الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الباب الثاني إبطال التثليث]
[مقدمة في بيان أمور تفيد الناظر بصيرة في الفصول]
الباب الثاني
إبطال التثليث وهو مشتمل على مقدمة وثلاثة فصول:
المقدمة: بيان أمور تفيد الناظر بصيرة في الفصول.
الفصل الأول: إبطال التثليث بالبراهين العقلية.
الفصل الثاني: إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام.
الفصل الثالث: إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح عليه السلام.
المقدمة
بيان أمور تفيد الناظر بصيرة في الفصول الأمر الأول: أن كتب العهد القديم ناطقة بأن الله واحد أحد، منزه عن الصاحبة والولد، حي لا يموت، قادر يفعل ما يشاء، ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، وهذا الأمر لشهرته وكثرته في تلك الكتب غير محتاج إلى نقل الشواهد.
الأمر الثاني: أن عبادة غير الله حرام، وحرمتها التوراة في فقرات كثيرة، منها سفر الخروج 20 / 3 و4 و5 و23، و34 / 14 و17، وسفر التثنية 13 / 1 -11، و17 / 2 -7، وصرحت التوراة بوجوب قتل من دعا إلى عبادة غير الله ولو كان هذا الداعي نبيا ذا معجزات عظيمة، وكذلك صرحت التوراة بوجوب رجم كل من عبد غير الله أو رغب في عبادة غير الله، سواء كان هذا العابد رجلا أو امرأة، وسواء كان المرغب من الأقرباء أو الأصدقاء.
الأمر الثالث: وردت في التوراة فقرات تفيد التنزيه لله تعالى وأنه ليس له شبيه، ففي سفر التثنية 4 / 12 و15:(12) فكلمكم الرب من وسط النار وأنتم سامعون صوت كلام ولكن لم تروا صورة بل صوتا (15) فاحتفظوا جدا لأنفسكم. فإنكم لم تروا صورة ما يوم كلمكم الرب في حوريب من وسط النار) .
ووردت في العهد الجديد فقرات تفيد أن رؤية الله ممتنعة في الدنيا، ففي إنجيل يوحنا 1 / 18:(الله لم يره أحد قط) .
وفي رسالة بولس الأول إلى تيموثاوس 6 / 16: (لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه) .
وفي رسالة يوحنا الأولى 4 / 12: (الله لم ينظره أحد قط) .
فثبت من الفقرات السابقة أن الله تعالى ليس له شبيه، وأن رؤية الله في الدنيا غير واقعة، وأن من كان مرئيا لا يكون إلها قط ولو أطلق عليه في كلام الله أو الأنبياء أو الحواريين لفظ (الله) أو (رب) ؛ لأنه لا يجوز الأخذ بالفقرات المخالفة للبرهان العقلي وترك الفقرات السابقة التي مضمونها مطابق للبرهان العقلي، فقد ورد في مواضع غير محصورة من كتب العهدين إطلاق لفظ (إله) على الملك وعلى موسى وعلى قضاة بني إسرائيل وعلى الإنسان الكامل، بل وعلى آحاد الناس وعلى الشيطان الرجيم، وذلك لأنه يكون لإطلاق مثل هذا اللفظ على غير الله تعالى وجه مناسب لكل محل، ويدل سوق الكلام على ذلك الوجه بحيث لا يشتبه على الناظر في بادي الرأي، فلا يجوز لعاقل أن يستدل بإطلاق هذا اللفظ على بعض بني آدم أنه إله أو ابن الله، وينبذ وراءه جميع البراهين العقلية القطعية وكذلك البراهين النقلية الصحيحة.
الأمر الرابع: عقيدة التثليث لم يأت بها نبي من الأنبياء، ولا نزلت في كتاب من الكتب السماوية، وعدم ورودها في التوراة غير محتاج إلى بيان؛ لأن من طالع التوراة الحالية لا يجد فيها ذكرا صريحا ولا إشارة أو تلميحا لهذا الأمر، وعلماء اليهود من عهد موسى عليه السلام إلى هذا الزمان لا يعترفون بعقيدة التثليث، ولا يرضون بنسبتها إلى كتبهم، فلو كانت عقيدة التثليث حقا لوجب على موسى وسائر أنبياء بني إسرائيل - وآخرهم عيسى عليه السلام أن يبينوها حق التبيين، فقد كانوا مأمورين بالعمل بجميع أحكام التوراة في الشريعة والعقيدة، وأهل التثليث يعتقدون أن عقيدتهم هذه هي مدار النجاة ولا يمكن نجاة أحد بدونها نبيا كان أو غير نبي، فكيف فارق أنبياء بني إسرائيل كلهم الدنيا دون أن يبينوا هذه العقيدة بيانا واضحا وصريحا؟! وهم في نفس الوقت بينوا أمورا وأحكاما أقل أهمية من هذه العقيدة، وكرروا البيان لبعض الأحكام مرة بعد أخرى، وأكدوا على المحافظة عليها والعمل بها تأكيدا بليغا، وأوجبوا
القتل على تارك بعضها، فالعجب كل العجب أن عيسى عليه السلام الذي هو خاتم أنبياء بني إسرائيل والذي هو أحد أركان الثالوث عند النصارى عرج إلى السماء دون أن يبين لأتباعه هذه العقيدة بكلام واضح غير محتاج إلى التأويل، كأن يقول مثلا: إن الله ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس، وإن أقنوم الابن - الإله الثاني - متعلق بي بالعلاقة الفلانية، أو بعلاقة فهمها خارج عن إدراك عقولكم، أو أن يقول أي كلام آخر صريح في بيان هذه العقيدة.
والصواب أن أهل التثليث ليس في أيديهم أي دليل على عقيدتهم، وأنهم يأتون بتأويلات بعيدة لأقوال ظاهرة لا تحتمل التأويل.
وإن صاحب كتاب (ميزان الحق) الدكتور القسيس فندر سأل سؤالا في كتابه المسمى (مفتاح الأسرار) وهو: لم لم يبين المسيح ألوهيته ببيان واضح؟! ولم لم يقل باختصار: إني أنا الله؟ ثم أجاب نفسه على هذا السؤال بقوله: إنه ما كان أحد يقدر على فهم هذه العلاقة والوحدانية قبل قيامه من الأموات وعروجه إلى السماء، فلو قال صراحة: إني أنا الله، لفهموا أنه إله بحسب الجسم الإنساني، وهذا باطل، وهناك أمور كثيرة قال في حقها لتلاميذه كما في إنجيل يوحنا 16 / 12:(إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن) . ولذلك فإن علماء اليهود أرادوا مرارا أن يأخذوه ويرجموه، وهو ما كان يبين لهم ألوهيته بين أيديهم إلا على طريق الألغاز.
ففي الرد على جواب الدكتور فندر نقول أولا: إن هذا جواب ضعيف غاية الضعف؛ لأن زعمه عدم قدرة أحد أن يفهم عقيدة التثليث وعقيدة ألوهية المسيح قبل قيامه وعروجه فلأن بإمكان المسيح أن يقول لأتباعه ولليهود: إن علاقة الاتحاد التي بين جسمي وبين الأقنوم الثاني (أقنوم الابن) فهمها خارج عن وسعكم، فاتركوا البحث فيها واعتقدوا بأني إله، وأني لست إلها باعتبار الجسم بل بعلاقة الاتحاد التي فهمها خارج عن إدراك عقولكم.
ولكن العجب أيضا أن عدم القدرة على فهم علاقة الاتحاد المذكور باقية بعد عروج المسيح أيضا، وإلى الآن لا يستطيع عالم من علماء النصارى أن يبين كيفية هذه العلاقة، وكتبهم مليئة بالاعترافات في عدة مواضع أن هذا الأمر من الأسرار الخارجة عن إدراك العقل، ومن أراد التأكد فليرجع إلى قاموس الكتاب المقدس الذي اشترك في تأليفه أكثر من عشرين عالما لاهوتيا من علمائهم، ولينظر بنفسه كيف تخبطوا تخبطا واضحا في شرح كلمة: تثليث.
ونقول ثانيا: لماذا خاف المسيح من اليهود فلم يبين لهم ألوهيته إلا بطريق الألغاز؟! وأنتم تزعمون أن المسيح ما جاء إلا ليكون كفارة لذنوب الخلق بأن يصلبه اليهود، وأنه كان يعلم يقينا أنهم يصلبونه، فأي محل للخوف من اليهود في بيان هذه العقيدة الضرورية للنجاة؟! وكيف يخاف الإله العظيم خالق السماوات والأرضين من أذل أقوام الدنيا والحال أن بعض الأنبياء بينوا الحق لبني إسرائيل دون خوف منهم، فأوذي بعضهم إيذاء شديدا، وقتل بعضهم؟!
ثم إن المسيح عليه السلام شدد في الإنكار على الكتبة والفريسيين ووصفهم بأنهم مراءون وقادة عميان وجهال وحيات وأفاع، وأظهر قبائحهم على رؤوس الأشهاد حتى شكا بعضهم بأنك تشتمنا (إنجيل متى 23 13 - 37، وإنجيل لوقا 11 37 - 54) فالمسيح الذي بين لعلماء اليهود بعض مخالفاتهم وعنفهم عليها تعنيفا شديدا، ووصفهم بأوصاف قاسية دون خوف منهم، فكيف يظن به أن يحمله الخوف منهم على أن يترك بيان العقيدة الضرورية للنجاة؟! حاشا وكلا أن يكون جنابه الشريف عند هذا الظن الفاسد.