المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الثالث إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح] - مختصر إظهار الحق

[رحمت الله الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌[تمهيد]

- ‌[مقدمة في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها]

- ‌[الباب الأول بيان أسماء كتب العهد العتيق والجديد وإثبات تحريفها ونسخها]

- ‌[الفصل الأول بيان أسمائها وتعدادها]

- ‌[الفصل الثاني أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد]

- ‌[الادعاء بنسبة الكتب إلى اسم نبي أو حواري لا يعني إلهامية هذه الكتب ولا وجوب تسليمها]

- ‌[حال التوراة]

- ‌[حال كتاب يوشع بن نون]

- ‌[حال الأناجيل]

- ‌[الفصل الثالث بيان أن هذه الكتب مملوءة من الاختلافات والأغلاط والتحريف]

- ‌[القسم الأول بيان بعض الاختلافات]

- ‌[الاختلاف في أسماء أولاد بنيامين وعددهم]

- ‌[الاختلاف في عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا]

- ‌[الاختلاف في خبر جاد الرائي]

- ‌[الاختلاف في عمر الملك أخزيا عندما ملك]

- ‌[الاختلاف في عمر الملك يهوياكين عندما ملك]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين قتلهم أحد أبطال داود بالرمح دفعة واحدة]

- ‌[الاختلاف في عدد ما يؤخذ من الطير والبهائم في سفينة نوح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الأسرى الذين أسرهم داود عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين قتلهم داود عليه السلام من أرام]

- ‌[الاختلاف في عدد مذاود خيل سليمان عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في بيان نسب المسيح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين شفاهم المسيح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في العصا الواردة في وصية المسيح لتلاميذه الاثني عشر]

- ‌[الاختلاف في شهادة المسيح لنفسه]

- ‌[الاختلاف في حامل الصليب إلى مكان الصلب]

- ‌[هل المسيح صانع سلام أم ضده]

- ‌[القسم الثاني بيان بعض الأغلاط]

- ‌[الغلط في مدة إقامة بني إسرائيل في مصر]

- ‌[الغلط في عدد بني إسرائيل حينما خرجوا مع موسى من أرض مصر]

- ‌[الغلط الذي يلزم منه نفي نبوة داود عليه السلام]

- ‌[الغلط في عدد المضروبين من أهل بيتشمس]

- ‌[الغلط في ارتفاع الرواق الذي بناه سليمان عليه السلام]

- ‌[الغلط في عدد جيش أبيا ويربعام]

- ‌[الغلط بخصوص الأكل من الشجرة وبخصوص عمر الإنسان]

- ‌[الغلط في عدد الأجيال الواردة في نسب المسيح عليه السلام]

- ‌[الغلط في جعل رفقاء لداود عند رئيس الكهنة]

- ‌[الغلط في كتابة أحداث لم تقع عند حادثة الصلب]

- ‌[الغلط في اسم والد شالح]

- ‌[القسم الثالث إثبات التحريف اللفظي بالتبديل وبالزيادة وبالنقصان]

- ‌[التحريف في مدة أعمار الأكابر قبل الطوفان]

- ‌[التحريف في مدة أعمار الأكابر بعد الطوفان]

- ‌[التحريف في اسم الجبل المخصص لنصب الحجارة]

- ‌[التحريف في اسم المملكة]

- ‌[التحير بين النفي والإثبات]

- ‌[الدليل على أن التوراة الحالية مكتوبة بعد موسى عليه السلام]

- ‌[التحريف بزيادة عبارة إلى هذا اليوم]

- ‌[التحريف بإضافة مقدمات لبعض الأبواب]

- ‌[التحريف للانتصار لعقيدة التثليث]

- ‌[التحريف لإظهار أن عيسى ابن الله]

- ‌[التحريف في حادثة زنا رأوبين بسرية أبيه]

- ‌[التحريف في حادثة سرقة الصواع]

- ‌[التحريف بإسقاط اسم مريم ابنة عمران أخت موسى]

- ‌[التحريف في الزبور إما بالزيادة وإما بالنقصان]

- ‌[التحريف في إنجيل لوقا بالنقصان]

- ‌[التحريف لعناد اليهود والنصارى بعضهم بعضا]

- ‌[مغالطات نصرانية والرد عليها]

