الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس والخمسون: ورعه
…
الباب الخامس والخمسون: في ذكر ورعه
ذكر ابن الجوزي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "اشتريت إبلاً وارتجعتُها1 إلى الحمِى، فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر رضي الله عنه السوق فرأى إبلاً سماناً، فقال: "لمن هذه الإبل؟ "، فقيل: "لعبد الله بن عمر"، فجعل يقول: "يا عبدَ الله بن عمر! بخٍ بخٍ، ابنُ أمير المؤمنين"، قال: "فجئته أسعى، فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "ما هذه الإبل؟ "، قال: [قلت] 2: "إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون"، قال: "يقال: ارْعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر، اغد ابن عمر اغد على رأس مالك واجعل باقيه في بيت مال المسلمين"3.
وعن جُميع بن عُمير التيمي4، قال:"سمعت عبد الله بن عمر يقول: "شهدت جلولاء فاتبعت من الغنائم بأربعين ألفاً، فقال:"يا عبد الله ابن عمر [لو] 5 انطلق بيَ إلى النار، كنت مفتدي؟ "، قلت: "نعم. بكل
1 في سنن البيهقي: (وانجعتها) ، والرّجيع من الإبل ما رجعته من سفر إلى سفر وهو الكالّ. (لسان العرب 8/116) .
2 سقط من الأصل.
3 ابن الجوزي: مناقب ص 159، البيهقي: السنن: 6/147، وفي إسناده يونس بن أبي يعفور، صدوق يخطئ كثيراً. (التقريب رقم: 792) ، وابن أبي شيبة: المصنف 12/325، وفيه نبيح العنزي، مقبول. (التقريب رقم: 7093) ، وأورده والمتقي الهندي: كنْز العمال12/658، وعزاه لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي.
4 الكوفي، صدوق يخطئ ويتشيع، من الثالثة. (التقريب ص 142) .
5 مطموس في الأصل.
شيء أملك". قال: "فإني مخاصمٌ، وكأني بك تبايع بجلواء ويقولون:[هذا] 1 عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأكرم أهله عليه، وأن يرخصوا عليك كذا وكذا درهماً أحبَّ إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم، وسأعطيك من الربح أفضل ما ربح رجل من قريش".
ثم أتى باب صفية بنت أبي عبيد، فقال: يا صفية بنت أبي عبيد أقسمت عليك أن تُخرجي من بيتك شيئاً، أو تخرجين منه وإن كان عنق طَبِيَّةٌ2، قالت:"يا لأمير المؤمنين ذلك لك"، ثم تركني سبعة أيام، ثم استدعى التجار، ثم قال:"يا عبد الله بن عمر إني مسؤولٌ"، فباع من التجار متاعاً بأربع مئة ألف، فأعطاني ثمانين ألفاً وأرسل بثلاث مئة وعشرين ألفاً إلى سعد، فقال:"أقسم هذا المال فيمن شهد الوقعة، فإن كان أحد منهم مات فابعث بنصيبه إلى ورثته"3.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "استأذنت عمر في الجهاد، فقال: "أي بني إني أخاف عليك الزنى"، فقلت: أو على مثلي تتخوف ذلك4؟!، قال: "تلقون العدوّ فيمنحكم الله أكتافهم، فتقتلون المقاتلة،
1 سقط من الأصل.
2 الطّبِيُ: حلمات الضّرع التي من خفٍ وظلفٍ وحافرٍ وسبع. (لسان العرب 15/64، القاموس ص 1684) .
3 أبو عبيد: الأموال ص 273، ابن زنجويه: الأموال: 2/592، البلاذري: أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر) ص 171، 172، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 158، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/668، وعزاه لأبي عبيد والخبر مداره على الصلت بن بهرام ولم يوثّقه إلا ابن حبان. (الثقات 6/471) .
4 مطموس في الأصل، سوى:(لك) .
