المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الشبهة الثانية زعمهم أن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الرسول] - مختصر إظهار الحق

[رحمت الله الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌[تمهيد]

- ‌[مقدمة في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها]

- ‌[الباب الأول بيان أسماء كتب العهد العتيق والجديد وإثبات تحريفها ونسخها]

- ‌[الفصل الأول بيان أسمائها وتعدادها]

- ‌[الفصل الثاني أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد]

- ‌[الادعاء بنسبة الكتب إلى اسم نبي أو حواري لا يعني إلهامية هذه الكتب ولا وجوب تسليمها]

- ‌[حال التوراة]

- ‌[حال كتاب يوشع بن نون]

- ‌[حال الأناجيل]

- ‌[الفصل الثالث بيان أن هذه الكتب مملوءة من الاختلافات والأغلاط والتحريف]

- ‌[القسم الأول بيان بعض الاختلافات]

- ‌[الاختلاف في أسماء أولاد بنيامين وعددهم]

- ‌[الاختلاف في عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا]

- ‌[الاختلاف في خبر جاد الرائي]

- ‌[الاختلاف في عمر الملك أخزيا عندما ملك]

- ‌[الاختلاف في عمر الملك يهوياكين عندما ملك]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين قتلهم أحد أبطال داود بالرمح دفعة واحدة]

- ‌[الاختلاف في عدد ما يؤخذ من الطير والبهائم في سفينة نوح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الأسرى الذين أسرهم داود عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين قتلهم داود عليه السلام من أرام]

- ‌[الاختلاف في عدد مذاود خيل سليمان عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في بيان نسب المسيح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين شفاهم المسيح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في العصا الواردة في وصية المسيح لتلاميذه الاثني عشر]

- ‌[الاختلاف في شهادة المسيح لنفسه]

- ‌[الاختلاف في حامل الصليب إلى مكان الصلب]

- ‌[هل المسيح صانع سلام أم ضده]

- ‌[القسم الثاني بيان بعض الأغلاط]

- ‌[الغلط في مدة إقامة بني إسرائيل في مصر]

- ‌[الغلط في عدد بني إسرائيل حينما خرجوا مع موسى من أرض مصر]

- ‌[الغلط الذي يلزم منه نفي نبوة داود عليه السلام]

- ‌[الغلط في عدد المضروبين من أهل بيتشمس]

- ‌[الغلط في ارتفاع الرواق الذي بناه سليمان عليه السلام]

- ‌[الغلط في عدد جيش أبيا ويربعام]

- ‌[الغلط بخصوص الأكل من الشجرة وبخصوص عمر الإنسان]

- ‌[الغلط في عدد الأجيال الواردة في نسب المسيح عليه السلام]

- ‌[الغلط في جعل رفقاء لداود عند رئيس الكهنة]

- ‌[الغلط في كتابة أحداث لم تقع عند حادثة الصلب]

- ‌[الغلط في اسم والد شالح]

- ‌[القسم الثالث إثبات التحريف اللفظي بالتبديل وبالزيادة وبالنقصان]

- ‌[التحريف في مدة أعمار الأكابر قبل الطوفان]

- ‌[التحريف في مدة أعمار الأكابر بعد الطوفان]

- ‌[التحريف في اسم الجبل المخصص لنصب الحجارة]

- ‌[التحريف في اسم المملكة]

- ‌[التحير بين النفي والإثبات]

- ‌[الدليل على أن التوراة الحالية مكتوبة بعد موسى عليه السلام]

- ‌[التحريف بزيادة عبارة إلى هذا اليوم]

- ‌[التحريف بإضافة مقدمات لبعض الأبواب]

- ‌[التحريف للانتصار لعقيدة التثليث]

- ‌[التحريف لإظهار أن عيسى ابن الله]

- ‌[التحريف في حادثة زنا رأوبين بسرية أبيه]

- ‌[التحريف في حادثة سرقة الصواع]

- ‌[التحريف بإسقاط اسم مريم ابنة عمران أخت موسى]

