المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الحادي والستون: كراماته - محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - جـ ٢

[ابن المبرد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الحادي والأربعون: غزواته مع الرسول وإنفاذه إياه في سرية

- ‌الباب الثاني والأربعون: غزواته بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وفتوحه

- ‌الباب الثالث والأربعون: حجاته

- ‌الباب الرابع والأربعون: تركه السواد غير مقسوم ووضعه الخراج

- ‌الباب الخامس والأربعون: عدله ورئاسته

- ‌الباب السادس والأربعون: قوله وفعله في بيت المال

- ‌الباب السابع والأربعون: حذره من المظالم وخروجه منها

- ‌الباب الثامن والأربعون: ملاحظته لعماله ووصيته إياهم

- ‌الباب التاسع والأربعون: حذره من الإبتداع وتحذيره منه

- ‌الباب الخمسون: جمعه القرآن في المصحف

- ‌الباب الحادي والخمسون: مكاتباته

- ‌الباب الثاني والخمسون: زهده

- ‌الباب الثالث والخمسون: تواضعه

- ‌الباب الرابع والخمسون: حلمه

- ‌الباب الخامس والخمسون: ورعه

- ‌الباب السادس والخمسون: بكائه

- ‌الباب السابع والخمسون: خوفه من الله عز وجل

- ‌الباب الثامن والخمسون: تعبده واجتهاده

- ‌الباب التاسع والخمسون: كتمانه التعبد وستره إياه

- ‌الباب الستون: دعاؤه ومناجاته

- ‌الباب الحادي والستون: كراماته

- ‌الباب الثاني والستون: تزويج النبي بحفصة وفضلها

- ‌الباب الثالث والستون: نبذ من مسانيده

- ‌الباب الرابع والستون: كلامه في الزهد والرقائق

- ‌الباب الخامس والستون: ماتمثل به من الشعر

- ‌الباب السادس والستون: فنون أخباره

- ‌الباب السابع والستون: كلامه في الفنون

الفصل: ‌الباب الحادي والستون: كراماته

‌الباب الحادي والستون: كراماته

الباب الحادي والستون: في ذكر كراماته

ذكر ابن الجوزي عن [زيد بن] 1 أسلم ويعقوب بن زيد2، قالا:"خرج عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يوم الجمعة إلى الصلاة، فصَعِد المنبر ثم صاح: يا سارية بن زنيم الجبلَ، ظلم من استرعى الذّئبَ الغنم، قال: ثم خطب حتى فرغ؛ فجاء كتابُ سارية بن زنيم إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: إن الله عزوجل فتح علينا يوم الجمعة الساعةَ كذا وكذا، لِتلك الساعةِ التي خرج فيها عمر فتكلم على المنبر، قال سارية: "فسمعت صوتاً: يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذّئبَ الغنم، فعلوتُ بأصحابي الجبل، ونحن قبل ذلك في بطنِ وادٍ، ونحن محاصَرو العدوّ، ففتح الله علينا". فقيل لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه:"ما ذاك الكلام؟ "، فقال:"والله ما ألقيت له بالاً، شيء أتي به على لساني"3.

وعن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر: "يا سارية بن زنيم الجبل، فلم يدر الناس ما يقول، حتى قدم سارية المدينة على عمر رضي الله عنه فقال: "يا أمير المؤمنين، كنا محاصري العدوّ وكنّا نقيم الأيام لا يخرج علينا منهم أحد نحن في خفض من الأرض،

1 سقط من الأصل.

2 التيمي، المدني، قاضي المدينة، صدوق، من الخامسة. (التقريب ص 608) .

3 ابن الجوزي: مناقب ص 172، ابن كثير: التاريخ 4/135، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/581، وعزاه لابن سعد. والخبر ضعيف لانقطاعه بين زيد بن أسلم ويعقوب بن زيد، وبين عمر بن الخطاب، وهو من طريق الواقدي. قال ابن كثير بعد إيراده هذا الخبر من عدة طرق:"فهذه طرق يشد بعضها بعضاً".