وتسبون الذّرية، وتجمعون المتاع، فتقام جارية في المغنم فينادى عليها، فتسوم بها فينكل1 الناس عنك، يقولون: ابن أمير المؤمنين، ولله وللرسول ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، فيهم حقّ فتقع عليها، فإذا أنت زانٍ، اجلس"2.
وعن [إسماعيل بن محمّد بن] 3 سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين، قال عمر: "والله لوددت أني أجد امرأة حسنة الوزن تزن [لي] 4 هذا الطيب حتى أفرقه على المسلمين"، فقالت له امرأته عاتكة: "أنا جيدة الوزن، فهلمُ / [88 / ب] أزن لك"، قال: "لا"، قالت: (ولِمَ؟ "، قال:"أخشى أن تأخذيه هكذا، فتجعليه هكذا - وأدخل إصبعيه في صدغيه - وتمسحين بها عنقكِ فأصبت فضلاً على المسلمين"5.
وعن نعيم بن العطارة6، قال:"كان عمر يدفع إلى امرأته طيباً من7 طيب المسلمين، قال فتبيعه امرأته، قالت: "فبايعتني عطارة
1 في الأصل: (فنكل) .
2 ابن أبي الدنيا: إصلاح المال ص 144، وفيه عطية العوفي، صدوق يخطئ كثيراً، وكان شيعياً مدلساً. (التقريب رقم: 4616) ، وقد عنعن، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 158.
3 سقط من الأصل.
4 مطموس في الأصل.
5 أحمد: الزهد ص 119، وابن شبه: تاريخ المدينة 2/703، وإسنادهما ضعيف، لانقطاعه، إسماعيل بن محمّد لم يدرك عمر بن الخطاب، وأورده ابن الجوزي: مناقب ص 159، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/642، وعزاه لأحمد في الزهد.
6 لم أجد له ترجمة.
7 في الأصل: (في) ، وهو تحريف.
فجعلت تُقوم1 وتزيد وتنقص، وتكسره بأسنانها، فيعلق بإصبعها شيء منه، فقالت به هكذا، بإصبعيها2 في فيها، ثم مسحت به على خمارها، قالت: فدخل عمر، فقال:"ما هذه الريح؟ "، فأخبرته الذي كان، فقال:"طيب المسلمين تأخذينه أنت فتطيبين به"، قال فانتزع الخمار من رأسها، أخذ جزءً من ماء فجعل يصبّ الماء على الخمار، ثم يدلكه في التراب ثم يشمه، ففعل ذلك ما شاء الله، قالت: العطارة: "ثم أتيتها مرة أخرى فلما وزنت لي علق بإصبعها منه شيء، فعمدت فأدخلت إصبعها في فيها، ثم مسحت بإصبعها التراب، قالت: فقلت: ما هكذا صنعت أوّل مرة، قالت: "أو ما علمت ما لقيت منه، لقيت منه كذا، لقيت منه كذا"3.
وعن أنس:4 "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الآية: {فَأَنْبَتْنا فِيهَا حَبّاً وعِنَباً وقَضْباً وزَيْتُوناً ونَخْلاً وحَدَائقَ غُلْباً وفَاكِهَةً وأَبّاً} [عبس: 27-31] ، فقال: "هذه5 الفاكهة والقضب، وهذه الأشياء قد عرفناها، فما الأب؟ ".
فوضع يده على رأسه، ثم قال6:"إن هذا لهو التكلّف7، يابن أم عمر، ما عليك أ، لا تدري ما الأب؟ "8. ظاهر هذا البحث يعطي الإعراض عن
1 مطموس في الأصل، سوى (تقو) .
2 مطموس في الأصل، سوى (بأصبعيـ) .
3 ابن الجوزي: مناقب ص 159.
4 ابن مالك.
5 مطموس في الأصل، سوى (هـ) .
6 مطموس في الأصل، سوى (قا) .
7 في الأصل: (الكلف) ، وهو تحريف.