- ‌[الأولى زعمهم أن المسلمين فقط هم الذين يدعون أن كتب العهدين محرفة]

- ‌[الثانية زعمهم أن المسيح عليه السلام شهد بحقية كتب العهد العتيق]

- ‌[الثالثة زعمهم أن وقوع التحريف مستبعد لأن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقا وغربا]

- ‌[الفصل الرابع إثبات وقوع النسخ في كتب العهدين]

- ‌[بيان معنى النسخ]

- ‌[كذب بعض القصص الموجودة في كتب العهدين القديم والجديد]

- ‌[بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ في شريعة نبي سابق]

- ‌[بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ والمنسوخ في شريعة النبي نفسه]

- ‌[الباب الثاني إبطال التثليث]

- ‌[مقدمة في بيان أمور تفيد الناظر بصيرة في الفصول]

- ‌[الفصل الأول إبطال التثليث بالبرهان العقلي]

- ‌[الفصل الثاني إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام]

- ‌[الفصل الثالث إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح]

- ‌[الباب الثالث إثبات كون القرآن الكريم كلام الله ومعجزا ورفع شبهات القسيسين على القرآن والأحاديث]

- ‌[الفصل الأول الأمور التي تدل على أن القرآن الكريم كلام الله تعالى ورفع شبهات القسيسين على القرآن الكريم]

- ‌[الفصل الثاني دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث النبوية الشريفة]

- ‌[الشبهة الأولى زعمهم أن رواة الأحاديث هم أزواج محمد وأقرباؤه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه]

- ‌[الشبهة الثانية زعمهم أن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الرسول]

- ‌[الباب الرابع إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المسلك الأول ظهور المعجزات الكثيرة على يده عليه السلام]

- ‌[النوع الأول بيان إخباره عن المغيبات الماضية والمستقبلة]

- ‌[النوع الثاني الأفعال التي ظهرت منه صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة]

- ‌[المسلك الثاني وجود المحاسن والأخلاق العظيمة في ذاته مما يجزم العقل بأنها لا تجتمع في غير نبي]

- ‌[المسلك الثالث الكمال والشمول في شريعته عليه السلام يدل على أن المبعوث بها نبي مرسل من الله تعالى]

- ‌[المسلك الرابع القرآن الكريم وانتصار النبي على الكافرين لا يكون إلا بعون إلهي]

- ‌[المسلك الخامس حاجة العالم في هذا التوقيت لبعثة النبي ليزيل ظلمة الشرك ولتشرق شموس التوحيد على الأرض]

- ‌[المسلك السادس البشارات المحمدية في الكتب السماوية السابقة]

- ‌[التنبيه إلى بعض الأمور]

- ‌[البشارة الأولى في سفر التثنية أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك]

- ‌[البشارة الثانية في سفر التثنية وهذه هي البركة التي بارك بها موسى]

- ‌[البشارة الثالثة في سفر التكوين ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا]

- ‌[البشارة الرابعة في سفر التثنية فأنا أغيرهم بما ليس شعبا بأمة غبية أغيظهم]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[الفصل الثالث إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح]

[الفصل الثالث إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح]

الفصل الثالث

إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح يستدل النصارى على ألوهية المسيح ببعض النقول الواردة في الأناجيل (ومعظمها في إنجيل يوحنا)، وفيما يلي إيراد أدلتهم وإبطال استدلالهم بها:

دليلهم الأول: إطلاق لفظ (ابن الله) على المسيح عليه السلام.

وهذا الدليل باطل لوجهين:

أولهما: أن إطلاق لفظ ابن الله على المسيح معارض بإطلاق لفظ ابن الإنسان عليه ولفظ ابن داود أيضا، انظر مثلا إطلاق لفظ ابن الإنسان في إنجيل متى 8، و9 / 6، و16 / 13 و27، و17 / 9 و12و22، و18 / 11، و19 / 28، و20 / 18 و28، و24 / 27، و26 و45 و64.

وانظر مثلا إطلاق لفظ ابن داود في إنجيل متى 9 / 27، و12، و15 / 22، و20 و31، و21 / 9 و15، و22 / 42، وفي إنجيل مرقس 10 / 47 و48، وفي إنجيل لوقا 18 / 38 و39.

