الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكريم.
[بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ والمنسوخ في شريعة النبي نفسه]
وفيما يلي إيراد أمثلة أخرى على وجود الحكم الناسخ والمنسوخ في شريعة النبي نفسه، أي في الشريعة الواحدة، وبعض هذه الأمثلة يكون إيرادها من قبيل الإلزام أيضا:
نسخ الأمر بالذبح:
ورد في سفر التكوين 22 / 1 -14 أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده إسحاق عليه السلام (والصواب أنه إسماعيل عليه السلام ، فلما استجابا للأمر نسخ الله تعالى هذا الحكم قبل العمل به، وفدى الذبيح بكبش من السماء.
أمر حزقيال ثم نسخ الأمر قبل العمل به:
ففي سفر حزقيال 4 / 10 و12 و14 و15: (10) وطعامك الذي تأكله يكون بالوزن. كل يوم عشرين شاقلا. من وقت إلى وقت تأكله (12) وتأكل كعكا من الشعير. على الخرء الذي يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم (14) فقلت آه يا سيد الرب ها نفسي لم تتنجس ومن صباي إلى الآن لم آكل ميتة أو فريسة ولا دخل فمي لحم نجس (15) فقال لي انظر. قد جعلت لك خثي البقر بدل خرء الإنسان فتصنع خبزك عليه) .
يظهر من هذا النص أن الله تعالى أمر حزقيال أن يكون الخبز مخبوزا على رجيع الناس، فلما استغاث حزقيال عليه السلام نسخ الله تعالى هذا الحكم قبل العمل به، وأمر أن يكون الخبز مخبوزا على زبل البقر.
نسخ الأمر بالذبح في المذبح المخصص:
ورد في سفر الأحبار (اللاويين) 17 / 1 -6 أن الله تعالى أمر موسى وبني إسرائيل أن تذبح الذبائح التي تكون من البقر أو الغنم أو المعز في المذبح المخصص لذلك القريب من خيمة الاجتماع - وتسمى (قبة الزمان)(قبة العهد)(قبة الشهادة) - لتكون الذبائح قربانا للرب، والإنسان الذي يذبح خارج المذبح المخصص يهلك من شعبه، أي يقتل.
ثم نسخ هذا الحكم بما في سفر التثنية 12 / 15 -22، وصار يجوز لهم الذبح في كل مكان وعدم الاقتصار على المذبح المخصص، قال هورن في تفسيره بعد أن نقل الفقرات المشار إليها من سفر الأحبار وسفر التثنية: في هذين الموضعين تناقض في الظاهر، لكن إذا لوحظ أن الشريعة الموسوية كانت تزاد وتنقص على وفق حال بني إسرائيل، وكانت قابلة للتبديل، فالتوجيه في غاية السهولة، فقد نسيخ موسى في السنة الأربعين من التيه قبل دخولهم فلسطين حكم سفر الأحبار بحكم سفر التثنية نسخا صريحا، فيجوز لهم بعد دخول فلسطين أن يذبحوا البقر والغنم والمعز في أي موضع شاؤوا ويأكلوا.
فاعترف بوقوع النسخ في شريعة موسى، وأنها كانت تزاد وتنقص على وفق حال بني إسرائيل، فالعجب أن أهل الكتاب يعترضون على وقوع النسخ والزيادة والنقصان في شريعة أخرى، ويقولون: إن النسخ مستلزم لجهل الله، ولكن هذا المحذور لا يلزم من النسخ الذي يقول به المسلمون، والذي هو حق لله وحده، وإنما يلزم من عقيدة البداء التي يصرحون بها في كتبهم، وصرح بها بولس في رسائله أيضا.
الحكم في عمر اللاوي (الحبر) المخصص للخدمة:
ورد في سفر العدد 4 / 3 و23و30و35و39و43و46 أن الحبر اللاوي المخصص للخدمة في خيمة الاجتماع لا يكون عمره أنقص من ثلاثين سنة ولا يزيد عن خمسين: (من ابن ثلاثين سنة فصاعدا إلى ابن خمسين سنة) .
ورد في سفر العدد 8 / 24 و 25 أن عمر الحبر اللاوي المخصص للخدمة لا يكون أنقص من خمس وعشرين سنة ولا يزيد عن خمسين: (هذا ما للاويين من ابن خمس وعشرين سنة فصاعدا) .
فإما أن يكون هذا الفرق من التناقض والاختلاف الواقع بالتحريف، وإما أن يكون هذا الحكم الثاني ناسخا للأول. فيجب الإقرار بأحد الأمرين.
الزيادة في عمر حزقيا:
ورد في سفر الملوك الثاني 20 / 1 -6 أن الله تعالى أمر النبي إشعياء بن آموص أن يذهب إلى حزقيا ملك مملكة يهوذا فيخبره بانتهاء أجله لكي يوصي على بيته، فأقبل الملك حزقيا بوجهه إلى الحائط وصلى وبكى بكاء عظيما، فلما خرج النبي إشعياء نسخ الله تعالى هذا الحكم بعد تبليغه، وأوحى إليه قبل أن يصل إلى وسط الدار أن يرجع إلى حزقيا ويقول له: إن الله قد سمع صلاتك، ورأى دموعك، وشفاك، وزاد في عمرك خمس عشرة سنة.
فالحكم المنسوخ والناسخ بلغا بواسطة النبي إشعياء بوحي الله إليه.
الرسالة العيسوية بين الخصوص والعموم:
ورد في إنجيل متى 10 / 5 -6: (5) هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: إلى طريق أمم لا تمضوا إلى مدينة للسامريين لا تدخلوا (6) بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) .
وفي إنجيل متى 15: (فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) .
ففي هذين النصين خصص عيسى عليه السلام رسالته ببني إسرائيل.
وورد في إنجيل مرقس 16 / 15 أن عيسى عليه السلام قال للحواريين: (اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها) .
ويزعم النصارى أن هذا النص دال على عموم الرسالة، فيكون هذا النص ناسخا للخصوصية، وصار الحكم الأول منسوخا. أي إن المسيح أولا خصص رسالته ببني إسرائيل فقط، ثم نسخ التخصيص وأمر بدعوة العالم أجمع، فإن أقروا بالنسخ حصل ما أردنا من إمكانية وقوع النسخ في كتبهم وأن كتبهم غير ممنوعة من النسخ، بل هو واقع فيها أيضا، وإن لم يقروا بالنسخ حصل ما أردنا من وجود التناقض والتحريف في أناجيلهم، والصواب أن عبارة إنجيل مرقس لم يقلها المسيح عليه السلام.
وفي هذه الأمثلة كفاية، ولم يبق شك في وقوع النسخ بكلا قسميه في كتب أهل الكتاب، وظهر أن ما يدعونه من امتناع وقوع النسخ في كتبهم باطل لا ريب فيه، ثم كيف يدعون هذه الدعوى والحال أن مصالح العباد تختلف باختلاف الزمان والمكان والمكلفين، فبعض الأحكام يكون مقدورا للمكلفين في بعض الأوقات ولا يكون مقدورا لهم في وقت آخر، وبعض الأحكام يكون مناسبا للعباد في زمان ولا يكون مناسبا لهم في زمان آخر، والعباد لا يعلمون مصلحتهم الحقيقية أين تقع، ولكن الله الذي خلقهم هو أعلم بها منهم، وبناء عليه فلا يجوز لأهل الكتاب بتأويلاتهم الفاسدة وظنونهم الكاذبة أن ينكروا وقوع النسخ من جانب الله العليم الخبير.