8 الطبري: التفسير 15/59، وابن الجوزي: مناقب ص 159، ابن كثير: التفسير 8/348، وعزاه للطبري وقال:"إسناده صحيح"، ابن حجر: فتح الباري13/271، وعزاه لعبد بن حميد في التفسير. وأخرجه الحاكم بنحوه المستدرك 3/290، وصحّحه ووافقه الذهبي.
تفسير الغريب وليس المراد به ذلك.
قال أبو بكر بن مِقسم1: "ما عرف عمر عين الأب من النبت، لأنه ليس من لغته، وليس بالناس إلى البحث عنه حاجة، فجعل ذلك مثلاًيعمل2 عليه، خوفاً مما نظرت فيه الخوارج وأهل البدع"3.
وعن عبد الرحمن الأشعري4: أنه خرج إلى عمر رضي الله عنه فنزل عليه، وكان لعمر ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبناً، فأنكره، فقال:"ويحك من أين هذا اللبن؟ "، قال:"يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشرب لبنها، فحلبت لك ناقة من مال الله"، فقال له عمر "ويحك سقيتني ناراً ادع لي عليّ بن أبي طالب"، فدعاه، فقال:"إن هذا عمد إلى ناقة من مال الله فسقاني لبنها أفتحله لي؟ "، قال:"نعم. يا أمير المؤمنين، هو حلال5 لك ولحمها"6.
1 العلامة المقرئ محمّد بن الحسن بن مقسم البغداديّ العطار، ثقة من أحفظ الناس لنحو الكوفيين، وأعرفهم بالقراءات، صنف في التفسير والمعاني كتاب:(الأنوار في علم القرون) ، وكتاب الوقف والابتداء) ، وغيرهما، توفي سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. (تاريخ بغداد 2/206، سير أعلام النبلاء (16/105، غاية النهاية في طبقات القراء 2/142) .
2 مطموس في الأصل، سوى (يعمـ) .
3 ابن الجوزي: مناقب ص 160.
4 عبد الرحمن بن غنم الأشعري، مختلف في صحبته، توفي سنة ثمان وسبعين. (التقريب ص 348) .
5 مطموس في الأصل، سوى (حلا) .
6 ابن شبه: تاريخ المدينة 2/703، وابن الجوزي: مناقب ص 160، والخبر أخرجه ابن شبه عن ابن لهيعة من رواية وهب، فهو حسن، قال الحافظ:"صدوق خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما". (التقريب ص 319) .
وفي (الموطّأ) : عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "مُرَّ على عمر بن الخطاب1 رضي الله عنه بغنم من الصدقة فرأى فيها شاة حافلاً ذات ضرع عظيم، فقال عمر: "ما هذه الشاة؟ "، فقالوا: "شاة من الصدقة"، فقال عمر: "ما أعطي هذه أهلها وهم طائعون لا تفتنوا الناس، لا تأخذوا حزراتِ2 المسلمين، نكّبوا عن الطّعام"34.
وفيه عن زيد بن أسلم رضي الله عنه / [89 / أ] أنه قال: "شرب عمر بن الخطاب لبناً فأعجبه، فسأل الذي سقاه: من أين لك هذا اللبن؟ "، فأخبره أنه ورد على ماء سماه، فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون، فحلبوا لي من ألبانها، فجعلته في سقائي هذا، فأدخل عمر إصبعه فاستقاءه"5.
وفيه عن سليمان بن يسار6: أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: "خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة"، فأبى ثم كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأبى، ثم كلّموه أيضاً فكتب إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فكتب إليه عمر: "إن أحبّوا فخذها منهم وارددها عليهم
1 مطموس في الأصل، سوى (الخطأ) .
2 الحَزْرةُ: ما حزر بأيدي القوم من خيار أموالهم. (لسان العرب 4/186) .
3 نكّبوا عن الطعام: أي: أعرضوا عن الأكولة وذوات اللبن ولا تأخذوها في الزكاة ودعوها لأهلها. (لسان العرب 1/770، 771) .
4 مالك: الموطّأ ص 133، (رواية يحيى بن يحيى) ، بلاغاً، والبيهقي: السنن: 4/158، وإسناده صحيح.
5 مالك: الموطّأ ص 134، (رواية يحيى بن يحيى) بلاغاً، والبيهقي: السنن: 7/14، من طريق مالك، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/665، وعزاه لمالك والبيهقي.
6 الهلالي، مولى ميمونة، ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة. توفي بعد المئة. (التقريب ص255) .
وارزُق رقيقهم"1.
قال مالك - رحمه الله تعالى -: "ومعنى قوله عمر بن الخطّاب رضي الله عنه اردُدها عليهم؛ أي: ارددها على فُقَرائهم".
وفيه عن أنس2 عن رجل من أهل الكوفة: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كتب إلى عامل جيش كان بعثه: إنه بلغني أن رجالاً منكم يطلبون العلج حتى إذا اشتدّ في الجبل وامتنع، قال الرجل: مَتْرَس، يقول:"لا تخف"3، فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحداً فعل ذلك إلا ضربت عنقه".
قال مالك: "وليس الحديث بالمجمع عليه"4.
وفي حديث عفان بن مسلم الصّفّار5، عن عبد الله بن عمر أنه ارتجع أنقاضاً6 عجافاً فبعث بها إلى الحِمى، فقدمت تطير ويومها ترغي7 تكاد تئطط8 من السمن إذ سمعه عمر، فجاء إلى السوق، فنادى من أقصى السوق:
1 مالك: الموطّأ ص 139، (رواية يحيى بن يحيى) ومن طريقه البيهقي: السنن: 4/118، عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار، وهو منقطع، سليمان بن يسار لم يدرك عمر.
2 هكذا في الأصل، وفي الموطّأ رواية يحيى:(عن مالك عن رجل)، وفي رواية أبي مصعب: حدّثنا مالك بن أنس عن رجل) .
3 في القاموس ص 688: "المَتْرس: فارسيه، أي: لا تخف معها".
4 مالك: الموطّا (رواية أبي مصعب) 1/358، وهو ضعيف لجهالة أحد رجال الإسناد، والخبر سبق بنحوه من رواية عبد الرحمن بن أبي عطية ص 484.
5 الباهلي، البصري، ثقة ثبت، توفي بعد تسع عشرة ومئتين بيسير من كبار العاشرة. (التقريب ص 393) .
6 النقض: المهزول من الإبل والخيل. (لسان العرب 7/234) .
7 إبل مراغي: لألبانها رغوة كثيرة. (القاموس ص 1663) .
8 الأطيط: صوت الرحل والإبل من ثقل أحمالهما. (لسان العرب 7/256) .
"يا عبد الله بن عمر لم ارتجعت أنقاضك هذه؟ "، قلت: يا أمير المؤمنين تبعي استردته، قال لي:"ألك حميت الحمى؟ "، إنما حميته لإبل الصدقة والضّعيف، أقسم بالله لتخبرني بأثمانها وإلا خلطتها1 في مال الله كلها". فعلمت أنه سوف يفعل، فأخبرته، بأثمانها، فقال: "اذهب إلى مال لله فخذ الذي لك"، قال: فأخذته، فتعلق يحمل عليها ابن السبيل، ويعطيها من يراه لذلك أهلاً حتى فرغ منها"2.
وفي موعظة الأوزاعي3: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان على من كان الحقّ من قريب أو بعيد فلا تمهلي طرفة عين"4.
1 في الأصل: (خلطها) ، وهو تحريف.
2 لم أجده فيما تبقى من أحاديث عفان، والخبر مضى بنحوه ص 719.
3 عبد الرحمن بن عمرو.
4 أبو نعيم: الحلية 6/140، بلاغاً، والخبر بنحوه في ابن سعد: الطبقات 3/290، عن يحيى بن سعيد وإسناده صحيح إلى يحيى. وأورده والمتقي الهندي: كنْز العمال 15/808، وعزاه لابن سعد.