وكذلك سلسلة نسب المسيح التي تنسبه إلى داود عليه السلام، ثم إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام مذكورة في إنجيل متى 1 / 1 -17، وفي إنجيل لوقا 3 / 23 - 34، فإذا كان المسيح يرجع نسبه إلى الأنبياء المذكورين الذين هم من نسل الإنسان آدم عليه السلام فلا شك إذن في أنه ابن الإنسان، وظاهر أن ابن الإنسان لا يكون إلا إنسانا وليس ابن الله.

وثانيهما: أن لفظ الابن في قولهم (ابن الله) لا يصح أن يكون بمعناه

ص: 139

الحقيقي؛ لأن المعنى الحقيقي للفظ الابن باتفاق جميع لغات أهل العالم هو المتولد من نطفة الأبوين، وهو محال هاهنا، فلابد من الحمل على المعنى المجازي المناسب لشأن المسيح عليه السلام، أي بمعنى الإنسان الصالح البار.

والدليل على ذلك المعنى المجازي قول قائد المائة الوارد في إنجيلي مرقس ولوقا، ففي إنجيل مرقس 15 / 39:(قال حقا كان هذا الإنسان ابن الله)، وفي إنجيل لوقا 23 / 47:(فلما رأى قائد المائة ما كان مجد الله قائلا بالحقيقة كان هذا الإنسان بارا) .

فوقع لفظ البار عند لوقا مكان لفظ ابن الله عند مرقس، وبغض النظر عن أن هذا التناقض بين اللفظين هو بسبب التحريف المستمر الواقع في الأناجيل لإثبات ألوهية المسيح، فعلى فرض صحة اللفظين ففيهما دليل على جواز إطلاق لفظ ابن الله على الإنسان الصالح البار، وبخاصة أنه ورد في الموضعين وصف قائد المائة للمسيح بأنه إنسان.

وقد ورد في الأناجيل إطلاق لفظ ابن الله على غير المسيح من الصالحين، كما ورد إطلاق لفظ ابن إبليس على فاعلي الشر، ففي إنجيل متى 5 / 9 و44 و45:(9) طوبى لصانعي السلام. لأنهم أبناء الله يدعون (44) وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم (45) لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات) .

فأطلق عيسى على صانعي السلام والصالحين العاملين بما ذكر لفظ أبناء الله، وعلى الله لفظ الأب بالنسبة إليهم.

ووقعت مكالمة بين المسيح عليه السلام وبين اليهود أقتطف بعض فقراتها من إنجيل يوحنا 8 / 41 و42 و44: (41) أنتم تعلمون أعمال أبيكم. فقالوا

ص: 140

له: إننا لم نولد من زنا. لنا أب واحد وهو الله (42) فقال لهم يسوع لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني. . (44) أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. . لأنه كذاب وأبو الكذاب) .

فاليهود ادعوا أنهم أبناء الله، أي صالحون مطيعون لله، فرد عليهم المسيح عليه السلام بأنهم كذابون مطيعون للشيطان، فهم أبناؤه؛ لأنه كذاب وأبو الكذابين، ولا شك أن الله أو الشيطان ليس أبا لهم بالمعنى الحقيقي، فيجب الحمل على المعنى المجازي، ويؤيد هذا الوجوب فقرات كثيرة، منها فقرات رسالة يوحنا الأولى 3 و9 و10:(8) من يفعل الخطية فهو من إبليس لأن إبليس من البدء يخطئ. . (9) كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله (10) بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس. . . إلخ) .

ومنها فقرة رسالة يوحنا الأولى 4 / 7: (وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله) .

ومنها فقرتا رسالة يوحنا الأولى 5 / 1 -2: (1) كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله. وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضا (2) بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه) .

ومنها فقرة رسالة بولس إلى أهل رومية 8 / 14: (لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله) .

ومنها فقرة رسالة بولس إلى أهل فيلبي 2 / 14 -15: (14) افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة (15) لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولادا لله بلا عيب) .

ص: 141

ولا شك أن جميع المذكورين في الفقرات السابقة ليسوا أولادا لله على الحقيقة، فوجب الحمل على المعنى المجازي، وقد ورد إطلاق لفظ الابن لله وإطلاق لفظ الأب على الله في كتب العهدين في مواضع غير محصورة:

ففي إنجيل لوقا 3 / 38 أطلق على آدم لفظ: ابن الله.

