الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المسلك السادس البشارات المحمدية في الكتب السماوية السابقة]
[التنبيه إلى بعض الأمور]
المسلك السادس إخبار الأنبياء المتقدمين عليه عن نبوته صلى الله عليه وسلم، (أي البشارات المحمدية في الكتب السماوية السابقة) .
وقبل ذكر بعض هذه البشارات فيما يلي التنبيه إلى بعض الأمور:
1 -
أن أنبياء بني إسرائيل أخبروا عن الحوادث الآتية، كحادثة بخت نصر وقورش وإسكندر وخلفائه، وحوادث أرض أدوم ومصر ونينوى وبابل، فيبعد كل البعد أن لا يخبر أحد منهم عن خروج محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان وقت ظهوره كأصغر البقول، ثم صار شجرة عظيمة تتآوى طيور السماء في أغصانها، فكسر الجبابرة والأكاسرة، وشاع دينه شيوعا تاما في الأوطان الأصلية لأنبياء بني إسرائيل، وبلغ شرقا وغربا في مدة وجيزة، وغلب كل الأديان، وامتد من ذلك الوقت وإلى الآن هو في توسع، فهذه الحادثة أعظم من كل الحوادث التي أخبر عنها أنبياء بني إسرائيل، فكيف يجوز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة، وتركوا الإخبار عن هذه الحادثة العظيمة جدا؟!
2 -
أن النبي المتقدم إذا أخبر عن النبي المتأخر لا يشترط أن يخبر عنه بالتفصيل التام، بل غالبا ما يكون هذا الإخبار مجملا، فيكون خفيا عند العوام، أما عند العلماء فيكون جليا بواسطة القرائن، وقد يكون خفيا أيضا عند العلماء، فإذا ظهر النبي وصدقت نبوته بالمعجزات وعلامات النبوة، صار عندهم جليا بلا ريب، ولذلك عاتب المسيح عليه السلام علماء اليهود بقوله المذكور في إنجيل لوقا 11 / 52:(ويل لكم أيها الناموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة. ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم) .
وقد قال علماء الإسلام: ما انفك كتاب منزل من السماء من تضمن ذكر النبي محمد
صلى الله عليه وسلم، لكن بإشارات، ولو كان منجليا للعوام لما عوتب علماؤهم في كتمانه، ثم ازداد غموضا بنقله من لسان إلى لسان.
3 -
أن أهل الكتاب كانوا ينتظرون نبيا آخر غير المسيح، ففي إنجيل يوحنا 1 / 19 -25 أن علماء اليهود سألوا يحيى عليه السلام: أأنت المسيح؟ ولما أنكر سألوه: أأنت إيليا؟ ولما أنكر سألوه: أأنت النبي؟ أي النبي المعهود الذي أخبر عنه موسى عليه السلام، فعلم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان منتظرا مثل المسيح، وكان مشهورا عندهم بحيث ما كان محتاجا إلى ذكر الاسم، بل الإشارة إليه كانت كافية، ولذلك قابلوه بالمسيح، ففي إنجيل يوحنا 7 / 40 -41:(40) فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبي (41) آخرون قالوا هذا هو المسيح) .
ولما لم يثبت مجيء هذا النبي المعهود قبل المسيح، فثبت قطعا أنه يكون بعد المسيح، وأنه هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما قول المسيح عليه السلام في إنجيل متى 7 / 15: (احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة) . فالتمسك بهذا النص لنفي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم باطل قطعا؛ لأن المسيح عليه السلام لم يأمر بالاحتراز من النبي الصادق، ولا أمر بالاحتراز من كل نبي يأتي بعده مطلقا، وإنما أمر بالاحتراز من الأنبياء الكذبة فقط، وقد ثبت في كتبهم ظهور أنبياء كذبة كثيرين في الطبقة الأولى بعد رفع المسيح عليه السلام في عهد الحواريين، فمقصود المسيح عليه السلام التحذير من هؤلاء الأنبياء الكاذبين لا من النبي الصادق الذي له علامات تدل على صدقه، ولذلك قال
بعد ذلك القول مباشرة في إنجيل متى 7 / 16 و17 و20: (16) من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا (17) هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارا جيدة. وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارا ردية (20) فإذا من ثمارهم تعرفونهم) .
ولا شك أن محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء الصادقين كما تدل عليه ثماره وثمار دعوته، ولا قيمة لطعن المنكرين له؛ لأن اليهود أنكروا نبوة عيسى عليه السلام وكفروه، وليس عندهم رجل أشر منه من ابتداء العالم إلى زمان خروجه، وكذا ملاحدة أوروبا أنكروا وجود عيسى واستهزءوا به، وألفوا في ذلك كتبا كثيرة، وانتشرت كتبهم في أنحاء العالم، ويزيد أتباعهم كل يوم في ديار أوروبا، فكما أن إنكار اليهود وملاحدة أوروبا لعيسى غير مقبول عند النصارى وعندنا أيضا، فكذلك إنكار أهل التثليث لمحمد صلى الله عليه وسلم غير مقبول عندنا.
4 -
أن أهل الكتاب سلفا وخلفا عادتهم جارية في تراجمهم بأنهم غالبا يترجمون الأسماء ويوردون بدلها معانيها، ويزيدون تارة شيئا بطريق التفسير في متن الكلام الذي هو بزعمهم كلام الله، وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم، ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك الأمور كثيرة، فلو بدلوا في نصوص البشارات المحمدية اسما من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أو زادو شيئا غامضا فلا استبعاد منهم؛ لأن هذا الأمر يصدر عنهم بحسب عادتهم، ولذلك لا يرجى منهم المحافظة في كتبهم على اسم محمد أو أحمد أو لقب من ألقابه صلى الله عليه وسلم؛ لأن عادتهم الجبلية التغيير والتبديل في كتبهم تغييرا بحيث يخل بالاستدلال حسب الظاهر؛ لتأييد مسألة مقبولة عندهم أو لدفع الاعتراض الوارد
ضدهم، وفرقهم لم يقصروا في هذا الأمر في هذا الأمر في مقابلة بعضهم بعضا، ولا شك أن اهتمامهم بمثل هذا الأمر في مقابلة المسلمين أشد وأقوى، ولذلك نجد أن نصوص البشارات المحمدية التي نقلها القدماء من علماء المسلمين في كتبهم غير موافقة في كثير من الألفاظ للتراجم المشهورة الآن، والسبب أنهم نقلوا من كتب أهل الكتاب المشهورة في زمانهم، ثم وقع التغيير في الألفاظ بعدهم، وقد يكون اختلاف التراجم أيضا سببا في ذلك، لكن الأول هو الراجح، لأننا نرى أن هذه العادة في التغيير جارية في تراجمهم وكتبهم إلى هذا الحين. وفيما يلي نقل بعض البشارات المحمدية من كتب أهل الكتاب: