فيها ذكر الله

- ‌الترحم على الفاسق جائز

- ‌من علامات الساعة أن تلد الأمة ربتها

- ‌ وضع المساحيق على الوجه

- ‌استعمال الروائح العطرية المسماة بالكولونيا

- ‌حكم ذهاب المرأة للسوق بدون محرم

- ‌ الغش في الامتحانات

- ‌ لبس خاتم الذهب للرجال

- ‌ لبس الكعب العالي

- ‌ لقطة الحرم

- ‌رؤية ليلة القدر

- ‌إطلاق كلمة عليه السلام لغير الرسول

- ‌الإجابة على أسئلة مختلفة

- ‌ الصلاة خلف العاصي

- ‌ بيع ريالات الفضة بريالات الورق

- ‌ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌إزالة الشعر النابت في وجه المرأة

- ‌ضرب الطالبات لغرض التعليم

- ‌الخوف من الرياء في النصح

- ‌مسألة الشلوخ في الوجه تمييزا لكل قبيلة

- ‌مشاركة النصارى في أعيادهم

- ‌كتابة البسملة على البطاقات مشروعة

- ‌ظهور المرأة أمام الرجال

- ‌كتاب درة الناصحين

- ‌قراء الكف

- ‌كرامات زائفة

- ‌الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع

- ‌نداء عام لمساعدة المسلمين في البوسنة والهرسك

الفصل: ‌الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع

‌الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله قائد الغر المحجلين وإمام الدعاة إلى رب العالمين، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد، فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأبناء كرام في هذا المكان المبارك في مكة المكرمة وفي رحاب البيت العتيق للتناصح والتواصي بالدعوة إلى الله عز وجل وبيان ثمراتها وفوائدها وأسلوبها، أسأل الله جل وعلا أن يجعله لقاء مباركا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يرزقهم جميعا الفقه في الدين والاستقامة عليه إنه جل وعلا جواد كريم، ثم أشكر القائمين على جامعة أم القرى وعلى رأسهم الأخ الكريم معالي الدكتور: راشد بن راجح مدير هذه الجامعة على دعوته لي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يبارك في جهود الجميع ويكللها بالصلاح والنجاح، وأن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن وطوارق المحن إنه سميع قريب.

أيها الإخوة في الله عنوان هذه المحاضرة: الدعوة إلى الله سبحانه وأسلوبها المشروع. الدعوة إلى الله شأنها عظيم، وهي من أهم الفروض والواجبات على المسلمين عموما وعلى العلماء بصفة خاصة، وهي منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهم الأئمة فيها عليهم الصلاة والسلام، فالدعوة إلى الله طريق الرسل وطريق أتباعهم إلى يوم القيامة، والحاجة إليها بل الضرورة معلومة، فالأمة كلها من أولها إلى آخرها بحاجة شديدة، بل في ضرورة إلى الدعوة إلى الله، والتبصير في دين الله، والترغيب في التفقه فيه والاستقامة عليه، والتحذير مما يضاده أو يضاد كماله الواجب أو ينقص ثواب أهله ويضعف إيمانهم.

ص: 410

فالواجب على أهل العلم بشريعة الله أينما كانوا أن يقوموا بمهمة الدعوة؛ لأن الناس في أشد الضرورة إلى ذلك في مشارق الأرض ومغاربها، ونحن في غربة من الإسلام وقلة من علماء الحق، وكثرة من أهل الجهل والباطل والشر والفساد، فالواجب على أهل العلم بالله وبدينه أن يشمروا عن ساعد الجد، وأن يستقيموا على الدعوة وأن يصبروا عليها يرجون ما عند الله من المثوبة ويخشون مغبة التأخر عن ذلك والتكاسل عنه، والله سبحانه وتعالى أوجب على العلماء أن يبينوا، وأوجب على العامة أن يقبلوا الحق وأن يستفيدوا من العلماء وأن يقبلوا النصيحة، يقول الله عز وجل:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (1)

فأحسن الناس قولا من دعا إلى الله وأرشد إليه وعلم العباد دينهم وفقههم فيه، وصبر على ذلك وعمل بدعوته، ولم يخالف قوله فعله ولا فعله قوله، هؤلاء هم أحسن الناس قولا، وهم أصلح الناس وأنفع الناس للناس وهم الرسل الكرام والأنبياء وأتباعهم من علماء الحق.

فالواجب على كل عالم وطالب علم أن يقوم بهذا العمل حسب طاقته وعلمه وقد يتعين عليه إذا لم يكن في البلد أو في القبيلة أو في المكان الذي وقع فيه المنكر غيره فإنه يجب عليه عينا أن يقول الحق وأن يدعو إليه، وعند وجود غيره يكون فرض كفاية إذا قام به البعض كفى وإن سكتوا عنه أثموا جميعا، فالواجب على أهل العلم بالله وبدينه أن ينصحوا لله ولعباده، وأن يقوموا بواجب الدعوة في بيوتهم ومع أهليهم وفي مساجدهم وفي طرقاتهم وفي بقية أنحاء قريتهم وبلادهم وفي مراكبهم من طائرة أو سيارة أو قطار أو غير ذلك.

فالدعوة مطلوبة في كل مكان أينما كنت والحاجة ماسة إليها أينما كنت، فالناس في الطائرة محتاجون، وفي السيارة محتاجون، وفي القطار محتاجون، وفي السفينة محتاجون إلى غير ذلك، وأهلك كذلك يلزمك أن تعنى بهم أولا كما قال الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (2) وقال عز

(1) سورة فصلت الآية 33

(2)

سورة التحريم الآية 6

ص: 411

وجل لنبيه وخليله محمد عليه الصلاة والسلام: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (1) وقال سبحانه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} (2){وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (3) فالواجب على طالب العلم أن يعنى بأهله ووالديه وأولاده وإخوانه إلى غير ذلك يعلمهم ويرشدهم ويدعوهم إلى الله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر كما قال عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (4) ثم قال سبحانه: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5) يعني من كان بهذه الصفة فهو المفلح على الحقيقة على الكمال، وقد أمر الله بالدعوة في آيات ورغب فيها سبحانه كما في قوله عز وجل:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} (6) الآية، وقوله سبحانه:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (7) وأخبر سبحانه أن الدعوة إلى الله على بصيرة هي سبيل النبي صلى الله عليه وسلم، وهي سبيل أتباعه من أهل العلم كما قال الله عز وجل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (8)

فالواجب علينا جميعا أن نعنى بهذه المهمة أينما كنا، والواجب على أهل العلم كما تقدم أن يعنوا بها غاية العناية، ولا سيما عند شدة الضرورة إليها في هذا العصر فإن عصرنا يعتبر عصر غربة للإسلام لقلة العلم والعلماء بالسنة والكتاب ولغلبة الجهل، وكثرة الشرور والمعاصي وأنواع الكفر والضلال والإلحاد، فالواجب حينئذ يتأكد على العلماء في الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له من توحيد الله وطاعته وأداء واجبه وترك معصيته.

يقول سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (9)

(1) سورة طه الآية 132

(2)

سورة مريم الآية 54

(3)

سورة مريم الآية 55

(4)

سورة آل عمران الآية 104

(5)

سورة آل عمران الآية 104

(6)

سورة فصلت الآية 33

(7)

سورة النحل الآية 125

(8)

سورة يوسف الآية 108

(9)

سورة الذاريات الآية 56

ص: 412

ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) ويقول عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2) وهذه العبادة تحتاج إلى بيان، وهذه العبادة هي التي خلقنا لها، وأمرنا بها، وبعثت الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيانها وللدعوة إليها، فلا بد من بيانها للناس من أهل العلم، وهي الإسلام والهدى وهي الإيمان والبر والتقوى، هذه هي العبادة التي خلقنا لها أن نطيع الله ونطيع رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر والنواهي، وأن نخصه بالعبادة دون كل ما سواه، وهذه الطاعة تسمى عبادة؛ لأنك تؤديها بذل وخضوع لله، والعبادة ذل وخضوع لله عز وجل وانكسار بين يديه بطاعة أوامره وترك نواهيه، وأصلها وأساسها توحيده، والإخلاص له، وتخصيصه بالعبادة وحده دون كل ما سواه، والإيمان برسله عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم خاتمهم وإمامهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ثم فعل ما أوجب الله من بقية الأوامر وترك ما نهى الله عنه، هذه هي العبادة، وهذه هي التقوى، وهذه هي الإسلام الذي قال الله فيه:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (3) وهي الإيمان أيضا الذي قال الله فيه جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (4) وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة (5) » الحديث، «أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق (6) » .

وهذا هو الإيمان وهو الهدى وهو الإسلام وهو العبادة التي خلقنا لها وهو البر، فهي ألفاظ متقاربة المعنى، معناها طاعة الله ورسوله والاستقامة على دين الله، فمن استقام على دين الله فقد اتقى، ومن استقام على دين الله فقد آمن به، ومن استقام على دين الله فقد أخذ بالإسلام، وأخذ بالهدى كما قال تعالى:

(1) سورة البقرة الآية 21

(2)

سورة النحل الآية 36

(3)

سورة آل عمران الآية 19

(4)

سورة النساء الآية 136

(5)

صحيح البخاري الإيمان (9) ، صحيح مسلم كتاب الإيمان (35) ، سنن الترمذي الإيمان (2614) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5005) ، سنن أبو داود السنة (4676) ، سنن ابن ماجه المقدمة (57) ، مسند أحمد بن حنبل (2/414) .

(6)

صحيح البخاري الإيمان (9) ، صحيح مسلم كتاب الإيمان (35) ، سنن الترمذي الإيمان (2614) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5005) ، سنن أبو داود السنة (4676) ، سنن ابن ماجه المقدمة (57) ، مسند أحمد بن حنبل (2/379) .

ص: 413

{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (1) ومن استقام على دين الله فهو على البر الذي قال فيه سبحانه: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) الآية، وقال تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} (3) وقال سبحانه: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} (4) فالدعوة إليه سبحانه هي دعوة إلى البر وإلى التقى وإلى الإيمان وإلى الإسلام وإلى الهدى.

فعليك أيها العالم بالله وبدينه أن تنبه إلى هذا الأمر، وأن تشرحه للناس، وتوضح لهم حقيقة دينهم، ما هو الإسلام؟ ما هو الإيمان؟ ما هو البر؟ ما هو التقوى؟ هو طاعة الله ورسوله، هو العبادة التي خلقنا لها، سماها الله إسلاما وسماها إيمانا وسماها هدى في قوله:{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (5) وسماها برا في قوله: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} (6) ، {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (7)، {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} (8) إلى غير ذلك. وسماها الله إسلاما في قوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (9) وقال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (10)

فالدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى هذا الأمر، دعوة إلى عبادة الله التي خلقنا لها، دعوة إلى الاستقامة على ذلك، دعوة إلى طاعة الله ورسوله، دعوة إلى الإسلام، دعوة إلى البر، دعوة إلى الإيمان، والمعنى أنك تدعو الناس إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، وطاعة أوامره وترك نواهيه، وهذا الذي تدعو إليه يسمى إسلاما ويسمى عبادة، ويسمى تقوى، ويسمى طاعة الله ورسوله، ويسمى برا ويسمى هدى ويسمى صلاحا وإصلاحا كلها أسماء متقاربة المعنى.

فعلى الدعاة إلى الله وهم العلماء أن يبسطوا للناس هذا الأمر، وأن يشرحوه، وأن يوضحوه، أينما كانوا مشافهة؛ في خطب الجمعة وفي الدروس، وفي المواعظ العامة، وفي المناسبات التي تحصل بينهم، يبينون للناس هذه الأمور ويوضحونها للناس،

(1) سورة النجم الآية 23

(2)

سورة البقرة الآية 177

(3)

سورة البقرة الآية 189

(4)

سورة الانفطار الآية 13

(5)

سورة النجم الآية 23

(6)

سورة البقرة الآية 189

(7)

سورة البقرة الآية 177

(8)

سورة الانفطار الآية 13

(9)

سورة آل عمران الآية 19

(10)

سورة آل عمران الآية 85

ص: 414

وينتهزون الفرص في كل مناسبة؛ لأن الضرورة تدعو إلى ذلك والحاجة الشديدة تدعو إلى ذلك لقلة العلم والعلماء وكثرة الحاجة والضرورة إلى البيان، وهكذا يكون التعليم والتوجيه من طريق المكاتبات، ومن طريق المؤلفات، ومن طريق الإذاعة ووسائل الإعلام، ومن طريق المكالمات الهاتفية، لا يتأخر العالم عن أي طريق يبلغ فيه العلم تارة بالكتب، وتارة بالخطب في الجمع وفي الأعياد وغيرها، وتارة بتأليف الرسائل التي تنفع الناس.

فالواجب أن يكون وقت العالم معمورا بالدعوة والخير وأن لا يشغله شاغل عن دعوة الناس وتعريفهم بدين الله، أن تكون أوقاته معمورة بطاعة الله، والدعوة إلى سبيله والصبر على ذلك كما صبر الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (1) فمن أراد من أهل العلم أن يكون من أتباعه على الحقيقة فعليه بالدعوة إلى الله على بصيرة حتى يكون من أتباعه على الحقيقة، ينفع الناس وينفع نفسه، ثم له بذلك مثل أجورهم ولو كانوا ملايين، هذه نعمة عظيمة وفائدة كبيرة، لك يا عبد الله الداعي إلى الله، لك مثل أجور من هداه على يديك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم:«من دل على خير فله مثل أجر فاعله (2) » وهذا أمر عظيم من دعا إلى خير فله مثل أجر فاعله، دعوت كافرا فأسلم يكون لك مثل أجره، دعوت مبتدعا فترك البدعة يكون لك مثل أجره، دعوت إنسانا يتعامل بالربا فأطاعك يكون لك مثل أجره، دعوت إنسانا يتعاطى المسكر فأجابك يكون لك مثل أجره، دعوت إنسانا عاقا لوالديه فأطاعك وبر والديه يكون لك مثل أجره، دعوت إنسانا يغتاب الناس فترك الغيبة يكون لك مثل أجره، وهكذا. . هذا خير عظيم «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (3) » . والحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم:«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (4) » وهذا الحديث من أصح الأحاديث، وقد رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1) سورة يوسف الآية 108

(2)

صحيح مسلم الإمارة (1893) ، سنن الترمذي العلم (2671) ، سنن أبو داود الأدب (5129) ، مسند أحمد بن حنبل (4/120) .

(3)

صحيح مسلم الإمارة (1893) ، سنن الترمذي العلم (2671) ، سنن أبو داود الأدب (5129) ، مسند أحمد بن حنبل (4/120) .

(4)

صحيح مسلم العلم (2674) ، سنن الترمذي العلم (2674) ، سنن أبو داود السنة (4609) ، مسند أحمد بن حنبل (2/397) ، سنن الدارمي المقدمة (513) .

ص: 415

فأنت يا عبد الله إن دعوت إلى خير فلك مثل أجور المهتدين على يديك، وإن دعوت إلى شر فعليك مثل أوزارهم وآثامهم، نسأل الله العافية، وفي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي لما بعثه لخيبر:«فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (1) » وهذه الفائدة العظيمة، واحد من اليهود يهديه الله على يده خير له من حمر النعم، وأنت كذلك ذهبت إلى قرية من القرى أو مدينة من المدن أو قبيلة من القبائل فدعوتهم إلى الله، وهدى الله على يديك واحدا خير لك من حمر النعم، والمقصود خير من الدنيا وما عليها، وهكذا لو كنت في بلاد فيها كفار فدعوتهم وهداهم الله على يديك لك مثل أجورهم، ولك بكل واحد خير من حمر النعم، وهنا كفار يوجدون من العمال فإذا تيسر للعالم الذهاب إليهم ودعوتهم فهداهم الله على يديه أو هدى بعضهم يكون له مثل أجورهم، فالدعوة إلى الله في كل مكان لها ثمراتها العظيمة مع الكفار ومع العصاة ومع غيرهم، قد يكون غير عاص لكن عنده كسل، وعدم نشاط فإذا سمع دعوتك زاد نشاطه في الخير ومسابقته إلى الطاعات فيكون لك مثل أجره.

أما أسلوب الدعوة فبينه الرب جل وعلا وهو الدعوة بالحكمة أي بالعلم والبصيرة، بالرفق واللين لا بالشدة والغلظة هذا هو الأسلوب الشرعي في الدعوة إلا من ظلم، فمن ظلم يعامل بما يستحق لكن من يتقبل الدعوة ويصغي إليها، أو ترجو أن يتقبلها لأنه لم يعارضك ولم يظلمك فارفق به. يقول جل وعلا في كتابه العظيم:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2) فالحكمة هي العلم، قال الله قال رسوله، والموعظة الحسنة الترغيب والترهيب تبين ما في طاعة الله من الخير العظيم، وما في الدخول في الإسلام من الخير العظيم وما عليه إذا استكبر ولم يقبل الحق إلى غير ذلك، أما الجدال بالتي هي أحسن فمعناه بيان الأدلة من غير عنف عند وجود الشبهة لإزالتها وكشفها، فعند المجادلة تجادل بالتي هي أحسن وتصبر وتتحمل كما في الآية الأخرى يقول سبحانه:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (3)

(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (2942) ، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406) ، سنن أبو داود العلم (3661) ، مسند أحمد بن حنبل (5/333) .

(2)

سورة النحل الآية 125

(3)

سورة العنكبوت الآية 46

ص: 416

فالظالمون لهم شأن آخر، لكن ما دمت تستطيع الجدال بالتي هي أحسن وهو يتقبل أو ينصت أو يتكلم بأمر لا يعد فيه ظالما ولا معتديا فاصبر وتحمل بالموعظة والأدلة الشرعية والجدال الحسن، يقول الله سبحانه:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «البر حسن الخلق (2) » .

وقد أثنى الله على النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدعوة فقال جل وعلا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (3) ونبينا أكمل الناس في دعوته، وأكمل الناس في إيمانه، لو كان فظا غليظ القلب لانفض الناس من حوله وتركوه فكيف أنت، فعليك أن تصبر وعليك أن تتحمل ولا تعجل بسب أو كلام سيئ أو غلظة، وعليك باللين والرحمة والرفق. ولما بعث الله موسى وهارون لفرعون ماذا قال لهما، قال سبحانه:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (4) فأنت كذلك لعل صاحبك يتذكر أو يخشى، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به، اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه (5) » وهذا وعد عظيم في الرفق ووعيد عظيم في المشقة، ويقول عليه الصلاة والسلام:«من يحرم الرفق يحرم الخير كله (6) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالرفق فإنه لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه (7) » .

فالواجب على الداعي إلى الله أن يتحمل، وأن يستعمل الأسلوب الحسن الرفيق اللين في دعوته للمسلمين والكفار جميعا، لا بد من الرفق مع المسلم ومع الكافر ومع الأمير وغيره ولا سيما الأمراء والرؤساء والأعيان، فإنهم يحتاجون إلى المزيد من الرفق والأسلوب الحسن لعلهم يقبلون الحق ويؤثرونه على ما سواه، وهكذا من تأصلت في نفسه البدعة أو المعصية ومضى عليه فيها السنون يحتاج إلى صبر حتى تقتلع البدعة

(1) سورة البقرة الآية 83

(2)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2553) ، سنن الترمذي الزهد (2389) ، مسند أحمد بن حنبل (4/182) ، سنن الدارمي الرقاق (2789) .

(3)

سورة آل عمران الآية 159

(4)

سورة طه الآية 44

(5)

صحيح مسلم الإمارة (1828) ، مسند أحمد بن حنبل (6/93) .

(6)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2592) ، سنن أبو داود الأدب (4809) ، سنن ابن ماجه الأدب (3687) ، مسند أحمد بن حنبل (4/366) .

(7)

صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2594) ، سنن أبو داود كتاب الجهاد (2478) ، مسند أحمد بن حنبل (6/125) .

ص: 417

وحتى تزال بالأدلة، وحتى يتبين له شر المعصية وعواقبها الوخيمة، فيقبل منك الحق ويدع المعصية.

فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات.

ويلحق بهذا الباب ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات التي قد تسبب شرا عظيما على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن، فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم.

ولا شك أن هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالنصيحة مني لكل داع إلى الله أن يستعمل الرفق في كلامه، وفي خطبته، وفي مكاتباته، وفي جميع تصرفاته حول الدعوة، يحرص على الرفق مع كل أحد إلا من ظلم، وليس هناك طريق أصلح للدعوة من طريق الرسل فهم القدوة، وهم الأئمة، وقد صبروا، صبر نوح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وصبر هود، وصبر صالح، وصبر شعيب، وصبر إبراهيم، وصبر لوط، وهكذا غيرهم من الرسل ثم أهلك الله أقوامهم بذنوبهم وأنجى الله الأنبياء وأتباعهم.

فلك أيها الداعية أسوة في هؤلاء الأنبياء والأخيار، ولك أسوة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي صبر في مكة وصبر في المدينة على وجود اليهود عنده والمنافقين ومن لم يسلم من الأوس والخزرج حتى هداهم الله، وحتى يسر الله إخراج اليهود، وحتى مات المنافقون بغيظهم، فأنت لك أسوة بهؤلاء الأخيار فاصبر وصابر واستعمل الرفق ودع عنك العنف، ودع كل سبب يضيق على الدعوة ويضرها ويضر أهلها. واذكر قوله تعالى

ص: 418