- ‌[التحريف في الزبور إما بالزيادة وإما بالنقصان]

- ‌[التحريف في إنجيل لوقا بالنقصان]

- ‌[التحريف لعناد اليهود والنصارى بعضهم بعضا]

- ‌[مغالطات نصرانية والرد عليها]

- ‌[الأولى زعمهم أن المسلمين فقط هم الذين يدعون أن كتب العهدين محرفة]

- ‌[الثانية زعمهم أن المسيح عليه السلام شهد بحقية كتب العهد العتيق]

- ‌[الثالثة زعمهم أن وقوع التحريف مستبعد لأن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقا وغربا]

- ‌[الفصل الرابع إثبات وقوع النسخ في كتب العهدين]

- ‌[بيان معنى النسخ]

- ‌[كذب بعض القصص الموجودة في كتب العهدين القديم والجديد]

- ‌[بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ في شريعة نبي سابق]

- ‌[بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ والمنسوخ في شريعة النبي نفسه]

- ‌[الباب الثاني إبطال التثليث]

- ‌[مقدمة في بيان أمور تفيد الناظر بصيرة في الفصول]

- ‌[الفصل الأول إبطال التثليث بالبرهان العقلي]

- ‌[الفصل الثاني إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام]

- ‌[الفصل الثالث إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح]

- ‌[الباب الثالث إثبات كون القرآن الكريم كلام الله ومعجزا ورفع شبهات القسيسين على القرآن والأحاديث]

- ‌[الفصل الأول الأمور التي تدل على أن القرآن الكريم كلام الله تعالى ورفع شبهات القسيسين على القرآن الكريم]

- ‌[الفصل الثاني دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث النبوية الشريفة]

- ‌[الشبهة الأولى زعمهم أن رواة الأحاديث هم أزواج محمد وأقرباؤه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه]

- ‌[الشبهة الثانية زعمهم أن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الرسول]

- ‌[الباب الرابع إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المسلك الأول ظهور المعجزات الكثيرة على يده عليه السلام]

- ‌[النوع الأول بيان إخباره عن المغيبات الماضية والمستقبلة]

- ‌[النوع الثاني الأفعال التي ظهرت منه صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة]

- ‌[المسلك الثاني وجود المحاسن والأخلاق العظيمة في ذاته مما يجزم العقل بأنها لا تجتمع في غير نبي]

- ‌[المسلك الثالث الكمال والشمول في شريعته عليه السلام يدل على أن المبعوث بها نبي مرسل من الله تعالى]

- ‌[المسلك الرابع القرآن الكريم وانتصار النبي على الكافرين لا يكون إلا بعون إلهي]

- ‌[المسلك الخامس حاجة العالم في هذا التوقيت لبعثة النبي ليزيل ظلمة الشرك ولتشرق شموس التوحيد على الأرض]

- ‌[المسلك السادس البشارات المحمدية في الكتب السماوية السابقة]

- ‌[التنبيه إلى بعض الأمور]

- ‌[البشارة الأولى في سفر التثنية أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك]

- ‌[البشارة الثانية في سفر التثنية وهذه هي البركة التي بارك بها موسى]

- ‌[البشارة الثالثة في سفر التكوين ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا]

- ‌[البشارة الرابعة في سفر التثنية فأنا أغيرهم بما ليس شعبا بأمة غبية أغيظهم]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[الشبهة الثانية زعمهم أن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الرسول]

[الشبهة الثانية زعمهم أن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الرسول]

الشبهة الثانية قولهم: (إن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الرسول ولا شاهدوا معجزاته بأعينهم، ولا سمعوا أقواله منه مباشرة بلا واسطة، بل سمعوها بالتواتر بعد مائة أو مائتي سنة من وفاته، ثم جمعوها وأسقطوا مقدار نصفها لعدم الاعتبار) .