وفي سفر الخروج 4 أطلق على إسرائيل لفظ: الابن البكر لله.

وفي مزمور 89 / 26 و27 أطلق على داود لفظ: البكر، وأطلق على الله لفظ: الأب له.

وفي سفر إرميا 31 / 9 أطلق على أفرام لفظ: البكر، وأطلق على الله لفظ: الأب لإسرائيل.

وفي سفر صموئيل الثاني 7 / 14 أطلق على سليمان لفظ: الابن لله، وأطلق على الله لفظ: الأب له.

فلو كان إطلاق لفظ: الابن على المسيح موجبا للألوهية لكان آدم وإسرائيل وأفرام وداود وسليمان أحق بالألوهية من المسيح؛ لأنهم من آباء المسيح، ولأنه أطلق على ثلاثة منهم لفظ: الابن البكر.

وورد إطلاق لفظ: أبناء الله على جميع بني إسرائيل في مواضع منها ما في سفر التثنية 14 / 1، و32 / 19، وفي سفر إشعياء 1 / 2، و30 / 1، و63، وفي سفر هوشع 1 / 10.

وورد في سفر التكوين 6 / 2 و4 إطلاق لفظ: أبناء الله على أولاد آدم.

وفي سفر إشعياء 63 / 16 و64 أطلق على الله لفظ: الأب لجميع بني إسرائيل.

وفي سفر أيوب 38 / 7: (وهتف جميع بني الله) .

ص: 142

وفي المزمور 68 / 5: (أبو اليتامى وقاضي الأرامل الله) .

فوجب المصير إلى المعنى المجازي في كل الفقرات السابقة، ولا أحد من أهل الكتاب يقول بأن الإطلاقات المذكورة تفهم على حقيقتها، فكما لا يجوز اعتقاد ألوهية آدم وأولاده ويعقوب وأفرام وداود وسليمان وجميع بني إسرائيل وجميع اليتامى، فكذلك لا يجوز اعتقاد ألوهية المسيح بسبب إطلاق بعض الألفاظ التي لا يراد منها حقيقتها.

دليلهم الثاني: ما ورد أن المسيح من فوق وليس من هذا العالم، فقد ورد في إنجيل يوحنا 8 قول المسيح:(فقال لهم أنتم من أسفل. أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم. أما أنا فلست من هذا العالم) .

فيظنون أن هذا القول يدل على أن المسيح إله نزل من عند الإله الآب الذي هو ليس من هذا العالم.

وهذا التأويل غير صحيح ومخالف للظاهر؛ لأن عيسى عليه السلام كان من هذا العالم حقيقة، ويرد على تأويلهم بوجهين:

الأول: أن هذا التأويل مخالف للبراهين العقلية وللنصوص الصريحة.

الثاني: أن عيسى عليه السلام قال مثل هذا القول في حق تلاميذه أيضا، ففي إنجيل يوحنا 15 / 19:(لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم) .

وفي إنجيل يوحنا 17 / 14 و16: (14) والعالم أبغضكم لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم (16) ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم) .

ففي هذه الفقرات سوى المسيح عليه السلام بين نفسه وبين تلاميذه في

ص: 143

عدم كونهم من هذا العالم، فلو كان هذا القول مستلزما لألوهية المسيح كما زعموا للزم أن يكون جميع التلاميذ آلهة، وبما أن النصارى ينكرون ألوهية التلاميذ فثبت بطلان هذا التأويل، والصواب أن المسيح عليه السلام وتلاميذه ليسوا من طلاب الدنيا الدنية، بل هم من طلاب الآخرة ورضوان الله، وهذا المجاز شائع في اللغات، فيقال للزهاد والصالحين إنهم ليسوا من هذه الدنيا.

دليلهم الثالث: ما ورد أن المسيح والآب واحد، فقد ورد في إنجيل يوحنا 10 قول المسيح:(أنا والآب واحد) .

فهذا القول بزعمهم يدل على اتحاد المسيح بالله، فهو إله مثله.

