المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[النوع الثاني الأفعال التي ظهرت منه صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة] - مختصر إظهار الحق

[رحمت الله الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌[تمهيد]

- ‌[مقدمة في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها]

- ‌[الباب الأول بيان أسماء كتب العهد العتيق والجديد وإثبات تحريفها ونسخها]

- ‌[الفصل الأول بيان أسمائها وتعدادها]

- ‌[الفصل الثاني أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد]

- ‌[الادعاء بنسبة الكتب إلى اسم نبي أو حواري لا يعني إلهامية هذه الكتب ولا وجوب تسليمها]

- ‌[حال التوراة]

- ‌[حال كتاب يوشع بن نون]

- ‌[حال الأناجيل]

- ‌[الفصل الثالث بيان أن هذه الكتب مملوءة من الاختلافات والأغلاط والتحريف]

- ‌[القسم الأول بيان بعض الاختلافات]

- ‌[الاختلاف في أسماء أولاد بنيامين وعددهم]

- ‌[الاختلاف في عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا]

- ‌[الاختلاف في خبر جاد الرائي]

- ‌[الاختلاف في عمر الملك أخزيا عندما ملك]

- ‌[الاختلاف في عمر الملك يهوياكين عندما ملك]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين قتلهم أحد أبطال داود بالرمح دفعة واحدة]

- ‌[الاختلاف في عدد ما يؤخذ من الطير والبهائم في سفينة نوح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الأسرى الذين أسرهم داود عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين قتلهم داود عليه السلام من أرام]

- ‌[الاختلاف في عدد مذاود خيل سليمان عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في بيان نسب المسيح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين شفاهم المسيح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في العصا الواردة في وصية المسيح لتلاميذه الاثني عشر]

- ‌[الاختلاف في شهادة المسيح لنفسه]

- ‌[الاختلاف في حامل الصليب إلى مكان الصلب]

- ‌[هل المسيح صانع سلام أم ضده]

- ‌[القسم الثاني بيان بعض الأغلاط]

- ‌[الغلط في مدة إقامة بني إسرائيل في مصر]

- ‌[الغلط في عدد بني إسرائيل حينما خرجوا مع موسى من أرض مصر]

- ‌[الغلط الذي يلزم منه نفي نبوة داود عليه السلام]

- ‌[الغلط في عدد المضروبين من أهل بيتشمس]

- ‌[الغلط في ارتفاع الرواق الذي بناه سليمان عليه السلام]

- ‌[الغلط في عدد جيش أبيا ويربعام]

- ‌[الغلط بخصوص الأكل من الشجرة وبخصوص عمر الإنسان]

- ‌[الغلط في عدد الأجيال الواردة في نسب المسيح عليه السلام]

- ‌[الغلط في جعل رفقاء لداود عند رئيس الكهنة]

- ‌[الغلط في كتابة أحداث لم تقع عند حادثة الصلب]

- ‌[الغلط في اسم والد شالح]

- ‌[القسم الثالث إثبات التحريف اللفظي بالتبديل وبالزيادة وبالنقصان]

- ‌[التحريف في مدة أعمار الأكابر قبل الطوفان]

- ‌[التحريف في مدة أعمار الأكابر بعد الطوفان]

- ‌[التحريف في اسم الجبل المخصص لنصب الحجارة]

- ‌[التحريف في اسم المملكة]

- ‌[التحير بين النفي والإثبات]

- ‌[الدليل على أن التوراة الحالية مكتوبة بعد موسى عليه السلام]

- ‌[التحريف بزيادة عبارة إلى هذا اليوم]

- ‌[التحريف بإضافة مقدمات لبعض الأبواب]

- ‌[التحريف للانتصار لعقيدة التثليث]

- ‌[التحريف لإظهار أن عيسى ابن الله]

- ‌[التحريف في حادثة زنا رأوبين بسرية أبيه]

- ‌[التحريف في حادثة سرقة الصواع]

- ‌[التحريف بإسقاط اسم مريم ابنة عمران أخت موسى]

- ‌[التحريف في الزبور إما بالزيادة وإما بالنقصان]

- ‌[التحريف في إنجيل لوقا بالنقصان]

- ‌[التحريف لعناد اليهود والنصارى بعضهم بعضا]

- ‌[مغالطات نصرانية والرد عليها]

- ‌[الأولى زعمهم أن المسلمين فقط هم الذين يدعون أن كتب العهدين محرفة]

- ‌[الثانية زعمهم أن المسيح عليه السلام شهد بحقية كتب العهد العتيق]

- ‌[الثالثة زعمهم أن وقوع التحريف مستبعد لأن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقا وغربا]

- ‌[الفصل الرابع إثبات وقوع النسخ في كتب العهدين]

- ‌[بيان معنى النسخ]

- ‌[كذب بعض القصص الموجودة في كتب العهدين القديم والجديد]

- ‌[بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ في شريعة نبي سابق]

- ‌[بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ والمنسوخ في شريعة النبي نفسه]

- ‌[الباب الثاني إبطال التثليث]

- ‌[مقدمة في بيان أمور تفيد الناظر بصيرة في الفصول]

- ‌[الفصل الأول إبطال التثليث بالبرهان العقلي]

- ‌[الفصل الثاني إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام]

- ‌[الفصل الثالث إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح]

- ‌[الباب الثالث إثبات كون القرآن الكريم كلام الله ومعجزا ورفع شبهات القسيسين على القرآن والأحاديث]

- ‌[الفصل الأول الأمور التي تدل على أن القرآن الكريم كلام الله تعالى ورفع شبهات القسيسين على القرآن الكريم]

- ‌[الفصل الثاني دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث النبوية الشريفة]

- ‌[الشبهة الأولى زعمهم أن رواة الأحاديث هم أزواج محمد وأقرباؤه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه]

- ‌[الشبهة الثانية زعمهم أن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الرسول]

- ‌[الباب الرابع إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المسلك الأول ظهور المعجزات الكثيرة على يده عليه السلام]

- ‌[النوع الأول بيان إخباره عن المغيبات الماضية والمستقبلة]

- ‌[النوع الثاني الأفعال التي ظهرت منه صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة]

- ‌[المسلك الثاني وجود المحاسن والأخلاق العظيمة في ذاته مما يجزم العقل بأنها لا تجتمع في غير نبي]

- ‌[المسلك الثالث الكمال والشمول في شريعته عليه السلام يدل على أن المبعوث بها نبي مرسل من الله تعالى]

- ‌[المسلك الرابع القرآن الكريم وانتصار النبي على الكافرين لا يكون إلا بعون إلهي]

- ‌[المسلك الخامس حاجة العالم في هذا التوقيت لبعثة النبي ليزيل ظلمة الشرك ولتشرق شموس التوحيد على الأرض]

- ‌[المسلك السادس البشارات المحمدية في الكتب السماوية السابقة]

- ‌[التنبيه إلى بعض الأمور]

- ‌[البشارة الأولى في سفر التثنية أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك]

- ‌[البشارة الثانية في سفر التثنية وهذه هي البركة التي بارك بها موسى]

- ‌[البشارة الثالثة في سفر التكوين ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا]

- ‌[البشارة الرابعة في سفر التثنية فأنا أغيرهم بما ليس شعبا بأمة غبية أغيظهم]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[النوع الثاني الأفعال التي ظهرت منه صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة]

[النوع الثاني الأفعال التي ظهرت منه صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة]

وأما النوع الثاني: ففي الأفعال التي ظهرت منه صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة وقد أحصاها العلماء فزادت على ألف، مثل:

1 -

الإسراء والمعراج: قال الله تعالى في سورة الإسراء آية 1: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1]

ولا شك أن الإسراء والمعراج كان في اليقظة بالروح والجسد؛ لأن لفظ العبد يطلق عليهما معا، ولذلك استبعد الكفار هذا الأمر وأنكروه، ولو لم يكن بالجسد وفي اليقظة ما كان سببا للاستبعاد والإنكار؛ لأن مثل هذا في المنامات لا يستبعد ولا ينكر، ألا ترى لو أن شخصا ادعى أنه طار في نومه في الشرق وفي الغرب وهو لم يتحول عن مكانه ولم تتبدل حاله الأولى لم ينكر أحد عليه.

فالإسراء والمعراج الحاصل لمحمد صلى الله عليه وسلم بالجسد والروح معا وفي اليقظة لا استحالة فيه عقلا ولا نقلا.

أما عقلا: فلأن الله تعالى خالق العالم، وهو على كل شيء قدير، وحصول الحركة البالغة السرعة في جسد محمد صلى الله عليه وسلم أمر يسير على الله تعالى، وغاية ما فيه أنه خلاف العادة، وهكذا المعجزات كلها تكون خلاف العادة.

وأما نقلا: فلأن صعود الجسم إلى السماوات ليس بممتنع عند أهل الكتاب لما يلي:

ا - ورد في سفر التكوين 5: (وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه) ، فهذا نص على أن النبي أخنوخ (إدريس عليه السلام رفع إلى السماء حيا، ودخل بجسده ملكوت السماء.

ص: 195

ب - ورد في سفر الملوك الثاني 2 / 1 و11: (1) وكان عند إصعاد الرب إيليا في العاصفة على السماء أن إيليا وأليشع ذهبا من الجلجال (11) وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء) . وهذا نص على أن النبي إيليا رفع إلى السماء بجسده حيا.

وهذان النصان مسلمان عند القسيسين، وهم يعتقدون أن المسيح عليه السلام بعدما مات ودفن في القبر قام حيا وصعد بجسده إلى السماء وجلس عن يمين أبيه، فلا مجال لهم أن يعترضوا على معراج محمد صلى الله عليه وسلم لا عقلا ولا نقلا.

2 -

انشقاق القمر: قال الله تعالى في سورة القمر آية 1-2: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ - وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1 - 2]

وقد دلت الأحاديث الصحيحة على وقوع حادثة انشقاق القمر لمحمد صلى الله عليه وسلم، فهي حادثة متواترة منصوص عليها في القرآن الكريم ومروية في الصحيحين وغيرهما، وأقوى شبه القسيسين عندهم أن هذه الحادثة لو وقعت لم تخف على أهل الأرض كلهم، ولنقلها مؤرخو العالم، وهي عندنا شبهة ضعيفة جدا لما يلي:

ا - أن حادثة طوفان نوح عليه السلام حادثة عظيمة جدا وكانت على الأرض كلها، ومذكورة في الإصحاحين السابع والثامن من سفر التكوين، ومع ذلك فإن مشركي الهند والفرس والكلدانيين وأهل الصين ينكرون هذه الحادثة إنكارا بليغا، وأما ملاحدة نصارى الغرب فيستهزئون بها

ص: 196

وينكرونها، ويتجاوزون الحد في إساءة الأدب على الله تعالى وعلى نبيه نوح عليه السلام، فهل يرضى القسيسيون بإنكار الأمم المشرقية لحادثة الطوفان وباستهزاء الملاحدة من قومهم؟!

ب - أن حادثة وقوف الشمس يوما كاملا ليوشع (يشوع بن نون) مذكورة في سفر يشوع 10 / 12 -13، وذكر مؤرخو أهل الكتاب ومفسروهم بأنها دامت إلى أربع وعشرين ساعة، فهذه الحادثة العظيمة التي وقعت سنة 1450ق. م يجب أن يراها سكان الأرض كلهم؛ لأن السحاب الغليظ لا يمنع العلم بها في المناطق التي كان عليها النهار، وأما سكان المناطق التي كان عليها الليل فلابد أن يعلموا بهذه الحادثة لامتداد ليلهم بمقدار أربع وعشرين ساعة، ومع ذلك فإن مشركي الهند والفرس وأهل الصين ينكرونها ولم تذكر في تواريخهم، وملاحدة أوروبا يستهزئون بها ويوردون عليها اعتراضات، فهل يقبل القسيسون بإنكار الأمم المشرقية لهذه الحادثة وباعتراضات أبنائهم الملاحدة؟!

ج - أن متى روي في إنجيله 27 / 51 -53 عدة حوادث عظيمة وقعت بعد حادثة الصلب مباشرة، وهي: انشقاق حجاب الهيكل من فوق إلى أسفل، وتزلزل الأرض، وتشقق الصخور، وتفتح القبور، وقيام كثير من أجساد القديسين الموتى، وخروجهم من القبور، ودخولهم القدس، وظهورهم لكثيرين، وهذه الحوادث كاذبة يقينا لكن نقول: إن هذه الحوادث العظيمة غير مذكورة في كتب الرومان ولا في كتب اليهود، بل لم يذكرها إنجيل يوحنا، وإما إنجيل مرقس وإنجيل لوقا فذكرا انشقاق حجاب

ص: 197

الهيكل فقط ولم يذكرا باقي الأمور العظيمة، علما أن ذكرها أولى من ذكر صراخ المصلوب وأمور أخرى لا قيمة لها اتفقا على ذكرها، وعلما أن بعض الأمور يبقى أثرها بعد الوقوع كتشقق الصخور وتفتح القبور، والعجب من متى أنه لم يذكر أن هؤلاء القديسين بعد خروجهم من قبورهم أحياء أين ذهبوا؟! هل بقوا على قيد الحياة أم رجعوا إلى قبورهم؟! ولذلك استهزأ بعضهم بهذه المبالغات الشنيعة فقال: لعل متى رآها في المنام. ويفهم من عبارة إنجيل لوقا أن انشقاق حجاب الهيكل كان قبل وفاة المصلوب، بينما يفهم من عبارتي متى ومرقس أنه بعد وفاة المصلوب. فكيف يعالج القسيسون هذه المعضلات؟! د- أنه ورد في إنجيل متى 3 / 16 -17 وإنجيل مرقس 1 / 10 -11 وإنجيل لوقا 3 / 21 -22 أن يحيى عمد عيسى عليهما السلام في نهر الأردن، وفي وقت صعود عيسى من الماء، انشقت السماوات وانفتحت ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسيمة في شكل حمامة، وقال صوت من السماوات: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.

فانشقاق السماوات لم كان في النهار فلابد أن يراه أكثر أهل العالم، وكذا رؤية الحمامة المجسمة وسماع الصوت لا يختص بواحد دون غيره من الحاضرين، ومع ذلك لم يكتب أحد من مؤرخي ذلك الزمان هذه الحادثة غير الإنجيليين الثلاثة، ولذلك صارت سببا لاستهزاء ملاحدة أوروبا فقالوا: لماذا أبقانا متى محرومين من معرفة الأبواب التي انفتحت في السماوات هل هي أبوابها الكبيرة أم المتوسطة أم الصغيرة؟! وفي أي جانب منها كانت هذه الأبواب؟!

ص: 198

وقسوسنا يضربون رؤوسهم متحيرين في تعيين ذلك. ولماذا لم يخبرنا متى عن الحمامة هل أخذها أحد وحبسها في القفص أم رأوها راجعة إلى السماوات؟!

وإذا رجعت إلى السماوات فهل بقيت أبوابها مفتوحة كل هذه المدة؟! وهل رأوا باطن السماوات بوجه حسن؟! فماذا يقول القسيسون في هذه التساؤلات؟! إذن فالاعتراض على معجزة انشقاق القمر لمحمد صلى الله عليه وسلم اعتراض باطل ولا قيمة له.

3 -

معجزة تكثير الماء القليل: وهذه المعجزات صدرت منه صلى الله عليه وسلم في مواطن متعددة، فقد «روى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان بالزوراء عند سوق المدينة وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الماء ليتوضؤوا فلم يجدوه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في إناء به ماء قليل، فجعل الماء يفور من بين أصابعه حتى توضأ الناس عن آخرهم.»

«وروي جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن الناس عطشوا يوم الحديبية، ولم يكن عندهم ماء، وكان بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم إناء صغير به ماء قليل، فوضع صلى الله عليه وسلم يده في الإناء فجعل الماء يفور من بين أصابعه أمثال العيون، وكان الناس ألفا وأربعمائة.»

«وروي جابر أن الناس لم يجدوا الماء في غزوة بواط، فجاء جابر بجفنة فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده فيها وصب عليه جابر قليلا من الماء، فدارت الجفنة واستدارت حتى امتلأت، وأمر الناس بأن يتوضؤوا ويسقوا حتى لم يبق لأحد منهم حاجة بالماء، ورفع الرسول صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى.»

وروي معاذ بن جبل رضي الله عنه «أن الناس في غزوة تبوك لما وردوا العين وجدوها مثل الشراك، أي ضعيفة مثل سير النعل، فغسل الرسول صلى الله عليه وسلم وجهه

ص: 199

ويديه في العين، فجرت بماء كثير له حس كحس الصواعق، فاستقى الناس، ثم قال صلى الله عليه وسلم:" يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا "

«وروي عمر رضي الله عنه أن الناس أصابهم العطش في جيش العسرة حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، فرغب أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه فلم يرجعهما حتى انسكبت السماء، وملئوا آنيتهم، ولم تجاوز العسكر.

» وروي عمران بن حصين رضي الله عنه أنه «أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عطش في بعض أسفارهم، فوجه رجلين إلى مكان كذا، وأعلمهما أنهما يجدان امرأة معها بعير عليه مزادتان (المزادة تشبه القرية) فذهبا فأتيا بها، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم ربه، ثم أمر الناس فملؤوا آنيتهم حتى لم يدعوا شيئا إلا ملؤوه، والمزادتان لم تنقصا، ثم جمع للمرأة من الأزواد حتى ملأ ثوبها وقال لها: اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئا ولكن الله سقانا.»

4 -

معجزة تكثير الطعام القليل: وهذه أيضا وقعت عدة مرات، فقد روي جابر رضي الله عنه «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأعطاه شطر وسق شعير، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام بكم.»

«وعن جابر رضي الله عنه أنه عجن صاعا من شعير وطبخ عناقا (أنثى المعز دون السنة) يوم الخندق، فبصق النبي صلى الله عليه وسلم في العجين والقدر وبارك،

ص: 200

فأطعم من الصاع والعناق ألف رجل في ذلك اليوم.»

«وعن جابر رضي الله عنه أن والده مات وعليه دين، فجاء غرماء أبيه ولم يكن الثمر يكفي لسداد ديونهم، فبذل لهم جابر أصل ماله فلم يقبلوه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بقطف الثمار وجعلها بيادر (أي أكوام) ، فمشي فيها النبي صلى الله عليه وسلم ودعا، فأوفى جابر دين غرماء أبيه، وزاد منها مثل ما كانوا يقطفون كل سنة.»

«وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأقراص شعير تحت إبطه، فأطعم النبي صلى الله عليه وسلم منها ثمانين رجلا.

» «وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تزوج بزينب أمره أن يدعو له قوما سماهم، حتى امتلأ البيت والحجرة، فقدم لهم إناء صغيرا فيه قدر مد من تمر جعل حيسا، فوضعه وغمس فيه ثلاث أصابعه، وجعل القوم يتغدون ويخرجون، وبقي الإناء نحوا مما كان.

» «وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه صنع للرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه طعاما يكفيهما فقط، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو ثلاثين من أشراف الأنصار، فدعاهم فأكلوا وخرجوا، ثم أمره أن يدعو ستين، فدعاهم فأكلوا وخرجوا، ثم أمره أن يدعو سبعين، فدعاهم فأكلوا وخرجوا، قال أبو أيوب رضي الله عنه: فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا.

» وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقصعة فيها لحم، فتعاقبوها من غدوة حتى الليل يقوم قوم ويقعد آخرون.»

«وعن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أنهم كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم مائة

ص: 201

وثلاثين رجلا، فعجن صاع من طعام، وصنعت شاة، فشوي سواد بطنها (الكبد وقيل: حشو البطن كله) ، فلم يبق أحد من المائة والثلاثين إلا أخذ قطعة لحم، وجعل الباقي في قصعتين حتى أكل الجميع، وحمل عبد الرحمن ما فضل على البعير.

» وعن سلمة بن الأكوع وأبي هريرة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم «أن مخمصة أصابت الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات (وفي بعض الروايات أنها غزوة تبوك) ، فدعا ببقية الأزواد، فجاؤوا بما معهم من الطعام، وأعلاهم الذي يأتي بالصاع من التمر، فجمع على بساط كربضة العنز (أي كقدر العنزة وهي رابضة) ، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم الناس أن يملؤوا أوعيتهم، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملؤوه، وبقي منه.»

5 -

كلام الشجر والحجر وشهادتهما له بالنبوة: عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أعرابيا إلى الإيمان برسالته، فقال الأعرابي: من يشهد لك على ما تقول؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هذه الشجرة السمرة، وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تشق الأرض حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى مكانها.»

وعن جابر رضي الله عنه «أن رسول صلى الله عليه وسلم ذهب ليقضي حاجته، فلم ير شيئا يستتر به، فإذا بشجرتين بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده (أي البعير الذي جعل في أنفه حلقة فيها الخطام ليكون أسرع لانقياده) ، وفعل بالشجرة الأخرى مثل ذلك،

ص: 202

حتى إذا كان بينهما قال: التئما على بإذن الله، فالتأمتا، فلما قضى حاجته افترقتا وعادت كل واحدة منهما إلى منبتها، وقامت على ساق.

» وعن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي: أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة، أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم، فجعل العذق ينقز (أي يثب صعدا) حتى أتاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع، فرجع على مكانه.»

وعن بريدة بن الحصيب «أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم آية على نبوته، فقال للأعرابي: قل لتلك الشجرة: رسول الله يدعوك، فقال، فمالت الشجرة عن يمينها وعن شمالها، فتقطعت عروقها، وجاءت تشق الأرض حتى وقفت بين يديه صلى الله عليه وسلم فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال الأعرابي: مرها فلترجع إلى منبتها، فرجعت، فقال الأعرابي: ائذن لي أسجد لك، فقال صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي السجود إلا لله تعالى، فقال: ائذن لي أقبل يديك ورجليك، فأذن له.»

وروي بضعة عشر من الصحابة رضي الله عنهم «أن المسجد النبوي كان سقوفا على جذوع من نخل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر وكان عليه، سمعوا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار من الإبل، حتى انشق الجذع، وارتج المسجد لشدة خواره، وكثر بكاء الناس، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت، وقال: إن هذا بكى لما فقد من ذكر الله تعالى، والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة، ثم أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر.» وهذا الخبر بأنين الجذع وحنينه باعتبار مبناه مشهور عند السلف

ص: 203

والخلف، وباعتبار معناه متواتر يفيد العلم القطعي.

وروي ابن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا نسمع تسبيح الطعام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأكل.» 6 - سقوط الأصنام: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه «كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مثبتة في الحجارة بالرصاص، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد عام الفتح، جعل يشير إليها بقضيب كان في يده ويقول {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] فما أشار لوجه صنم إلا وقع لقفاه، ولا لقفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم، فأمر بإخراجها.»

7 -

شفاء العلل بريقه وكفه المباركة صلى الله عليه وسلم: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه «أن عين قتادة بن النعمان أصيبت يوم أحد حتى وقعت على وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أحسن عينيه.»

وعن عثمان بن حنيف رضي الله عنه «أن أعمى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ادع الله أن يكشف لي عن بصري، فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم دعوات يدعو بها، فرجع وقد كشف الله عن بصره.»

«ابن ملاعب الأسنة أصابه استسقاء فبعث رجلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده حثوة من الأرض، فتفل عليها وأعطاها للرجل، فأتاه بها وهو مشرف على الموت، فشربها فشفاه الله تعالى» .

«وعن حبيب بن فديك رضي الله عنه أن أباه ابيضت عيناه، فكان لا يبصر بهما شيئا، فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر، فكان يدخل الخيط في

ص: 204

الإبرة وهو ابن ثمانين سنة.

» «وتفل صلى الله عليه وسلم يوم خيبر في عيني على ابن أبي طالب رضي الله عنه وكان رمدا، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع.»

«ونفث صلى الله عليه وسلم يوم خيبر على ضربة بساق سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فبرأت» .

«وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من خثعم معها صبي به بلاء لا يتكلم، فأتي بماء فمضمض فاه وغسل يديه، ثم أعطاها الماء فسقته للصبي ومسته به، فبرأ وعقل عقلا يفضل عقول الناس» .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما «أن امرأة جاءت بابن لها به جنون، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم صدره، فقاء فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود وشفي.

» «وانكفأت القدر على ذراع محمد بن حاطب وهو طفل، فمسح عليها النبي صلى الله عليه وسلم وتفل فيها، فبرأت لحينها.»

«وكانت غدة في كف شرحبيل الجعفي، تمنعه القبض على السيف وعنان الدابة، فشكاها للنبي صلى الله عليه وسلم، فمازال يطحنها بكفه حتى رفعها ولم يبق لها أثر.

» 8 - إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم: «عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له فقال: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما آتيته. قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليعادون اليوم على نحو المائة.»

«ولما مزق كسرى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه أن يمزق الله ملكه، فلم تبق له باقية، ولا بقيت لفارس رئاسة في سائر أقطار الدنيا.»

ص: 205

وأنشد النابغة الجعدي أبياتا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:«لا يفضض الله فاك» ، فما سقطت له سن، وكان من أحسن الناس ثغرا، وعاش مائة وعشرين سنة، وقيل: كان إذا سقطت له سن نبت في مكانها سن أخرى.

وعن أنس رضي الله عنه «أن أعرابيا دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فشكا القحط، فدعا الله فسقوا، ولم يروا الشمس إلى الجمعة الأخرى، حتى دخل الأعرابي عليه صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فشكا كثرة المطر، فدعا الله فانكشف السحاب.»

«وكان عتبة بن أبي لهب يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذيه كثيرا، فدعا الله أن يسلط عليه كلبا من كلابه، فخرج عتبة في قافلة إلى الشام، فنزل منزلا فقال: إني أخاف دعوة محمد، فجعلوا متاعهم حوله وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد وأخذه من وسط أصحابه فذهب به.» ودعا صلى الله عليه وسلم على محلم بن جثامة فأصبح ميتا، فدفنوه فلفظته الأرض، فدفنوه مرارا فلفظته الأرض، فتركوه.

وقال صلى الله عليه وسلم لرجل يأكل بشماله: «كل بيمينك، فقال الرجل: لا أستطيع، ما منعه إلا الكبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا استطعت. فما رفعها إلى فيه» .

وأكتفي بما ذكر؛ لأن مثل هذه المعجزات التي جرت على يديه صلى الله عليه وسلم كثيرة تزيد على ألف، وهذه المعجزات وإن لم تتواتر كل واحدة منها، لكن القدر المشترك بينها متواتر بلا شبهة، كشجاعة علي وسخاوة حاتم، وهذا القدر المشترك المتواتر يكفي لإثبات ظهور المعجزات المتنوعة على يديه صلى الله عليه وسلم وللرد على من ينكر ذلك.

ص: 206