ص: 643

وهم في حصن عال فسمعت صائحاً ينادي بكذا وكذا، يا سارية بن زنيم الجبل، فعلوت بأصحابي الجبل فما كان إلا ساعة حتى فتح الله علينا"1.

وعن نافع مولى ابن عمر أن عمر رضي الله عنه خطب يوماً بالمدينة، فقال:"يا سارية بن زنيم الجبل، من استرعى الذّئب فقد ظلم"، قال: قيل له: "تذكر سارية، وسارية بالعراق؟ "، فقال الناس لعليّ رضي الله عنه:"أما سمعت عمر يقول: يا سارية، وهو يخطب على المنبر"، فقال:"ويحكم دعوا عمر فإنه ما دخل في شيء إلا خرج منه". فلم يلبث [إلا] 2 يسيراً حتى قدمسارية فقال: "سمعت صوت عمر رضي الله عنه فصعدت الجبل"3.

وعن قيس بن الحجاج4 قال: "لما فتحت مصر، أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤنة من أشهر العجم، فقالوا: "أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سُنَّة لا يجري إلا بها، فقال لهم:"وما ذاك؟ "، قالوا له: "إذا كانت اثنتا

1 ابن الجوزي: مناقب ص 172، وهو منقطع بين نافع وعمر. وعبد الله بن أحمد في زوائده على فضائل الصحابة 1/269، عن نافع عن ابن عمر. وإسناده حسن في إسناده محمّد بن عجلان وهو صدوق. (التقريب رقم: 6136) . وأبو نعيم: دلائل النبوة ص 579، اللالكائي: أصول اعتقاد أهل السنة 4/330، ابن تيمية: الفرقان ص 74، قال ابن كثير عقب إيراده الخبر:"وهذا إسناد جيد حسن". (تاريخ ابن كثير 4/135)، وابن حجر: الإصابة 3/53، وقال:"إسناده حسن". والسخاوي: المقاصد الحسنة ص 474، وقال:"إسناده حسن كما ذكر شيخنا"، وابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة ص 101 وحسّن إسناده.

2 سقط من الأصل.

3 ابن الجوزي: مناقب ص 173، بدون إسناد. قال ابن كثير:"رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر، وفي صحته من حديث مالك نظر". (تاريخ ابن كثير 4/135) . قال محقّق السنة للالكائي: "قلت: لم يورد اللالكائي عن مالك في كتابه هذا ولعلّ ذلك وهم من ابن كثير إلا إذا أراد كتاباً آخر". (السنة 4/1330، حاشية رقم: 1) .

4 الكلاعي، صدوق، توفي سنة تسع وعشرين ومئة. (التقريب ص 456) .

ص: 644

عشرة ليلة تخلوا من هذا الشهر عمَدْنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثّياب، أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النّيل".

فقال لهم عمرو: "إن هذا شيء لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدِمُ ما كان قبله، فأقاموا بؤنة1، وأبيب، ومسرى، لا يجري قليلاً ولا كثيراً / [94 / ب] حتى همّوا بالجلاء منها، فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه فكتب إليه عمر رضي الله عنه: "إنك قد أصبتَ بالذي فعلت، إن الإسلامَ يهدم ما كان قبله". وكتب بطاقة داخل كتابه، وكتب إلى عمرو: وإني قد بعثت إليك بطاقة في داخل كتابي إليك فألقها في النيل إذا وصل كتابي إليك، فلما قدم كتاب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة فإذا فيها مكتوب:

"من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قِبَلِك فلا تجرِ، وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهّار أن يجريك".

فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيومٍ، وقد تهيّأ أهلُ مصر للجلاء والخروج؛ لأنهم لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب قد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، فقطع الله تلك السنة السوء عن أهل مصر إلى اليوم"2.

1 بؤنة: حزيران. وأبيب: تموز ومسرى: آب. (انظر: مروج الذهب للمسعودي1/349) .

2 ابن عبد الحكم: فتوح مصر ص 150، 151، أبو الشيخ: العظمة 4/1424، 1425، وابن كثير: البداية والنهاية 4/102، كلهم عن ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدّثه، وإسناده ضعيف، ابن لهيعة ضعيف، وأيضاً فيه راوٍ مبهم، وأورده ياقوت الحموي: معجم البلدان 5/335، ابن الجوزي: مناقب ص 173، 174، السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 127، والمتقي الهندي: كنْز العمال12/560، وعزاه لابن عبد الحكم، والعظمة وابن عساكر.

ص: 645

وعن خوَات بن جبير1 قال: "أصاب الناس قحط شديد على عهد عمر رضي الله عنه فخرج بالناس فصلى بهم ركعتين، وخالف بين طرفي ردائه، فجعل اليمين على اليسار، واليسار على اليمين، ثم بسط يده فقال: "اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك"، فما برح مكانه حتى مطر، فبينما هم كذلك إذا أعرابٌ قد قدموا على عمر رضي الله عنه فقالوا: "يا أمير المؤمنين بينما نحن بوادينا في يوم كذا في ساعة كذا، إذ أَظَلَّنا غمامٌ فسمعنا فيه صوتاً: أتاك الغوث أبا حفصٍ، أتاك الغوثُ أبا حفصٍ"2.

وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه بعث جيشاً، وأمّر عليهم رجلاً يدعى:"سارية"، قال: فبينا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يخطب الناس يوماً جعل يصيح وهو على المنبر: "يا ساري الجبل، يا ساري الجبل"، قال: فقدم رسول الجيش فسأله، فقال:"يا أمير المؤمنين لقينا عدوّنا فإذا بصائح يصيح: يا ساري الجبل، يا ساري الجبل، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله"، فقيل لعمر:"إنك تصيح بذلك"3.

وفي رواية أبي بلج4، قال: "بينما عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قاعد

1 الأنصاري، صحابي، قيل: إنّه شهد بدراً. توفي سنة أربعين أو بعدها (التّقريب ص196.

2 وابن عساكر: تاريخ دمشق جـ13/ق129، وإسناده ضعيف، فيه عطاء بن مسلم، صدوق يخطئ كثيراً. (التقريب رقم: 4599) ، وأيضاً منقطع يبن العمري وخوات بن جبير. ابن الجوزي: مناقب ص174، والمتقي الهندي: كنْز العمال 8/432) .

3 أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 177، وقد تقدم تخريجه ص 608.

4 في أصول اعتقاد أهل السنة: (عن أبي بلج بن عليّ بن عبد الله) ، ولم أجد شخصاً بهذا الاسم والكنية، وفي التقريب ص 625:"أبو بلج يحيى بن سليم القزاري، صدوق ربما أخطأ من الخامسة".

ص: 646

على المنبر يوم جمعة يخطب الناس، فبينا هو في خطبته قال بأعلى صوته:"يا ساري الجبل، يا ساري الجبل، ثم أخذ في خطبته، فأنكر الناس ذلك منه، فلما نزل وصلى قيل له: "يا أمير المؤمنين قد صنعت اليوم شيئاً ما كنا نعرفه"، قال: "وما ذاك؟ "، قيل: "قلت كذا وكذا"، وذكروا ما نادى به، فقال: "ما كان شيء من هذا"، قالوا: "بلى والله لقد كان ذلك يا أمير المؤمنين". قال: "فأثبتوا من هذا اليوم من هذا الشهر، ثم ابصروا"، وكان بعث سارية في بعث فظفر العدوّ فلجؤوا إلى الجبل، فقال سارية لما انصرف: "بينا نحن نقاتل العدوّ إذ سمعنا صوتاً لا ندري ما هو: "يا ساري الجبل ثلاثاً، فدفع الله عزوجل عنا به، فنظروا في ذلك اليوم فإذا هو اليوم قال فيه عمر ما قال"1.

وقال يحيى بن أيوب2: "كان بالمدينة فتى3 يعجب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فانصرف ليلة من صلاة العشاء فتمثلت له امرأة بين يديه فعرضت له نفسها ففتن بها ومضت، فأتبعها حتى وقف على بابها فأبصر وجُلّي عن قلبه وحضرته هذه الآية:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقُوا إِذَا مَسَّهُم طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذّكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون} [الأعراف: 201] فخرّ مغشياً عليه فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت، فلم تزل هي وجارية لها يتعاونان حتى ألقياه على باب داره، فخرج أبوه فرآه ملقى على باب الدار لما به، فحمله وأدخله فأفاق،

1 اللالكائي: أصول اعتقاد أهل السنة 4/1330، وفي إسناده عليّ بن عبد الله، لم أجد له ترجمة. أبو القاسم الأصفهاني: سير السلف ص 178، والمتقي الهندي: كنْز العمال 12/573.

2 لم يتميز عندي.

3 مطموس في الأصل، سوى (تى) .

ص: 647

فسأله: ما أصابك يا بني؟، فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره، فلما تلا الآية شهق شهقة فخرجت نفسه، فبلغ عمر قصته، فقال:"ألا آذنتموني بموته، فذهب حتى وقف على قبره، فنادى: يا فلان: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ، فسمع صوتاً من داخل القبر: قد أعطاني ربِّي يا عمر"1.

فصل: كرامات الأولياء حقّ وأدناها الفراسة

فإن منهم من يسير البعيد في المدّة القريبة، وفي الأثر:"الدنيا خطوة مؤمن"2.

وفي الصحيح: "إن من عباد3 الله من لو أقسم على الله لأبره"4.

ومن ذلك / [95 / ب] 5: برء الأسقام عند لمسه كما وجد ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن6، وكما تفل في عيني عليّ فبرأتا7.

1 لم أجده في المصادر الأخرى.

2 ابن تيمية: الفتاوى18/123وقال: "هذا لا يعرف عن النبيصلى الله عليه وسلمولا عن غيره من سلف الأمة ولا أئمتها". وابن عراق: تنزيه الشريعة2/402وقال ابن تيمية: "موضوع".

3 في الأصل: (عباده) ، وهو تحريف.

4 البخاري: الصحيح، كتاب الصلح 2/962، رقم: 2556، ومسلم: الصّحيح، كتاب القسامة 3/1302، رقم:1675.

5 هذه الورقة وردت في مكانها الصحيح، وقد أوردت الترتيب الصحيح كما بدا لي.

6 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/ 1482 رقم 3813، ابن هشام: السيرة 3/ 81 وإسناده صحيح، 3/ 119 مرسل عاصم بن عمر بن قتادة ولم تثبت من طريق صحيحة.

7 البخاري: الصحيح، كتاب الجهاد 3/1077، رقم: 2783، ومسلم: الصّحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1872، رقم:2406.

ص: 648

ومن ذلك: زيادة الأشياء بدعائه، كزيادة تمر جابر عند دعاء النبي صلى الله عليه وسلم1، وبركة الطعام عند أكله2، ونحو ذلك3.

والأولياء يكرهون إظهار ذلك عنهم واشتهاره، فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم كان يظهر ذلك ويفعله المرة بعد المرة في مشاهد الناس.

قيل: النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الناس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم المقصود منه الإظهار ليتبعه الناس، ويصدقوه ويعلمون صدق قوله، وهي آيات له تدل على نبوّته وصدق قوله، وهو مأمور بإظهار آياته كما هو مأمور بإظهار دينه، فإنها من جملة دليله، وهو مأمور بإقامة الدليل.

وأما غيره، فإنه ينبغي له الإخفاء والتستّر حتى لا يعلم الناس به، فإنه ربما حصل له نوع مدح وشهرة ورياء، والله يكره ذلك للآدمي، ولهذا لم يرد عن الصحابة كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ وغيرهم، فعل ذلك بمشهد الناس، وإن وقع منهم خفية4.

فإن قيل: فعمر قد قال على المنبر: "يا ساري الجبل".

1 البخاري: الصحيح، كتاب البيوع 2/748، رقم: 2020، 2266.

2 البخاري: الصحيح، كتاب المغازي 4/1505، رقم: 3876، ومسلم: الصّحيح، كتاب الأشربة 4/1610، رقم: 2039، 2040.

3 الصّحيح أن ما كان في حقّ الرسول صلى الله عليه وسلم يسمى آية، أو معجزة، قال شيخ الإسلام:"وإن كان اسم المعجزة يعم كلّ خارق للعادة في اللغة، وعرف الأئمة المتقدمين كالإمام أحمد بن حبل وغيره، يسمّونها: الآيات. لكن كثيراً من المتأخرين يفرق في اللفظ بينهما، فيجعل المعجزة للنبي، والكرامة للولي، وجماعها الأمر الخارق للعادة". (مجموع فتاوى ابن تيمية 11/311) .

4 الكرامة تقع من أولياء الله بمحضر من الناس كما وقع من أبي بكر وعمر وخبيب والبراء بن مالك وغيرهم، وتقع لإعزاز الدين أو لحاجة المسلمين، وقد تقع سراً. قال شيخ الإسلام:"وخيار أولياء الله كراماتهم الحجة في الدين أو الحاجة بالمسلمين كما كانت معجزات نبيّهم صلى الله عليه وسلم كذلك". وقد ذكر شيخ الإسلام أكثر من ثلاث وعشرين كرامة وقعت لبعض الصحابة والتابعين. (مجموع الفتاوى 11/274، 277)، وانظر عن الكرامات: ابن سيد الناس: المقامات العلية في الكرامات الجلية.

ص: 649

قيل: الجواب عن ذلك من أوجه:

الأوّل: كأنه وقع منه فلتة ثم أنكره، فلهذا قال بعد ذلك:"لم أقل شيئاً".

والثّاني: فعله للحاجة إليه؛ لأنه لو لم يقل ولو لم يوجد منه ربما حصل لأصحابه هلاك.

والثّالث: أنه أُجْرِي على لسانه من غير إشعار بذلك وبحضور جماعة؛ لأنه لما حصلت له المشاهدة لأصحابه أولئك اشتغل قلبه بهم، فلما اشتغل قلبه بهم لهي عمن هو فيهم، ولم يدر أنه فيهم فخاطب أولئك يظنه معهم.

وقد صار في زماننا هذا من الزنادقة ونحوهم من يظهر ما لا يدخل على الدين، بل يدل على الفساد، ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون1. كما يفعل طائفة من الصوفية2 من دخول النار ونحو ذلك3، وأخبرني شخص عن رجل منهم أنه يدعو الطير فيأتي إليه، ويدعو الوحوش فتأتي إليه فيظهر ذلك ويقول لهم: "انظروا"، ويفعل أشياء من هذا القبيل فكنت قلت له: "ما أظن هذا على خير4، فبعد

1 في الأصل: (الكاذبون) ، وهو تحريف.

2 في الأصل: (الصوفة) ، وهو تحريف.

3 انظر: تيمية: مجموع الفتاوى 11/465.

4 قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 11/466: "قال يونس بن عبد الأعلى للشافعي: "أتدري ما قال صاحبنا" - يعني: الليث بن سعد؟ - قال: "لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء فلا تغتر به". فقال الشافعي: "لقد قصر الليث، لو رأيت صاحب هوى يطير في الهواء فلا تغتر به".

ص: 650

مدة أخبرني أنه أراد أن يلوط بغلام وأنه سقط من أعين الناس، ولم يصدقوه بعد ذلك. والله الموفق. / [96 / أ]1.

1 هذه الورقة وردت في مكانها الصحيح، وقد أوردت الترتيب الصحيح كما بدا لي لاتصال الكلام.

ص: 651