والجواب عن هذه الشبهة أن جمهور أهل الكتاب سلفا وخلفا كانوا يعتبرون الروايات اللسانية الشفوية كالمكتوب، بل جمهور اليهود يعتبرونها اعتبارا أزيد وأحسن من المكتوب، أما فرقة الكاثوليك فتعتبر الروايات الشفوية مساوية للمكتوب، وتعتقد أن كليهما واجب التسليم وأصل للإيمان.

موقف اليهود من الروايات الشفوية: إن اليهود يقسمون قانونهم على نوعين: مكتوب ويقولون له: التوراة، وغير مكتوب ويقولون له: الروايات اللسانية الشفوية التي وصلت إليهم بواسطة المشايخ، ويدعون أن الله تعالى قد أعطى موسى كلا النوعين على جبل الطور، فوصل إليهم أحدهما بواسطة الكتابة، ووصل ثانيهما بواسطة المشايخ بأن تناقلوه شفويا جيلا بعد جيل، ويعتقدون أن كليهما متساويان في المرتبة ومن عند الله ويجب قبولهما، بل يرجحون الروايات الشفوية على المكتوبة ويقولون: إن القانون المكتوب ناقص ومغلق في كثير من المواضع، ولا يمكن أن يكون أصل الإيمان على الوجه الكامل بدون اعتبار الروايات الشفوية اللسانية؛ لأنها أوضح وأكمل، وتشرح القانون المكتوب وتكمله، ولهذا يردون معاني القانون المكتوب (التوراة) إذا كانت مخالفة للروايات اللسانية الشفوية.

واشتهر فيما بينهم أن العهد المأخوذ من بني إسرائيل ما كان لأجل القانون

ص: 182

المكتوب، بل كان لأجل هذه الروايات اللسانية، فكأنهم بهذه الحيلة نبذوا القانون المكتوب وجعلوا الروايات اللسانية مبنى دينهم وإيمانهم، ويفسرون كلام الله على حسب هذه الروايات وإن كان هذا المعنى الروائي مخالفا لمواضع كثيرة من كلام الله المكتوب، ووصلت حالة اليهود في زمان عيسى إلى حد الإفراط حتى عظموا هذه الروايات أكثر من المكتوب، ووبخهم عيسى في هذا الأمر بأنهم يبطلون كلام الله لأجل سنتهم، ويوجد في كتبهم أن ألفاظ المشايخ الشفوية اللسانية أحب من ألفاظ التوراة، وألفاظ التوراة بعضها جيد وبعضها غير جيد، لكن ألفاظ المشايخ كلها جيدة، وأجود جدا من ألفاظ الأنبياء.

وهكذا أقوال أُخَرُ يُعلم منها أنهم يعظمون الروايات اللسانية أكثر من القانون المكتوب، ويفهمون القانون المكتوب على حسب ما تشرحه الروايات اللسانية الشفوية، فكأن القانون المكتوب عندهم بمنزلة الجسد الميت، والروايات اللسانية الشفوية بمنزلة الروح التي بها الحياة.

ويقولون: إن الله أعطى موسى التوراة وأمره بكتابتها (فهي القانون المكتوب) ، وأعطاه أيضا معاني التوراة وأمره بتبليغها دون الكتابة (فهي القانون اللساني الشفوي) ، فجاء بهما موسى من الجبل وبلغ القانونين المكتوب والشفوي إلى هارون وابنيه والمشايخ السبعين، ثم أخبر هؤلاء سائر بني إسرائيل، وبقيت الروايات الشفوية تتناقل بالألسنة إلى أن بدأ بجمعها الربي يهوذا حق دوش (يوضاس) حوالي سنة 150م، ومكث في جمعها أربعين سنة بمشقة كبيرة، ثم دونها في كتاب سماه: المشنا، فهذا المشنا يضم الروايات الشفوية التي تناقلها المشايخ بألسنتهم حوالي سبعة عشر قرنا بعد موسى عليه

ص: 183

السلام، ويعتقدون أن كل ما فيه هو من عند الله مثل القانون المكتوب، وواجب التسليم والقبول مثله.

وقد كتب علماء اليهود شرحين على كتاب المشنا، أحدهما في القرن الثالث (وقيل الخامس) الميلادي في أورشليم القدس، والثاني في بداية القرن السادس الميلادي في بابل، ويسمى الشرح (كمرا) أي الكمال؛ لأنهم يعتقدون أن التوضيح التام لمتن المشنا حصل في هذين الشرحين، فإذا جُمع المتن والشرح (مشنا + كمرا) يقال لهذا المجموع (التلمود)، ويقال للتمييز: تلمود وأورشليم، وتلمود بابل، وهذا الشرح (كمرا) مملوء بالحكايات الواهية، لكنه معظم عند اليهود، ويدرسونه ويرجعون إليه في كل مُشْكِل، مذعنين بأنه مرشد لهم.

فمذهب اليهود الآن وعقيدتهم تؤخذ من هذين التلمودين البعيدين عن التوراة وعن سائر كتب الأنبياء، ويقدمون تلمود بابل على تلمود أورشليم.

فإذا كان اليهود قد تناقلوا الروايات اللسانية الشفوية سبعة عشر قرنا ويقدمونها على التوراة، علما أنهم تعرضوا خلال هذه المدة لآفات عظيمة ودواهٍ جسيمة أضاعت كتبهم المكتوبة ففقدت إسنادها وتواترها، ومع ذلك يعدون الروايات اللسانية هي مبنى إيمانهم وأصل عقائدهم، فكيف يجوز الطعن في الأحاديث الشريفة المكتوبة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرن أو قرنين.

موقف جمهور قدماء النصارى من الروايات الشفوية: ذكر يوسي بيس في تاريخه أن كليمنس عندما بيّن حال يعقوب الحواريّ نقل حكايات عن الروايات اللسانية التي وصلت إليه من الآباء والأجداد، ونقل في حق يوحنا الحواريّ حكايات أخذها من المحفوظ في الصدور، وهو

ص: 184

(أي كليمنس) اعترف أنه كان ينقل الروايات اللسانية من عدة شيوخ، أحدهم سُرياني في اليونان، وثانيهم آشوري في المشرق، وثالثهم عبراني في فلسطين، ولكن الشيخ الذي نقل عنه الروايات اللسانية وكان أفضل من المشايخ كلهم ولم يطلب شيخا آخر بعده هو الشيخ الذي كان مختفيا في مصر.

وذكر يوسي بيس أيضا أن أرينيوس كتب ما وصل إليه بالرواية اللسانية من بوليكارب، وكانت الكنيسة تبلغ عن بوليكارب بالرواية اللسانية، وكان أرينيوس يفتخر أنه لا يكتب في القرطاس، وإنما تعوّد من قديم الأيام أن يحتفظ بالأحاديث في صدره. وذكر أن أكناثيوس عندما مر في آسيا الصغرى قوّى الكنائس المختلفة وأوصاهم باللصوق بالروايات اللسانية لصوقا قويا. وأن بيبيس كتب جميع الأشياء التي وصلت إليه من المشايخ وأتباعهم؛ لأن الفائدة التي حصلت له من ألسنة الأحياء لم تحصل له من الكتب. وأن المؤرخ المشهور هجيسي بوس كتب مسائل الحواريين التي وصلت إليه بالرواية اللسانية بعبارة سهلة في خمسة كتب. وأن أساقفة كثيرين قبلوا روايات لسانية كثيرة في باب عيد الفصح قدمها لهم بعض الأشخاص، فكتبها الأساقفة في كتاب وأرسلوا نقوله إلى الكنائس لإلزام الناس بها. وأن كليمنس اسكندر يانوس الذي كان من أتباع تابعي الحواريين ألف كتابا في بيان عيد الفصح استجابة لرغبة الأحباء الذين طلبوا منه تدوين الروايات اللسانية التي سمعها من الأساقفة.

وذكر جان ملنر الكاثوليكي في رسالته العاشرة التي كتبها إلى جيمس برون أن مبنى إيمان الكاثوليك ليس كلام الله المكتوب فقط، بل أعم من ذلك مكتوبا أو غير مكتوب، أي الكتب المقدسة والروايات اللسانية على ما

ص: 185

تشرح به كنيسة الكاثوليك، فإن أرينيوس بيّن أن أسهل أمر لطالبي الحق هو أن يتفحصوا الروايات اللسانية؛ لأنه وإن كانت ألسنة الأقوام مختلفة، لكن حقيقة الرواية اللسانية متحدة، والروايات اللسانية المنقولة عن الحواريين جيلا بعد جيل كلها محفوظة في كنيسة الروم الكاثوليك؛ لأن الحواريين سلموها للناس، والناس سلموها للكنيسة الكاثوليكية.

وذكر ملنر في نفس الرسالة أن ترتولين قال بأن عادة أهل البدعة أنهم يتمسكون بالكتب المقدسة ويرفضون الروايات اللسانية ليلقوا الضعفاء في شباكهم، وليوقعوا المتوسطين في الشك، ولذلك لا نسمح لهؤلاء أن يستدلوا في مناظراتهم بالكتب المقدسة؛ لأن المباحثة المستندة إلى الكتب المقدسة لا يحصل منها فائدة سوى وجع الدماغ والبطن، ولو حصل شيء يكون ناقصا؛ لأن جميع أحكام الدين المسيحي وعقائده التي صرنا بسببها مسيحيين منقولة بالروايات اللسانية.

وذكر ملنر عن أوريجن قوله: لا يليق بنا تصديق الناس الذين ينقلون عن الكتب المقدسة ونترك الروايات اللسانية التي تبلغها لنا كنيسة الله.

وذكر عن باسيليوس أن المسائل الكثيرة المحفوظة في الكنيسة للوعظ بها أخذت بعضها من الكتب المقدسة وبعضها من الروايات اللسانية، وقوتهما في الدين متساوية.

وذكر عن ابيفانس في رده على المبتدعين أنه حض على استعمال الروايات اللسانية؛ لأن جميع الأشياء لا توجد في الكتب المقدسة.

وذكر عن كريزاستم أن الحواريين لم يبلغوا كل شيء بواسطة الكتابة، بل

ص: 186

بلغوا أشياء كثيرة بالروايات اللسانية، وكلتاهما متساويتان في الاعتبار؛ فإن الروايات اللسانية هي منشأ الإيمان، وإذا ثبت شيء بالرواية اللسانية لا نطلب دليلا آخر.

وذكر عن أكستاين أن بعض المسائل ليس لها سند تحريري، وإنما تؤخذ من الرواية اللسانية؛ لأن الأشياء الكثيرة تسلمها الكنيسة العامة وهي ليست بمكتوبة.

وقد أورد الربي موسى قدسي شواهد كثيرة على أن الكتاب المقدس لا يُفهم بدون الرواية اللسانية.

وكذلك عقائد النصارى كلها لم يثبت شيء منها بالإنجيل، بل يقبلونها بالرواية اللسانية مثل: أن الابن مساوٍ للآب في الجوهر، وأن الروح القدس منبثق من الآب والابن، وأن المسيح ذو طبيعتين وأقنوم واحد، وأنه ذو إرادتين إلهية وإنسانية، وأنه بعدما مات نزل الجحيم، وهكذا غيرها الكثير.

وذكر الدكتور بريت أن الأشياء التي لها دخل في النجاة ليست كلها مكتوبة؛ لأن الحواريين بلّغوا أحاديث كتابة، وبلّغوا أحاديث أخرى بالرواية اللسانية، والويل للذين لا يأخذون بهما؛ لأن الأحاديث اللسانية في أمر الإيمان سند كالمكتوب.

وذكر أسقف مونيك أن التقرير اللساني درجته أزيد من المكتوب.

وذكر جلنك ورتهه أن النزاع فيما هو قانوني يزول بالرواية اللسانية التي هي قاعدة الإنصاف لكل نزاع.

وشهد أسقف ماني سيك بأن ستمائة أمر مقررة في الدين، وتأمر الكنيسة

ص: 187

بها، ولم يبيّنها الكتاب المقدس في موضع من المواضع، وإنما تقبل من الرواية اللسانية.

وقال وليم ميور بأن قدماء المسيحية ما كان عندهم عقيدة مكتوبة من عقائد الإيمان التي اعتقادها ضروري للنجاة، وكانت تعلَّم للأطفال وللذين يدخلون في الملة المسيحية تعليما لسانيا.

وبعد أن عرفنا حال اليهود والنصارى معا في اعتبارهم الرواية اللسانية أكثر من المكتوب، فلماذا الطعن في الأحاديث النبوية وقد قال صلى الله عليه وسلم:«اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب على معتمدا فليتبوأ مقعده من النار» . وهذا الحديث متواتر رواه اثنان وستون صحابيا.

ولذلك كان اهتمام المسلمين في حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية منذ القرن الأول أشد من اهتمام النصارى في حفظ كتبهم المقدسة، لكن الصحابة لم يدونوا الأحاديث في عهدهم لبعض الأعذار، منها الاحتياط التام لأجل أن لا يختلط كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بكلام الله تعالى، ولكن أتباع الصحابة شرعوا في تدوينها بدون ترتيب على أبواب الفقه، ولما كان هذا الترتيب حسنا ضبطها تابعو التابعين على هذا الترتيب، وكان اجتهادهم في أمر الأحاديث والتحري اجتهادا عظيما، حتى إنه صنف فن عظيم الشأن في أسماء الرجال لمعرفة حال كل راو من رواة الأحاديث من حيث الديانة والحفظ، وروى كل من أصحاب الصحاح الأحاديث بالإسناد منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض الأحاديث ثلاثية، أي تصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاث وسائط، وقسمت الأحاديث إلى ثلاثة أقسام: متواتر ومشهور وآحاد.

ص: 188

وقول الطاعن: (جمعوها وأسقطوا مقدار نصفها لعدم الاعتبار) غلط؛ لأن رواة الأحاديث ما أسقطوا إلا الأحاديث الضعيفة التي لم تكن أسانيدها كاملة، وتركها لا يضر، وأهل الإسلام جميعا يقبلون الأحاديث الصحيحة المروية في كتب الحديث المعتبرة، أما الأحاديث المروية في كتب غير معتبرة، فلا يقبلها أهل الإسلام، ولا تعارض الصحيحة.

وبهذا ثبت أنه لا مجال لأحد أن يطعن على أهل الإسلام في قبولهم أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم.

ويناسب لبيان حال النصارى في هذا المقام ذكر الحكاية التي نقلها جان ملنر في كتابه المطبوع سنة 1838م وهي: أن القديسة الفرنسية جان دارك (وتُدعى عذراء أورليان) والمولودة سنة 1412م، بدأت الشعوذة في سن السادسة عشرة وصار لها أتباع، ثم ادعت أنها هي المرأة التي ورد في حقها في سفر رؤيا يوحنا 12 / 1 -2 ما يلي:(1) وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا (2) وهي حُبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد) .

فادعت أنها حبلى من عيسى عليه السلام، فتبعها كثير من النصارى، وفرحوا فرحا شديدا بهذا الحمل، وصنعوا أطباق الذهب والفضة لاستقبال المولود الإلهي.

قال الشيخ رحمت الله معلقا على هذه القصة: هل حصلت رتبة الألوهية لهذا الولد السعيد مثل أبيه أم لا؟! وفي صورة الحصول: هل بدل اعتقاد التثليث بالتربيع أم لا؟! وكذا هل بدل لقب الله الآب بالجد أم لا؟!

فانظروا إلى أبناء صنف القسيسين كيف يُتلاعب بعقولهم؟! ومن كان هذه حاله وعقله فليس له أن يطعن على دين الإسلام وكتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم.

اللهم وفقنا للإيمان والهدى، وجنبنا الضلالة والردى.

ص: 189