وهذا التأويل أيضا باطل بوجهين:

الأول: لأن المسيح عليه السلام عندهم أيضا هو إنسان ذو نفس ناطقة، وليس بمتحد بهذا الاعتبار، فهم يقولون باتحاد المسيح بالله باعتبار لاهوت المسيح لا باعتبار ناسوته، ولما كان اسم المسيح عندهم يطلق على اللاهوت والناسوت معا بطل تأويلهم السابق.

والثاني: لأن مثل هذا القول وقع في حق الحواريين، ففي إنجيل يوحنا 17 / 21 -23:(21) ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني (22) وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد (23) أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد وليعلم العالم أنك أرسلتني وأحببتهم كما أحببتني) .

فالأقوال الواردة في هذه الفقرات دالة على اتحادهم ببعضهم وبالمسيح، وسوى المسيح بين اتحاده بالله وبين اتحادهم فيما بينهم، وظاهر أن اتحادهم فيما

ص: 144

بينهم ليس حقيقيا، فكذا اتحاد المسيح بالله ليس حقيقيا، والمعنى الصحيح للاتحاد هو طاعة أوامر الله تعالى والعمل بالأعمال الصالحات، وهذا المعنى يشترك فيه المسيح والحواريون وجميع أهل الإيمان، وإنما الفرق باعتبار القوة والضعف، ولا شك أن طاعة المسيح وكمال عبوديته لله أقوى وأشد من طاعة تلاميذه، والمقصود بالوحدة هنا اتفاق مرادهم وأمرهم، فهم واحد في العمل بأوامر الله ومحبته وطاعته، وكما لا يفهم منه اتحاد ذوات الحواريين ببعضهم أو بالمسيح، فكذلك لا يفهم منه اتحاد ذات المسيح بذات الله حقيقة.

دليلهم الرابع: ما ورد أن رؤية المسيح رؤية لله لأنه في الآب والآب فيه، فقد ورد في إنجيل يوحنا 14 / 9 -10:(9) الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب (10) ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب في. الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال) .

فهذا الكلام بزعمهم يدل على ألوهية المسيح؛ لأن رؤيته رؤية لله والله حال فيه.

وهذا الاستدلال أيضا باطل بوجهين:

الأول: لأن رؤية الله في الدنيا ممتنعة بنص أسفارهم، فلا تكون رؤية المسيح رؤية لله حقيقة، ويؤولون الرؤية بالمعرفة، ومعرفة المسيح باعتبار الجسمية أيضا لا تفيد الاتحاد، والصواب أن من رأى الأفعال التي يفعلها المسيح فكأنه رأى أفعال الله؛ لأنها حصلت بأمره وإرادته.

الثاني: أنه ورد مثل هذا القول في حق التلاميذ، ففي إنجيل يوحنا 14:(في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم) .

ص: 145

وفي إنجيل يوحنا 17: (أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا) .

وورد في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 6 / 19: (أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم) .

وفي رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 6 / 16: (فإنكم أنتم هيكل الله الحي) .

وفي رسالة بولس إلى أهل أفسس 4 / 6: (إله وآب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم) .

فلو كان مثل هذا الكلام مشعرا بالحلول والاتحاد ومثبتا للألوهية للزم أن يكون الحواريون وجميع أهل كورنثوس وجميع أهل أفسس آلهة، والحق أن التأويل الصحيح لهذه الفقرات أن يقال: إن حلول الله في أحد أو حلول أحد فيه، وكذا حلول أحد في المسيح أو حلول المسيح فيه الوارد في هذه الفقرات يقصد به إطاعة أمرهما، فمعرفة المسيح وطاعته بمنزلة معرفة الله وطاعته.

واعلم أيها القارئ الكريم أن نقل الأقوال السابقة هو على فرض صحتها لأجل زيادة الإلزام، ولإثبات بطلان تأويلاتهم في تأليه المسيح عليه السلام، ونحن المسلمين لا نعتقد جزما أن ما ورد في الأناجيل هو كلام المسيح أو كلام الحواريين؛ لأنه ثبت فقدان إسناد جميع كتبهم بما فيها الأناجيل الأربعة، وعقيدتنا الإسلامية هي أن المسيح عليه السلام والحواريين برآء من هذه العقائد الكفرية، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وأن الحواريين رسل عيسى عليه السلام.

ص: 146